لم يكن يتصور بنو أمية أنهم حينما يقتلون الامام الحسين (ع) وأهل بيته (ع) وهم يرفعون شعاراً استئصالياً بحق العترة الطاهرة من ابناء الرسول الاكرم(صلى الله عليه وآله) يوم اعلنوها عدواناً صارخاً “لا تبقوا لأهل هذا البيت من باقية” لم يكن في تصور هؤلاء القتلة الاستئصاليين أن الخلود سيكون قرين الثورة وهوية للثوار.
الاجتهاد: لمْ يكن يتصور أحد من قتلة الحسين (ع) أن شهادة هذا الأمام الخالد العظيم سوف تفرز مثل هذه النتائج التاريخية العظيمة على المستوى الإسلامي والإنساني، والتي بعض معطياتها أن يتحول شعار “كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء” الى ستراتيجية خالدة كلما مرّ عليها زمن ازدادت تعمقاً وتألقاً لتحفر لها في الفكر والعقل والوجدان الإنساني أخاديد من الثبات يستلهم دروسها الأباة الهداة.. وأن تتمدد على البعد الجغرافي لتشمل كل الأرض وأن تتواصل على المستوى التاريخي لتتحول إلى مشروع حضاري يتجاوز حدود الزمان ويقفز جغرافيا على مساحات المكان.
لم يكن يتصور بنو أمية أنهم حينما يقتلون الامام الحسين (ع) وأهل بيته (ع) وهم يرفعون شعاراً استئصالياً بحق العترة الطاهرة من ابناء الرسول الاكرم (ص) يوم اعلنوها عدواناً صارخاً “لا تبقوا لأهل هذا البيت من باقية”، لم يكن في تصور هؤلاء القتلة الاستئصاليين أن الخلود سيكون قرين الثورة وهوية للثوار ولم يخطر ببال أحد من اتباع الامويين أن أمرأة سبية كزينب قتل أهلها واخوانها وبنوها وهي تقف متحدية للطغيان وللطغاة المنتصرين عسكرياً فتخاطبهم بشموخ وإباء وكبرياء وهم في عزّ انتصاراتهم المؤقتة لتقول: “فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا”.
وفعلاً ما أن انتهت معركة الطف بشهادة الحسين وأهل بيته وانصاره (عليهم السلام) الا وتنقلب المعادلة لينتصر بعدها الدم على السيف والضحية على الجلاد والعقيدة على الالم والروح على المادة، واذا بالنصر العسكري الموهوم يتحول الى كابوس يرعب الطغاة الذين سرعان ما حاولوا التنصل عنه ولكن منطق التاريخ العادل ظل يلاحقهم بأقوى العبارات واقسى صيغ الادانة القائل لهم ولاتباعهم ولمَنْ ناصرهم وسار على خطهم: لقد ذهبتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً.
وابتدأ العد العكسي بعد واقعة الطف مباشرة حيث بدأ بحركة التوابين وانتهاءً بكل الثورات على الطغاة ومروراً بكل الانتفاضات الشعبية التي رفع فيها الثوار شعارهم الخالد “هيهات منا الذلة” وهم يجددون العهد في كل آن وزمان بعبارة “لبيك يا حسين” بكل ما تحمل من صيغ الادانة لمَنْ لم ينتصر للحسين (ع) يوم وقف فريداً وهو يدعو الناس لنصرته فلم يجبه الا سبعون شهيداً شاهداً ولذلك استيقظ بعدها الضمير الإنساني للاعتراف بالذنب والخطأ والخطيئة وليصحح خطاه بانطلاق الثورات في كل مكان وهي تجدد عهد الثوار مع الثائر الخالد هاتفة “يالثارات الحسين” بكل ما يعني هذا الهتاف من اعلان توبة وندم ومن بيان ثورة وعزم وقيم.
ولذلك خُلد الحسين وانتصر الخط الحسيني، فيما ظلت لعنات الله والناس والتاريخ تلاحق القتلة والمجرمين والسنتهم تصدح “اللهم العن بني أمية قاطبة” لتشمل كل السائرين على خط الانحراف والاجرام والشرّ البغيض، وبهذا ينقسم العالم وتتخندق الدنيا برمتها لتفرز معسكرين أحدهما يمثل الخير والحق والعدل والايمان، وثانيهما يجسد الشر والقتل والبغي والعدوان.. اولهما حسيني رسالي عظيم وثانيهما أموي دموي لئيم، وشتان بين هذا الخط وذاك ولم تملك الإنسانية كلها ازاء هذا التمايز الا أن تقف مع الخط الرسالي الملتزم وتكفر بالبغي الضلال المنهزم، وليبقى الحسين كما الحسينيون في كل زمان ومكان ايقونات مجد وحق وكرامة، فيما يقابلهم الاشرار بكل ما انعقدت عليه قلوبهم المريضة من سوء وبما يحملون من عناصر الشر والعدوان والبغي والضلال والظلام.
ولتبقى شجرة الايمان والإسلام خضراء مثمرة فيما تذبل اشواك الغدر والكفر والضلال شاهدة على بؤس مآلات اصحابها، ولتبقى دماء الحسين (ع) النازفة ينبوع مجد يسقي شجرة النبوة ويرويها لتبقى شامخة سامقة شاهقة، ولتصدق مقولة: “أن الإسلام محمدي الحدوث حسيني البقاء”، بعد أن اعلنها ابو عبد الله (ع) مدوية خالدة “ان كان دين محمد لم يستقم الا بقتلي ياسيوف خذيني”.
وهكذا يبقى الحسين خالداً شاهداً قائداً ورئداً فيما لا قصور ولا قبور لقاتليه تجسيداً لقول الله تعالى في قرآنه العظيم :“اما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”.
فطبت أبا عبد الله خالداً.. وسلامٌ عليك ثائراً وشهيداً شاهداً والسلام على انصارك واتباعك في كل عصر ومصر وفي كل زمان ومكان.. وسلام على المستشهدين بين يديك وعلى الثائرين في دربك وعلى خطك وخطاك..
وسلامٌ عليك في الخالدين..