حيدر حب الله

الحراك الجماهيري العربي، دوافع ومآلات.. فضيلة الشيخ حيدر حب الله

الاجتهاد: بدءاً، تشهد الساحة العربية والإسلامية حراكاً جماهيرياً يطالب بالتغيير على المستوى السياسي، وهذا الحراك ربما يعبر عنه بالاحتقان الداخلي، والنتائج التي حقّقها هذا الحراك الإطاحة بنظامي ـ تونس ومصر ـ جثما على صدر الأمّة عقداً من الزمن، لم تشهد الساحة العربي والإسلامية خلالها إلا الظلم والاستبداد والتقهقر.

السؤال هو: كيف تقرؤون هذا الحراك الطالب بالتغيير من حيث دلالات شموليّته للعالم العربي، ومن حيث تأثير العامل الدولي، وما هي نتائجه المستقبليّة؟

أعتقد أنّ العناصر المبرّرة والدوافع الكامنة خلف الحركة الثورية الأخيرة في عالمنا العربي لا تقف عند حدود هذا البلد العربي أو ذاك؛ لأنّها مشتركة، مع الحفاظ على الخصوصيات هنا وهناك، مما يعطّل بعض العناصر هنا لصالح عناصر أخرى والعكس هو الصحيح.

ولو عدنا قليلاً إلى بعض هذه العناصر لوجدناها على نوعين:

1ـ الدوافع الراجعة إلى تردّي حال الداخل العربي والوطني على الصعد السياسية والاقتصادية، وعلى مستوى الحريات وقضايا الأمن والشباب وغير ذلك.

2ـ الدوافع الراجعة إلى تردّي الموقف العربي والوطني إزاء القضايا الكبرى التي تهمّ الأمة وسيادتها وكرامتها وعنفوانها، وفي مقدّمتها القضيّة الفلسطينية.

عندما تكون المبرّرات مشتركةً بين بلداننا العربية، فمن الطبيعي أن تترك الحركة في مصر وتونس تأثيراتها على مجمل هذه البلدان. إنّ فشل القومي والعروبي والقطري في تقديم أنموذج سليم في التجربة العربية دفع نماذج أخرى للظهور بهدف صيرورتها بديلاً عن الوضع القائم المتردّي،

وإذا كان الأنموذج السلفي لم يقدر على اجتذاب الشارع العربي في تجربته السلطوية، نظراً لما رآه المواطن العربي في تجربة طالبان وباكستان وغيرها من انتكاسات وتداعيات وفشل على مستوى بناء الجماعة والأوطان، وإذا كان الأنموذج الصوفي ـ إذا صحّ التعبير ـ لم يقدر على تحسين أوضاع السودان، ولا أخرج المغرب الإسلامي من مأزقه، فإنّ المجتمع العربي اتجه فترةً للأنموذج الإيراني بعد أن رأى بعض منجزاته، لاسيما على صعيد القضايا الكبرى للأمة.

ويبدو لي أنّ النفخ في النيران الطائفية قد ساعد على تضعضع الصورة الحسنة للأنموذج الشيعي ـ إضافة إلى مشكلات داخليّة خاصّة ـ فتراجع تأثيره بشكل بارز في الفترة الأخيرة، وشكّل الملفّ العراقي مادّةً دسمة ومركزاً خصباً لبناء جدار الفصل بين المجتمعات العربية من جهة وهذا الأنموذج الجديد من جهة ثانية، ساعد على ذلك بعض المظاهر السلبية التي أبداها هذا الأنموذج في السنوات الأخيرة عن نفسه، لاسيما بعد الانتخابات الأخيرة في إيران..

إنّ تراجع سلسلة نماذج كانت لها ريادتها من القومية إلى القطرية إلى السلفية إلى الصوفية إلى الشيعية السياسية، أو بناء المعوقات أمامها، أدّى إلى حركة شعبية في الوطن العربي لا تنطلق من خلفية هذه الأيديولوجيات، وتحاول أن تفرّ من شيء إلى شيء لم تجده في جميع أو أغلب هذه التجارب، وهو قضايا الإنسان اليومية وحاجاته الأساسية من الحريّات والتعددية والحقوق والمشاركة في القرار والموقف، والتوزيع العادل للثروة وتخفيف حدّة الشرخ الطبقي القاتل و.. إنّ أغلب هذه النماذج لم يوفر استجابةً حقيقية وعميقة لهذه الحاجات؛ لهذا لجأ الشباب العربي لصرخة تعرف ما لا تريد لكنها حتى الآن لا تعرف ماذا تريد؛ لأنها لم تختر بديلاً واضحاً يمكن بناء الوضع عليه،

من هنا لاحظنا سعياً غربياً للاستفادة من مشهد الفراغ الأيديولوجي هذا ربما لتكريس ما يشبه الأنموذج التركي المعتدل الذي يقدر على تلبية الحاجات العاطفية والدينية للشعوب العربية مع حدّ معقول من الرجولة السياسية في القضايا المتعلّقة بفلسطين المحتلّة، إلى جانب إسلامية معتدلة تتعاطى الديمقراطية وتستطيع التعايش مع أشدّ أنماط العلمانية تطرّفاً.

هنا يظهر العمل الدولي في اشتغاله على سَوْق هذه الحركات الشبابية الناهضة نحو نماذج في الحكم والتغيير تنسجم مع المصالح الكبرى للدول الأجنبية والكيان الغاصب، وأعتقد أنه إذا لم يشتغل أصحاب المشروع الإسلامي الحركي على نقد ذاتي جادّ ليخرجهم من مجموعة المفاهيم القاتلة في الاجتماع الإسلامي، فسوف يزداد الشرخ بين الشارع العربي والحركة الإسلامية بالمعنى العام، ما سيعزّز النفوذ الإسلامي المتطرّف أو النفوذ الليبرالي المشبوه، ويزيد من صعوبة الموقف في المستقبل.

المصدر: موقع الشيخ على النت

أجرى الحوار وأعدّه: مجلة البصائر(*)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky