الاجتهاد: صار لغط كبير حول ما بات يعرف إعلاميا بـ” زواج التجربة“، والذي أطلقه أحد المحامين المصريين، بقصد التخفيف من ظاهرة الطلاق التي زادت نسبتها في العالم العربي. واتجهت غالب الفتاوى – وعلى رأسها الأزهر الشريف- إلى تحريم هذا النوع من الزواج.
لكن ما حقيقة زواج التجربة؟
هو عقد رسمي يشهر عند المأذون الشرعي مستوف للأركان والشروط.
أن الزواج مؤبد وليس محددا بمدة معينة وأحيانا يكون محددا بمدة.
وضع شروط في وثيقة تلحق بعقد الزواج.
الاتفاق على عدم الطلاق أو الخلع إلا بعد خمس سنوات.
الاتفاق على الطلاق إن لم يتم الوفاء بالشروط.
ومن التجارب في زواج التجربة، قيام زوجين بصلح بينهما، يتضمن مثلا توفير سكن أوسع، والقيام بالنفقة اللازمة، وامتناع المرأة عن بعض التصرفات ونحوها، ويكون ذلك خلال مدة معينة، فإن لم يتم ذلك؛ يقومون بإجراء الطلاق.
وبعيدا عن العواطف الفقهية، فإن النظر الاجتهادي فيما يسمى بـ(زواج التجربة) يجب الحكم عليه من خلال عدة زوايا، كلها تتعلق بطبيعة عقد الزواج والشروط التي ربما تكتب فيه، وهي على النحو التالي:
المحور الأول- تأقيت العقد:
والتأقيت نوعان:
النوع الأول: التأقيت الظاهر:
هو أن ينص في العقد أو ملحقاته أن يكون الزواج مدة معينة، قصيرة كانت أو طويلة، وعلماء أهل السنة على بطلان العقد إن نص فيه على تأقيت الزواج بمدة معينة، وهو مباح عند الشيعة، ويعرف بـ (زواج المتعة).
ودليل التحريم ما أخرجه مسلم في صحيحه، وابن ماجه في سننه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة.”
كما استندوا إلى أن عقد الزواج من العقود المغلظة، فهو قائم على الديمومة والاستمرارية، وليس على التأقيت، ويشهد لذلك قول الله تعالى: ( وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) فوصف عقد الزواج بأنه ميثاق غليظ.
جاء في تفسير ابن كثير، وقوله: ( وأخذن منكم ميثاقا غليظا ) روي عن ابن عباس ومجاهد ، وسعيد بن جبير: أن المراد بذلك العقد.
وقال سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عباس في قوله: (وأخذن منكم ميثاقا غليظا) قال: قوله: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
قال ابن أبي حاتم: وروي عن عكرمة، ومجاهد، وأبي العالية، والحسن، وقتادة، ويحيى بن أبي كثير، والضحاك والسدي – نحو ذلك.
وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس في الآية هو قوله: أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فإن ” كلمة الله ” هي التشهد في الخطبة. قال: وكان فيما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به قال له: جعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي. رواه ابن أبي حاتم .
وفي صحيح مسلم، عن جابر في خطبة حجة الوداع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيها: ” واستوصوا بالنساء خيرا، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ” انتهى.
وقال الرازي في تفسيره (5/123): “وصفه بالغلظة لقوته وعظمته، وقالوا: صحبة عشرين يوما قرابة، فكيف بما يجري بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج”.
كما أن القول بتأقيت عقد الزواج ينافي المقاصد الشرعية للزواج من السكن والمودة والرحمة، وهذه لا تتحصل إلا بدوام العشرة، كما قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
النوع الثاني: التأقيت بالنية:
أما إن نوى تأقيت الزواج بالنية دون النص عليه في عقد النكاح، فقد اختلف الفقهاء في صحة النكاح على النحو التالي:
الرأي الأول: بطلان العقد:
وهو مذهب الحنابلة، ودليلهم في ذلك القياس على نكاح المتعة. وقد نقل غير واحد عن أحمد من رواية أبي دواد: قولُه: هو شبيه بالمتعة، لا، حتى يتزوجها على أنها امرأته ما حييت. ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:” إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى”. ولأن إضمار الطلاق نوع من الغش، وهو منقوض بقول النبي صلى الله عليه وسلم:” من غشنا فليس منا”.
الرأي الثاني: صحة العقد:
وهو مذهب الحنفية، واستندوا في ذلك على ما يلي:
أن إضمار التأقيت في النكاح لا يؤثر على صحة العقد ولا يجعله مؤقتا، لأن التأقيت إنما يكون باللفظ ولم يتلفظ.
الرأي الثالث: صحة الزواج إن أضمر وبطلانه إن صرح:
وهو مذهب المالكية، فإن أضمر نيته بالطلاق ولم يصرح؛ صح النكاح، حتى وإن فهمت الزوجة، أما إن صرح بنية الطلاق؛ بطل عقد النكاح. وإليه ذهب ابن قدامة من الحنابلة، جاء في المغني أنه: إن تزوجها بغير شرط، إلا أن في نيته طلاقها بعد شهر، أو إذا انقضت حاجته في هذا البلد، فالنكاح صحيح في قول عامة أهل العلم إلا الأوزاعي، قال: هو نكاح متعة.
الرأي الرابع: الكراهة:
وهو مذهب الشافعية، لأن كل ما لو صرح به أبطل يكون إضماره مكروها.
المحور الثاني: الشروط في عقد النكاح:
مخلص أقوال العلماء في شروط النكاح أنها على ثلاثة أقسام:
الأول: ما يجب الوفاء به. وهو ما كان من مقتضيات عقد النكاح، أو كان وسيلة لتحقيق مقاصده، كالنفقة والسكنى وغيرهما.
وهو مندرج تحت عموم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/1 ، (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً) الإسراء/34. وكذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم:” المسلمون على شروطهم، إلا شرطا حرم حلالا، أو أحل حراما”.
الثاني: ما يحرم الوفاء به؛ وذلك إذا كان يناقض مقتضى العقد، أو يخالف ما هو صريح في الشريعة.
ودليل هذا القسم ما أخرجه الترمذي في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم:” المسلمون على شروطهم، إلا شرطا حرم حلالا، أو أحل حراما”. وكذلك ما خرجه الشيحان في صحيحيهما، أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:” من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن اشترط مائة شرط”.
الثالث: مختلف فيه، وهو ما كان فيه مصلحة تعود على الزوجة، كأن لا يسافر بها، أو لا يتزوج عليها، أو نحو ذلك. فصححه الحنابلة
الرابع: ما هو مختلف فيه؛ كاشتراطها ألا ينقلها من منزلها إلى منزله ونحو ذلك مما فيه مصلحة للزوجة.
وهذا النوع، منعه الجمهور، وصححه الحنابلة، وأجازوا للمرأة فسخ العقد أو الرضا بالواقع عند الإخلال بالشروط.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (9/483) : إذا اشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يسافر بها أو لا يتزوج عليها فهذا يلزمه الوفاء به ، فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح ، روى هذا عن عمر وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص رضي الله عنهم”.
التكييف الفقهي لزواج التجربة:
بناء على ما تقدم، فإن زواج التجربة
– إن كان بمعنى تأقيت الزواج بخمس سنوات، فهو باطل شرعا، لا يصح ولا ينعقد.
– وإن كان زواجا كامل الشروط والأركان، لكن نص عليه أن لا يتم الطلاق مدة خمس سنوات، فالراجح أنه زواج صحيح والشرط باطل، وذلك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيحين: ” من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن اشترط مائة شرط”.
وذلك أن الحديث أبطل الشرط، ولم يتطرق إلى العقد ذاته، ولأن هذا الشرط شرط زائد عن العقد، وقد استوفى العقد شروطه، فيصح الزواج ويبطل الشرط، فلو طلق الرجل امرأته قبل السنوات الخمس؛ وقع الطلاق، كما يصح للمرأة أن تطلب الخلع خلال تلك المدة ولا يجب عليها الانتظار.
أما اشتراط السكن والنفقة وغيرهما مما هو من مقتضى العقد، فهو مما يجب الوفاء به؛ لأن هذه شروط شرعية.
وعلى الجملة، فإن استوفى العقد شروطه وأركانه كان صحيحا، ثم ينظر إلى الشروط الباقية، هل هي من مقتضيات العقد، فيجب الوفاء بها، وعدم الوفاء بها يتيح للمرأة طلب الطلاق، لكن لا يقع الطلاق مباشرة بالإخلال بها، وإن كانت شروطا تتنافى
مع مقتضى العقد، أو تكون شروطا تعد مخالفة صريحة للشرع؛ فهي ملغاة لا اعتبار لها، ولكنها لا تفسد العقد، ما دام قد استوفى أركانه وشروطه.
(المصدر: إسلام أونلاين)