الاجتهاد: الفقاهة فهم عال واستيلاء معرفي وقدرة على مناقشة ونقد الافكار الواقعية وليست الافتراضية، وقدرة على تقديم افكار ناضجة نافعة، وفهم الامور بواقعية.
عرف المجدد الشيرازي بحسن الادارة والتدبير، ونقل عنه أنه كان يقول: «رئاسة المرجعية الدينية تحتاج إلى مائة جزء، جزء من علم وجزء عدالة وثمانية وتسعون جزء، إدارة”. بعد وفاته كان الفشاركي الاصفهاني من الاسماء الهامة المرشحة لتولي المرجعية، إلا أنه رفض قبولها وقال: أنا لست أهلا لذلك، لأن الرئاسة تحتاج إلى أمور غير العلم والفقه، بينما الأحكام من السياسات، ومعرفة مواقع الأمور، وأنا رجل وسواسي، فإذا أدخلت أفسدت ولم أصلح، ولا يسوغ لي إلا التدريس.
شيء جيد أن يمتلك انسان القدرة على التمييز بين الفقيه والمدرس، وليس كل أحد ينتبه الى ذلك. إذ أنه مع تضخم الدرس الفقهي- الاصولي، ومع انعزال الفقيه عن الواقع بسبب قوة السلطة وأساليبها، أو بسبب ميله الى الانعزال حدث خلط كبير بين التدريس والفقاهة، وصار التدريس أهم ما يقوم به الفقيه، والسؤال الذي يطرح دائما هو عن درس الفقيه او بحثه او مستوى مؤلفاته الفقهية.
وبرأيي ان الفقاهة شيء أكبر من مجرد التدريس، فمعرفة الاشكالات والردود عليها لا تدل على الفقاهة، بل تدل على ان هذا المدرس متقن للمادة التي يدرسها. لا سيما وأن كثيرا من المباحث الاصولية والفقهية لوّثت الملكة وصرفت عقله عن التفكير المنهجي الذي يلائم الحياة وطبيعتها المتغيرة.
سألني مرة احد الطلبة عن شخصيين فاضلين سأرمز لهما بالحرفين “ن” و”ب” قال لي: أيهما أفقه؟ قلت له: “ن” أفقه، تعجيب وقال: وكيف؟ وانت ترى أن “ب” درس المكاسب والكفاية عدة مرات؟ وحلقته كبيرة. قلت له: الذي يدرس الكفاية والمكاسب لا يثبت اكثر من كونه مدرسا للكفاية او المكاسب، ولا يعني هذا بالضرورة انه فقيه.. لا سيما وأن كثيرين في الحقيقة يرددون كلاما وابحاثا قتلت بحثا وكتابة، وأعيدت مرات ومرات بصيغ مختلفة مع اتحاد المعنى، فضلا عن وجود افكار فاسدة لا يمكن قبولها من قبيل عدم مالكية الدولة وامثالها.
الفقاهة فهم عال واستيلاء معرفي وقدرة على مناقشة ونقد الافكار الواقعية وليست الافتراضية، وقدرة على تقديم افكار ناضجة نافعة، وفهم الامور بواقعية، فضلا عن الحكمة في الخطاب، ولا يقاس دائما بعدد الطلبة ولا بكثرة المؤلفات رغم اهميتها الا انها بالتاكيد ليست العامل الوحيد.