إعمار الكون والمحافظة على البيئة عملية تقوم على بعدين: البعد الأول يتعلق بالتصورات العقائدية التي ترسم العلاقات بين الإنسان والكون والإله. والبعد الثاني يتعلق بالتصورات الفقهية والتي تصدر عنها الأحكام الشرعية والتي تنظم العلاقات بين الإنسان والكون وبين الإنسان والخالق.
موقع الاجتهاد: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الحق إلى كافة الخلق، وغمام الرحمة، الصادق البرق، والحائز في ميدان اصطفاء الرحمن قصب السبق، خاتم الأنبياء، ونبي الهدى، الذي طهر قلبه وغفر ذنبه وختم به الرسالة رَبُّهُ ، خير من وطئ الثرى ، من لو حازت الشمس بعض كماله ما عدمت إشراقًا، أو كان للآباء رحمة قلبه ذابت نفوسهم إشفاقًا ، وعلى آله وصحبه وسلم .
أما بعد: فإن موضوع هذا البحث لم يقتصر على المفهوم الشائع عن البيئة ، والذي حددها بأنها كل ما يحيط بالإنسان من مخلوقات ومظاهر طبيعية ، ولكنه ينظر للبيئة على أنها الإنسان وكل ما يحيط به ؛ وذلك لأنه ليس ثمة سبب منطقي يُخْرِجُ الإنسانَ عن كونه جزءا من البيئة ، وهو أهم جزء فيها ، وصلاحها مرتبط بصلاحه ، وفساده وعدم المحافظة عليه من الناحية النفسية والعقلية والجسدية بتنمية قدراته يعد أكبر فساد في البيئة .
والخلافة والأمانة التي هي وظيفة الإنسان في الأرض تعني الاعتناء والرعاية بالإنسان أولا ، ثم بغيره من الكائنات ، وذلك لا يكون إلا بهدايته إلى المنهج السوي في إعمار الكون وفهم مراد الحق سبحانه وتعالى من الوجود .
والخلافة في الأرض بالمفهوم الإسلامي تعني تحمل الإنسان لمسئولية إعمار الكون والمحافظة على البيئة ، وذلك في مقابل ما ينعم به الإنسان من تسخير الكون في خدمته وسعادته .
والتسخير هو انتفاع الإنسان بصفته الإنسانية بخيرات الكون وطيباته ، ولذلك فلا يحق لإنسان ـ تبعا للمنهج الإسلامي ـ أن يستأثر بهذا النفع دون غيره على المستوى الزماني أو المكاني .
فقد نَصَّبَ الله الإنسان حارسا وخليفة في الكون وجعله مهيمنا على ما فيه من منافع وتسخيرات حتى يظل سيدا وخليفة فلا يُحْتَكَمُ عليه من غير جنسه ، وهي مسئولية يحاسب عليها في الآخرة ويجازى بمقتضى فعله فيها إن خيرا وصلاحا فخير وإن شرا وفسادا فشر .
وإعمار الكون والمحافظة على البيئة عملية تقوم على بعدين : البعد الأول يتعلق بالتصورات العقائدية التي ترسم العلاقات بين الإنسان والكون والإله . والبعد الثاني يتعلق بالتصورات الفقهية والتي تصدر عنها الأحكام الشرعية والتي تنظم العلاقات بين الإنسان والكون وبين الإنسان والخالق.
ويهدف البحث إلى توضيح ما جاء في الإسلام من تصورات عقائدية وأحكام فقهية جعلت الإنسان مطالبا وقادرا ومدفوعا إلى المحافظة على بيئته الإنسانية ، والمشاركة والتعاون على عدم الإفساد فيها ، وتوضيح أن الشرع الإسلامي لم يقف عند حدود المحافظة بل تعداها إلى التنمية والإصلاح وغير ذلك ؛ لأن الإسلام حض على العمل والتفكر والبحث عن أسرار الكون استدلالا على الوجود الإلهي ووصولا إلى المحبة .
فالتصور الذي رسمه الإسلام للسماء والأرض والجماد والنبات والحيوان كان أدعى إلى حصول الاهتمام والرعاية من الإنسان لبقية المخلوقات ، بل والرفق والرحمة والمحبة ؛ لأن المسلم بحبه لله تَحْصُلُ في قلبه المحبةُ لكل ما خلق الله وأبدع .
ويوضح البحث ما جاء في النصوص الشرعية من ثنائيات ترسم التصور الإسلامي للوجود ، مثل الخلافة والتسخير ، والحق والواجب ، والمنهج والبناء ، والمحافظة والمحبة ، والمنفعة والجمال .
المحتويات :
أولا : الخلافة والتسخير .
ثانيا : الحق والواجب .
ثالثا : المنهج والبناء .
رابعا : المحافظة والمحبة .
علاقة الكون بخالقه
علاقة الإنسان بالكون
علاقة التسخير
العلاقة بين الإنسان والأرض
الأمر العام بالرحمة والرفق بجميع الخلق
مفهوم الخلافة في المنظور الإسلامي
دعوة الإسلام إلى النظر والتأمل في الكون
دعوة الإسلام إلى عمارة الأرض
دعوة الإسلام إلى النهي عن الفساد والإفساد
العلاقة بين الحب والفساد
الإسلام والنهي عن الإسراف
الإسلام والأمر بالمشاركة في الانتفاع بما سخره الله في الكون
الإسلام والأمر بالنظافة على مستوى الإنسان والبيئة
الإسلام والمحافظة على الماء
الإسلام والمحافظة على النبات وتنميته
الإسلام والمحافظة على الحيوان والرفق به
الإسلام ورحمة الطير
الإسلام والتوازن البيئي
الإسلام والسلام البيئي