زيارة الاربعين

البعد الروحي لزيارة الأربعين / بقلم: عبود مزهر الكرخي

الاجتهاد: أن طريق المشاية و زيارة الأربعين يجب إن نعتبرها مهمة عبادية بالغة الأهمية وهي ممارسة فيها يتقرب المؤمن إلى ربه ولهذا على المؤمن سواء كان شيبة أم شباب رجالاً ونساءً أن يسير وان يكون مسيره خالصاً لوجه الله سبحانه وتعالى وهذا يتطلب إن يكون في سيره منشغلاً بذكر الله جل وعلا والانشغال بذكر الله ومن الأمور المهمة التي يستحضرها المؤمن في طريق سيره هي تذكر مصاب الإمام الحسين(ع) ومصائب عياله وقتل أهل بيته وأصحابه وسبي أهل بيته وذراريه.

انطلقت في اليوم الأول من شهر صفر الخير زيارة الأربعين ومن منطقة رأس الشيب إيذاناً ببداية زيارة الأربعين المباركة والتي يطلق عندنا في العراق على من يمشي في هذا الطريق النوراني (المشاية) وتكتسب هذه الزيارة أهمية خاصة عند الشيعة كونها أحدى الزيارات الضخمة وأهمها ولتصل الأعداد بها إلى الملايين ولأنها تمثل أحدى علامات المؤمن المهمة التي حددها الأمام حسن العسكري(عليه السلام) والتي قال روحي له الفداء (علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين، وزيارة الأربعين، والتختّم باليمين، وتعفير الجبين، والجهر بـ﴿بسم الله الرَّحمن الرَّحيم﴾ }.(1)

ومن هنا اكتسبت الزيارة هذه الخصوصية الخاصة بل واعتبرت من أهمها لتمثل العلامة المميزة لكل موالي وشيعي ولتصبح الزيارة رمز من رموز التجمعات البشرية والتي فاقت أعدادها كل التجمعات البشرية العالمية في العالم كله.

ولتكون زيارة عظيمة الأثر تسطر فيها أعظم الملاحم الإنسانية عبر التاريخ الإنساني ولتكون زيارة نورانية تكتسي فيها كل الإفاضات الآلهية والتي تعجز القلم عن الإحاطة بما تختزنه زيارة الأربعين من مكنونات ربانية ورحمانية يعجز عقلنا القاصر عن الإلمام بها وعن استيعاب المضامين الملكوتية لرب العالمين التي اختص بها هذه الزيارة الخالدة وعلى مر التاريخ والتي حاول العديد من الطغاة والديكتاتورين وعبر التاريخ قمعها وبأشد الطرق وحشية وأجرام

ولكن لم يفلحوا بل سقطت كل عروشهم العفنة على الجدار النوراني لهذه الزيارة العظيمة بل كان سقوطهم سريعاً لتتهاوى كل عروش الجبابرة والظالمين بفعل بركات هذه الزيارة الآلهية والتي هي محروسة وبعين الله سبحانه وتعالى وببركات الأمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس وأخته الحوراء زينب(عليهما السلام أجمعين)

وقد كانت زيارة بحق زيارة حار الأعداء في معرفة والكشف عن السر في عظمة الزيارة وديمومتها على مر الزمان والتي هي باقية لحد ظهور قائم آل محمد الحجة المهدي(عجل الله فرجه الشريف) والذي هو يكون الآخذ بثأر جده الحسين(عليه الحسين) وليرفع شعار (يالثأرات الحسين) والذي بظهوره الشريف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً (اللهم أجعلنا من أنصاره وأعوانه وشيعته).

ولغرض تحليل ملحمة زيارة الأربعين واستشراف كل الجوانب المضيئة لهذه الزيارة سوف نحللها على شكل نقاط من أجل أتمام الفائدة من مقالنا والإحاطة بها بقدر الإمكان:

1 ـ عن زُرارة، عن أبي عبد اللهِ -عليهِ السلام-: {يا زرارة!.. إن السماء بكت على الحسين أربعين صباحاً بالدم، وأن الأرض بكت أربعين صباحاً بالسواد، وإن الشمس بكت أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة، وإن الجبال تقطعت وانتثرت، وإن البحار تفجرت، وإن الملائكة بكت أربعين صباحاً على الحسين}..

قد يُراد بهِ المعنى الحقيقي ولكن نحنُ لا نعوّل على هذهِ الأمور، قضيتنا أرقى من هذا المعنى!.. فهذا الكون يُدارُ بجَناحين: جناح الشهود، وجناح الغيب.. ما المانع أن يُغيّر رَب العالمين بعض عناصر الوجود، حِداداً على المؤمنين؟.. فما جرى على سيد الشُهداء -عليه السلام- في يومِ عاشوراء، لم يجر على أحدِ من أولياء الله -عزَ وجل- طوالَ تاريخ البشرية.. نعم، يحيى -عليه السلام- أيضاً قُطعَ رأسه، وأُهديَ إلى بَغيةٍ من بغايا بني إسرائيل، وأصحاب الأخدود قتلوا، وسحرة فرعون أيضاً قتلوا.. ولكن هذا المجموع من الرزايا: سبي النساءِ، وقتلِ الصغيرِ، والطريقة التي قُتلَ فيها سيد الشهُداء -عليهِ السلام- لم ينقل التأريخ لها مثيل..

ولهذا عَظُمت في السموات، وعظمت في الأرضين، وعَظُمت عندَ ملائكة العَرش. فإذن، أربعونَ يوماً السماء بَكت على الحُسين -عليهِ السلام-، والملائكةُ بَكت عليهِ أربعينَ صباحاً، ويُفهم من بعض النصوص: أنَ هُنالكَ ملائكة مُقيمة على قَبر الحُسين -عليهِ السلام- لا تزال تبكي لما جرى عليهِ..

عن هارون بن خارجة قال: سمعت أبا جعفر [أبا عبد الله] يقول: {وكل الله -عز وجل- بقبر الحسين -عليه السلام- أربعة آلاف ملك شعثا غبراً، يبكونه إلى يوم القيامة.. فمن زاره عارفاً بحقه؛ شيعوه حتى يبلغوه مأمنه.. وإن مرض؛ عادوه غدوة وعشياً.. وإن مات؛ شهدوا جنازته، واستغفروا له إلى يوم القيامة}.

ثانياً: يوم الأربعين.. إن كتبنا مشحونةٌ بذكرِ زيارة الأربعين في العشرينَ من صفر، فهذا اليوم يومٌ مشهود، وقد وردَ فيهِ استحباب زيارة الحُسينِ -عليه السلام-.. ولكن لماذا وضعَ الإمام العسكري -عليه السلام- يدهُ المباركة على زيارة الأربعين، وليس على زيارة عاشوراء؟.. والله العالم!.. لأنَ يوم عاشوراء: هو يَومُ مُصيبة؛ ويَومُ الكارثة، ويَومُ الفاجعة؛ وهذا اليوم لا يمكن للموالين أن ينسوه.. والإمام -عليه السلام- كأنه يُريد أن يُبقي هذهِ الجذوة مشتعلة، فقال: (وزيارة الأربعين)؛ أي لا تنسوا أربعينَ الحُسين!..

الإمام بكلمتهِ هذهِ، أرادَ أن يعلمنا هذا الدرس الذي علمنا مغزاهُ في هذا اليوم.. ففي مثل هذا اليوم تتقاطر ملايين البشر إلى كربلاء، تزحفُ بشكلٍّ لا نَظيرَ له.. هذهِ الزيارة الحُسينية في الأربعين، لابدَ أن ندخلها في الموسوعات القياسية.. فهذا الزحف الهادر، وهذا الإخلاص، وهذا الذوبان في حُب الحُسين -عليهِ السلام- من الصغيرِ إلى الكبير، هو من بركات يومِ الأربعين.. الناس في هذهِ الأيام، يبدونَ حبهم، وشوقهم، وولاءهم للحُسينِ -عليهِ السلام- بشتى الصور!.. أولهذا كانت لزيارة الأربعين خصوصية معينة، فيوم عاشوراء: هو يوم الفاجعة الكبرى؛ وهذا اليوم لا يمكن للموالين أن ينسوه،

وأما زيارة الأربعين فكأنما أراد الإمام (عليه السلام) بها أن يُبقي هذهِ الجذوة مشتعلة. وهو ما حض جميع أئمتنا المعصومين في زيارة الأمام الحسين والمداومة على زيارته.

2 ـ ومن هنا كان لابد من وجود مسلمات وقواعد يسير بموجبها الزائر عن قيامه بالمشايه لتكون للزيارة طعمها وجوها الإيماني والخالص لوجه الله سبحانه وتعالى.

ومن هنا كان لابد من أن تكون الزيارة محطة أيمانية عظيمة للمؤمن يتم فيها تجديد كل القيم ومعاني الولاء لله سبحانه وتعالى ولأهل بيت النبوة(صلوات الله عليهم أجمعين) ولتكون عبارة عن زخم جديد للمؤمن تعطيه اندفاعات قويه في المسير في طريق الإسلام المحمدي الأصيل والذي كان الحسين يمثل أحد الوجوه والمرتكزات الأساسية في المسير على نهج وفكر الحسين في القيام بنهضته والقيام بالإصلاح في أمه جده نبينا الأكرم محمد(ص) ولتكون بالتالي مسير المشايه من أي بقعة في العالم هو مسير أيماني ونوراني تشع من جوانبه كل الآفاضات الآلهية والذي يكون مسير هؤلاء الزوار المباركة برعاية الله سبحانه وتعالى وببركات الأمام الحسين(ع) والذي يكون حاضر في كل مكان من مسير الزوار هو وأخوه أبي الفضل العباس ويرافقهم في السير ابنه الأمام الحجة المهدي(عجل الله فرجه الشريف).

3 ـ ومن النقطة السابقة وعندما نعرف ما لهذه الزيارة من عظمة وقدسية ومن يكون معها كان لابد من الزائر الأخذ بعدة أمور مهمة لكي يتم حصول الأجر الكامل من هذه الزيارة وجعلها في ميزان حسنات كل مؤمن فليس المهم أن الزائر يسير في طريق المشايه ويتعب ولعدة أيام بل وحتى أسابيع ويعاني من التعب وقلة النوم والراحة ولكنه همه فقط السير وعدم استحضار الجوانب الروحانية والإيمانية في هذه الزيارة لأنه عند ذلك تصبح الزيارة مجرد السير والوصول إلى كربلاء المقدسة والقيام بالزيارة وبأسرع وقت ثم الرجوع ليتفاخر بعدها الزائر بأنه قد مشى في طريق المشايه ووصل إلى كربلاء مشياً وهذا مانلاحظه منتشر وسائد بين فئة الشباب وحتى بين الرجال والنساء.

4 ـ أن طرق المشايه وزيارة الأربعين هي زيارة نورانية كما قلنا ولهذا يتطلب من الزوار استحضار كل الجوانب الإيمانية والتي أقرها ديننا الحنيف بذلك وفي مقدمتها الصلاة لأنها عمود الدين كما ورد في الحديث النّبوي الشريف “عمود الدين إن قبلت قبل ما سواها، واِن رُدّت ردّ ما سواها”

ولهذا يجب على السائر في طريق العشق الحسيني مراعاة القيام بالصلاة وخصوصاً الفروض وعدم الإتيان بها فذلك يمثل قمة التهاون والاستخفاف بمبادئ الأمام الحسين(ع) التي خرج من اجلها ولهذا يجب التأكيد على الصلاة التي بها تمثل ديننا الحنيف وبها تسلم أنفسنا وأرواحنا والتي بها نرجو من الله سبحانه وتعالى والحسين قبول زيارتنا ومسيرنا نحو كعبة الأحرار ونجدد العشق الآلهي لأبي الشهداء سيدي ومولاي أبي عبد الله الحسين(عليه السلام) والتي نأمل من الله ودعاؤنا أن يتقبل زيارة كل الزائرين والتي بقبولها تعتبر هي غاية الغايات

فليس من المعقول أن تصدح مكبرات الصوت من قبل المواكب بوقت الصلاة ونجد هناك من يمشي ولايقيم الصلاة وهذا هو قمة اللامبالاة والاستخفاف بالصلاة وهذا ما أكدت عليه مرجعيتنا الرشيدة في أغلب توجيهاتها فهي تؤكد على ذلك وتقول ((فالله الله في الصلاة فإنها ـــ كما جاء في الحديث الشريف ـــ عمود الدين ومعراج المؤمنين إن قُبِلت قُبِلَ ما سواها وإن رُدّت رُدَّ ما سواها، وينبغي الإلتزام بها في أول وقتها فإنّ أحبّ عباد الله تعالى إليه أسرعُهم استجابة للنداء إليها، ولا ينبغي أن يتشاغل المؤمن عنها في اول وقتها بطاعةٍ أخرى فإنها أفضل الطاعات،

وقد ورد عنهم (ع): (لا تنال شفاعتنا مستخفّاً بالصلاة). وقد جاء عن الإمام الحسين (ع) شدّة عنايته بالصلاة في يوم عاشوراء حتى إنّه قال لمن ذكّره بها في أول وقتها: (ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلّين) فصلّى في ساحة القتال مع شدّة الرمي)).(2)

ومن هنا كان على الزيارة أن تكتسي بأنوار نورانية وربانية وأن تصبح هذه مسيرة المشاية للزوار مسيرة للإصلاح وأن تكون لكل مؤمن مراجعة للنفس والذات في أيمانه ومدى تمسكه بالعروة الوثقى والذين هم النبي وأهل بيته(صلوات الله عليهم أجمعين) والذين هم يمثلون القرآن الناطق المنزل على الأرض والأيمان الرباني ومن خلال تطبيق أوامرهم وأحاديثهم وممارستهم لأنها كلها كانت خالصة لله وحده جل وعلا والذين عندما نترجم هذه الأمور على تصرفاتنا وسلوكنا وإيماننا نكون قد تمسكنا بالله سبحانه وأخلصنا له العبادة والذي هو خلقنا لهذه الغاية وهذا مصداق لقوله سبحانه وتعالى في محكم كتابه إذ يقول {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.(3)

5 ـ أننا عندما نقول أننا حسينيون يجب أن نطبقها على أنفسنا وفي تصرفاتنا ونسير بنهج أخلاقي على ذلك وليست نقولها مجرد لقلقة لسان ولهذا يجب إن نتربى على الخلق الحسيني وأهل البيت وأن تكون أخلاقنا وتصرفاتنا نابعة من هذا النهج الحسيني الذي نحن سائرون عليه.

ومن هذا المنطلق نوصي كل أحبائنا المؤمنين والمؤمنات بالتخلق بآداب أهل البيت والتأسي بهم والاقتداء بهم فنطلب من الشباب غض النظر والتعامل مع المؤمنين والمؤمنات بنظرة أخوية في الدين والمذهب وترك القيل والقال وهذا يشمل حتى الرجال والشيوخ ومنع التلاسن والغيبة والنميمة أو المزاح والانصراف إلى ذكر الله وعبادته وذكر مصائب أهل البيت وفي مقدمتهم مصاب سيدي مولاي أبي عبد الله الحسين(ع).

ويجب أن يكون مسيرنا هو مهمة عبادية للغاية واستحضار كل معاني الأيمان وان يكون مسيرنا خالصاً لوجه الله سبحانه وتعالى وبذلك نتأسى بالأمام الحسين(ع) الذي جاد وأعطى كل شيء خالصاً لوجه تعالى والذي هو في لحظات الموت الأخيرة وكان جسده كالقنفذ من كثر السهام التي به وكان كل موضع في جسمه لأثر طعنة رمح وضربة سيف وموقع سهم وهو في هذه الحالة مشغول عن الأعداء وما يقومون به في ذكر الله ويتمتم بكلمات ويقول{ألهي أن كان هذا من سخطك فخذ حتى ترضى وإن كان هذا يرضيك فلك العتبى فخذ حتى ترضى}.(4)

6 ـ ونطلب من أخواتنا المؤمنات العفة والحياء ون يكن وبحق حفيدات زينب الحوراء أي أن يكونون زينبيات وان يجسدنِّ معاني المرأة الزينبية في كل أفعالهن وتصرفاتهن والأهم من ذلك أن يتعلمن كيفية المحافظة على أنفسهنِّ وأن تكون زيارتهنِّ مثال لكل العالم في أنه كيف تكون عفة وحشمة المرأة المسلمة لتحتذي بها كل نساء العالم لأن المرأة هي الكائن الجميل الذي لانقبل أن يطرأ أي خدش عليه وان يكونون طاهرات ونقيات كبياض الثوب الأبيض ومتبتلات وطاهرات ولتتأسى بما قاله سيدي ومولاي علي زين العابدين(ع)في خطبته المعروفة في مجلس يزيد(لعنه الله) { أيها الناس: أنا ابن عديمات العيوب إنا ابن نقيات الجيوب إنا ابن من كسا وجهها الحياء إنا ابن فاطمة الزهراء، وسيّدة النّساء، وابن خديجة الكبرى }.

وهذا ما نطلبه من أخواتنا المؤمنات ان يقتدين بفاطمة الزهراء والحوراء زينب(ع) في عفافهنَّ ولبسهنَّ وحجابهنَّ ولبس الملابس المحتشمة وكذلك على الشباب لبس الملابس العقلانية وعدم لبس الثياب التي عليها كتابات تخدش الحياء ولا يليق لبسها في هذه المناسبة بل وحتى في أي وقت وقد كانت توجيهات العتبتين الحسينية والعباسية الطاهرتين هو كان يأخذ هذا النهج فجزآهم الله خيراً ولنرجع إلى توجيهات المرجع الأعلى آية الله سماحة السيد علي السيستاني(دام الله ظله الشريف)هي لخير دليل للالتزام بها والتأسي بها حيث يقول((الله الله في الستر والحجاب فإنّه من أهمّ ما اعتنى به أهل البيت (عليهم السلام) حتّى في أشدّ الظروف قساوة في يوم كربلاء فكانوا المثل الأعلى في ذلك، ولم يتأذّوا (ع) بشيء من فعال أعدائهم بمثل ما تأذّوا به من هتك حُرَمهم بين الناس،

فعلى الزوار جميعاً ولا سيّما المؤمنات مراعاة مقتضيات العفاف في تصرفاتهم وملابسهم ومظاهرهم والتجنب عن أي شيء يخدش ذلك من قبيل الألبسة الضيّقة والإختلاطات المذمومة والزينة المنهىّ عنها، بل ينبغي مراعاة أقصى المراتب الميسورة في كل ذلك تنزيهاً لهذه الشعيرة المقدّسة عن الشوائب غير اللائقة)).

ولنعمل على جعل هذه الشعيرة لائقة ونعطيها الاهتمام الكامل وحجمها المهم والحيوي ولتكون أخواتنا المؤمنات هم بمسيرهم يؤاسون فعلاً جدتهم العقيلة زينب والتي لم تخمش خد ولا شقت جيب وهذا ماوصى به الإمام الحسين عليه السلام لأخته زينب { يا أختاه أقسمت عليك فأبري قسمي لاتشقي علي جيبا ولا تخمشي علي وجها ولا تدعي علي بالويل والثبور أذا هلكت }(5).

ولهذا كان أئمتنا يوصين في اشد حالات الجزع بالحشمة وعدم كسر هذه الحشمة والحياء بفعل كل ما يخالف حدود والتي خرج من اجلها سيدي ومولاي الأمام الحسين(ع) والتي عطلها يزيد وبنو أمية والتي بهذا الخروج لسيد الشهداء روحي له الفداء قد أعاد نهج الدين المحمدي على مساره الصحيح ليعود ديناً محمدياً خالصاً لوجه الله سبحانه وتعالى.

6 ـ أن طريق المشاية وزيارة الأربعين يجب إن نعتبرها مهمة عبادية بالغة الأهمية وهي ممارسة فيها يتقرب المؤمن إلى ربه ولهذا على المؤمن سواء كان شيبة أم شباب رجالاً ونساءً أن يسير وان يكون مسيره خالصاً لوجه الله سبحانه وتعالى وهذا يتطلب إن يكون في سيره منشغلاً بذكر الله جل وعلا والانشغال بذكر الله ومن الأمور المهمة التي يستحضرها المؤمن في طريق سيره هي تذكر مصاب الأمام الحسين(ع) ومصائب عياله وقتل أهل بيته وأصحابه وسبي أهل بيته وذراريه

وتذكر كل تلك المصائب والجثث التي طرحت بالعراء ولمدة ثلاثة أيام مجزرة كالأضاحي وجسد الحسين الذي داسته سنابك الخيل ليرضوا صدره الشريف والذي عندما دفنه أبنه الأمام علي السجاد(ع) وضعه على حصيره لأنه كان مهشم الأضلاع لا يستطيع حمله وبقى يبحث عن خنصر الأمام لأنه تم قطعه من قبل مجرمي جيش أبن زياد وعمرو بن سعد لسرقة خاتمه ووضع على صدره أبنه عبد الله الرضيع مقطوع الرأس ومنع الماء عن العيال والنساء وحرق الخيام وهتك وسبي حرم رسول الله(ص)

وهذا يجب تذكره والبكاء عليه والحزن عليه طوال طريق المسير وعند الوصول إلى الضريح الشريف والوقوف تحت القبة الشريفة يجب على الموالي والمؤمن تذكر كل ذلك مأساة الطف وما جرى فيها من مصائب لأهل بيت النبوة من قتل وهتك لحرماتهم وحمل الرؤوس على القنا وسبيهم ومسيرهم على الأمصار كأنهم خوارج أو من الديلم يتطلع بهم الغريب والأجنبي ولكي يتم أخذ العبر والدروس والعبر من ذلك لأن{ الحسن عِبرة وعَبرة} كما هو معروف بهذه المقولة والتي يجب إن نتخذها دليل عمل لنا.

7 ـ ومن منطلق هذه النقطة يجب على الماشي على طريق الحق والإصلاح الحسيني إن يترك القيل والقال وان يتأدب بخلق الإسلام وان يترك المزاح والغيبة والنميمة وان يكون مسيره مماثل لمسير الحجيج في مكة وهو أفضل لأنه وهذا ماذكره سيدي ومولاي جعفر الصادق(ع) حيث ذكر بقوله {ثواب الأعمال] عن محمد بن يحيى عن الأشعري عن موسى بن عمر عن علي بن النعمان عن ابن مسكان قال {قال أبو عبد الله (ع) إن الله تبارك و تعالى يتجلى لزوار قبر الحسين صلوات الله عليه قبل أهل عرفات و يقضي حوائجهم و يغفر من ذنوبهم و يشفعهم في مسائلهم ثم يثني بأهل عرفات فيفعل ذلك بهم}.(6)

ومن هذا المنطلق فأن زيارة الحسين وزيارة الأربعين أصبحت في مصاف الحجة وفي الحج قد حذر الله من الرفث والفسوق والتلاسن وكل الأمور الأخرى بقوله جل وعلا في محكم كتابه {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}.(7)

وهذا ما أشار إليه في الاستفتاء الأخير المرجع الأعلى آية الله سماحة السيد علي السيستاني (دام الله ظله الشريف)الذي أشرنا في جزئنا الأول إذا يقول عن الأخلاص في الزيارة((الله الله في الإخلاص فإنّ قيمة عمل الإنسان وبركته بمقدار إخلاصه لله تعالى، فإنّ الله لا يتقبّل الإّ ما خلص له وسلم عن طلب غيره.

وقد ورد عن النبي (ص) في هجرة المسلمين إلى المدينة أنّ من هاجر إلى الله ورسوله فهجرته إليه ومن هاجر إلى دنيا يصيبها كانت هجرته إليها، وان الله ليضاعف في ثواب العمل بحسب درجة الإخلاص فيه حتّى يبلغ سبعمائة ضعف والله يضاعف لمن يشاء.

فعلى الزوار الإكثار من ذكر الله في مسيرتهم وتحرّي الإخلاص في كل خطوة وعمل، وليعلموا ان الله تعالى لم يمنَّ على عباده بنعمة مثل الإخلاص له في الاعتقاد والقول والعمل، والعمل من غير إخلاص لينقضي بانقضاء هذه الحياة وأمّا العمل الخالص لله تعالى فيكون مخلّداً مباركاً في هذه الحياة وما بعدها)).

فيكثر من قراءة زيارة عاشوراء طوال مسير الزائر والزائرة فهي زيارة عظيمة وبالغة الاثر وليهديها إلى الأمام الحجة(عجل الله فرجه الشريف) وليسبح ويردد في زيارة عاشوراء (اللهم ألعن أول ظالم ظلم حق محمد…) وكذلك (السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلت بفنائك…) ليكتسب الأيمان الولائي للأمام الحسين ولأهل بيت النبوة ولتكن محطة عبادية رئيسية في حياة الموالي والمؤمن ولتكتسب في سجل أعماله بحروف من نور وفي ميزان حسناته.

وقد لاحظنا وجود انحسار في بعض الأمور التي ذكرناها ولكن ليس بالمستوى المطلوب ونبتهل إلى الله أن تزول هذه الأمور السلبية في الزيارات القادمة.

8 ـ كما يجب أن يهدي مسير الزوار أو عدد من الخطوات لمقاتلينا من حشدنا الشعبي ومقاتلينا الأبطال من جيش وشرطة اتحادية وصقورنا البواسل ومن جميع صنوف الجيش وحتى قراءة الزيارة بالإنابة لهم وهذا قليل بحقهم لأنه هؤلاء الأبطال وتضحياتهم لما كان هذا المسير من المشاية أن ينطلق بل ولا تقوم له قائمة إلا بفضل هؤلاء الأبطال المقاتلين وتضحياتهم بالنفس والتي هي أقصى غاية الجود بل وحتى تذكر شهدائنا الأبرار والذين بدمائهم الزكية منعوا الخطر الذي كان سيصيب العراق وشعبه من مخاطر لتصبح شهادتهم قناديل تنور طريق الجنة والعشق الآلهي إلى الحسين

فيجب تذكر هؤلاء الشهداء الأبرار من قبل الجميع من شيبة وشباب ورجال ونساء وحتى الأطفال وتعليم أطفالنا على عظمة استشهاد هؤلاء القامات الشامخة من مقاتلينا وأنهم يبقون راسخين في عقولنا وقلوبنا وضمائرنا وعلى مدى التاريخ

وهذا ما حرصت عليه توجيهات مرجعيتنا الرشيدة في خطابها الجمعة ((نوصي أصحاب المواكب والرواديد وهم يقيمون مجالس العزاء الحسيني ان يجعلوا في شعاراتهم وإشعارهم مساحة وافية لتمجيد بطولات وتضحيات أحبتنا في ساحات القتال، هؤلاء الذين يجسدون اليوم مبادئ الإمام الحسين (عليه السلام) في واقعة الطف في مقارعة الظالمين والتضحية والفداء في سبيل إحقاق الحق وإبطال الباطل.

وينبغي الاهتمام برفع صور الشهداء الإبرار وذكر أسمائهم في الطرق التي يسلكها المشاة إلى كربلاء المقدسة لتبقى صورهم وأسماؤهم ماثلة في النفوس ويتذكر الجميع ان بتضحيات ودماء هؤلاء الكرام يتسنى للمؤمنين اليوم ان يشاركوا في المسيرة الأربعينية في أمن وسلام)).

9 ـ وفي نقطتي الأخيرة أحب أن أشير إلى ظاهرة سلبية ألاحظها عند كل زيارة مليونية وهي جلوس الشباب وحتى الرجال في المقاهي وتدخين الاركيلة واللهو وهذا بحد ذاته هو لهو عن ذكر الله ولما لهذه الزيارة من أهمية وعظيمة ينبغي على الزائر والزائرات الانشغال في ذكر الله سبحانه وتعالى واستغلال هذه المحطة العبادية وعدم الانشغال في أمور الدنيا واللهو.

والظاهرة السلبية الأخرى هو نوم الزائرين في الصحن الحسيني أو العباسي وهذا بحد ذاته مخالف للياقة والأصول في حضرة الإمامين العظيمين وبدوري أسال سؤال هل تستطيع النوم في مضيف الشيخ والناس موجودين عنده؟

قطعاً سيكون الجواب كلا ولهذا فيجب احترام الخصوصية للحضرتين الحسينية والعباسية وكما إفساح المجال للزوار بأداء مراسيم الزيارة من صلاة وأعمال وعدم مضايقتهم باستلقائهم داخل الصحن الشريف والانشغال بالعبادة بالرغم من تعبهم الشديد وعند الانتهاء الخروج فوراً من الحضرة والنوم في المواكب والحسينيات المنتشرة طول الطريق وإذا كان بالإمكان الرجوع إلى بيوتهم لتسهيل حركة وانسيابية الزوار إلى كربلاء وعدم الانتظار إلى يوم الأربعين

وهذا يشمل حتى الزوار الأجانب لأن زيارة الأربعين زيارة مليونية ضخمة ونحتاج من الجميع التعاون والتكاتف من اجل هذه الزيارة المليونية لكي تكون شوكة تفقأ كل عيون النواصب والوهابية وكل الأعداء المتربصين بمذهبنا لعنة الله عليهم.

وفي الأخير أوجه التحية إلى مواكبنا الحسينية وما قاموا به من جهد جبار في خدمة الزوار وتقديم لهم كل الخدمات وحتى في ابسط الأمور والتي كان عدد المواكب قد تجاوزت أرقام كبيرة لا يصدقها العقل موكب والذين كانوا يتواصلون بالعمل ولمدة 24 ساعة وبلا انقطاع والذين كانوا يتسابقون في خدمة الزوار رجالاً ونساءً ويعتبروه شرف لهم وكانوا بحق هم خدام سيدي ومولاي أبي عبد الله الحسين(ع) ومن جهودهم وإمكانيتهم الذاتية.

والسلام عليك يا سيدي ومولاي أبي عبد الله الحسين وأنت قد خرجت لك الملايين وتركت بيوتها وأشغالها ومصالحها ومن كافة الطوائف والأديان لتسير في مسيرة العشق الآلهي نحو قبلة العاشقين وتلامس ضريحك الشريف وأنت قد وحدت كل العالم في هذه الزيارة ولتكون منزلتك في مصاف الأنبياء والمرسلين كإمام للبشرية جميعاً.

والسلام على أخيك سيدي ومولاي أبي الفضل العباس ساقي عطاشى كربلاء وحامي الضعينة وهو يجود عنك فنعم الأخ المواسي لأخيه. والسلام على بطلة كربلاء وأم المصائب سيدتي ومولاتي زينب الحوراء وقد واستها كل تلك الحشود المليونية وهي تصدح حناجرها بقول لبيك يا زينب ولتوفي جزء من نصرتك ومواساتك سيدتي العظيمة والمحفورة في قلب كل مؤمن.

والسلام على علي بن الحسين عليل كربلاء الصابر. والسلام وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين المنتجبين والذين بذلوا مهجهم دون الحسين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ـ

المصادر:

المصادر: 1 ـ تهذيب الأحكام: 6 / 52، للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، المولود بخراسان سنة: 385 هجرية، و المتوفى بالنجف الأشرف سنة: 460 هجرية، طبعة دار الكتب الإسلامية، سنة: 1365 هجرية / شمسية، طهران / إيران. مستدرك الوسائل ج5 ص129 وجامع احاديث الشيعة ج5 ص453

2ـ هكذا في الأنساب وصحيح مسلم: 3 / 539 ح 38 كتاب الحدود، وأما بقية المصادر فكلها مطبقة على أربع ركعات.

3 ـ [الذاريات: 56].

4 ـ الإرشاد للشيخ المفيد، ج2ص96.

5 ـ كتاب الارشاد للشيخ المفيد 232- مكالمة الحسين مع اخته زينب وكتاب مستدرك الوسائل للنوري الطبرسي ج1 ص144.

6 ـ بحار الأنوار:98، باب 12- فضل زيارته صلوات الله عليه في يوم عرفة أو العيدين ص 86 كامل الزيارات ص165

5ـ [البقرة: 197].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky