الاجتهاد المعاصر، مبادئه، ضوابطه، إجراءاته وتعقيداته

صدور كتاب: الاجتهاد المعاصر، مبادئه، ضوابطه، إجراءاته وتعقيداته في جزئين

خاص الاجتهاد: صدر حديثا النسخة الإكترونية لكتاب “الاجتهاد المعاصر، مبادئه، ضوابطه، إجراءاته وتعقيداته” لعلامة المحقق محمد مصطفوي، يتألف الكتاب من مجلدين مستقلين، عدد صفحاتهما 845 صفحة، من دار إي كتب.

الحديث عن الاجتهاد حديث عن المعرفة، والفكر، والفقه، وعن بذل الجهد والعمر في خدمة الحقيقة والعقيدة والشريعة؛ تاريخ حافل بإنجازات وإخفاقات، آمال وأهداف، ورؤى وتصورات وتصديقات.

إذ كان لكل عصر اجتهاده المقرون بالنجاح تارة، وبالإخفاق أخرى، اجتهادات ساهمت في البناء والتطور والرقي، في مقابل اجتهادات أخفقت في تحقيق الأهداف وبلوغ المرامي والمقاصد، مثلها مثل باقي حقول المعرفة الإنسانية المليئة بالنجاحات تارة وبالإخفاقات أخرى.

لكن ومثل العديد من الساحات العلمية والعملية التي نعيشها اليوم، فإن إنجازات ونجاحات الماضي، في دائرة الاجتهاد – مثلها مثل باقي الدوائر العلمية والمعرفية، في الواقع العربي والإسلامي – أكثر كما ونوعا وتأثيرا مما يدور ويعمل عليه في الحاضر.

فإننا نعيش في عصر النسخ والاستنساخ، والإعادة والاستعادة، والاستصحاب والتقليد والتكرار، لمواقف ومناهج ومسائل انتجت في الماضي، وارتبطت بظروفه ومتطلباته ومقتضياته الواقعية والظرفية.

بل نحن، في موارد كثيرة، نتبع العلماء الماضين حرفا بحرف: تصورا، وتصديقا، وفهما وفقها وقرائة للنصوص، ونقتفي أثرهم في طرق الفهم ومسالك البحث ومناهج الاستنباط وموارد الاستشهاد والاقتباس وفي التصحيح والتخطئة.

وأكثر من ذلك، قد نتمسك بطريقة تعاطيهم مع الواقع، وفي تكوين المواقف من القضايا التي نواجهها في حياتنا اليومية، وذلك مع ما بيننا وبينهم من الاختلاف في الموارد، والمواقف، والأحوال، والشروط، والمقتضيات، والمتطلبات. وذلك كله مع علمنا المسبق، بأن اجتهادات كبار الفقهاء ومواقفهم الفقهية، كانت تحصل في لحظة تاريخية عابرة، وفي أجواء فكرية وثقافية وسياسية ضاغطة، وفي بيئات اجتماعية معينة.

مما يقتضي أن لا تشكل قرائتهم للنص، وفهمهم لأحكام الشرع، ومواقفهم المتأثرة من العوامل المحيطة بهم قول فصل، وموقف ملزم لزماننا المختلف عنهم في أبعاد كثيرة.

كما لا ينبغي أن تؤسس تلك المواقف منطلقات نظرية، لفهم اللحظة التاريخية التي نحن فيها، والتي تختلف كليا عن السابق في جوانبها المختلفة.

وإن وصلت تلك المواقف إلينا بصيغ الإجماعات المنقولة عنهم، لأن الإجماع – إن لم يكن كاشفا عن دليل واضح الاعتبار والمنحى – يصبح أمرا زمانيا، تتحكم فيه الاعتبارات الزمانية وتؤثر في تحققه، إن تحقق بالفعل – وذلك نظرا إلى أن ما يتم من دعاوي الإجماع في دائرة الفقهيات في غالبها غير ذات مصداقية ،واقعية، وإنما مبنية على دعاوي فارغة وغير دقيقة – نحن اليوم نعيش بالفعل النمطية المعرفية – التي راجت بين الفقهاء والتي تلقي بظلالها الداكنة على فهم أسس واعتبارات الاجتهاد، بل تعكر صفو فهم الدين والشريعة والحقيقة والحياة أيضا.

وفي الحقيقة لم تسلم من تأثيرات تلك النمطية أي مجال معرفي نخوض فيه نتيجة سلطة الماضي وحضوره الفاعل والحاسم في تحديد الخيارات وترتيب الأوليات والأولويات وتكوين المواقف والاتجاهات.

كما أن العقلية التي درج عليها السابقون تحكم فينا وتتحكم بمواقفنا، وذلك من خلال المعايير والمقاييس المعينة التي أفرزتها العقلية التاريخية والتي واكبت عملية تقييم درجات اعتبار الأسس والموازين الحاكمة والموجهة، وكيفية تطبيقها في الواقع والميدان.

كل تلك الاعتبارات أثرت بأشكال مختلفة على مستويات تعاطينا المعرفي والاستنباطي مع قضايا الواقع، خاصة لما صاحبها من قواعد شكلية وأعراف عملية، التي قيدت التعاطي المعرفي والفكري الخلاق والمنتج في أوساطنا، ولم يبق لنا فسحة للتحرك النظري، ولا للإبداع الفكري ولا للعطاء العملي والميداني.

إن هذه الدراسة – القراءة للفقه والاجتهاد – معنية بتناول العمل الاجتهادي من جوانبه المختلفة، أخذا بعين الاعتبار الواقع وحركة الزمان، وتأثيرهما على كل ما يجري في دائرتهما.

وملتفتا إلى أبعاد المعرفة الزمانية، ومقرا بأوجه النقص والضعف والوهن في النشاط الإنساني، النظري والعملي، في كل مرحلة تاريخية ومنتبها أيضا الخطورة العقل التنزيهي والفكر المتحيز، والغلو والتعالي في مجال أي نشاط معرفي منضبط ومتقن.

من هنا، يتطلب ذلك منا أن نتخذ كل الاحتياطات اللازمة والتدابير الممكنة للحيلولة دون الوقوع في تلك المتاهات، بغية تفادي الأخطاء ( الموروثة) في التقدير والتصوير والتدبير، بقدر الإمكان والسعي لبلورة العمل الاجتهادي ضمن دوائره الممكنة والمعقولة، بعيدا عن المبالغات المعرفية، ومستبعدا عن الميدان الآفاق غير قابلة للرصد والملاحظة، والتقريب والتفعيل والتدبير.

ولكن وفي مطلق الأحوال، فإن الاجتهاد ضمن شروطه الواقعية والموضوعية – بدوره – لن يقدم حلولا سحرية لمشكلات تاريخية مزمنة، إنه يساهم في تقديم معرفة منظمة وواقعية حقلية، من دون القدرة على التصدي للمشكلات الأكثر عمقا وتعقيدا، في واقعنا الاجتماعي والمعرفي والإنساني.

إن التخصص المجالي ينبغي أن يحكم واقع المعرفة – كما هو الحال – ولا يمكن لحقل معرفي واحد بلغ ما بلغ من الدقة والموضوعية والواقعية وغيرها من الشروط والإشراطات أن يكون مرجعا لتحديد الموقف في كل المجالات وإن كان ذلك من وجهة نظر شرعية بحتة بل ينبغي أن يتم ذلك بالاستعانة المناسبة والمتوازنة من حقول معرفية رديفة أخرى.

إن التعاون البناء بين حقول مختلفة من المعارف الإنسانية التي تخلق فرصا جديدة، وتبعث على تنمية العقل الفاعل، وبناء مستقبل مشرق أمر ضروري دائما. ولكن مع ذلك، لا ينبغي إهمال هذا الحقل المهم، ولا الاستغناء عنه، لأنه النافذة الوحيدة – في دائرة الفكر والعقل الإسلاميين – التي ننتظر منها فتح آفاق جديدة نحو مستقبل أكثر إشراقا وتتطورا.

 

فصول الكتاب وموضوعاته

يشتمل هذا القسم من المشروع الاجتهادي – المؤلف من جزئين منفصلين – إضافة إلى المقدمة التي نحن فيها على خمسة عشر فصل وخاتمة.

وسوف نتناول في الجزء الأول منه فصولا سبعة ونترك باقي الفصول مع الخاتمة وضبط المصادر والمراجع للجزء الثاني من الكتاب.

يتضمن الفصل الأول تمهيدا عاما لعملية الاجتهاد عرضنا فيه لتعريف الاجتهاد، وخطواته العامة، وأنواع الاجتهاد والمجتهدين ومراتبهم، والأمور التي ينبغي أن يتم ملاحظتها في الاجتهاد المعاصر، تفريقا بينه وبين الاجتهاد التقليدي المعمول به.

وأما الفصول الأربعة عشر المتبقية فقد تم توزيعها في جزئين،

يتضمن الجزء الأول وهو الماثل أمامكم فصولا سبعة،

وأما الجزء الثاني فيحتوي على الفصول المتبقية من المشروع وهو كالتالي:

الفصل الثاني: يتولى تأسيس وتبيين الاجتهاد نظريا ومفهوميا، وذلك من خلال التركيز على بيان الأبعاد المنهجية والمعرفية الموجودة في الاجتهاد والتي تميزه عن سائر المجالات المعرفية.

كما نبين في هذا الفصل الأسس المنطقية للحجج الشرعية التي يستند إليها علم أصول الفقه في تبرير الاجتهاد وتوجيهه من خلال التمييز بين اليقين المعرفي واللامعرفي في مجال عملية الاستنباط. كما نتناول فيه أيضا الموضوعات غير الضرورية والدخيلة في مجال علم أصول الفقه والتي ليس لها فائدة تذكر في مجال عملية الاستنباط الفقهي.

ونختم الفصل الثاني بشرح حاجات علم الأصول المعاصرة، وشرح الدوائر والساحات التي ينبغي لعلم أصول الفقه التوسع فيها كي يقوم بمهمة الاستنباط الفقهي بشكل أكثر فاعلية وإثراء.

الفصل الثالث: يعنى بتحديد ماهية الاجتهاد وتاريخية الموضوعات الفقهية، إذ نتطرق فيه لشرح طبيعة العمل الاجتهادي وكونه عملا إنسانيا – يحصل فيه الخطأ وسوء التقدير – إلا أنه يملك غطاءا شرعيا مشروطا كما نبين أهمية الدراسة التاريخية لموضوعات الفقه، ونعرض المجالات التي ينبغي أن تتم فيها الدراسة التاريخية بدل التركيز على النصوص والبحث عنها بحثا تجريديا. ونبين فيه أيضا خصائص كل من التشريع والتعليم والسنة النبوية فيما وصلنا إلينا من المرويات.

الفصل الرابع يقوم بالفصل بين العبادات والشؤون الخاصة والشأن العام بالمعنى العام، لأن التبويب السليم – من وجهة نظرنا – هو المفتاح للعمل المعرفي الناجح والمتماسك، ومن هذا المنطلق عملنا على تبويب شامل لأبواب الفقه وقضاياه وتقسيمه إلى مجالات ثلاثة رئيسة، وذلك من خلال شرح المعايير التي تقف خلف التصنيف الثلاثي، وتبيين أهمية التبويب والتصنيف الفني للعمل المعرفي والاستنباطي في مجال الفقه.

الفصل الخامس: يعني ببيان الأحكام وتصنيفاتها في الشريعة والفقه، وذلك بتحديد مفهومي لحكم الله، وطرق الوصول إليه في عملية الاستنباط الفقهي.

ونتعرض فيه – ضمن شرح أنواع الحكم الشرعي لنقتطين أساسيتين: الأولى، أن أغلب ما يتم الحديث عنه في الشريعة والفقه بأنها أحكام هي في الحقيقة أمور تعليمية، وليست أحكاما بالمعنى الدقيق للكلمة الثانية: أن الحكم الملزم في الشرع الإسلامي هو خصوص الحكم التشريعي التبليغي – ضمن شروط محددة – بين أنواع مختلفة من الأحكام التي وصلت إلينا. غير أن التحدي الأساس للفقه الإسلامي هو تحديد الحكم التشريعي التبليغي عن غيره من الأحكام في دائرة الحديث والمرويات.

الفصل السادس يقوم بالبحث في مصادر التشريع وفهم مقتضياته وذلك عبر تبيين الأنواع المختلفة من القضايا والمفاهيم والتعليمات والأحكام التي وردت في الكتاب والسنة. كما نتوقف عند شرح وتبيين المصادر الثانوية في التشريع الإسلامي والتركيز على مقتضيات تلك المصادر ومدى قدرتها على إثبات حكم أو تحديد موقف شرعي تجاه قضية من قضايا الحياة الإنسانية.

الفصل السابع: يتولى بيان وتحديد أطر فهم الخطابات الشرعية ضمن معطيات نصية وغير نصية والتمييز بين النص والخطاب، كما یعنى الفصل بشرح وتبيين إجرائيات تحديد الخطابات الشرعية عند ممارسة عملية الاستنباط

وأما الجزء الثاني فيتضمن فصولا ثمانية وخاتمة، كما يلي:

فالفصل الأول من الجزء الثاني الفصل الثامن بالتراتبية بين الجزئين يشرح الخطط العملية للاستنباط، ويبين طرق إنضاج الخطابات الشرعية وتحويلها إلى حواصل فعلية لعملية الاستنباط.

وأما الفصل الثاني (الفصل التاسع يعنى بتحديد الموقف من تراتبية أدلة الأحكام ومدى تأثيرها على مجمل العمل الاستنباطي في دائرة الفقه، كما يشرح اختلاف الحديث وأسبابه.

وأما الفصل الثالث (العاشر) فيعني بالسياق ودوره الفاعل في فهم النصوص والخطابات الشرعية في كل من الكتاب والسنة.

في حين أن الفصل الرابع (الحادي عشر) يتناول شرح الزمان والمكان ودورهما في عملية الاحتماد

أما الفصل الخامس (الثاني عشر) فيتصدى لتبيين دور العقل في مجال عملية الاستنباط، ضمن نقد التوجه الاستنباطي الذي يسعى (ولو نظريا) لإبعاد العقل من مجالات الاستنباط الفقهي.

بينما الفصل السادس (الثالث عشر) يتولى البحث في العلاقات السائدة بين الأخلاق والفقه والعمل الاجتهادي من خلال توضيح وجوه الاتفاق والاختلاف بين الأمر الفقهي والأمر الأخلاقي.

وأما الفصل السابع (الرابع عشر) فيقوم بتبيين نظرية التكليف وبنيتها المنطقية وأسسها الفقهية بالدراسة والنظر

في حين يقوم الفصل الأخير أي الفصل الثامن (الخامس عشر) ببيان موقع حقوق الإنسان في الاجتهاد المعاصر.

وأما الخاتمة، تتضمن على خلاصات سريعة لما تضمنه الكتاب من آراء وتصورات وأفكار واستنتاجات.

و إنني إذ أنهي المقدمة فإن أملي كبير بالقدرات المعرفية، والطموح والأمال الإنسانية للأجيال الحاضرة واللاحقة نحو غد أفضل لهم وللأجيال التي تأتي من بعدهم، حيث إن من حقهم المشروع أن يبحثوا

عن حلول أكثر نضجا ونجاعة، وأن يسعوا من أجل عالم أفضل لهم ولغيرهم، من دون أن يكون ذلك على تناقض أو تصادم مع معتقداتهم أو فهمهم لطبيعة الدين والشريعة والفقه. كما أنني واثق من أن هناك وفي كل عصر يأتي أناس سوف يواصلون وبكل حرص سبل الإصلاح والتغيير بل الإبداع والتكميل، ولا يسعني إلا أن أدعو لهم بالتوفيق والتسديد، إنه خير مجيب، وما توفيقي إلا بالله، وهو خير ناصر ومعين.
 

 

يمكن قراءة الكتاب من خلال الرابط التالي:

الجزء الأول

الجزء الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky