الاجتهاد: الإمام المهدي (ع) والأدلة العقلية.. بين الدكتور الدعجاني والشهيد الصدر” قراءة نقدية بقلم سلمان عبدالأعلى والذي يحاول المقالي التطرق إلى هذه النقطة وهي: إثبات عدم صحة ما نسبه الدكتور الدعجاني للشهيد الصدر حول الأدلة العقلية على إثبات وجود الإمام المهدي (ع) في الغيبة الكبرى.
عقلنة الأسطورة
قراءة نقدية للتناقض المنهجي في أصول عقيدة الشيعة الإثني عشرية
الغيبية الكبرى نموذجا
تأليف: الدعجاني، عبد الله نافع عايد
الطبعة: الأولى 1435هـ 2014م
عدد الأجزاء: 1
عدد الصفحات: 144
ردمك: 9786030142545
الناشر: مركز تكوين (لندن : تكوين للدراسات والأبحاث)
التعريف بالكتاب:
تلمس ملامح الاختلالات المنهجية، وآثارها البحثية من الدراسات العلمية المهمة والتي لم تأخذ حظها من النظر والدارسة، وهذه الورقة محاولة لتسليط الضوء على جانب من جوانب الاختلال المنهجي، والتي ولدت حالة من الطمأنينة العقدية بالخرافة والأسطورة، تضع الورقة عقيدة الغيبة الكبرى للطائفة الشيعية تحت مشرحة البحث لتكشف كيف تمت محاولة البرهنة والتدليل لمعتقد نشأ في ضوء الفلسفة الغنوصية بأدواتها العرفانية، لتحبس نفسها بين فلسفتين فلا هي بالتي استبقت صورتها العرفانية، ولا هي التي ترحلت للصورة البرهانية المنشودة.
الإمام المهدي عليه السلام والأدلة العقلية.. بين الدكتور الدعجاني والشهيد الصدر
بقلم: سلمان عبدالأعلى
في كتابه/كتيبه المُعنون بـ(عقلنة الأسطورة.. قراءة نقدية للتناقض المنهجي في أصول عقيدة الإثني عشرية.. الغيبة الكبرى نموذجاً) حاول الدكتور عبدالله بن نافع الدعجاني اثبات التناقض المنهجي لدى الشيعة الإمامية بحسب زعمه، وذلك لأمرين:
الأول: محاولتهم الجمع بين المنهج البرهاني العقلي وبين قضاياهم الأسطورية الناتجة عن المنهج المعرفي العرفاني، وذلك عن طريق تسويغ أصولهم العرفانية بالطريقة العقلية البرهانية.
الثاني: محاولتهم الجمع بين أصولهم الغنوصية العرفانية وبين النصوص القرآنية، المتناقضة بالكلية مع أصولهم، وذلك من خلال منهج عرفاني قديم، وهو: شرح النصوص إلى باطن وظاهر[1].
وبغض النظر عما احتواه كتيبه هذا من ضعف وقصور في نواحٍ عدة، إلا أنني لن أناقشه فيها، وذلك لسببين:
الأول: أن ما طرحه هو في الأعم الأغلب ليس جديداً يُطرح لأول مرة، ولو أردت مناقشته مفصلاً فيما احتواه كلامه لكان من الأجدر بي أن أناقش ما طرحه الدكتور محمد عابد الجابري بدلاً عنه، وذلك لأن ما ذكره الدكتور الدعجاني عيال عليه.
الثاني: أني أردت تخصيص هذا المقال للتطرق لأبرز ما لفت انتباهي في طرحه، وهو نقده للسيد الشهيد محمد باقر الصدر (رحمه الله)، بـخصوص ما أسماه بالأدلة العقلية على وجود الإمام المهدي (ع)، حيث اعتبره الدكتور الدعجاني لذلك أحد أبرز شخصيات الاتجاه العقلي في الإمامية الذين قاموا “بتسويغ وعقلنة أصولهم العرفانية المتأثرة بالغنوصيات القديمة”، وخطورة ذلك تكمن -كما يقول- من جهة بـ”تزويق الأسطورة وتجميل الخرافة بلباس العقل والعقلانية”، ومن جهة أخرى بـ”التعسف الحاصل في الجمع بين منهجين متنافرين متضادين، وهما: البرهان العقلي، والعرفان الغنوصي، وذلك بتركيب القضايا العرفانية على منهج العقلانية” على حد تعبيره[2].
من هنا ستكون لي وقفة مع ما نسبه الدكتور الدعجاني للشهيد الصدر، علماً بأني لا أهدف من خلال هذا المقال للدفاع عن عقائد الشيعة الإمامية بشكل عام أو عقيدتهم بوجود الإمام المهدي (ع) بشكل خاص، بل ولا أهدف للدفاع عن الفكرة المهدوية من أساسها، لأن كل ما أهدف إليه هو التطرق لهذه النقطة فقط، وهي: إثبات عدم صحة ما نسبه الدكتور الدعجاني للشهيد الصدر حول الأدلة العقلية على إثبات وجود الإمام المهدي (ع) في الغيبة الكبرى.
ولقد اعتمدت لمراجعة ما كتبه الشهيد الصدر على ما توفر لدي من نسختين:
النسخة الأولى: بحث حول المهدي، تحقيق وتعليق الدكتور عبدالجبار شرارة الطبعة الثانية المحققة 1417هـ -1997، الغدير للطباعة والنشر والتوزيع.
النسخة الثانية: مقدمة موسوعة الإمام المهدي (ع) للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سره) مؤسسة التاريخ العربي الطبعة الأولى 1427هـ -2006م.
هذا ونسأل الله سبحانه أن يؤيدنا ويسدد خطانا، وأن يجعل عملنا خالصاً لوجه الكريم، وأن يتقبله منا إنه هو السميع العليم.
تحميل كتاب بحث حول المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف كتبه السيّد الشهيد محمد باقر الصدر قدس سره مقدّمةً لكتاب « موسوعة الإمام المهدي ( عج ) » للشهيد السعيد آية اللََّه السيّد محمّد الصدر قدس سره. وقد طبع بعد ذلك بصورة مستقلّة.
الدكتور الدعجاني والشهيد الصدر
بعد أن اتهم الدكتور الدعجاني الشهيد الصدر بعقلنة الأسطورة، وذلك نتيجة لتعسفه المنهجي بسبب جمعه بين منهج البرهان العقلي والعرفان الغنوصي، أبدى تعجبه منه قائلاً: “وإن الباحث ليعجب وحق له العجب من أسر عقلية “الصدر” الجبارة في سجن أوهام وخرافة الغنوصية!! على أن هناك أشخاصاً ينتمون لفكره ولا يملكون قدراته العقلية، ومع ذلك لم يرتضوا بأن تكون عقولهم أسيرة ذليلة للخرافة، كبعض أعلام حركة التصحيح، مثل “البرقعي” و”الكاتب””[3].
والسؤال الذي يُطرح هنا: ما الذي فعله الشهيد الصدر حتى يُعبر عنه الدكتور الدعجاني بهذه العبارات؟! وفي أي موضوع قام بإلباس الخرافة لباس العقل العقلانية أو عقلنة الأصول العرفانية الغنوصية بحسب تعبيره؟!
يمكننا معرفة إجابة هذا السؤال من خلال كلام الدكتور الدعجاني نفسه، حيث ذكر أن الشهيد الصدر في بحثه المختصر “بحث حول المهدي” أراد أن يثبت وجود الإمام المهدي في الغيبة الكبرى وفقاً لعقيدة الشيعة الإثني عشرية من خلال إيراد بعض الأدلة العقلية، وهذه الأدلة كما يقول يمكنها أن تثبت إمكانية هذا الأمر، ولكن لا يمكن لها أن تثبت وجوده كحقيقة موجودة بالفعل في الواقع الخارجي.
ولكي يثبت الدكتور الدعجاني صحة ادعائه؛ ذكر أن الشهيد الصدر قرر في أوائل بحثه (بحث حول المهدي) الأدلة العقلية على إثبات وجود “المهدي المنتظر” في غيبته المزعزمة على حد قوله[4]، واستشهد لإثبات صحة كلامه بما نقله عن الشهيد الصدر في قوله: (… الإسلام حول الفكرة (أي: فكرة غيبة المهدي ورجوعه) من غيب إلى واقع، ومن مستقبل إلى حاضر، ومن التطلع إلى منقذ تتمخض عنه الدنيا في المستقبل البعيد المجهول إلى الإيمان بوجود المنقذ فعلاً…)”[5].
ويعقب الدكتور الدعجاني على كلام الشهيد الصدر هذا قائلاً: “فالبحث يتعلق –على حد تعبير الصدر- “بوجود المنقذ فعلاً”، لكننا نفاجأ بأن “الصدر” نقل البحث من الوجود الفعلي الخارجي إلى الإمكان العقلي والتنظيري، فقد صاغ مشكلة وجوده صياغة ذهنية عقلية، إذ طفق يبين –في سياق إثبات وجوده- عدم استحالة تصور وجود المهدي طول تلك السنين والقرون!!، وهذه وحيدة منكرة إذا علمنا بأن هناك بوناً شاسعاً بين الإمكان الذهني والوجود الخارجي…”[6].
أدلة الشهيد الصدر العقلية على اثبات وجود الإمام المهدي (ع)
بعد كلامه السابق بين الدكتور الدعجاني الأدلة العقلية التي استند لها الشهيد الصدر لإثبات وجود الإمام المهدي (ع) -بحسب زعمه-، وسوف نورد ما نقله الدكتور الدعجاني من هذه الأدلة مع تعليقه عليها في الآتي[7]:
الدليل الأول: الإمكان
أولاً: الإمكان المنطقي أو الفلسفي:
يقول الدكتور الدعجاني: “بين “الصدر” مراده بهذا الدليل بقوله: (أقصد بالإمكان المنطقي أو الفلسفي أن لا يوجد لدى العقل وفق ما يدركه من قوانين قبلية- أي: سابقة على التجربة-ما يبرر رفض الشيء والحكم باستحالته).
ويمضي –أي الشهيد الصدر والكلام للدكتور الدعجاني- شارحاً هذا الدليل بقوله: (فوجود ثلاث برتقالات تنقسم بالتساوي وبدون كسر إلى نصفين ليس له إمكان منطقي؛ لأن العقل يدرك -قبل أن يمارس أي تجربة- أن الثلاثة عدد فردي وليس زوجاً، فلا يمكن أن تنقسم بالتساوي؛ لأن انقسامها بالتساوي يعني كونها زوجاً، فتكون فرداً وزوجاً في وقت واحد، وهذا تناقض، والتناقض مستحيل منطقياً، ولكن دخول الإنسان في النار دون أن يحترق، وصعوده للشمس دون أن تحرقه الشمس بحرارتها ليس مستحيلاً من الناحية المنطقية، إذ لا تناقض في افتراض أن الحرارة لا تتسرب من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة، وإنما هو مخالف للتجربة، التي أثبتت تسرب الحرارة من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة إلى أن يتساوى الجسمان في الحرارة)”[8].
ويردف قائلاً: “ثم يصل (أي الشهيد الصدر) بهذا الدليل إلى نتيجته المنطقية، التي صاغها بقوله: (ولا شك في أن امتداد عمر الإنسان آلاف السنين ممكن منطقياً؛ لأن ذلك ليس مستحيلاً من وجهة نظر عقلية تجريدية، ولا يوجد في افتراض من هذا القبيل أي تناقض؛ لأن الحياة كمفهوم لا تستبطن الموت السريع ولا نقاش في ذلك)”[9].
بعد هذا الاستعراض لكلام الشهيد الصدر حول الإمكان المنطقي أو الفلسفي يقول الدكتور الدعجاني: “لكن المفارقة المنهجية التي وقع بها “الصدر” هي محاولته اليائسة بأن يستدل على إثبات وجود المهدي في الخارج بإمكان تصوره ذهنياً… فدليل الإمكان المنطقي لا علاقة له بمورد النزاع، إذ مورد النزاع وجود المهدي وجوداً خارجياً لا وجوداً ذهنياً، فالإمكان المنطقي لوجود المهدي يعني عدم استحالته في العقل، وعدم الاستحالة العقلية لا تقتضي ثبوته وإمكانه الخارجي”[10].
ويردف قائلاً: “والحق أن الخلط بين الوجود الذهني والوجود الخارجي، وإثبات الواقع الخارجي بمجرد الإمكان الذهني أصل عرفاني، وقع فيه كثير من الفلاسفة المتأثرين بالعرفان … فالخلط بين الإمكان الذهني والواقع الخارجي-الذي اعتمده الصدر في محاولة إثبات وجود المهدي في الخارج-ليس أصلاً عرفانياً فحسب، بل هو –أيضاً- أصل سفسطائي…”[11].
إلى أن يقول: “وبناءً على ما تقدم نتساءل كيف يمكن للعقل أن يثبت وجود المهدي المنتظر، الذي لا أثر له ولا حس، ولا دلائل نظرية أو نقلية قطعية، يمكن للعقل أن يتكئ عليها في إثباته؟! إن العقل لا يمكن أن يثبت وجود خرافة ووهم لا دلائل حسية عليه، نعم. يمكن للعقل أن يتصور وجوده، لكن لا يمكن أن يثبت وجوده الخارجي…“[12].
ثانياً: الإمكان العملي
يقول الدكتور الدعجاني: “ويقصد به الصدر “أن يكون الشيء ممكناً على نحو يتاح لي أو لك، أو لإنسان آخر فعلاً أن يحققه، فالسفر عبر المحيط، والوصول إلى قاع البحر، والصعود إلى القمر، أشياء أصبح لها إمكان عملي فعلاً، فهناك من يمارس هذه الأشياء فعلاً بشكل وآخر”[13].
ويعقب الدعجاني قائلاً: “وهذا النوع من “الإمكان” لا علاقة له بمسألة إثبات وجود المهدي –وإنما ذكره إتماماً لقسمة الإمكان –وسبب ذلك أن مكث الإنسان طيلة مئات السنين لم يتحقق وقوعه في زماننا، فلا يمكن أن يتاح لي أو لك، فهو ليس كالسفر عبر المحيط، أو الوصول إلى قاع البحر، أو الصعود إلى القمر، فإذا لم يتح للناس، فلا يمكن أن يكون إمكاناً عملياً يُستدل به على طول حياة المهدي المزعوم، وهذا هو الذي اعترف به “الصدر” نفسه، إذ يقول: (لاشك أيضاً ولا نقاش في أن هذا العمر الطويل ليس ممكناً إمكاناً عملياً، في نحو الإمكانات العملية للنزول إلى قاع البحر، أو الصعود إلى القمر، ذلك لأن العلم بوسائله وأدواته الحاضرة فعلاً، والمتاحة من خلال التجربة البشرية المعاصرة، لا تستطيع أن تمدد عمر الإنسان مئات السنين…)”[14].
ثالثاً: الإمكان العلمي
يقول الدكتور الدعجاني: “ويقصد به وجود “أشياء قد لا يكون بالإمكان عملياً لي أو لك أن نمارسها فعلاً بوسائل المدنية المعاصرة، ولكن لا يوجد لدى العلم، ولا تشير اتجاهاته المتحركة إلى ما يبرر رفض إمكان هذه الأشياء ووقوعها وفقاً لظروف ووسائل خاصة، فصعود الإنسان إلى كوكب الزهرة لا يوجد في العلم ما يرفض وقوعه، بل إن اتجاهاته القائمة فعلاً تشير إلى إمكان ذلك، وإن لم يكن الصعود فعلاً ميسوراً لي أو لك… فالصعود إلى الزهرة ممكن علمياً وإن لم يكن ممكناً عملياً فعلاً…”[15].
ويردف في بيان كلام الشهيد الصدر بقوله: “ثم أخذ (الشهيد الصدر) يبين إمكانية إطالة عمر الإنسان علمياً، وربط هذه الإمكانية بالتفسير “الفيسيولوجي” لظاهرة الشيخوخة لدى الإنسان، وذكر لها تفسيرين:
الأول: أن الشيخوخة “نتيجة صراع مع عوامل خارجية؛ كالميكروبات أو التسمم الذي يتسرب إلى الجسم من خلال ما يتناوله من غذاء مكثف، أو ما يقوم به من عمل مكثف أو أي عامل آخر؟” ويمكن للعلم –في نظره- أن يتغلب على ظاهرة الشيخوخة، ومن ثم إطالة عمر الإنسان “إذا عزلت الأنسجة التي يتكون منها جسم الإنسان عن تلك المؤثرات المعينة أن تمتد بها الحياة، وتتجاوز ظاهرة الشيخوخة، وتتغلب عليها نهائياً.
الثاني: أن الشيخوخة “قانون طبيعي، يفرض على أنسجة جسم الإنسان وخلاياه بعد أن تبلغ قمة نموها أن تتصلب بالتدريج، وتصبح أقل كفاءة للاستمرار في العمل، إلى أن تتعطل في لحظة معينة حتى لو عزلناها عن تأثير أي عامل خارجي”، ويقرر “الصدر” أنه يمكن للعلم أن يؤجل “هذا القانون بخلق ظروف وعوامل معينة…”، ويمضي (الشهيد) قائلاً: ولئن لم يتح للعلم أن يمارس فعلاً هذا التأجيل، بالنسبة إلى كائن معقد معين كالإنسان، فليس ذلك إلا لفارق درجة بين صعوبة هذه الممارسة بالنسبة إلى الإنسان وصعوبتها بالنسبة إلى أحياء أخرى”.
ويصل –أي الشهيد الصدر والكلام للدكتور الدعجاني- إلى النتيجة التي يريد تقريرها قائلاً: (وعلى هذا الضوء نتناول عمر المهدي عليه الصلاة والسلام، وما أحيط به من استفهام أو استغراب، ونلاحظ: أنه بعد أن ثبت إمكان هذا العمر الطويل منطقياً وعلمياً، وثبت أن العلم سائر في طريق تحويل الإمكان النظري إلى إمكان عملي تدريجياً لا يبقى للاستغراب محتوى…).
ويجيب (أي الشهيد الصدر) عن إيراد يرد على ما قرره، يمكن صياغته في السؤال التالي: إذا كان طول العمر ممكناً علمياً، فكيف يطول عمر المهدي وهو قد سبق العلم في طول عمره؟!. هنا ينقل “الصدر” البحث إلى مجال آخر، إذ علقه بقدرة الله، ونقله إلى باب الإعجاز، ففي سياق تقريره عظمة الإسلام وقدرة الله في سبق العلم وحركته يقول متسائلاً تساؤلاً تقريرياً: (… فلماذا نستكثر على مرسل هذه الرسالة جل جلاله أن يسبق العلم في تصميم عمر المهدي؟)”[16].
ويعقب الدكتور الدعجاني على كلامه قائلاً: “ولا ريب في أن مجاوزة إنسان ما، أكثر من ألف عام، مع احتمال زيادة عمر آلاف السنين مستحيل استحالة مركبة من جهة الشرع، ومن جهة العقل والتجربة الحسية، فما بالك إذا كان هذا الإنسان صاحب الألف عام، الذي لا تجري عليه السنن الكونية من الشيخوخة والهرم، مختفياً في جماعة من أتباعه يدبر أمورهم ويراقبهم، وربما راسلوه وهم لا يشعرون به ألبته؟!!”[17].
الدليل الثاني: الإعجاز
يقول الدكتور الدعجاني: “والمراد به إقرار “الصدر” بأن طول عمر المهدي معجزة إلهية، يمكن لها أن تعطل السنن الكونية والقوانين الطبيعية، وفي ذلك لك يقول عن طريق طول عمر المهدي: (… لنفترض أنه غير ممكن علمياً، وأن قانون الشيخوخة والهرم قانون صارم، لا يمكن للبشرية اليوم ولا على خطها الطويل أن تتغلب عليه، وتغير من ظروفه وشروطه، فماذا يعني ذلك؟
إنه يعني أن إطالة عمر الإنسان –كـ “نوح أو “المهدي” –قروناً متعددة، هي على خلال القوانين الطبيعية التي أثبتها العلم بوسائل التجربة والاستقراء الحديثة، وبذلك تصبح هذه الحالة معجزة عطلت قانوناً طبيعياً في حالة معينة، للحفاظ على حياة الشخص الذي أنيط به الحفاظ على رسالة السماء، وليست هذه المعجزة فريدة من نوعها أو غريبة على عقيدة المسلم المستمدة من نص القرآن والسنة، فليس قانون الشيخوخة والهرم أشد صرامة من قانون انتقال الحرارة من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة حتى يتساويان، وقد عطل هذا القانون لحماية حياة إبراهيم عليه السلام)”[18].
ويعلق الدكتور الدعجاني على كلامه قائلاً: “يمكن –في صدد مناقشة هذا الوجه- أن أسجل الأمور التالية[19]:
أولاً: أن وصف الشيء بكونه معجزة فرع عن إثبات وجوده، فكيف يصح وصف الشيء بكونه معجزة، وهو لم يشاهد ولا يعرف له أثر حسي؟! ولا تكون المعجزة معجزة إلا إذا كانت موجودة في الواقع الخارجي مشاهدة ومحسوسة، حتى تؤدي رسالتها الإعجازية.
ثانياً: وإذا قيل إن وجود المهدي وخروجه واقع وهو معجزة، لكنها نقلت إلينا، فكما أننا لم نشاهد نار إبراهيم عليه السلام، التي تحولت إلى برد وسلام، ومع ذلك آمنا بها لأنها نقلت إلينا، فكذلك وجود “المهدي” وخروجه؟ فالنقل من طرق المعارف مثل الحس والعقل !! والجواب أن نقول: كيف يمكن الحكم على غيبة المهدي بالإعجاز؟ إذا علمنا أنه لم ينقل غيبته المزعومة إلا امرأة يقال لها: “حكيمة بنت محمد”؟…
فكيف–حينئذ-تعقل المساواة بين معجزة “إبراهيم” عليه السلام التي ثبتت بالتواتر المقطوع به، والتي كانت ظاهرة جلية بين خلق الله مشاهدةً محسوسةً، وبين ما يُدعى للمهدي من معجزة، والتي لم تنقل بطرق آحاد الثقات فحسب، بل نقلت من طريق امرأة مجهولة، وروايتها أبعد ما تكون عن التواتر؟! ، والغريب أنها معجزة لم يشهدها ولم يطلع عليها الناس، بل هي مختفية عن الأنظار ومع ذلك يدعي لها الإعجاز!!.
بعدها يختم كلامه بقوله: “إن مثل هذا الطرح لا يمثل العقل وإنما يمثل استقالته، ولا يمثل البرهان العقلي، وإنما يمثل العرفان الغنوصي المتستر بالعقلانية! ولا سبيل إلى حياة تلك الأسطورة لا إذا تغذت من “الّإيهامّ” وارتضعت من ّ”الألغاز” وعاشت في منطق ّ”الّإجمالّ” وهذا ما يفسر استحكامها في نفوس أتباعهم وحماستهم لها، فهناك ارتباط نفسي بين غموض العقيدة وتعظيما المقلدة لها”[20].
مناقشة ما طرحه الدكتور الدعجاني
يمكن إثبات بطلان ما نسبه الدكتور الدعجاني للشهيد الصدر من خلال النقاط التالية:
الأولى: الشهيد الصدر بين الإمكانية العقلية والوجود الخارجي:
للأسف الشديد أن الدكتور الدعجاني قد حرف كلام الشهيد الصدر عن مواضعه، لأن الشهيد الصدر من خلال الأدلة العقلية التي ساقها لم يكن بصدد إثبات وجود الإمام المهدي (ع) في الواقع الخارجي، وإنما كان بصدد الرد على من ينكر وجود الإمام المهدي (ع) لعدم تعقله لمسألة طول عمره الشريف، فكلامه في هذه النقطة كان مخصصاً بهذا الأمر، وليس متعلقاً بمسألة إثبات وجوده (ع) في الواقع الخارجي كما صور الدكتور الدعجاني، وهذا الكلام ليس من نتاج خيالي، بل هو ما يؤكد عليه الشهيد الصدر نفسه، إذ يقول:
“…ولكن التجسيد المذكور أدى في نفس الوقت إلى مواقف سلبية تجاه فكرة المهدي نفسها، لدى عدد من الناس الذين صعب عليهم أن يتصوروا ذلك ويفترضوه“[21]. وبعدها قام بعرض عدة تساؤلات عند بعض هؤلاء المشككون الذين صعب عليهم تصور طول عمره وافتراضه، مما يدلل على أنه كان بصدد توجيه المناقشة لهؤلاء في عدم تعقلهم لهذا الأمر، وسوف نكتفي بنقل بعض هذه التساؤلات نصاً كما كتبها الشهيد الصدر، وذلك لأهميته في التالي[22]:
“فهم يتساءلون! إذا كان المهدي يعبر عن إنسان حي، عاصر كل هذه الأجيال المتعاقبة منذ أكثر من عشرة قرون، وسيظل يعاصر امتداداتها إلى ان يظهر على الساحة، فكيف تأتى لهذا الإنسان أن يعيش هذا العمر الطويل، وينجو من قوانين الطبيعة التي تفرض على كل انسان أن يمر بمرحلة الشيخوخة والهرم، فيوقت سابق على ذلك جداً وتؤدي به تلك المرحلة طبيعياً إلى الموت، أوليس ذلك مستحيلاً من الناحية الواقعية؟
ويتساءلون أيضاً! لماذا كل هذا الحرص من الله –سبحانه وتعالى- على هذا الانسان بالذات، فتعطل من اجله القوانين الطبيعية، ويفعل المستحيل لإطالة عمره والاحتفاظ به لليوم الموعود، فهل عقمت البشرية عن انتاج القادة الأكفاء؟ ولماذا لا يترك اليوم الموعود لقائد يولد مع فجر ذلك اليوم، وينمو كما ينمو الناس، ويمارس دوره بالتدريج حتى يملأ قسطاً وعدلاً بعد ان ملئت ظلماً وجوراً؟
ويتساءلون أيضاً! إذا كان المهدي اسماً لشخص محدد هو ابن الإمام الحادي عشر من ائمة أهل البيت عليهم السلام الذي ولد سنة (256) هـ، وتوفي أبوه سنة (260) هـ، فهذا يعني انه كان طفلاً صغيراً عند موت أبيه، لا يتجاوز خمس سنوات، وهي سن لا تكفي للمرور بمرحلة اعداد فكري وديني كامل على يد أبيه، فكيف وبأي طريقة يكتمل اعداد هذا الشخص لممارسة دوره الكبير، دينياً وفكرياً وعملياً؟”.
وهناك غيرها من التساؤلات الأخرى التي طرحها الشهيد الصدر في بحثه، ولكن فيما ذكرناه كفاية للدلالة على ما نقول، علماً أن الشهيد الصدر بعد أن أورد هذه التساؤلات ذكر أن: “هذه اسئلة قد تتردد في هذا المجال وتقال بشكل وآخر، وليست البواعث الحقيقية لهذه الاسئلة فكرية فحسب بل هناك مصدر نفسي لها أيضاً، وهو الشعور بهيبة الواقع المسيطر عالمياً وضآلة أي فرصة لتغييره من الجذور، وبقدر ما يبعثه الواقع الذي يسود العالم على مر الزمن من هذا الشعور تتعمق الشكوك وتترادف التساؤلات”[23].
وأردف قائلاً: “وهكذا تؤدي الهزيمة والضآلة والشعور بالضعف لدى الانسان، إلى أن يحس نفسياً بإرهاق شديد لمجرد تصور عملية التغيير الكبرى للعالم التي تفرغه من كل تناقضاته ومظالمه التاريخية، وتعطيه محتوى جديداً قائماً على أساس الحق والعدل، وهذا الارهاق يدعوه إلى التشكيك في هذه الصورة ومحاولة رفضها لسبب وآخر”[24].
ومما يدلل على ما ذكرناه أيضاً؛ أن الشهيد الصدر بعد استعراضه للعديد من التساؤلات المطروحة حول قضية الإمام المهدي (ع) من ناحية عدم تعقلها بحسب قوله؛ نجده يبدأ بمناقشة هذه التساؤلات فيبدأ بالسؤال الأول ويضعه تحت عنوان (كيف تأتى للمهدي هذا العمر الطويل؟[25]) بقوله: “وبكلمة أخرى هل بالامكان ان يعيش الانسان قروناً كثيرة كما هو المفترض في هذا القائد المنتظر لتغيير العالم، الذي يبلغ عمره الشريف فعلاً أكثر من ألف ومائة وأربعين سنة، أي حوالي (14) مرة من عمر الانسان الاعتيادي الذي يمر بكل المراحل الاعتيادية من الطفولة إلى الشيخوخة؟”[26].
ويردف بقوله: “وكلمة الامكان هنا تعني أحد ثلاثة معان، الامكان العملي، والامكان العلمي، والامكان المنطقي أو الفلسفي…”[27]. ويواصل الشهيد الصدر شرح الأدلة التي تثبت إمكانية تحقق طول العمر من الناحية العقلية، ولا حاجة لتفصيل الكلام فيه، إذ سبق لنا استعراضه أثناء إيراد ما نقله الدكتور الدعجاني عنه.
وبهذا يتضح عدم صحة ما نسبه الدكتور الدعجاني من كون الشهيد الصدر أراد أن يتحدث عن إثبات وجود الإمام المهدي (ع) بالفعل في الواقع الخارجي عبر إثبات إمكان ذلك من الناحية العقلية، لأن الشهيد الصدر لم يكن بصدد البحث في إثبات وجوده (ع)، وإنما كان بصدد الحديث عن إمكانية استمرار عمره الطويل لمن لا يتعقل ذلك.
وحول هذه المسألة يقول الدكتور عبدالجبار شرارة: “لم ينطلق الشهيد الصدر في بحثه (قضية المهدي) من بديهيات ومقدمات مسلم بها عند الأطراف، ولم يعتمد تتبع القضية في كتب التفسير والرواية، أو مناقشة ما ورد بشأنها من أسانيد، وإنما سلك مسلكاً آخر، فبدأ بطرح الإثارات حول القضية وعرض التساؤلات والإشكالات المنتزعة مما قيل ويقال حول القضية، ثم بدأ بالمناقشة العميقة والدقيقة معتمداً الدليل العقلي، ومستنداً إلى معطيات العلم والحضارة المعاصرة…”[28].
ولذا من الغريب أن يحرف الدكتور الدعجاني كلامه، ومن ثم يأتي ليتهمه بعدة اتهامات كقوله بأنه وقع في مفارقة منهجية بسبب “محاولته اليائسة بأن يستدل على إثبات وجود المهدي في الخارج بإمكان تصوره ذهنياً” أو القول بأنه وقع في “الخلط بين الإمكان الذهني والواقع الخارجي”، وذلك لأن كلام الشهيد الصدر كان منصباً حول إثبات إمكان حصول هذه المسألة (طول العمر) من الناحية العقلية، وليس منصباً حول إثبات تحقق ذلك للإمام المهدي (ع) في الواقع الخارجي كما صور ذلك الدكتور الدعجاني.
الثانية: الإمكان العقلي لا يكفي لإثبات وجوده (ع)
نجد أن الشهيد الصدر بعدما أثبت إمكانية ذلك من الناحية العقلية فيما بحثه أولاً: تحت عنوان (كيف تأتى للمهدي هذا العمر الطويل؟) ناقش بعدها المحاور التالية: ثانياً: (لماذا كل هذا الحرص على اطالة عمره؟). ثالثاً: (كيف اكتمل اعداد القائد المنتظر). رابعاً: (كيف نؤمن بأن المهدي قد وجد؟) خامساً: (لماذا لم يظهر القائد إذن؟). سادساً: (وهل للفرد كل هذا الدور!) سابعاً: (ما هي طريقة التغيير في اليوم الموعود!)، وهذا ما لم يتناوله الدكتور الدعجاني نهائياً في كلامه عن الشهيد الصدر.
وما يهمنا هو بيان ما ذكره الشهيد الصدر حول المحور الرابع (كيف نؤمن بأن المهدي قد وجد؟) لأن فيه رد واضح وصريح على ما أدعاه الدكتور الدعجاني من أن الشهيد الصدر وقع في الخلط بين إمكان الوجود الذهني وبين تحقق وجوده في الواقع الخارجي فعلاً،
حيث يقول الشهيد الصدر: “ونصل الآن إلى السؤال الرابع وهو يقول: هب أن فرضية القائد المنتظر ممكنة بكل ما تستبطنه من عمر طويل، وإمامة مبكرة، وغيبة صامتة، فإن الإمكان لا يكفي للاقتناع بوجوده فعلاً. فكيف نؤمن فعلاً بوجود المهدي؟
وهل تكفي بضع روايات تنقل في بطون الكتب عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم للاقتناع الكامل بالإمام الثاني عشر على الرغم مما في هذا الافتراض من غرابة وخروج عن المألوف؟ بل كيف يمكن أن نثبت أن للمهدي وجوداً تاريخياً حقاً وليس مجرد افتراض توفرت ظروف نفسية لتثبيت في نفوس عدد كبير من الناس؟”[29].
ويردف قائلاً: “والجواب: إن فكرة المهدي بوصفه القائد المنتظر لتغيير العالم إلى الأفضل قد جاءت في أحاديث الرسول الأعظم عموماً، وفي روايات أئمة أهل البيت خصوصاً، وأكدت في نصوص كثيرة بدرجة لا يمكن أن يرقى إليها الشك.
وقد أحصي أربعمائة حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طرق إخواننا أهل السنة، كما أحصي مجموع الأخبار الواردة في الإمام المهدي عن طرق الشيعة والسنة فكان أكثر من ستة آلاف رواية، وهذا رقم إحصائي كبير لا يتوفر نظيره في كثير من قضايا الإسلام البديهية التي لا يشك فيها مسلم عادة.
وأما تجسيد هذه الفكرة في الإمام الثاني عشر عليه الصلاة والسلام فهذا ما توجد مبررات كافية وواضحة للاقتناع به. ويمكن تلخيص هذه المبررات في دليلين: أحدهما إسلامي، والآخر علمي”[30]. وبعدها يتحدث الشهيد الصدر عن ما أسماه بالدليل الإسلامي والدليل العلمي، ولا حاجة لنا في إيراد كلامه، لأنه خارج عن الهدف من هذا المقال.
ثالثاً: لماذا لم يتحدث الشهيد الصدر عن روايات وجوده (ع) مفصلاً؟
قد يتساءل البعض قائلاً: إذا كان كلامكم السابق صحيحاً، فلماذا لم يتحدث الشهيد الصدر حول مسألة إثبات وجود الإمام المهدي (ع) فعلاً في الواقع الخارجي مفصلاً من خلال مناقشة الروايات الواردة في هذا الشأن بشكل تفصيلي؟!
وللإجابة عن هذا السؤال نقول: إن ما كتبه السيد الشهيد الصدر بعنوان “بحث حول المهدي” كتب في أساسه كمقدمة لموسوعة الإمام المهدي (ع) للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر رحمه الله، ولذا كانت كتابته بما يتناسب مع كونها مقدمة لهذه الموسوعة، إذ لم يكتبه ككتاب مستقل، وعليه فيكون من غير المناسب أن يتطرق ويكرر ما جاء في بعض أبحاث هذه الموسوعة بحذافيره، وذلك لأن كاتبها السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر بحث فيها موضوع الإمام المهدي (ع) مفصلاً بما فيها الروايات الدالة على مسألة إثبات وجوده (ع) في الواقع الخارجي.
وهذا الكلام أيضاً هو ما ناقشه الدكتور عبدالجبار شرارة في مقدمته لكتاب “بحث حول المهدي” إذ طرح هذا السؤال: “لماذا لم يسلك السيد الشهيد منهج المتقدمين في البحث الروائي، ويضفي عليه من إبداعاته والتفاتاته ما يزيل الشكوك والتقولات التي تثار حول أسانيد الروايات، وتضعيف بعضهم لها؟”.
وأجاب عن هذا السؤال إجابة شافية ووافية لا مزيد عليها، وسوف نوردها فيما يلي[31]:
أولاً: لقد ذكر السيد الشهيد أن هناك عدداً هائلاً من الروايات بلغت رقماً إحصائياً لم يتوفر لأية قضية مشابهة من قضايا الإسلام، بل إن بعضهم حكى التواتر فيها، وعليه فليس بوسع مسلم إنكار ذلك أو عدم الاعتقاد بموجبه اللهم إلا لجهة أخرى، وليس هي إلا جهة تعقل المسألة، وقد حظيت باهتمامه وبالتركيز عليها.
ثانياً: إن أكثر المنكرين المعاصرين إنما أنكروها من زاوية عدم تعقل الفكرة أو تشخصيها وتجسيدها في إنسان ولد قبل قرون، وما يزال ذا وجود حي حقيقي. ومن هنا اتجه السيد الشهيد –بلحاظ أن القضية في حقيقتها إسلامية وليست مذهبية فحسب- إلى (عقلنتها) من جميع جهاتها أو ما يلابسها، تصوراً وقبولاً وواقعاً.
ثالثاً: إن شأن الإيمان بالمهدي شأن الإيمان بمطلق ما ورد من المغيبات مما ثبت عن طريق الرواية كسؤال منكر ونكير في القبر ونحو ذلك مما لم يرد في البخاري ومسلم، ومع ذلك فإن أحداً من أبناء الإسلام لا يسعه إنكاره.
رابعاً: إن الاختلاف بين المتعبدين بحجية الخبر الصحيح والإيمان بموجبه، وعدم جواز تكذيبه، إنما كان في مصداق القضية المتجسد في إنسان لا في أصل قضية المهدي، وهو مما احتاج إلى تقديم المبررات المنطقية والعلمية لقبوله.
خامساً: إن الذين أنكروا أو شككوا بالروايات الواردة في المهدي، وحاولوا تضعيفها ليسوا من أهل الفن والعلم بالرواية وبالأسانيد، ولذلك فليس ما يدعو إلى اتعاب النفس معهم كثيراً، بل لابد من الاتجاه إلى تثبيت العقيدة في نفوس المؤمنين وذلك (بعقلنتها) وتوظيفها لإصلاح شأنهم وشؤونهم.
ولقد تعامل السيد الشهيد مع قضية المهدي على أنها تجربة أمة، وقضية أمة، وحقيقة ثابتة تاريخية تعيشها الأمة شعوراً وأملاً وترقباً وانتظاراً إيجابياً فاعلاً ومؤثراً في حياتها وجهادها المستمر بلا هوادة في مواجهة الظلم والظالمين والطغاة والجبارين، هذا فضلاً على أن العلماء المتقدمين والمتأخرين قد أشبعوا هذا الموضوع بحثاً وتحقيقاً وناقشوا مناقشات وافية شافية كل الطعون والأقوال والتضعيفات المزعومة، وقد أشرنا إلى ذلك آنفاً.
سادساً: إن من التهافت، والخطل في الرأي بالنسبة إلى من يؤمن بموجب الخبر الصحيح، ويوجب تصديقه لمجرد وروده في البخاري حتى لو كان مصادماً لبعض الحقائق الطبيعية أو منافياً للعقل أو للذوق إذ يوجب تأويله حينئذ، حيث وردت مجموعة من الأحاديث والروايات مما يتنافى مع العقل والذوق في صحيح البخاري.
ثم عندما تصل النوبة إلى مسألة (المهدي المنتظر) على تعدد طرقها، وصحة أسانيدها في السنن والمسانيد، وعلى شرط البخاري ومسلم، نراه يتوقف أو يتحفظ أو يتردد، وليس لديه حجة إلا أن المسألة –حسب تصوره القاصر –من معتقدات الشيعة، مع أنها كما ثبت عقيدة السلف والخلف من جمهور الأمة على امتداد القرون.
سابعاً: إن بحث السيد الشهيد هو مقدمة موسوعة ضخمة تتناول بالبحث الروائي مسألة المهدي ألفها العلامة السيد محمد الصدر، والسيد الشهيد عليه السلام عبر عن أمله بالمؤلف وبأنه أوفى المسألة حقها ومن جميع جوانبها، ولذا فلا مبرر للبحث الروائي عنده”[32].
كلمة الختام
تناولت في هذا المقال ما نسبه الدكتور الدعجاني للسيد الشهيد محمد باقر الصدر، حيث اتهمه بالوقوع “في الخلط بين الإمكان الذهني والوجود الخارجي”، وذلك من خلال الأدلة العقلية التي ساقها في مسألة الإمام المهدي (ع)، وأثبتنا بطلان كلامه من خلال النقاط التالية:
الأولى: أثبتنا فيها أن الشهيد الصدر لم يكن في النقطة التي ذكرها الدكتور الدعجاني بصدد إثبات مسألة وجود الإمام المهدي (ع) فعلياً في الواقع الخارجي، وإنما كان بصدد الرد على من ينكر إمكانية وجوده لعدم تعقله لمسألة طول عمره الشريف.
الثانية: أثبتنا فيها من كلمات الشهيد الصدر نفسه بأنه يرى بأن “الإمكان لا يكفي للاقتناع بوجوده فعلاً” وكيف أنه اعتمد بعدها للقول بوجوده (ع) على الروايات الواردة عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته (ع)، وأنه تناول مسألة إثبات وجوده (ع) بعد حديثه عن الإمكان من خلال دليلين وهما: الأول: ما أسماه بـ “الدليل الإسلامي”. الثاني: ما أسماه بـ”الدليل العلمي”.
الثالثة: بينا فيها أن ما كتبه السيد الشهيد الصدر في “بحث حول المهدي” كان عبارة عن مقدمة لموسوعة الإمام المهدي (ع) للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر، ولهذا لم يبحث فيها الروايات الواردة في هذا الشأن بشكل تفصيلي، كما أوردنا النقاط التي ذكرها الدكتور عبدالجبار شرارة أيضاً.
[1] عقلنة الأسطورة.. قراءة نقدية للتناقض المنهجي في أصول عقيدة الشيعة الإثني عشرية.. الغيبة الكبرى نموذجاً. للدكتور عبدالله بن نافع الدعجاني، ص9 ، الطبعة الأولى 1435هـ/2014م تكوين للدراسات والأبحاث، السعودية-الخبر.
[2] راجع المصدر السابق، ص111.
[3] المصدر السابق، ص111-112.
[4] المصدر السابق، ص112.
[5] المصدر السابق، ص112.
[6] المصدر السابق، ص112-113.
[7] المصدر السابق، ص113-114.
[8] المصدر السابق، ص114-115.
[9] المصدر السابق، ص115.
[10] المصدر السابق، ص115-116.
[11] المصدر السابق، ص116-118.
[12] المصدر السابق، ص120-121.
[13] المصدر السابق، ص121.
[14] المصدر السابق، ص121-122.
[15] المصدر السابق، ص122.
[16] المصدر السابق، ص124.
[17] المصدر السابق، ص124-125.
[18] المصدر السابق، ص130.
[19] سوف ننقله بشيء من التصرف والاختصار.
[20] المصدر السابق، ص133.
[21] موسوعة الإمام المهدي، ص10، الطبعة الأولى 1427هـ -2006م مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع.
[22] المصدر السابق، ص10-12.
[23] المصدر السابق، ص11-12.
[24] المصدر السابق، ص12.
[25] جاء هذا العنوان في الكتاب الذي حققه الدكتور عبدالجبار شرارة للكتاب في ص53، وأما في مقدمة موسوعة المهدي فجاء العنوان (كيف تأتى للمهدي) فقط، ص12، ولكن هذا لا يغير من الأمر شيء، لأن الكلام الذي بعده يدل عليه.
[26] المصدر السابق، ص12.
[27] المصدر السابق، ص12.
[28] بحث حول المهدي تحقيق الدكتور عبدالجبار شرارة، ص28 الطبعة الثانية 1417هـ 1997م الغدير للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت- لبنان.
[29] المصدر السابق، ص83.
[30] المصدر السابق، 83-84.
[31] المصدر السابق، ص38 وما بعدها بتصرف بسيط جداً.
[32] المصدر السابق، ص38.
تحميل المقال