الإمام الخميني

الإمام الخميني .. وفهم الإسلام الأصيل / حوار مع سماحة الشيخ نعيم قاسم

الاجتهاد: يمكننا القول أن الإمام الخميني (قده) أحدث تغييرًا حقيقيًّا بإزاحة الشوائب عن الإسلام، وإيقاف الهجمة المادِّية وتأثيرها, والتي تركَّزت على اعتباره أفيونًا للشعوب أو أنه لا يُواكب متطلبات العصر، ليعرض أمام العالم كله الإسلام الصافي النَّقي الذي يصلح لقيادة الأمَّة.

في حوار لمجلة اللقاء مع سماحة نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم حفظه المولى كانت لنا جملة من الاسئلة طرحناها على سماحته تتمحور حول الحمهورية الاسلامية في ايران وقيادتها وكانت الاجوبة التالية :

أدرك الإمام الخميني(قده) في مسيرته المباركة نحو تحكيم الإسلام في مناحي الحياة، أن هناك فهماً مغلوطاً للدين في ظل انحسار واقع المسلمين السياسي والعالمي، وبسبب التركة الثقيلة للاستكبار وهيمنته عبر أدواته الثقافية والسياسية والإعلامية، والتي تغذي واقع المسلمين بخططها ومشاريعها، جعل فهم الإسلام في ظل هذا الواقع -بحسب فهم الإمام(قده)- يتأرجح بين فكرٍ متحجر لا يرى دوراً للإسلام إلا في مساحاتٍ ضيقة ومحدودة وبين فكر التقاطي يأخذ فتاته من هنا وهناك، في ظل هذا الواقع طرح عنوان (الإسلام المحمدي الأصيل)

الى أي مدى تمكن هذا الفكر الاصيل من ايجاد صدى له في المجال الشيعي فكرياً وسياسياً.

استطاع الإمام الخميني (قده) أن يرسم خطًا مميزًا بعنوان “الإسلام المحمدي الأصيل”، هذا الخط مبنيٌ على قاعدة “لا شرقية ولا غربية” على المستوى الثقافي الفكري، وعلى المستوى السياسي في مسألة عدم التبعية ،

وقد عرض الإمام الخميني(قده) بأنه يريد أن يُعيد الإسلام إلى جذوره التي أتى بها النبي الأكرم محمد(ص) الذي قال: “حلالُ محمد حلالٌ إلى يوم القيامة وحرامُه حرامٌ إلى يوم القيامة”، وقد اعتمد الإمام الخميني(قده) هذه القاعدة, مستبعدًا كل الإضافات التي جاءت بطريقة غير صحيحة إلى الإسلام، وكل العادات التي أُلصقت به، والأعمال التي نُسبت إلى التوجه الإسلامي وهي خارجة عنه، وهو بذلك يكون قد قدَّم الإسلام نقيًّا, عائدًا به إلى الأصول.

ونحن نعتبر أن المنعطف الكبير هو بطرحه ولاية الفقيه, حيث استطاع أن يسرِّي الفكر الإسلامي في منظومة الدولة, بدءًا من دستورها، ومرورًا بالتطبيق العملي لهذا الدستور، ووصولًا إلى تبني الشعب لهذه الأطروحة مع ما تعنيه من عودة إلى الفقيه في حسم المسائل ومعرفة التوجه الثقافي العام والسياسات المُتَّبعة للدولة وللمسلمين.

إذًا يمكننا القول أن الإمام الخميني(قده) أحدث تغييرًا حقيقيًّا بإزاحة الشوائب عن الإسلام، وإيقاف الهجمة المادِّية وتأثيرها, والتي تركَّزت على اعتباره أفيونًا للشعوب أو أنه لا يُواكب متطلبات العصر، ليعرض أمام العالم كله الإسلام الصافي النَّقي الذي يصلح لقيادة الأمَّة.

بعد احدى واربعين سنة من انتصار الثورة الاسلامية المباركة وما يقارب الثلاثين عاما من ولاية الامام السيد علي الخامنئي حفظه الله ما هي الانجازات الفكرية والتطويرات البنائية لنظام ولاية الفقيه ؟

اليوم لدينا تجربة رائدة في إيران، ولدينا نظام ولاية الفقيه الذي يعتبر جزءًا لا يتجزأ من الدستور، أي أنه لم يعد مجرد إيمانٍ يتطلب إلتزامَ الأفراد به وبالنظام الإسلامي بل هو جزءٌ من الدستور، أي جزءٌ من منظومة الحياة التشريعية وقيادة المعاملات وعلاقات الناس مع بعضها من ضمن الدستور الإيراني.

الأمر الثاني: استطاعت إيران أن تقدم تجربة إسلامية في الحكم.

الأمر الثالث: تمكن الإمام الخامنئي(مدَّ ظله) من رعاية أربع ملتقيات فكرية استراتيجية طويلة الأمد, لتوجيه كل الأجهزة في الجمهورية الإسلامية حول مبادئ الإسلام، وهي: ملتقى النموذج الإسلامي – الإيراني للتقدُّم, ملتقى العدالة, ملتقى المرأة والأسرة, وملتقى الحرِّية.

الأمر الرابع: استطاعت إيران أن تُكرِّس مبدأ الانتخابات والاستفتاء الشعبي, حيث حصل إلى الآن 37 استفتاء وانتخاب خلال 41 سنة في مجالات مختلفة، سواء في انتخابات مجلس الشورى, أو مجلس خبراء القيادة، أو انتخاب الرئيس، أو الاستفتاء على الدستور أو على تعديلاته، ولم يُبدل موعد أي استفتاء أو انتخاب في أصعب الظروف بما فيها أثناء الحرب العراقية الإيرانية.

خامسًا: ثبَّت الإمامان الخميني والخامنئي قاعدة عدم التبعية للغرب، واستطاعا أن يكرسا إيران كدولة إقليمية كبرى مؤثرة تستثمر مواردها بشكل داخلي، وتمنع هدر إمكانات إيران إلى الشرق أو إلى الغرب.

سادسًا: تقدَّمت إيران في مجالات عديدة، في المجال الصناعي والعسكري والعلمي، وعلى مستوى الجامعات والانتاج الزراعي، وفي كل المجالات الاقتصادية، واستطاعت أن تُقدِّم تجربةً علمية مهمَّة جدًا وشهِد لها العالم بذلك، إضافة إلى إنجازات أخرى كثيرة استطاعت إيران أن تحققها.

كان الإمام الخميني (ره) من بين مجتهدي الشيعة العظام ذا أبعادٍ متعدّدةٍ من حيث سعة الرؤية، فكان فيلسوفاً عارفاً، فقيهاً، اُصولياً، من أهل الحديث والقرآن. تجمّع كلّ هذا في مرحلة التهذيب، وكان ينظر إلى الأمور بنظرة منفتحة شمولية.

ونقل عن الفقيه والفيلسوف آية الله الشيخ الجوادي آملي(دام ظله): ان الإمام الخميني أنسى من سبقه من العلماء وأتعب من سيأتي بعده. أين السيد القائد من هذا كله وانتم ممن كتب عن العالمين الجليلين والقائدين العظيمين؟

كتبتُ كتابين: كتاب الإمام الخميني- الأصالة والتجديد، أعرض فيه رؤية وأبرز إنجازات الإمام الخميني(قده) بما يواكب العصر وبنظرة إسلامية أصيلة، وكتاب “الوليُّ المُجدِّد” عن الإمام الخامنئي(مدَّ ظله)، وفيه رؤيته الإستراتيجية ونظرته إلى مختلف القضايا المطروحة في إيران والعالم اليوم.

استطيع القول بعد هذا التَّبحر في حياة هذين العالمين الجليلين، أنَّ كل منهما قدَّم نموذجًا يؤسِّس لمسار جديد ويمثِّلُ قدوة حقيقية.

يمكنُ القول أنَّ الإمام الخميني(قده) بحق: قائد الثورة ومؤسس الدولة الإسلامية ومثبِّت قواعدها, كما توجَّه إلى مسلمي العالم في قضاياهم، من موقع قيادته للأمة. وأنَّ الإمام الخامنئي(مدَّ ظله) بحق: حامل الراية وباني الدولة الإسلامية ورافع أعمدتها، كما تابع قيادة الصحوة الإسلامية في العالم بتوجيهاته ورعايته. الأوَّل أسَّس الاتجاه، والثاني ثبَّتَ دعائمه، وسيبقيان مؤثرين في مستقبل الأجيال والمنطقة.

لقد نظّر الإمام الخميني (ره) للإسلام المحمدي الاصيل وبدأ بخطواته العملية لتحقيقه في ارض الواقع من خلال قيام نظام الجمهورية الإسلامية. هل نحن امام نقلة نوعية في المستقبل القريب في ظل التحديات والمستجدات الاقليمية والدولية وفي ظل تكوين محور اقليمي للمقاومة؟

أولًا: من يراقب التطورات التي حصلت في المنطقة منذ 41 سنة حتى الآن، يجد أن هناك تغييرًا جذريًا في الكثير من القضايا، لقد كانت المنطقة متجهة إلى تزعُّم إسرائيل لقيادة الشرق الأوسط، وإذ بالإمام الخميني(قده) يستبدل هذا المسار بمسار أولوية المقاومة ونهضة الشعوب لتحرير فلسطين وتحرير المنطقة، ومنع الأجنبي من السيطرة عليها.

ثانيًا: لقد ثبَّت الإمام الخميني(قده) دعائم في إيران تابعها الإمام الخامنئي(مدَّ ظله)، جعلت إيران تصمد 41 سنة أمام كل أشكال العقوبات والتضييق والإعلام المُغرض والإساءة والتكالب الاستكباري ضد إيران, والحرب المفروضة عليها من قبل العراق لثماني سنوات بدعم دولي من الشرق والغرب على حدٍّ سواء. هذا الصمود والاستمرارية يعبِّران عن أصالةٍ وتأثير حقيقي في هذا الشعب الإيراني الذي تحمل كل هذه العقبات.

ثالثًا: نحن الآن أمام محور للمقاومة في المنطقة يحقق الانتصار تلو الانتصار في مقابل المحور الدولي الذي ترعاه أمريكا والذي يمتلك كل الإمكانات القادرة على أن تقهر أي جماعة أو أي محور، ومع ذلك صمد محور المقاومة واستطاع أن يحقق الإنجازات الكثيرة.

محور المقاومة أحيا قضية فلسطين في داخل فلسطين ومن خلال الشعب الفلسطيني المجاهد، وأنجز إخراجًا لإسرائيل من الأرض اللبنانية في أيار سنة 2000, ونجاحًا وهزيمة لإسرائيل في عدوان تموز سنة 2006، كذلك ضرب هذا المحور داعش ومنظومتها المموَّلة والمدعومة أمريكيًا وغربيًا وبذلك يكون قد أسقط المشروع التكفيري الخَطِر ثقافيًا وسياسيًا وعمليًا على كل المنطقة وعلى كل الأمة الإسلامية.

رابعًا: منع سقوط سوريا في يد المشروع الإسرائيلي, وهي الآن تستعيد عافيتها تدريجيًا بعد حرب استمرت وهي مستمرة حتى الآن منذ سنة 2011. لقد أنقذ هذا المحور العراق من احتمال أن يسقط بيد الإرهاب التكفيري من خلال جهاد الشعب العراقي والحشد الشعبي وكل الأطياف والفصائل العاملة برعاية المرجعية في العراق، كذلك صمد اليمن واستطاع أن يمنع سرقة خيراته وقراره من قبل السعودية ومَنْ وراءها. نحن أمام إنجازٍ وانتصارات كبيرة ستؤثر على صياغة المنطقة في المستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky