الاجتهاد: أراد الائمة عليهم السلام ان تكون عظمة اهل البيت(عليهم السلام) وشيعتهم متمحورة ومرتكزة على قبر الإمام الحسين عليه السلام ان وجود التأكيد في الروايات على الزيارة بما في ذلك النساء والاطفال يدل على ان مسألة استحباب الإمام الحسين(ع) ليست امرا شخصيا بل هي الوجه الاجتماعي للشيعة اهل البيت عليهم السلام. و بما أن زيارة الأربعين على الأعتاب في هذه الأيام فمن المناسب ان نذكر بعض الامور المتعلقة بزيارة الإمام الحسين عليه السلام.
من جملة الأبحاث المهمة الروائية والاعتقادية هي زيارة الإمام الحسين عليه السلام التي ورد فيها روايات كثيرة في أبواب مختلفة من الحديث وقد أورد محدثينا بعض الرويات في هذه الزيارة، وأرى من المؤسف جدا أن لا نتعرض إلى هذه الروايات ولو إجمالا.
يجب على كل طالب علم ان يلاحظ هذه الروايات والنقاط المهمة جدا ويستفيد منها، والعناوين التي أوردها صاحب الوسائل لهذه الروايات عبر عنها بتعابير مهمة جدا مثلا باب تأكد استحباب زيارة الحسين بن علي (عليهما السلام) ووجوبها كفاية، وهذا يعني ان صاحب الوسائل فهم من هذه الروايات الاستحباب المؤكد بل الوجوب الكفائي.
وردت في هذه الروايات تعبيرات عجيبة أولاً: نفس الأئمة عليهم السلام اكدوا على هذه الزيارة في الوسائل الباب 37 الحديث 7 حيث ورد: مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَقِيلَ لِي ادْخُلْ فَدَخَلْتُ فَوَجَدْتُهُ فِي مُصَلَّاهُ فِي بَيْتِهِ فَجَلَسْتُ حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ فَسَمِعْتُهُ يُنَاجِي رَبَّهُ وَ هُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ يَا مَنْ خَصَّنَا بِالْكَرَامَةِ وَ وَعَدَنَا بِالشَّفَاعَةِ وَ خَصَّنَا بِالْوَصِيَّةِ وَ أَعْطَانَا عِلْمَ مَا مَضَى وَ عِلْمَ مَا بَقِيَ- وَ جَعَلَ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْنَا اغْفِرْ لِي وَ لِإِخْوَانِي وَ زُوَّارِ قَبْرِ أَبِيَ الْحُسَيْن(صلوات الله علیه) »؛
ثم يقول عليه السلام في وصف زوار الامام الحسين (عليه السلام: «الَّذِينَ أَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ وَ أَشْخَصُوا أَبْدَانَهُمْ رَغْبَةً فِي بِرِّنَا وَ رَجَاءً لِمَا عِنْدَكَ فِي صِلَتِنَا»؛ ثم يقول: «وَ سُرُوراً أَدْخَلُوهُ عَلَى نَبِيِّكَ وَ إِجَابَةً مِنْهُمْ لِأَمْرِنَا وَ غَيْظاً أَدْخَلُوهُ عَلَى عَدُوِّنَا»
وهذا يعني ان زيارة الإمام الحسين(عليه السلام) تشتمل على عنواني التولي والتبري ثم دعى الامام الصادق عليه السلام في سجدته أدعية مهمة حيث قال: «فَارْحَمْ تِلْكَ الْوُجُوهَ الَّتِي غَيَّرَتْهَا الشَّمْسُ وَ ارْحَمْ تِلْكَ الْخُدُودَ الَّتِي تَتَقَلَّبُ عَلَى حَضْرَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنِ(ع) وَ ارْحَمْ تِلْكَ الْأَعْيُنَ الَّتِي جَرَتْ دُمُوعُهَا رَحْمَةً لَنَا». إلى اخر الرواية حيث يقول: «يَا مُعَاوِيَةُ مَنْ يَدْعُو لِزُوَّارِهِ فِي السَّمَاءِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَدْعُو لَهُمْ فِي الْأَرْض»
وفي حديث آخر: «قَالَ لِي يَا مُعَاوِيَةُ لَا تَدَعْ زِيَارَةَ الْحُسَيْنِ(ع) لِخَوْفٍ فَإِنَّ مَنْ تَرَكَهُ رَأَى مِنَ الْحَسْرَةِ مَا يَتَمَنَّى أَنَّ قَبْرَهُ كَانَ عِنْدَهُ»؛ ثم يقول عليه السلام: «أَ مَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ بِالْمَغْفِرَةِ لِمَا مَضَى وَ يُغْفَرَ لَكَ ذُنُوبُ سَبْعِينَ سَنَةً أما تحب ان تکون غدا ممن یصافحه الملائکة أَ مَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا وَ لَيْسَ عَلَيْهِ ذَنْبٌ يُتْبَعُ بِهِ أَ مَا تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ غَداً مِمَّنْ يُصَافِحُهُ رَسُولُ اللهِ(ص) » ان كل من يزور الإمام الحسين (عليه السلام) في الدنيا سيصافح رسول الله صلى الله عليه واله في الاخرة.
وبناء على هذا فزيارة الحسين عليه السلام مستحب مؤكد بل واجب كفائي ومن جانب اخر ان ترك هذه الزيارة من المكروهات وهذا يعني ان الإنسان يستطيع زيارة الإمام الحسين عليه السلام ولا يوجد موانع فترك الزيارة من المكروهات ولو ان عبدا يحج كل عمره ولكنه لا يأتي قبر الحسين(عليه السلام) فقد ترك حقا من حقوق رسول الله(صلي الله عليه وآله)> لكان تارکاً حقاً من حقوق رسول الله< وقد ورد في بعض التعبيرات عاق لرسول الله( صلى الله عليه واله).
مسيرة الأربعين :
ومن جملة الابواب التي جاء فيها زيارة الامام الحسين (عليه السلام) ويوجد فيه حث النساء على زيارة الحسين (عليه السلام) بالرغم من ان الاسلام يحاول قدر الامكان الحفاظ على النساء من ان تقع في نظر الاجنبي ويرجح قد الامكان عدم خروجها من المنزل ولكن نجد ان الشارع هنا يحث النساء على زيارة الحسين عليه السلام. فقد ورد ان الامام الصادق عليه السلام قال لأم سعيد الاحمسية: «یا أُمَّ سَعِيدٍ تَزُورِينَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ قَالَتْ قُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ لِي زُورِيهِ فَإِنَّ زِيَارَةَ قَبْرِ الْحُسَيْنِ وَاجِبَةٌ عَلَى الرِّجَالِ وَ النِّسَاءِ»،
وهذا الوجوب ليس بمعنى الوجوب الفقهي وانما المقصود تأكد استحباب زيارة الامام الحسين عليه السلام على النساء والرجال.
فالمرأة التي وضع عنها الجهاد في سبيل الله والجهاد في سبيل الله هو ان ينبري الانسان للدفاع عن الدين والمرأة وضع عنها الجهاد، وأما زيارة الامام الحسين (عليه السلام) فقد ورد الحث في الروايات على الزيارة بما فيها الرجال والنساء فيستحب للنساء زيارة الامام الحسين(ع).
ومن جملة النقاط المتعلقة باستحباب المشيء لزيارة الحسين (ع) هي انه ذكر البعض ان الروايات الوردة في استحباب المشي من قوله( له بكل خطوة حسنة) اي ان الله عز وجل يعطي زائر الحسين (ع) مقابل كل خطوة حسنة ان هذا مختص بالزائر الذي يدخل كربلاء ويستقر في منزله ثم بعد ذلك يخرج من منزله ماشيا لزيارة الامام الحسين، ولكن هذا الكلام مخالف تمام لاطلاق الروايات.
حيث يستفاد من الروايات ان هذا الثواب ثابت لكل زائر من اي نقطة مشى نحو كربلاء ولو عن بعد الاف الفراسخ ولا يختص الامر بالزوار الذين استقروا في مدينة كربلاء، بل وردت بعض الروايات التي تصرح بالخروج من منزل الزائر مثل قوله: «من خرج من منزله یرید زیارة الحسین بن علی(ع) إن کان ماشیاً کتب الله له بکل خطوةٍ حسنة»، والمقصود بالمنزل هنا الوطن المكان الذي يسكن ويستقر فيه وليس المكان الذي يستقر فيه في كربلاء وقد وردت روايات كثيرة في استحباب المشي.
في الآونة الأخيرة ، يقول بعض الجهلة الذين لم يطلعوا على الروايات، والذين يريدون أن يكونوا مثقفين، ما هذه الصنيعة التي فعلتموها لدرجة أن الجميع يسير هذه الأيام ويشجع الناس على المشي لزيارة الحسين. وبعضهم تجاوز هذا وقال ما هذه الشيء الذي ابدعتموه. بينما في رواياتنا التشجيع والحث على الزيارة مشياً على الأقدام وبالسيارة. هناك صور منذ مائة عام تحكي وجود اشخاص يذهبون مشياً من النجف إلى كربلاء ، لا بد أنها كانت من قبل ولا ندري ، لأنه منذ زمن الأئمة كان أتباع الأئمة عليهم السلام يعملون بهذه الروايات وربما يكونون أكثر تقييدًا منا في العمل بهذه روايات.
يقول الامام عليه السلام ان كان ماشيا «کتب الله له بکلّ خطوةٍ حسنة و محي عنه سیئة حتی إذا صار في الحائر کتبه الله من الصالحین» فاذا زاره >کتبه الله من الفائزین» «حتی إذا أراد الانصراف اتاه ملکٌ فقال له أن رسول الله(ص) یقرئک السلام و یقول لک استأنف العمل فقد غفر لک ما مضي».
وروايات المشي كثيرة وفيها تعابير لطيفة جدا فاذا درسها المحقق الفقيه وتأمل فيها يستخرج منها نقاطا كثيرة وكذلكل بالنسبة الى يوم الاربعين يتأكد الاستحباب اي ان زيارة الامام الحسين عليه السلام في حد ذاتها مستحبة في جميع الاوقات فاذا جاء يوم الاربعين تأكد الاستحباب بشكل اكثر.
وقد وردت زيارة الأربعين في الرواية المعروفة عن الامام العسكري(عليه السلام) حيث يقول: «علامات المؤمن خمس صلاة الاحدي والخمسین و زیارة الأربعین و… < يحتمل ان المراد هو قراءة زيارة الاربعين التي تشتمل على فقرات مهمة وهي بحاجة الى جلسات من البحث بحيث يتم الحديث عن كل واحدة من عباراتها . ويحتمل قويا ان المراد هو زيارة الاربعين اي الذهاب الى كربلاء وزيارة الامام الحسين عليه السلام في العشرين من صفر، ويؤيد ذلك الروايات الواردة في هذا المجال.
من جملة النقاط التي تطرح في استحباب زيارة الإمام الحسين عليه السلام والتي تم التأكيد عليها ان الزيارة هي من مظاهر محبة رسول الله(ص) وامير المؤمنين عليه السلام وفاطمة الزهراء(س) وهذا الامر عجيب حيث ان تضمين الزيارة بنية حب رسول الله (ص) وحب امير المؤمنين عليه السلام وفاطمة الزهراء عليها السلام فحينما تزور الحسين عليه السلام زره حبا لرسول الله وامير المؤمنين وفاطمة (عليهم السلام)
وقد ورد عن الامام الصادق عليه السلام: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ أَيْنَ زُوَّارُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ» وما اهم زوار الحسين 0ع) بحيث ينادى باسمهم كما ينادى اين الرجبيون؟ «فَيَقُومُ عُنُقٌ مِنَ النَّاسِ لَا يُحْصِيهِمْ إِلَّا اللهُ تَعَالَى فَيَقُولُ لَهُمْ مَا أَرَدْتُمْ بِزِيَارَةِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ(ع)»؛ احيانا نكون قد قصدنا الامام الحسين (ع) بالزيارة ونطلب حاجتنا ونصلي ركعتين لكن المهم في الزيارة ان يكون ذلك حبا لرسول الله ص) «فَيَقُولُونَ يَا رَبِّ أَتَيْنَاهُ حُبّاً لِرَسُولِ اللهِ وَ حُبّاً لِعَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ رَحْمَةً لَهُ مِمَّا ارْتُكِبَ مِنْهُ فَيُقَالُ لَهُمْ هَذَا مُحَمَّدٌ وَ عَلِيٌّ وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ فَالْحَقُوا بِهِمْ فَأَنْتُمْ مَعَهُمْ فِي دَرَجَتِهِمْ الْحَقُوا بِلِوَاءِ رَسُولِ اللهِ فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى لِوَاءِ رَسُولِ اللهِ فَيَكُونُونَ فِي ظِلِّهِ وَ اللِّوَاءُ فِي يَدِ عَلِيٍّ(ع) حَتَّى يدخلون الْجَنَّةَ جَمِيعاً».
ويستفاد من هذه العبارة نقطتين:
النقطة الاولى: ان الانسان يفهم جيدا من هذه الرواية ومن هذا الاستحباب وهذا الترغيب والحث ان هذا الحكم ليس حكما فرديا بمعنى ان الائمة عليهم السلام مثلا يريدون ان نحصل على الثواب كما في صلاة النوافل مثلا حيث ان الانسان من خلال اداء النوافل يحصل على الثواب، كلا بل الحق ان الانسان حينما يتأمل في هذه الروايات يفهم ان الائمة عليهم السلام من خلال حثهم وترغيبهم على زيارة الحسين (ع) يرديون من ذلك ان تكون عظمة اهل البيت(عليهم السلام) تظهر وترتكز على زيارة قبر الامام الحسين (ع).
ان ما يستفاد من الروايات من استحباب الزيارة حتى بالنسبة الى النساء بل حتى الاطفال دليل واضح على ان استحباب زيارة الامام الحسين (عليه السلام) لم من باب الحكم الفردي بل هو حكم اجتماعي ومستحب مؤكد على شيعة أهل البيت عليهم السلام ان يزوروا الحسين عليه السلام «حبّاً لرسول الله و لفاطمة»، وهذا يعني ان هذا الحكم من قبيل الحكم الوارد في الاية الكريمة «انما یرید الله لیذهب عنکم الرجس اهل البیت»
وبناء على هذا فليس المسألة الاستحباب الفردي فحسب بل ان هناك مسالة اجتماعية ومن هنا كلما كان اقامة هذه الزيارة بشكل افضل و اكبر وعلى احسن وجه فهو مطلوب للائمة المعصومين (عليهم السلام)، ومن هنا فلا معنى للاشكال على الترغيب والحث على زيارة الاربعين فليس الامر ان هناك مجموعة يذهبون الى زيارة الحسين (ع) ويرجعون، بل اليوم اصبحت هذه الزيارة اي زيارة الاربعين مظهر من مظاهر قوة الشيعة وعظمة اهل البيت (عليهم السلام).
النقطة الثانية مرتبطة بالنقطة الاولى ان الجنبة السياسية لزيارة الاربعين مهمية على الجنبة العبادية فحينما يأتينا الحث والترغيب من اهل البيت عليهم السلام بزيارة الامام الحسين(ع) لكي ندخل السرور على قلب رسول الله (ص) ونغضب بذلك الاعداء فهذا هو البعد السياسي فكما ان الكعبة محور وقطب لاظهار التوحيد ونفي الشرك فقبر الامام الحسين(عليه السلام هو قطب مرتبط برسول الله وجميع اهل البيت(ع) والائمة المعصومين(ع) وهو محور اظهار محاربة اعداء اهل البيت (ع) والتبري منهم. ونامل من الذين يوفقون للحضور والمشاركة في هذه المراسيم ان يقيموها باحسن وجه ويزورا بالنيابة عمن لم يوفق للزيارة.
ومن جملة المستحبات الاستنابة في زيارة الامام الحسين(عليه السلام) وهذا التوفيق كبير جدا في ظروف خطيرة على الاسلام والتشيع وهو هذا الزمان فان شوكة الاسلام تقوى اليوم ببركة اهل البيت عليهم السلام.
ونسأل الله تعالى ان يحفظ الزائرين في هذا العام من جميع شرور الاعداء ويوم بعد يوم يزداد فخر الشيعة وعظمة اهل البيت (عليهم السلام).
وصلی الله علی محمد و آله الطاهرین
المصدر: موقع الشيخ اللنكراني