الدكتور محمد شقير

استجابة الفقه لمتطلبات العصر.. حوار مع الشيخ الدكتور محمد شقير

خاص الاجتهاد: أجرت شبكة الاجتهاد حواراً مع الباحث والكاتب الشيخ الدكتور محمد شقير، وهو استاذ في الجامعة الإسلامية في لبنان وكذلك في الحوزة العلمية في لبنان وصدر له العديد من الكتب والدراسات والابحاث في المجالات الدينية والفكرية والاجتماعية.

سافر الدكتور محمد شقير إلى إيران عام 1990 وهو ابن العشرين وانتسب فیها بجامعة الإمام الصادق(عليه السلام) في طهران، مع أنه کان یدرس في السنة الثالثة في الجامعة اللبنانية في مجال الفلسفة بشكل عام وموازیا له ایضا، کان في السنة الثالثة في الحوزة في لبنان.

لم یکمّل في جامعة الإمام الصادق “عليه السلام” لبعض مشاکل إدارية فعاد إلى لبنان، وفي عام 1993 ذهب إلى قم وبقي إلى سنة 2003 فیها ولکن لم یقطع دراسته في الجامعة في لبنان. في حوزة قم تمرکز في الفقه والأصول وبجانبهما قلیلا من الفلسفة و بعض الإشتغالات البحثية والكتابية.

ترجم حوالي ستة عشر كتابا من اللغة الفارسية إلى العربية منها بعض الكتب في الفلسفة مثل شرح البداية لشيخ الربّاني الكلبايكاني وأيضا « المعرفة الدينية » الذي هو ردّ الشیخ صادق لاريجاني على الدكتور سروش في نقد کتاب «القبض والبسط».

حضر الدكتور محمد شقير في البحث الخارج علی الراحل آیة الله السيد محمود الهاشمي الشاهرودي في الفقه والأصول وآیة الله السيد کاظم الحائري والمرجع الديني آیة الله الشيخ وحيد الخراساني. كما كان یذهب الى بریتانیا للتبليغ واهداف علمیة. فمثلا سجّل للدكتوراه في لندن ولکنه لم ینتسب الیها، لانه وجد الدكتوراه في الجامعة اللبنانية هي الأفضل له. کتب رسالته الدكتوراه في موضوع: «فلسفة الدولة في الفكر السياسي الشيعي، ولاية الفقيه نموذجا».

ولاية الفقيه.. دراسة في التوقيع الشريف إلى اسحاق بن يعقوب .. أ.د محمد شقير

الحوزة العلمیة عندها مجموعة نقاط للقوة لمواكبة العصر، المنهج الاجتهادی انموذجا:

موضوع الحوار هو: “استجابة الفقه لمتطلبات العصر” ما هو رؤيتكم في هذا المجال؟

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد و آله الطيبين الطاهرين

بداية أنا أقدر جداً إهتمامكم بهذا المجال لأنه مجال مهم جداً وحيويّ و ضروريّ و تترتب عليه نتائج كثيرة. وأنا شخصياً اعتقد بأن الحوزة الشيعية عندها مجموعة نقاط للقوة ليتوفر أساس لمواكبة العصر والإجابة على مجمل الإشكاليات والأسألة التي تطرح ولمواجهة مجمل التحديات الموجودة بأي عصر.

لكن بنفس الوقت هناك مجموعة قضايا والمواد ربما تحتاج إلى مزيد من التأمل أو التفكير، وقد يترتب عليه تطوير بنية هذه الحوزة وتطوير مجمل القضايا الموجود عنده من أجل أن تكون أقدر على مواجهة التحديات.

نقاط قوة ربما تكون بالإجمال أو بشكل الآخر واضحة بالنسبة لنا. على سبيل المثال منهج الاجتهاد الموجود عند الشيعة، منهج يمتلك القدرة على هضم مجمل التطورات الموجودة. نحن نعرف على سبيل المثال أن حجیة القطع لدينا، ايّ منتج علمي اذا وصل إلى درجة القطع من أي علم أتى ومن أي مصدر أتى، إذا وصل إلى درجة القطع ممكن أن نأخذ فيه، لأنه ما حكم به العقل بهذا المورد حكم به الشرع.

أن العقل هو حفظ التجارب، بناء على تعريف الإمام علي “عليه السلام” في نهج البلاغة، فهذا يسمح لنا فی أي علم من العلوم سواءً العلوم الطبيعية أو إنسانية، تعتمد المنهج التجربي أو غيره، إستخدام هذا المنهج التجربی إذا كان يفضي بمكان أو آخر، إلى إنتاج العلم أو إلى الوصول إلى القطع.

بالتالی يمكن لهذا المنهج الاجتهادي أن يستوعب هذا المعطى وأن يهضم هذا المنتج من أجل أن يرتّب عليه حكم شرعي.

أهمية هذا الموضوع أنه يوفّر أدات منهجية وآلية منهجية من أجل مواكبة العصر والإستفادة من مجمل الخبرات والنتائج التي العقل البشري والعلوم الإنسانية على إختلافها ربما تفيدنا فيها في مجال أو آخر. هذا على سبيل المثال وطبعاً فيه نقاط قوة أخرى.

البنیة المؤسساتیة للحوزة العلمیة خاضع للنقاش والتطوير:

لكن إذا نريد أن نتكلم عن أمور ثانية، ربما نحن نحتاج إلى أن نتأمل فيها، بتقديري بهذا المورد، في عدة قضايا لابد من البحث فیها بعمق.

لكن قبل ذلك اسمح لي أشير إلى أمر: نحن نحتاج أن نفرق بين أمرين: بين مضمون العلوم الدينية وبين البنية المؤسساتية التي تحتضن هذا العلوم الدينية بهدف تدريسه ونشره و… إلى ما هنالك وترتيب جمله من آثاره عليها.

العلوم الدينية هي علوم منزلة، يعني ما جاء في القرآن الكريم وما جاء في السنة. أما بنية هذه المؤسسة، وأنا أتحدث عن مجمل الأمور التي ترتبط بهذه البنية، هذا الأمر هو خاضع للنقاش وخاضع للتطوير وخاضع للتجديد وخاضع للإصلاح ويمكن لهذه البنية أن نستفيد من مجمل المعطيات التي من خلالها، وعلى أساسها نستطيع أن نطور بهذه البنية.

يعني مثلا على سبيل المثال؛ نحن إذا كنا نعتقد بأن هدف الحوزة الدينية هو أمرين بشكل الأساسي: ليتفقهوا في الدين ولينذروا قوماً إذا رجعوا إليهم.

الذي يقوم بهذا العمل التبليغي قد يحتاج إلى العديد من العلوم والخبرات والتخصصات أو المهارات. و ربما هذه الخبرات أو العلوم أو المهارات ليس موجود بالمناهج القدیمة ولكن الآن توجد علوم ممكن أن تفيدنا بتقديم هذه الخبرات والمهارات التي تساعد على أن هذا المبلغ الديني يصير عنده قدرة أكثر على: لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم.

هل أستطيع أن أقول وهل من الصحيح أن أقول أنه هذا هو المنهج الحوزوي الذي ورثنا عن الآباء والأجداد وبالتالي لا ينبغي أن يكون هناك تغيير؟ أم لا، يجب أن أقول أن هذه البنية المؤسساتية بما في ذلك هذا المنهاج التعليمي أو المنهاج الدراسي، يجب أن يؤدي وظيفتين بشكل الأساسي: الوظيفة الأولى؛ ليتفقه في الدين والثانية؛ لينذروا قومهم، وإذا كان إنذار القوم يحتاج إلى بعض العلوم أو المهارات التي لم تكن موجودة سابقاً والآن موجودة، فما المانع من إدخالها في منهج؟

بل، ألا يجب أن يتم ادخالها في المنهج، لا أقول من باب مقدمة الواجب، بل من باب أن هذه حكمة وخذوا الحكمة ولو من المنافق، واطلبوا الحكمة ولو من المنافق.

طبعاً هذه الأمور تساعدنا على تأدية واجباتنا وعلى القيام بهذه الوظائف الملقات على عاتق هذه المؤسسة. فما المانع من ذلك و الإستفادة من هذه العلوم؟

حصر الإنشغال المؤسسة الحوزوية في الجانب الفقهي لا ينسجم مع مشروع تنظیم الحیاة:

الأمر الثاني هو أن القرآن الكريم يقول: ليتفقهوا في الدين وعندما اتحدث عن التفقه في الدين، معنى ذلك أن هذا الأمر يتطلب فهم الدين. إذا كان الدين بالنسبة إلي، هو مشروع تنظيم الحياة بمختلف ابعاده، ليتم تأسيس الإجتماع الإنساني والمجتمع الإنساني على أساس هذا الدين، فهمي للدين يقول بأن هذا الدين يستوعب كل القضايا وكل المسائل سواءً كانت ترتبط بالجانب الشرعي: فقه الأحكام، أو بالجانب الإعتقادي أو القيمي أو الأخلاقي أو التربوي أو الإجتماعي أو السياسي أو الى ما هنالك.

إذا كان الدين يستوعب كل هذه القضايا وإذا كان واجبی أن أتفقه في الدين، هذا يعني أنّ المطلوب مني أن اتفقه في مجمل هذه القضايا.

بالتالي، حصر الإنشغال المؤسسة الحوزوية في الجانب الفقهي بالمعنى الذي كان موجوداً قبل عشرات السنين، هذا الأمر قد لا ينسجم مع ما جاء في هذه الآية الكريمة، ولا ينسجم مع فهمي للدين ولوظائف الدين ولفلسفة هذا الدين، بالتالي إذا كنت أعتقد بأن الدين يجب أن يعتنى بمجمل هذه القضايا و إذا كان فهم الدين يؤخذ من الحوزات العلمية،

هذا يعني أن الحوزات العلمية يجب أن تكون على مستوى مناهجها الدراسية تستوعب مجمل تلك القضايا التي ترتبط بمختلف المجالات، ولكن ما نجده الآن هو إن منهاج الحوزوي يقتصر الى حدٍّ بعيد على الأصول والفقه. حتى في ما يرتبط بالفقه على جملة العناوين التي أعتادت الحوزات أن تهتم بها، وأعتاد الأساتذة والطلبة أن يدرّسوها و يُدرسوها في هذه الحوزات.

الدراسة التخصصیة في الحوزة تساعد علی تعمّق أکثر وعلی إنتاج أكثر:

هذه المقاربة ربما تؤدي إلى هذه النتيجة أنه ما المانع من أن تكون الدراسة الفقهية، دراسة تخصصية، و هذه التخصصية أن تقوم قائمة على أساس الحقول المعرفية؟

يعني يمكن أن يكون هناك حقل اقتصادي، فليكن هناك فقه إقتصادي. وقد يكون هناك حقل سياسي، فليكن فقه سياسي، وقد يكون هناك حقل أسري على سبيل المثال، فليكون هناك فقه الأسرة، سواء في مرحلة السطوح أو في مرحلة البحث الخارج.

هذه التخصصية تساعدنا على تعمق أكثر في هذه المجالات وتساعدنا على إنتاج أكثر وتساعدنا على أن نفتح هذه المناهج الدراسية لإستيعاب بعض العلوم التي قد تساعدنا على أن يكون الاجتهاد الذي نمارسهم، وفهمنا للدين الذي نتوصل اليه، أن يكون أكثر سعة وإستيعاباً لمسائل العصر وأكثر قدرة على تلبية حاجات الواقع.

الاجابة عن اشکالیات دور العقل فی مجال إستنباط الاحکام:

بعض الأساطين بالنسبة لقاعدة: «كل ما حكم به العقل حکم به الشرع» يقول: أنها كبرى لا مصداق لها في الشرع. أي أن هذه القاعدة صحیحة فقط وليس هناک مصداقا لها. أي في الأحكام العقلیة الواضحة یوجد لدینا ادلة لفظیة فلا نحتاج لهذه الکبری، وأما الأحكام التي یمیل لها العقل، فإنها لیست بأحکام عقلیة قطعیة. .

ومع غضّ النظر عن هذه الإشكالية، هناک بعض أعلام الأصول لا یعتقد بکلیة هذه القاعدة. ویضرب لها أمثلة نقضیة، مثل مقدمة الواجب، فإن العقل یحکم بوجوب المقدمة ولکن لا یستکشف منه حکم الشرع بوجوب المقدمة. ومع غض النظر أيضا عن هذه الإشکالیة، فكلامنا في العلوم الجديدة، التي هی مبتنية على الظن و ليس فیها حکم عقلی قطعي مئة بالمئة.

کیف یتلائم هذا مع المنهج الفقهی؟! إذا قیل أن أحد نقاط القوة في الاجتهاد الفقهي هو جانب العقل، یمکن التصدیق بوجوده أي أحد أدلة الأربعة هو دليل العقل ولكنه دليل رقيق لا يأخذ به كمستند يستخرج منه أحكام شرعية. كيف یمکن الارتباط بين الفقه ومثلا علم الإجتماع. بين الفقه وعلم الاقتصاد و بين الفقه والعلوم الجديدة؟! کیف تستخرجون من العلوم الجدیدة أحكام عقلية قطعیة؟!

الدكتور محمد شقير: نحن نتحدث كبروياً ولا نتحدث صغروياً. أنت لا تستطيع أن تقول الآن، أنّ كل العلوم لاتقدم نتائج يقينية، أو كل ما تقدمه ليس يقيني، ولا تستطيع أن تقول العكس. أنت لديك ميزان ولديك قاعدة ولديك كبرى، وهو أنه إذا أي علم من هذه العلوم أعطى نتيجة يقينية، منهجك الاجتهادي قادر على إستيعابها، وإذا قال بعض فقهائنا سابقاً أنه إلى الآن، لا توجد إلا هذه الأمور المعدودة، هذا بناءً على استقراء كانت موجودة سابقاً وبحجم سعة الإستقراء التي كانت موجودة سابقاً.

أنت ربما إذا ذهبت وقمت بعملية إستقراء أخرى في مجال علمي أو آخر، أو في مجال من مجالات العلوم الإنسانية أو آخر، ربما تصل إلى نتائج مختلفة. أنا أو أنت لم نذهب لنستقرء كل العلوم الإنسانية ولم نستقرء كل العلوم الطبيعية لنقول بأنه هنا تفيد اليقين، وهناك لا تفيد اليقين. نحن لدينا ميزان في هذا الأمر، أهمية هذا الميزان أنه يقيم عملية وصل منهجية صحيحة مع هذه العلوم. هذا الوصل يسمح بتفاعل إيجابي مع هذه العلوم.

فائدة أخری لتفاعل الفقه مع العلوم الجدیدة:

لكن الفائدة لا تقتصر على هنا. يعني الاطلاع على هذه العلوم والمعارف، تترتب عليه أيضاً نتائج أخرى مهمة. هذه النتائج هي في المورد التالي. نحن نعتقد بأن النص الديني (النص ليس بالمعنى الأصولي بل بالمعنى الفكري) في دلالاته يستوعب مجمل القضايا التي ترتبط بالفرد وبالمجتمع وبالإجتماع العام وإلى ما هنالك.

ما الذي يجعل الفقيه ينبري من أجل أن يبحث عن معنى أو آخر في هذا النص الديني وفي طبقاته المعرفية؟ الجواب : الإشكالية التي تطرح. بمقدار ما تطرح من أسئلة ومن إشكاليات، و بمقدار ما يمكن أن يستفاد من هذه الأسئلة والأشكاليات من أجل محاولة إستنباط تلك المعاني المتضمنة في النص الديني، يعني بمعنى آخر هذه الأسئلة تتحول إلى ما يشبه المعاول التي تحفر في باطن هذا النص الديني للوصول إلى المعاني التي لم تكن ربما مكتشفة من ذي قبل.

عندما نذهب إلى علم الاجتماع، أو العلوم الاجتماعية، ويطّلع الفقيه على هذه العلوم الاجتماعية وهو بالأساس قد اعتنى بذلك الجانب من النص الديني الذي يعنى بالجانب الاجتماعي والعلوم الاجتماعية، هو يمكن أن يستفيد من هذه العلوم الاجتماعية من أجل أن يقوم بعملية تدوير لهذه المسائل الاجتماعية بحيث تصبح بمثابة أسئلة يستخدمها في إكتشاف المعاني المتضمنة في النص. هو إطلع على هذه العلوم، لم يأخذ مسائل هذه العلوم على عواهنها وإنما حوّلها إلى أسئلة.

أعاد إنتاجها لتصبح بمثابة إشكاليات، أسئلة وإشكاليات تطرح على النص الديني، وهو أيضاً فقيه، وبالتالي هو يستفيد من هذه الأسئلة والإشكاليات من أجل أن يصل إلى المعاني الاجتماعية الموجودة في النص الديني، وإلى نظريات الاجتماعية الموجودة في النص الديني، وبالتالي هو يستفيد من هذه العلوم من أجل أن يكتشف تلك المعاني والنظريات ذات الصلة بهذه العلوم الموجودة في النص الديني.

نحن تاريخياً نعتقد بأن التغير الاجتماعي أو التطور الاجتماعي كان يسهم في تطوير فهمنا للدين والنص الديني. هذا جانب من جوانبه. فأنا حتى لا ابقى منفعلاً لماذا لا أبادر من أجل أن أستفيد بطريقة منهجية صحيحة من مجمل هذه العلوم من أجل أن أطوّر فهمي للنص الديني، و من أجل أن أكتشف تلك المعاني التي لم تكن موجودة أو التي لم تكن مكتشفة من قبلي في النص الديني.

التخصصیة فی الفقه یمکن أن تکون أقرب إلى الوصول إلی الواقع:

المحاور: لتطوير المنهج الفقهی قد یقال بالتخصص، في مثل علم الطب، هناک اختصاص عيون، اختصاص قلب، و …. صحيح أن التخصص لها مميزاتها، لكن لها سلبياتها ایضا. مثلا طبيب القلب یصف للمریض أدوية، بعد ما تستخدم الادویة أشهرا، بعد مراجعة طبيب داخلي مثلا، يقول ما هذه الأدوية؟ هذا يسبب کذا وکذا!!! يعني المتخصص ليس له رؤیة كاملة للدين؟ التخصص لها سلبياته ما هو ردكم على مثل هذه الاشكاليات؟

الدكتور محمد شقير: أليست التخصصية يمكن أن تكون أقرب إلى الوصول إلى الواقع؟ المتخصص هو أكثر علماً في تخصصه. ومن يكون أكثر علماً، هو مظنة أن يكون أقرب إلى الواقع.

المحاور: ما هو دليل حجية هذا الظن؟

الدكتور محمد شقير: نحن فی مسألة تقليد الأعلم، علی أی أساس نذهب إلة تقليد الأعلم؟

المحاور: القطع
الدكتور محمد شقير: بماذا؟

المحاور: بحجية طريق المجتهد للمقلّد.

الدكتور محمد شقير: أنت تتحدث بشكل عام. ولكن عندما تكون بين الأعلم وغيرالأعلم، ما الفرق بين الأعلم وبين غیرالأعلم؟

المحاور: شهادة عدلين.

الدكتور محمد شقير: أقول من حيث العلاقة مع الواقع، مظنة، أن يكون أقرب إلى الواقع وإلى الحكم الشرع الواقعي. وهذا الأمر يمارس عقلائياً. إذا ابتلى شخص بمرض ما، قال له هذا المرض له علاقة في القلب هو لا يذهب الى الطبيب صحة عامة. يذهب إلى طبيب مختص في القلب! أكثر من ذلك إذا قال له هذا طبيب أكثر مهارة وله باع طويل في هذا المجال فإنه يذهب إليه، لأنه هو يرى بأنه هذا الطبيب الذي يتصف بهذه المواصفات يمكن أن يوصله إلى الرأي الأصح.

الزواج المدني، بحث في أهم الإشكاليات الفكرية والدينية والاجتماعية.. قراءة وعرض

المحاور: اذا تسمحون أن ننزّل الموضوع من جانب فكري ونظري إلى أرض الواقع. أنتم في مجال الزواج المدني، لکم التجربة في الكتاب الذی ألفتموه. وقريباً عقدتم مؤتمر في هذا الموضوع وشارك فيه أحد علماء المسيحيين وأحد العلماء السنة. الزواج المدني، كإشكالية وردت لكم في لبنان، بعض الطوائف قدّمتها لرئيس الجمهورية وأنتم عارضتموه. ما هو تجربتكم؟ يعني ننزل هذه النظرية التي تفضلتم به على الزواج المدني و ما حصل لكم.

الدكتور محمد شقير: ربما يكون الموضوع مختلفاً بعض الشيء. في هذا المورد هناک من يطرح منظومة الزواج المدني لتكون بديلاً عن منظومة الزواج الشرعي، أو بتعبير أدق، يعني كما هو مستخدم في المصطلحات العلمية لتكون منظومة الأحوال الشخصية المدنية بديلاً عن منظومة الأحوال الشخصية الدينية أو الشرعية.

يعني أن نقول للفقه الإسلامي أو للفقه الجعفري أنه مطلوب منك أن تجلس جانباً وأن يأتي ما يقوله الحقوق الفلاني؛ فرنسي أو غير فرنسي، ليكون محل هذه الأحكام الدينية والإلهية.

طبعاً نحن موقفنا هو الرفض. يعني رفض هذا الزواج المدني أو منظومة الأحوال الشخصية والمدنية ومجمل المشاريع التي طرحت في هذا المجال. لكن في المقابل يمكن لنا نحن أن نستفيد من هذا الجدل على سبيل المثال: أنه عندما يحاولون أن يبرّروا طرحهم لمشروع الزواج المدني، فإنهم يعتمدون على موضوع العلم والعِلمية و النّظريات العلمية. طبعاً يمكن نحن أن نذهب إلى هذه النظريات العلمية، من أجل أن نستفيد منها أولاً على المستوى الجدلي وثانياً على مستوى كما ذكرنا قبل قليل إغناء البحوث الفقهية لدينا في هذا المجال.

الإستفادة الثانية أنه، أليس من الممكن أن يكون لدينا نوع التخصص فيما يرتبط بالفقه الأسرة وأن أستفيد من مجمل هذه العلوم التي لها علاقة بفقه الأسرة، من أجل تقديم الإجابات الكافية والشافية والتي تلائم العصر شكلاً ومضموناً في ما يرتبط بالتساؤلات المطروحة أو الشبهات المطروحة أو الإشكاليات القائمة، ليكون ما تُقدّمُه الحوزة في هذا الأطار أو المؤسسة الدينية في هذا الإطار ليكون قادراً على مواجهة هذه التحديات المجتمع وحاجيات المجتمع والتحديات التي لها علاقة بالجدل مع هذه الجماعات العلمانية و غيرها.

علینا ان نستفید من العلوم التی عنت بهندسة المنهاج للعمل علی موضوع المنهاج الحوزوی:

أحد الأمور التي ينبغي أن يعمل اليوم عليها في تقديري هو موضوع المنهاج الحوزوي.

تعلمون بأن صناعة المنهاج لأي مؤسسة هو أصبح علم. يعني أنت إذا أردت أن تقوم بإعداد منهاج لمؤسسة، هناك معايير وموازين وهناك ضوابط وهناك آليات وطريقة التفكير للوصول إلى هذا المنهاج الذي يخدم أهداف هذه المؤسسة. بأعتبار أن المنهاج يتم بناءه على هدف المؤسسة وظروف الواقع، الأمرين معاً. هدف المؤسسة كما ذكرنا ليتفقهوا في الدين وبينذروا قومهم.

أما ظروف الواقع تختلف بين زمان وآخر تختلف بين مكان وآخر وبالتالي يجب أن يتكيف المنهاج مع هذه الظروف ولعل هذا الأمر يمكن أن نستفيد من تعبير القرآن الكريم: ولينذروا قومهم، وما قال : ولينذروا، وعندما يقول قومهم، يعني هناك خصوصية لهذا القوم. يجب أن يحمل من العلوم الدينية وأن يحمل من المعطيات العلمية والمهارات ما تساعده على أن يخاطب هؤلاء القوم، وأن يكون ناجحاً مع هؤلاء القوم. بالتالي هذا المنهاج على مستوى بناءه يجب أن يلحظ مجمل هذه الظروف القائمة و الموجودة.

ما أريد قوله أنه في تخطيط وبناء المنهاج الحوزوي علينا أن نستفيد من تلك العلوم التي عَنَت بهندسة المنهاج وبناء المنهاج الحوزي. لأن المنهاج الحوزوي، هو المنهاج التعليمي والدراسي. هو الذي يبني أفكارنا وعقولنا ومفاهيمنا.

فبمقدار ما يكون هذا المنهاج منهاجاً متطوراً وقادراً على الإستجابة لأهداف الدين من جهة ولحاجات الواقع وخصوصياته من جهة أخرى، بمقدارها تنتج خرّيجين قادرين على الإستجابة لهذا الواقع وعلى الامتثال للتحديات الواقع وعلى النجاح في مهامّهم التبليغية والدينية  وإلى ما هنالك.

بعض الأفكار تعیق التطویر فی المنهاج التعلیمی:
أقول هذا الكلام، لأنه هناك فكرة موجودة لدى البعض مفادها التالي: أنه هناك حوزة، وبالتالي أي تغيير يمسّ هذه الحوزة فهو لا يقبله، لأن الحوزة لن تبقى إذا حصل هذا التغيير.

أنا في أعتقادي أن هذه الطريقة من التفكير طريقة لا تصل الى عمق المطلب وكأن البعض لديه تصور عن نمط معين من الحوزة وهذا التصور له علاقة بتلك الحاجيات والظروف التي كانت قبل مئة عام أو مئتي عام. وبالتالي هو تمسك بهذا النموذج ورأى أي تغيير مساس بهذا النموذج وبالتالي هو يرفض أي تغيير طالما أن هذا التغيير سوف يمس هذا النموذج، و كأن الأولوية بنسبة اليه هو هذا النموذج الذي أعتاد عليه، ويرى فيه أنه حوزة وليس تلك الأهداف الأساسية للدين على مستوى التفقه وعلى مستوى: لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم. هذه الطريقة من التفكير تعيق عملية تطوير المنهاج التعليمي.

يعني اسمح لي أن أطرح هذا السؤال: ما هو المعيار لنقول هذه حوزة أو هذه ليست بحوزة ؟ ما هو المعيار؟ المعيار هو ما إعتدنا عليه وما وجدنا عليه أساتذتنا و آباءنا و الى ما هنالك في الحوزة؟ هذا هو المعيار!؟ أم أن المعيار يجب أن يكون: ما يخدم أكثر التفقه في الدين، و ما يخدم أكثر لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم، مع الأخذ بعين الإعتبار الظروف الواقع.

في اعتقادي أن المعيار ليس ما وجدنا عليه أساتذتنا وآباءنا في هذا الموضوع وإنما المعيار هو ما يخدم التفقه في الدين وما يخدم القيام بهذا الوظائف التي أشرنا إليها.

بالتالي إذا ذهبنا لنقول بأن هذا المعيار يؤسس لإمكانية الإستفادة من مجمل المعطيات الموجودة لدينا لتطوير هذا المنهاج الحوزوي؛ وأكثر من ذلك أعود وأقول؛ لتطوير بنية الحوزة في مجمل مجالاتها.

الاجتهاد الجماعی یمکن أن یوصلنا إلى نتایج أفضل وأقرب الی الواقع:

على سبيل المثال، عندما نأتي إلى الاجتهاد، الاجتهاد لدينا كيف يمارس؟ هنا كمجموعة من الذين بعد أن يدرسوا الخارج وبحث الخارج لمدة ما، يشرعون في التدريس ومن ثُم يتوصلون إلى رأي أو آخر من خلال تدريسهم. كل أستاذ من هؤلاء هو في قاعته في مدرسته في حوزته بمعزل عن الآخر.

هنا أريد أن أطرح هدا السؤال: الا يمكن أن نصل إلى صيغة من صيغة الاجتهاد الجماعي؟ هنا أتحدث بآلية العمل الاجتهاد. ألا يمكن أن نقول بأن الاجتهاد الجماعي يمكن أن يوصلنا إلى نتائج أفضل؟ هذا یختلف عن التخصصية التي تحدثنا فيها قبل قليل.

الا يمكن أن أقول بأنه لو إجتمع مجموعة من المجتهدين الذين عندهم تخصص، وحاولنا أن ننظم طريق البحث وادارة هذا الفريق البحثي الاجتهاد بطريقة ما، هادفة وصحيحة، ألا يمكن أن نقول عندها بأن هؤلاء اقدر على الوصول الى نتائج أفضل، أو على الوصول على نتائج أقرب الى الواقع؟ لماذا لا نعمل على تعزيز أو على تحقيق مقولة الاجتهاد الجماعي. والعديد من الدراسات في علم الإدارة تقول بأن العمل الفريقي يصل إلى نتيجة أفضل علمياً وعملياً. من يستفيد منّا من موضوع الشورى وموضوع يد الله مع الجماعة وإلى ما هنالك ؟ ما الذي يمنع من ذلك؟

یمکن إعادة النظر فی بنیة المؤسسة الحوزویة علی کافة المستویات حتی موضوع المرجعیة:

أنا أقول بأنه يمكن أن يعاد النظر في بنية المؤسسة الحوزوية على كافة المستويات. حتى إذا نأتي إلى موضوع المرجعية. هذه الفكرة في أساسها يمكن ليست جديدة. لماذا نحن لا نعمل على تكوين مؤسسة مرجعية للشيعية في العالم؟ وتكون هناك مؤسسة واحدة على رأسها فقيه ضمن مواصفات ما.

لو إفترضنا أن هذا الفقيه بمكان ما توفيّ أو إلى ما هنالك، الذي يحصل هو أن رأس هذه المؤسسة يتغير. لا المؤسسة. المؤسسة تبقى. وهذه المؤسسة يمكن أن تضمّ مجمل أو جميع مجتهدي الشيعة ويكون عمل هؤلاء المجتهدين بناءً على صيغة الإجتهاد الجماعي.

المحاور: هذه الفكرة لا تأخذ الحرية من المجتهدين؟ فتصير الحالة حالة إدارية وما ادراک من سلبيات الإدارة. المجتهد ینتمی إلى المؤسسة ویتبع قرارات المؤسسة. ونفس المؤسسة اذا اشتهرت وکان لها دور في المجتمع تصیر هدفا للسیاسیین والطماعین و … و یحاولون التأثیر علی قراراتها بشکل أو آخر؟

فلسفة الدولة في الفكر السياسي الشيعي، ولاية الفقيه نموذجاً + تحميل الكتاب

الدكتور محمد شقير: الموضوع يختلف. هناك بعض المؤسسات الدينية التي تتحدث عنها، هي مؤسسات ترتبط بالدولة وتابعة للدولة. المطروح هنا لا أن تصبح المرجعية التابعة للدولة كمؤسسة، وإنما تبقى المؤسسة مستقلة. أنا أريد أن أسئل هنا: أليست هذه المرجعيات الشيعية الموجودة حالياً هي مؤسسات صغيرة؟

المحاور: و لكن حرة.

الدكتور محمد شقير: أنت في تقديرك، ما هی الأولوية؟ أهی لهذه الحرية أم لخدمة أهداف الدين وأهداف مدرسة أهل البيت(ع)؟ سؤال الذي يطرح هو: عندما تكون المؤسسات كل منها على حدة، تعطي نتيجة أفضل؟ أم عندما تتكون من خلال هذه المؤسسات الصغيرة مؤسسة كبيرة يمارس هؤلاء الحرية ضمن هذه المؤسسة الكبيرة، ألا تكون النتائج أهم و أفضل؟ و الا تكون القدرة هناك أفضل لهذه المؤسسة الدينية على القيام بوظائفها بشكل أفضل؟

أنا أعطيك مثال : نحن نعرف أن موضوع الحكمة ليست مقتصرة على المؤمن بالمعنى الخاص. إعمل مقارنة جرئية بين المؤسسة الدينية أسمها فاتيكان، وبين بعض المؤسسات الدينية الأخرى. أي مؤسسة من المؤسسات التي ترى لها حضوراً على المسرح العالمي وتأثيراً أقوى على المسرح العالمي وأدواراً أخرى على هذا المسرح.

هل نحن عاجزون عن هذا؟ ألا نمتلك نحن الإمكانيات والمقدّرات التي تسمح لنا بهذا الأمر؟ لكن الذي يحصل هو أن البعد الفرداني يغلب علينا. يعني لا نستطيع أن نجمع هذه القوى المتفرقة من أجل أن تشكل قوة واحدة ومؤسسة واحدة في مورد الكلام، تكون أقدر على القيام بهذه الوظائف وأقدر على القيام بهذه المهام التي نتحدث عنها.

عندما نأتي إلى بعض تجارب المرجعية في هذا المجال. ألا نلاحظ بأن هذه التجارب تحتاج إلى تطوير؟ ألا تجد بأنه أحيانا هذه الأموال التي يؤتى بها الى المرجعيات، لا يتم توظيفها بشكل أفضل؟ ألا تحتاج الإستفادة من هذه الأموال إلى علوم و إلى متخصصين و إلى …

بالتالي ربما عندما لديك هذه الإمكانيات المالية عندما تكون في يد مؤسسة لديها أقسام تعنى بالجانب الإداري و الى الخبرات الإدارية و خبرات أخرى ذات علاقة بهذه الجوانب المالية، هذا من الممكن أن يسمح لك بتوظيف هذه الأموال و إستخدامها بشكل أفضل لخدمة أهداف الدينية التي تسعى إليها.

فضلاً عن امور الأخرى لها علاقة بجانب الإجتماعي و بجوانب أخرى. أنا في تقديري نحن لا ينقصنا الإمكانيات، سواء من بشرية أو من مالية أو إلى ما هنالك، و إنما نحتاج إلى تغيير طريقة نظرنا إلى الإمور على مستوى بنية هذه المؤسسة الحوزوية وصولاً إلى بنية المرجعية و ما سوى ذلك.

 

فلسفة الدولة في الفكر السياسي الشيعي، ولاية الفقيه نموذجاً + تحميل الكتاب

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky