خاص الاجتهاد/ أيّ القواعد الفقهية توجب الدفاع عن فلسطين؟

في حديث حصري له مع موقع «الإجتهاد» قام الدكتور حسين رجبي أستاذ جامعة الأديان والمذاهب في إيران بتحليل ودراسة الزوايا الفقهية لمسألة الدفاع عن فلسطين وقال: هناك قواعد فقهية كثيرة توجب الدفاع عن فلسطين. وفيما يلي النص الكامل للحوار:

هل دعم الدول الاسلامية الأخرى ضد الظلم والظالم واجب على المسلمين و الحكومات الاسلامية؟

أحد المواضيع الجديدة التي يجب أن تؤخذ على محمل الجد في الحوزات العلمية الشيعية منها والسنّية في هذا السياق هي تبيين الأسس الفقهية لهذا الأمر على أساس المذاهب.

أعتقد أن القرآن هو الأساس الأولي في موضوع محاربة الظالمين و المستكبرين الذين يهاجمون الدول الإسلامية أو يقوموا باحتلالها.

فدلالة القرآن مقبولة لدى جميع المذاهب الاسلامية باعتباره أصل فقهي. لذلك إذا قمت بمراجعة الكتب الفقهية فستجد أن موضوع الجهاد هو أحد المواضيع الجدّية وهو من ضروريات الإسلام. مثلاً في آية «ما لکم لاتقاتلون في سبيل الله و المستضعفين من الرجال و النسا و الولدان»، (سورة النساء، الآية ۷۵)، فالله سبحانه وتعالى لا يقول المسلمين بل يقول إذا تعرّض المستضعفون من الرجال والنساء للظلم فينبغي على المسلمين النهوض للدفاع عنهم. هذه الآية تحدد سياسة المجتمع الاسلامي.

كذلك لا يوجد مكان يجيز لنا أن نتحدث مع اسرائيل ونقيم معها علاقات تجارية؛ لأن القرآن ينفي ذلك بآيات مثل هذه الآية «اذن للذين يقاتلون انهم ظلموا». هناك آية أخرى في هذا السياق تقول في البداية  «لا ينهاکم عن الذين لم يقاتلوکم في الدين و لم يخرجوکم عن ديارکم ان تبروهم و تقسطوا اليهم». هنا تتحدث الآية عن الأشخاص الذين لم يظلموكم ولم يخرجوكم من دياركم، فيقول القرآن تعاملوا معهم بالبرّ والقسط. لكنّ الجملة التالية من الآية تقول «انما ينهاکم الله عن الذين قاتلوکم في الدين و اخرجوکم من ديارکم و ظاهروا على اخراجکم».

توضح هذه الآيات بوضوح خارطة الطريق لجميع الدول الاسلامية بما في ذلك العلماء و الحوزات و الحكومات. وإذا تحركت الحكومات عكس خارطة الطريق القرآنية هذه فيجب على الناس أنفسهم مواجهتها.

هل هناك اختلاف في هذا الحكم بين مذهب ساكني هذه الدول؟

 إنّ آية «ما لکم لا تقاتلون في سبيل الله و المستضعفين»، لا تطرح الإسلام فقط، بل تحمل الموضوع على المستضعف. بين المذاهب أيضاً لا يوجد أي مذهب ولا أي فقه يميز بينها ويقول مثلاً إذا تعرض بلد شيعي للهجوم فلا يساعده السنّة أو لا ينبغي عليهم المساعدة، بل على العكس و الآيات فيها إطلاق. والفقه يقول هذا أيضاً.

يعني إذا تعرّض مثل النواصب والدواعش والوهابيوم للظلم فينبغي أن ندعمهم؟

يجب أن أقول بداية أنه ليس لدينا الآن نتواصب. وإذا كانوا موجودين ففي الماضي. الوهابية و داعش ليس لديهم عداء و معارضة وبغض لأهل البيت(ع) لنقول أنهم مصداق للناصبي. إنهم بحسب الشبهة الموجودة لديهم حول موضوع الأماكن و العتبات لديهم كلام يتحدثون به. لكن إذا تعرّضوا للهجوم فليس من واجبنا الدفاع عنهم لأنهم أهل بغي و مصدر للفتنة في المجتمع الاسلامي.

لذلك فإن المعيار في عدم وجوب الدفاع عنهم ليس كونهم وهابيون بل لأنهم أهل بغي وفتنة.

ما هي القواعد أو الأدلة الفقهية التي تبرر ضرورة دعم هذه الدول؟

يمكن تبيين عدة قواعد. الاولى قاعدة نفي السبيل. قاعدة نفي السبيل مأخوذة من الآية 41 من سورة النساء: «لم يجعل الله للکافرين علي المؤمنين سبيلا»، يقول أنّ أية هيمنة من قبل الأجانب على المسلمين غير قابلة للتصور وهي مرفوضة في الاسلام. لا ينبغي للمسلمين أن يقبلوا سلطتهم.

أحداث فلسطين واليمن ولبنان التي وقع العدوان عليها هي مورد هذه القاعدة. هذه القاعدة مقبولة لدى الجميع.

طرح الإمام خمیني (ره) هذا الموضوع بصراحة في كتاب تحرير الوسيلة في بحث الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر المتعلق بالجهاد: «لو خيف علي احدي الدول الاسلامية من هجمة الاجانب يجب علي جميع الدول الاسلامية الدفاع عنها باي وسيلة ممکنة کما يجب على سائر المسلمين». (تحرير الوسيله ج1ص 462).

القاعدة الأخرى هي قاعدة نفي الضرر المحتمل. نفي الضرر المحتمل لا يختص بالأمور الدنيوية لأنّ دفع الضرر الدنيوي ليس واجباً. لا يوجد ضرر أهم ولا عالم إسلامي ومسلمين أهم من أن تتعرض الأمة الإسلامية لهجوم اقتصادي و سياسي و عسكري. لذلك فإن موضوع دفع الضرر يمكن أن تكون بمثابة قاعدة.

القاعدة الأخرى التي يُستفاد منها أكثر في فقه مذاهب أهل السنة هي قاعدة مقاصد الشريعة. مقاصد الشريعة يعني أنّ جميع الاوامر الإلهية قد وضعت لأهداف ما وهذه الأهداف تتعلق بالإنسان والمجتمع البشري. مقاصد الشريعة لا توجد بين فقهاء الإمامية بهذا العنوان، بل توجد بعنوان مصالح و مفاسد.

مقاصد الشريعة تقتضي أنه في أي مكان يهجم العدو للقضاء على الدين و تتعرض أرواح المسلمين للخطر، يجب على المسلمين النهوض لحماية أرواح و ممتلكات و كرامة الدولة الاسلامية.

القاعدة الأخرى هي قاعدة دار الاسلام و دار الكفر. دار الإسلام مطرح أيضاً في فقهنا و في فقه أهل السنّة. المقصود من دار الإسلام هو أنه كل دولة أو بلاد توجد في محيط الإسلام وتُنفذ فيها أوامر الاسلام، فهي من دار الإسلام. الآن إذا تعرضت مثل هذه الدار فينبغي الدفاع عنها. السيد وهبه الزحيلي لديه كتاب باسم آثار الحرب، جاء فيه في الصفحة 171 هذه الجملة «دارالاسلام تضم جميع البلاد الاسلام و تدخل في جزيرة العرب و البلاد التي افتتح المسلم».

دار الاسلام يعني الدار التي تدخل جميع البلاد الاسلامية تحتها. من جزيرة العرب حتى البلاد التي افتتحها المسلمون فيما بعد. نفس فلسطين أيضاً من البلدان التي فتحها المسلمون. لذلك فإن فلسطين جزء من دار الاسلام. ولو هاجمها الأعداء فيما بعد و احتلوها. فعندما تتعرض دار الاسلام هذه إلى هجوم فيجب على الجميع الدفاع عنها.

بالنظر إلى هذه القواعد يتضح أنّ الشيء المهم هو الإسلام وليس مذاهب المسلمين.

رأيت في مكان أنّ المرحوم السيد كاظم اليزدي صاحب العروة الوثقى قد قال حول بعض الدول الاسلامية التي تعرضت لهجوم الكفار أنه من الواجب الدفاع عنها. عندما تعرضت ليبيا لهجوم فرنسا و بعض الدول الأخرى كان الأعلام يقولون أنه يجب أن تذهبوا وتدافعوا عنها. وفي قصة داعش في العراق عندما تم احتلال المدن السنيّة أصدر فقيه مثل السيد السيستاني فتوى بأن يتوجه شباب الشيعة للدفاع عن أهل السنّة. هذه أمور هامة للغاية. ومؤخراً رأيت فتوى من آية الله وحيد حيث قال أنه كما يجب الدفاع عن المجتمع الشيعي فإنه من الواجب أيضاً الدفاع عن مجتمع السنّة، ويجب الدفاع عن أموالهم و ممتلكاتهم و أعراضهم.

ما هو رأيك حول صفقة القرن؟

الإعتراف رسمياً باسرائيل خيانة. فاسرائيل ليست دولة قامت على معايير صحيحة. إنهم محتلون. ولأنهم محتلون لا يمكن بشكل من الأشكال قبولهم كدولة، بل هم دار الكفر. بل يجب تسميتها بدار الحرب لأنهم جاؤوا واحتلوا البلاد. لذلك فإن الاعتراف بها رسمياً مخالف لآيات القرآن و مخالف للمباديء الفقهية لجميع المذاهب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky