الاجتهاد: إنّ الآثار العلمية للمرجع الديني الشهيد السيد محمد الصدر; تدلنا على علو كعبه في الفقه والأُصول، وهذا ما نراه واضحاً في كتابه القيّم «ما وراء الفقه»، فهذا الكتاب مبتكر في موضوعه، جامع لشتات ما يحتاج إليه الفقيه في الدورة الفقهية، إلى قضايا ومعلومات لها صلة وثيقة بالفقه ولكنها لا تبحث إلاّ فيه .
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم رسله، إمام الرحمة، وقائد الخير، ومفتاح البركة، وعلى آله الهداة الميامين.
عَلم الشهادة والكرامة والعُلى *** وحليف عِلم الدين والآثار
نحمد الله الّذي رفع منزلة العلماء الصُّلحاء على الشهداء، وفضّل مدادهم على دمائهم، فالشهيد ثمرة من ثمار جهود العالم، استضاء بأنوار علمه، وسلك درب الجهاد على هدى تعاليمه وإرشاداته، ومن هنا فضّل الله سبحانه جهود العلماء في ميادين التعليم والتربية، على شهادة الشهداء في مجال الجهاد والنضال.
هذا إذا كان الشهيد ليس بعالم، والعالم ليس بشهيد، وأمّا إذا اجتمع كلا العنوانين في فرد، فيكون عالماً محقّقاً، وكاتبا بارعاً، وخطيباً مرشداً، وشجاعاً باسلاً، يحمل هموم المسلمين، ويخوض غمار ساحات الجهاد، ليصون الإسلام من كيد الأعداء، فيحظى بوسام الشهادة، فإنّ مثل هذا الفرد قد بلغ الغاية في الكمال، وفاز بالقدح المعلّى في ميداني العلم والإيثار.
وهذا هو شأن العلاّمة الراحل آية الله السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر رضوان الله تعالى عليه .
لقد عاش (رحمه الله) في بيت علمي عريق، زانه التقى والفضل، فأثمر ثمرات يانعة، وفاح شذا أزهاره، فبلغ كل قريب وبعيد.
وثمة نكتة نلفت نظر السامع إليها، وهي أنّ طبيعة العلم والعلماء تقتضي الهدوء والدعة والعيش في أجواء بعيدة عن الضوضاء والضجيج، فالعلماء غالباً ما يتواجدون في المعاهد والمدارس والمختبرات وقاعات الدرس والبحث.
وأمّا الشهيد فهو يعيش في خضم الحوادث الدامية في ميادين النضال.
فكيف يلتقي العلم بالشهادة والشهادة بالعلم، وبالتالي يفوز العالم بمقام الشهادة؟
وما يدفع العجب، هو وقوفنا على هذه المسألة، وهي أنّ العلم والشهادة يجمعهما أمران:
1. الملكات النفسية السامية والفضائل الأخلاقية العالية، إذ يرى كلّ منهما أنّه مسؤول أمام الله تعالى وأمام الأُمّة…
2. أن العالم يقبض قلمه ويُسيل فكره ليقارع الظلم والفساد ويدعو إلى الصلاح والفلاح، والشهيد يقبض سلاحه، ويُريق دمه، ليستأصل جذور الظلم والطغيان، ويسقي بدمه شجرة الحرية والإيمان، ليعيش المجتمع تحت راية العدل.
إنّ الآثار العلمية للمرجع الديني الشهيد السيد محمد الصدر; تدلنا على علو كعبه في الفقه والأُصول، وهذا ما نراه واضحاً في كتابه القيّم «ما وراء الفقه»، فهذا الكتاب مبتكر في موضوعه، جامع لشتات ما يحتاج إليه الفقيه في الدورة الفقهية، إلى قضايا ومعلومات لها صلة وثيقة بالفقه ولكنها لا تبحث إلاّ فيه .
وقد أجاد السيد الشهيد الصدر كلّ الإجادة في جمعها وتحقيقها، وقدّمها للمحقّقين من الفقهاء والأُصوليين في موسوعة ضمّت عشرة أجزاء ، تثير العجب من بُعد غوره، وغزارة علمه، وسعة اطّلاعه على العلوم الكونية والطبيعية والتاريخية.
وأمّا دوره في الإصلاح والتغيير، فكان فاعلاً ومؤثراً، وقد خطا خطوات جريئة على طريق توعية المجتمع، وشحذ عزيمته، وتوجيهه نحو المبادئ والقيم الإسلامية، ووقف بوجه السلطة الغاشمة الظالمة، الّتي سلبت كل الحريات وصادرت عامة ثروات الشعب المادية والمعنوية، حتّى صار أُسوة للآخرين، ورمزاً للأبطال الخالدين .
وفي ختام كلمتنا نتمثل بقول الفقيه والشاعر المفلق السيد محمود البغدادي:
رجلان في دنيا الثبات *** وهبا الحياة إلى الحياة
رجل الصراع المرّ يعـ *** ـصف باللئام وبالطغاة
والعالم الوثّاب اُمنـ *** ـية الشعوب الناهضات
عاشا بلا ذات وما كالـ *** ـعزِّ في سحق الذوات
فسلام الله عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.
جعفر السبحاني
قم المقدسةـ مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)
الرابع من ربيع الأوّل 1429 هـ
المصدر: كتاب رسائل ومقالات لآية الله الشيخ جعفر السبحاني حفظه الله تعالى/ ج 7 / الصفحة 542
آية الله الشهيد السيد محمد محمدصادق الصدر”ره”
في يوم الجمعة الرابع من ذي القعدة الموافق التاسع عشر من شباط عام 1999 تعرض السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر لعملية ملاحقة من قبل سيارة مجهولة بعد خروجه من الصحن الحيدري الشريف باتجاه منزله في منطقة الحنانة برفقة نجليه السيدين الشهيدين مؤمل ومصطفى، فأطلقوا النار على السيارة التي كان يستقلها مع نجليه وسرعان ما اصطدمت العجلة بشجرة قريبة، فترجل المهاجمون من سيارتهم وبدأوا بإطلاق النار بكثافة على السيد الصدر ونجليه فاستشهد السيد مؤمل فورا، أما السيد محمد محمد صادق الصدر فقد تلقى جسده الطاهر رصاصات عدة، ولكنه بقي على قيد الحياة، وعند نقله إلى المستشفى تم قتله برصاصة بالرأس من قبل أزلام النظام المباد، أما السيد مصطفى فأصيب بجروح ونقل إلى المستشفى من قبل الأهالي وتوفى هناك متأثراً بجراحه.