نظرية السؤال عند الفقهاء والأصوليين

نظرية السؤال عند الفقهاء والأصوليين / بقلم :حنان بنت حجي الحجي

الاجتهاد: إن السؤال الفقهي والأصولي نظرية بذاتهيما, بل إن السؤال بشكل عام علم قائم بذاته, يقول المواق المالكي: الاستشكال علم! ولإن لم يخرج الباحث إلا بمعرفة الإشكال لكان ذلك كافياً, يقول القرافي بعد تحيره في بعض المسائل في فروقه الذكية: وأنا أخص من ذلك ما تيسر, وما لا أعرفه وعجزت قدرتي عنه فحظي منه معرفة إشكاله, فإن معرفة الإشكال علم في نفسه, وفتح من الله تعالى.

كانت بذور الفقه وجذوره الأولى أسئلة! فكتب المسائل التي تفرعت عنها المتون الفقهية وبنيت عليها لم تكن إلا جوابات الأئمة وفتاواهم على أسئلة تلاميذهم وما طرحه الناس عليهم, وقد استعمل الفقهاء السؤال لأغراض متعددة, فالفقيه المالكي الأنيق ابن رشد الحفيد في كتابه الذي يعد من أعمدة كتب الفقه المقارن: بداية المجتهد ونهاية المقتصد, كان كثيراً ما يعيد المسألة بعد بسطه الأقوال فيها واستعراضه الأدلة إلى سؤال فقهي؛ منبهاً به على سبب الخلاف ومنزعه,

فعلى سبيل المثال عند ذكره لاختلاف الفقهاء في حكم بيع الغائب والمبيع على الصفة رد سبب الخلاف في هذه المسألة إلى هذا السؤال الفقهي قائلاً: وسبب الخلاف: هل نقصان العلم المتعلق بالصفة عن العلم المتعلق بالحس هو جهل مؤثر في بيع الشيء فيكون من الغرر الكثير، أم ليس بمؤثر، وأنه من الغرر اليسير المعفو عنه ؟ فاختصر به طريقاً كان ينبغي ألا يطوّل عند دراسة المسألة, والتقط به ما يمكن أن يعد مناطاً يصح لتعليق الحكم وإدارته عليه, وتفهُّم الخلاف والبلوغ إلى مُدرَكِه,

بل إن فقيهاً كالحافظ ابن رجب الحنبلي استعمل طريقة السؤال عند صياغته لقواعده البديعة التي تعد كنزاً فقهياً فاخراً, فكتب أغلب قواعده على هيئة السؤال والاستشكال الفقهي, وفرّع على ما تحتمله صيغة القاعدة من أقوال وخرّج الخلاف على ما ينبني على ذلك من مسائل وفروع,

فقاعدته الأولى في كتابه: الماء الجاري هل هو كالراكد, أو كل جرية منه لها حكم الماء المنفرد؟ قال بعدها: فيه خلاف في المذهب ينبني عليه مسائل: ( إحداها) لو وقعت فيه نجاسة فهل يعتبر مجموعه، فإن كان كثيراً لم ينجس بدون تغير وإلا نجس, أو تعتبر كل جريةٍ بانفرادها فإن بلغت قلتين لم ينجس وإلا نجست… وهكذا فعل في غالب بقية قواعده؛ مما جعل كثيراً ممن نظّر لعلم القواعد يستشكل هذه الطريقة؛ لمخالفتها مبدأ كون القاعدة الفقهية حكماً, والحكم لا ينبغي التردد فيه,

علماً بأنه لم ينفرد بهذا النمط من الصياغة, بل قد استعمله أكثر المقعدين كالونشريسي, والسيوطي, وغيرهم, وقد كان لهم من وراء ذلك مقاصد منها: إرادة التقسيم, والتنبيه على عدم الاتفاق, ومحاولة التوصل إلى مناطات الأحكام ومداركها, إلى غيرها من الأغراض,

وقد أفرد بعض الأصوليين مبحثاً في كتبهم, كان عبارة عن أسئلةٍ جدليةٍ تختبر بها صحة القياس من عدمها, وأسموه: بقوادح القياس, أو الأسئلة الواردة على القياس, وإن كان بعضهم كالغزالي قد نازع في هذا وأضرب عن ذكر تلك القوادح صفحاً في كتابه المستصفى, وقال: إنها من قضايا علم الجدل, لكن هناك في المقابل من ذكرها؛ لأنها من مكملات القياس الذي هو من أصول الفقه, ومكمل الشيء من ذلك الشيء, كما نبه على ذلك الطوفي,

ومهما يكن من أمر فإن هذه الأسئلة تعد من أذكى الأساليب المنطقية النقدية, التي تستفاد من هذا العلم, ولإن كان السؤال بذاته غرضاً فقهياً وينتج أحكاماً, فإن ترك السؤال في بعض الأحيان غرضٌ فقهي كذلك, وتترتب عليه أحكام خاصة؛

ولذلك قعّد الإمام الشافعي المؤسس الأول لعلم أصول الفقه في حكم ترك السؤال قاعدة أصولية وهي: ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال, فعد ذلك من موجبات العموم, وللسؤال أغراض ومباحث لطيفة في كتب أصول الفقه, جديرة بالتتبع والدراسة, وليس هذا موضع اسقصائها, فالسؤال يرد في كل الأبواب الأصولية, ويرد عليها أيضا, كما في مباحث الاعتراضات, ومسالك العلة, وغيرها, وكثير من المسائل الأصولية الخلافية صيغ موضوعها وعنوانها على هيئة سؤال,

إن السؤال الفقهي والأصولي نظرية بذاتهيما, بل إن السؤال بشكل عام علم قائم بذاته, يقول المواق المالكي: الاستشكال علم! ولإن لم يخرج الباحث إلا بمعرفة الإشكال لكان ذلك كافياً, يقول القرافي بعد تحيره في بعض المسائل في فروقه الذكية: وأنا أخص من ذلك ما تيسر, وما لا أعرفه وعجزت قدرتي عنه فحظي منه معرفة إشكاله, فإن معرفة الإشكال علم في نفسه, وفتح من الله تعالى.

 

 

ijtihadnet.net/almojam/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky