إنّنا نعاني اليوم من ترهّل وضعف في حياتنا الفكريّة والمعرفيّة، ولا مناص من أصحاب الرأي والقلم والأمانة، أن ينظروا في أسباب ذلك، وينهضوا مهما أمكن، حتى يواجهوا كلّ ذلك، منعاً من التوقّف على هامش الحياة.
الاجتهاد: من أبرز ما يميّز العالم أو المفكّر أو الباحث والكاتب والمثقّف، جرأته في التعبير عن رأيه في قضية من القضايا، وعدم الخضوع لضغوطات البيئة المحيطة به والتّأثيرات عليه من هنا وهناك، لأن شجاعة القول والتعبير تظهر مدى قناعة الإنسان برأيه، وتبرز أصالته في عدم الرضوخ والتنازل والخضوع للتأثيرات على حساب القناعات، فهو على يقين من رأيه واجتهاده، ولا ينطلق أصلاً من منطلقات شخصية كي يفحم فلاناً، أو يسجّل نقاطاً على آخر أو يكسر رأياً هنالك، فالمسألة لديه ليست شخصية، بل هو يقوم بما يمليه عليه ضميره أمام الله تعالى، إذ ينظر إلى الرأي على أنه مسؤولية ائتمنه الله تعالى عليها، كي يسير بها قدماً، وينشرها للناس جميعاً بلا خوف وتقهقر.
ليس صحيّاً أبداً في أية بيئة دينيّة أو علميّة ما يجري من توهين وتسقيط لبعض العلماء والمفكّرين والباحثين والتّشهير بهم، وصولاً إلى القدح بهم وبأمانتهم وكفاءتهم، فهذا ـ للأسف ـ مظهر من مظاهر التخلّف، إذ الواجب أن يهيّئ الجميع التربة الخصبة لتلاقح الأفكار وتفاعلها، والنّقاش حولها في فضاء من الحرية التامّة، حتى يحصل الدفع المطلوب للمعرفة في المجتمع، ويستفيد الجميع منها.
ليس التعصب وممارسة القمع والترهيب من ثقافتنا الإسلاميّة، ولا من أخلاقنا الإنسانيّة، وليس ذلك مما يعبّر عن واقع الإنسان الحركي الذي يسعى لإعمار الحياة وإغنائها بما يفيدها.
لقد علّمنا رسول الله(ص) وأهل البيت(ع) من خلال الاستماع إلى تلامذتهم، وما يبدونه من آراء، كيف نكون من محبي العلم والعلماء، الحريصين على الإفادة من المعارف والآراء ومناقشتها، وتحريك الجوّ الفكري والمعرفي من أجل بناء الحياة.
لقد آن الأوان أن يتعلّم المسلمون من تجارب التّاريخ، حيث أدّى القمع الفكري والترهيب إلى تعقيد الأجواء، ووقف حركة الفكر والاجتهاد. فلماذا لا نتعلم من دروس الماضي، ونحاول تصحيح المسار والتحلّي بالأخلاق الإسلامية التي تدفعنا إلى احترام الآخر وضمان حريّة الرأي وعدم محاربته؟
إنّ المأساة تطال الجميع، وبوجه خاصّ الأجيال الصّاعدة التي يجب التنبه إلى ما نزرعه في وجدانها، وما نربيها عليه من مشاعر، فخير لنا ولها تربتيها على الدّخول في الجوّ الفكري العام، واحترام الآراء الموجودة والمختلفة، وأن تتحلّى بروح التسامح ونبذ التعصّب للأشخاص والآراء.
في المقابل، فإنّ ثبات العلماء على أفكارهم وقناعاتهم وشجاعتهم وجرأتهم، يغني المعرفة ويدفعها إلى الأمام، فرأيه ملك الناس والحياة، وليس ملكاً خاصّاً وشخصيّاً، فكما يحتاج المجتمع إلى مستلزمات وحاجات ماديّة وغير ماديّة، فإنه بأمسّ الحاجة إلى الغذاء المعرفي والروحي والفكري الّذي يثبت دعائمه ويحميه من الضّعف والانهيار والتخلف.
إنّنا نعاني اليوم من ترهّل وضعف في حياتنا الفكريّة والمعرفيّة، ولا مناص من أصحاب الرأي والقلم والأمانة، أن ينظروا في أسباب ذلك، وينهضوا مهما أمكن، حتى يواجهوا كلّ ذلك، منعاً من التوقّف على هامش الحياة.
المصدر : موقع بينات