قضية فلسطين

مواقف فقهاء الشيعة من قضية فلسطين في القرن العشرين / حسام عبد الكريم

الاجتهاد: لم يكن علماء الشيعة ومراجعهم بعيدين عن قضايا الأمة وعلى رأسها قضية فلسطين التي تعاملوا معها باهتمام شديد باعتبارها الجرح الاعمق النازف في جسد الأمة الاسلامية ونظراً لمكانتها الدينية ووجود القدس والمسجد الأقصى فيها.

وهذا المقال ليس استقصائياً بل يهدف الى القاء الضوء على مواقف أكبر مراجع الشيعة في العراق وايران ولبنان من تطورات القضية الفلسطينية والمراحل المختلفة التي مرت بها في القرن الماضي.

ونبدأ بآية الله الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء من العراق الذي شارك في المؤتمر الاسلامي الموسع الذي عقد في القدس سنة 1931 بدعوة من مفتي فلسطين الشيخ امين الحسيني. وكانت مشاركة الشيخ كاشف الغطاء فعالة وبارزة في المؤتمر , فانتخب عضواً في اللجنة التنفيذية للمؤتمر وألقى خطاباً عظيماً في المشاركين بالمؤتمر وأمّهم جميعاً في الصلاة في المسجد الاقصى.

النجف الأشرف والقضية الفلسطينية .. إصدار جديد لمركز النجف الأشرف

كما أصدر الشيخ كاشف الغطاء فتوى شرعية بتحريم بيع الاراضي في فلسطين لليهود اعتبر فيها ان “البيع او المساعدة فيه او السعي اليه او السمسرة به , هو حربٌ على الله والنبيّ ومخالفة صريحة للاسلام”. وبعد انتهاء المؤتمر تجول في انحاء مدن فلسطين قبل ان يعود للعراق.

واستمر الشيخ كاشف الغطاء متابعاً لما يحصل في فلسطين اولاً بأول , وفي سنة 1938 أصدر بياناً (فتوى ) بالجهاد لتحرير فلسطين جاء فيه ” ,, فيا ايها العرب ,, ويا ايها المسلمون,, يل ايها البشر ويا ايها الناس ,, أصبح الجهاد واجباً على كل انسان ,, ومن يستطيع اللحوق بمجاهدي فلسطين بنفسه فليلتحق بهم , واني ضمين أنه كالمجاهدين مع النبيّ في بدر ,, “.

وفي ذات الفترة أصدر المجتهد الشيعي الكبير السيد محسن الامين , من الشام, فتوى على شكل نداء موجهاً الى العالمين العربي والاسلامي لتأييد ثورة وجهاد الشيخ عز الدين القسام في فلسطين سنة 1936 جاء فيه ” ايها العرب , ايها المسلمون ,, ان اخوانكم في فلسطين قد اقضّ مضاجعهم ما هم فيه من محنة وبلاء,, في كل ناحية دمٌ وقتل وهدمٌ وتدمير ,, وان بني أبيكم ليقدمون إقدام الأبيّ ويدافعون دفاع المستميت ,, فلا تضنّوا عليهم ببذل التافه الحقير وقد بذلوا الجليل العظيم ,, فلا تطيبُ الحياة لحرّ يُضامُ أهلوه و ذووه”.

وعندما أصدرت الامم المتحدة قرار تقسيم فلسطين واقامة دولة يهودية سنة 1947 أصدر آية الله السيد ابو القاسم الكاشاني من ايران بياناً أوضح فيه للمسلمين الايرانيين حجم مأساة فلسطين وشدة الخطر المحدق بالمسلمين فيها , جاء فيه ” ما هو المنطق والقانون الذي يسمح بتوطين المهاجرين اليهود من المانيا وروسيا وامريكا في فلسطين ؟ وبأي حق تقسم هذه البلاد ؟ فاذا كانوا يريدون بذلك ارضاء اليهود والاستفادة منهم في تحقيق مآربهم فلماذا لا يؤونهم في بلادهم ؟ فعلى جميع المسلمين في العالم ان ينهضوا ويبذلوا ما بوسعهم للوقوف امام الظلم الفاحش ورفعه عن الشعب الفلسطيني المظلوم “.

وبعد بضعة اشهر عندما اندلعت الحرب في فلسطين القى السيد الكاشاني خطاباً في 20-5-1948 قال فيه ” ايها المسلمون الايرانيون ,يجب ان تبذلوا قصارى جهودكم في مواجهة هذه المحنة التي يعاني منها اخوانكم الفلسطينيون ,,, والمساهمة بكل الطاقات والامكانيات للدفاع عن فلسطين ومصلحة الاسلام “.

وفي اعقاب حرب 1967 وجه زعيم الحوزة العلمية في العراق , السيد محسن الحكيم رسالة طويلة الى مؤتمر العالم الاسلامي الذي انعقد في الاردن دعا فيها زعماء المسلمين الى تحرير القدس وتطهير فلسطين من الاعداء الغاصبين .

رسالة تاريخية من آية الله السيد محسن الحكيم إلى شاه إيران لنصرة فلسطين

وقبلها كان الامام الحكيم قد بعث برسالة ذات مضمون مماثل الى رئيس جمهورية العراق عبد الرحمن عارف في بغداد.

وكذلك فعل المرجع الديني في النجف الاشرف ابو القاسم الخوئي الذي بعث برسالة الى الحكومة الايرانية يطالبها فيها بوقف امدادات النفط للكيان الصهيوني وقطع العلاقات معه.

وايضاً في ايران أصدر المرجع الديني السيد شهاب الدين مرعشي نجفي بياناً أبدى فيه تأثره من هزيمة حزيران/ يونيو 67 ودعا الى مساعدة اللاجئين الفلسطينيين , وقال انه وعلماء ايران” يستنكرون الاعتداء الاسرائيلي الغاشم على اخواننا المسلمين ويسألون الباري عز وجل ان يعيد كيدهم الى نحورهم وان ينصر المسلمين. ونأمل من اخواننا في الدين ان يتجنبوا تقديم اي عون او مساعدة او علاقة مع اليهود , وأن يحافظوا على وحدتهم واتفاقهم”.

وفي اعقاب حادثة حرق المسجد الاقصى سنة 1969 أصدر المرجع الديني الايراني السيد محمد رضا الكلبايكاني بياناً قوياً ندد فيه ” بما يفعله اعداء الاسلام المحتلون للاماكن الاسلامية المقدسة من صهاينة و يهود معتدين” و أعلن الحداد العام.

وختاماً نشير الى أن مواقف الامام آية الله الخميني من قضية فلسطين كثيرة جداً وتحتاج الى بحث طويل لاعطائها حقها , ولكن نكتفي منها بواحد فقط , وهو الحوار الذي أجرته معه مجلة “فتح” سنة 1968 وفيه اعلن تأييده للكفاح الفلسطيني المسلح ضد الكيان الصهيوني بل وذهب خطوة متقدمة حين أجاز للمقلدين صرف الزكاة والصدقات ( وهي من الحقوق الشرعية للامام عند المسلمين الشيعة) والتبرعات للفدائيين الفلسطينيين , وأضاف ” واخواننا الفاتحون , بإذن الله العليّ القدير, رجال حركة فتح ومقاتليها قوات العاصفة وسائر الفدائيين الاحرار , هؤلاء المجاهدون في سبيل الله , تجب مساندتهم ومساعدتهم بكل الطاقات والامكانيات , والله ولي التوفيق”.

قراءة فلسطينية في فكر الإمام الخميني .. نظرته لإسرائيل / عبد العزيز السيد أحمد

والخلاصة أن كبار علماء الشيعة ومراجعهم كانت لهم دائماً مواقف داعمة للحق الفلسطيني في مواجهة العدوان الصهيوني , واعتبروا ذلك واجباً شرعياً لنصرة الاسلام والمسلمين, وعبّروا عن ذلك بشتى الطرق وفي جميع مراحل القضية الفلسطينية وتطوراتها.

كاتب و باحث من الاردن

المصدر: رأي اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky