الاجتهاد: أشتهر في تراث الإمامية كُتب عديدة نقلت روايات أهل البيت (عليهم السلام)، بطرق وأسانيد مختلفة ومتعدّدة بين صحيحٍ وضعيف ومقبولٍ ومرفوض، ضمن ميزان علم الرجال ومبانيه المختلفة بين العلماء. السيّد الشهيد محمد الصدر قد سجّل ملاحظات علميّة على بعض الكتب الروائية وكيفية التعامل معها، في بعض تراثه، منها:
1. كتاب الفقه الرضوي: فقد صرّح الشهيد السيد محمد الصدر بضعف أسانيده في أكثر من مورد حيث قال:
– ” أن الفقه الرضوي لا يكاد يدخل في ضمن الروايات أساساً؛ لسقوطه بالكليّة “(يراجع: الوافية في حكم صلاة الخوف في الإسلام: ص 444 ) .
– ” أن روايات الفقه الرضوي ساقطةٌ عن الحجيّة لسقوط سنده، فإنّه لم يثبت له سندٌ صحيحٌ أو معتبرٌ ” ( يراجع : الوافية في حكم صلاة الخوف في الإسلام: ص 454 – 455).
– ” أن الفقه الرضوي ضعيف السند ” ( يراجع: بيان الفقه ، ص 137).
– “أن روايات الفقه الرضوي ساقطة من حيث السند” ( يراجع: مدارك الآراء في إعتبار حال الوجوب أو حال الأداء: ص82) .
2. كتاب الأصول الستة عشر: وهو الكتاب الذي يُعتمد على شخصية زيد النرسي، حيث يقول الشهيد الصدر: ” هذا كله مبنيٌ على الخلط بين أصل النرسي وأصل الزرّاد ( أي زيد النرسي ، وزيد الزرّاد) أو على دعوى الوحدة بينهما، والتحقيق: أن صاحب البحار إنّما وجد نسخة من أصل زيدٍ الزرّاد، دون النرسي، فيما الروايات الواقعة في الكتب الأربعة المنقولة عن زيدٍ النرسي دون الزرّاد، فهو من هذه الناحية أردأ” ( يُراجع: تقريرات كتاب الطهارة، للسيد الشهيد محمد باقر الصدر، ج1 ، ص417 ، الهامش رقم : 1 ) .
3. كتاب ظريف أو ما يُعرف بحديث ظريف بن ناصح، وهو رواية مطوّلة جدّاً منسوبة إلى كتابٍ له يملأ بمئة صفحة أو أكثر، جمع فيها كل روايات الديّات والجروح والشجاج، وفيها تفاصيل أرقام كثيرة عن أعضاء الجسم مرويةٌ في النهاية عن أمير المؤمنين ، وقد يعتمد بعض الفقهاء عليها في تحديد الديّات ، يقول الشهيد الصدر : ” أن إعتبار رواية ظريف بن ناصح معتبرةً أمرٌ قابلٌ للمناقشة جدّاً، خلافاً لما قوّاه السيد الإستاذ وصحّحه، وإن كانت هناك روايةٌ معتبرةٌ في الديّات فهي ليست لظريف، ومناقشة الشهيد الثاني (العاملي) في المسالك ( مسالك الأفهام ) في مستند هذه الرواية في محلّها، ومعه فمهما أُشير في الوسائل أو غيرها من كتب الحديث إلى نصّ معيّن على أنّ: من رواية ظريف، فإنّها ذات سندٍ غير معتبر” وقد ناقشها الشهيد الصدر مناقشة طويلة جدّاً ( يُراجع: ماوراء الفقه ،ج9 / ص373 – 386) .
4. كتاب المقنعة للشيخ المفيد، حيث يقول الشهيد الصدر فيه : ” وإذا نظرنا نجد أن (المقنعة) كتابٌ في الفقه للشيخ المفيد أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النّعمان، أحد مشايخ الطائفة الأجلّاء، وعلمائها القدماء، المتولّد عام 336هـ والمتوفّى عام 413هـ، وقد كتب عليه الشيخ محمد بن الحسن الطوسي شرحه المشهور بتهذيب الأحكام فخرج فتاواه كلّها من الأخبار،
وهذا الكتاب لا يناسب أن يكون هو المقصود؛ لوجود البعد الزمنيّ بينهما؛ إذا كانت ولاة الشيخ المفيد متأخّرة عن وفاة الإمام العسكري(عليه السلام) بستٍّ وسبعين سنةً، ولا نعلم بوجود كتابٍ آخر بهذا الأسم في عصره، على أنه لم يعرف معنى قوله: كتاب ترجمة في جهة رسالة المقنعة فهل هو نقلٌ لهذا الكتاب من لغةٍ أخرى أو هو أستدراكٌ عليها أو ردٌّ عليها أو تخريجٌ لفتاواه أو أنّه مكتوبٌ على غرارها .. كلّ ذلك وغيره محتمل .. والله العالم، على أن الرواية في المناقب ( مناقب آل أبي طالب) مرسلةٌ غير قابلةٍ للإثبات التاريخي وهذا الكتاب غير موجود في اليد فعلاً، فلا يمكن نسبته إلى الإمام العسكري (عليه السلام)”. (يراجع: موسوعة الإمام المهدي، ج1 ، ص197 – 198) .
5. كتاب مقتل الحسين المعروف بمقتل أبي مخنف، حيث يُشكّك الشهيد الصدر في نسبته إلى أبي مخنف ، رغم أنه رجلٌ صالح، إلاّ أن نسبة كتابه إليه مشكوكة. ( يراجع: أضواء على ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، ص156 – 157 ).
6. كتاب الإحتجاج للطبرسي، حيث يعتقد الشهيد الصدر أن علّة إرسال الطبرسي للروايات إما إعتقاده بصحّتها، أو شهرة السند ووضحة، الأمر الذي جعله يحذف السند، ” فرواياته لا يمكن الإعتماد عليها في الإثبات التاريخي” ( يراجع: موسوعة الإمام المهدي ، ج2 ، ص137 – 138 ). وقال في موضع آخر : ” أن أغلب أخبار الإحتجاج ضعيفة، ومرسلة ، لا تكون حجّة من الناحيتين الفقهية والتاريخية” . ( يراجع: تعليقات على كتاب (الشيعة والسنّة) لإحسان إلهي ظهير ، وهو كتاب مخطوط).
هذه بعض الكتاب التي حاولت مؤسّسة المنتظر بكادرها العلمي إستقصاءها من تراث الشهيد الصدر، في دراستها الواسعة بعنوان ( أبحاث الرجال والدراية في تراث السيد الشهيد محمد الصدر ، ص233 – 252 ).
توضيح الشيخ حسين المياحي على كلام الشيخ العتابي
هنالك فرق بين عدم ثبوت نسبة الكتاب للمؤلف، وعدم اعتبار رواياته بالجملة. فالرواية في الكتاب شيء وعدم صحة النسبة شيء آخر، فلا تخلو هذه الكتب من روايات صحيحة مع فرض عدم القطع بنسبتها لأصحابها. وعبارة السيد الشهيد السعيد رحمه الله تعالى لا تخلو من إشارة لذلك حيث يقول: لا يكاد يدخل في ضمن الروايات… إلخ. نعم، ما انفردت به تلك المصنفات بعد الفراغ من الحكم بعدم ثبوتها لمؤلفيها يبقى محل تأمل وبحث.
والأمر الآخر: إن القول بعدم ثبوتها اعتماداً على قرائن هنا وهناك، يختلف من باحث لآخر، كما تختلف درجات النتائج من حيث الظن أو الشك أو القطع واليقين.
ففي الكتاب المنسوب لأبي مخنف مثلاً نجد العديد من القرائن التي لا يستطيع الباحث تجاوزها إلا بالحكم على الكتاب بعدم صحة النسبة لأبي مخنف، وأنه من المصنفات المتأخرة التي تفتقر للنقل التاريخي الصحيح وفيه الكثير من الشواهد والقرائن على ذلك، ومنها نقله عن الكليني المتاخر عنه بقرون، وذكره بعض الأسماء التي لا وجود لها في التراجم، ومخالفته لروايات أبي مخنف التي نقلها الطبري والشيخ المفيد وغير ذلك.
فالحكم على الكتاب بعدم ثبوته لمؤلفه محل بحث وكلام يختلف فيها الأعلام ولا يمكن التسليم بالمطلق لتلك الأحكام سلباَ أو إيجاباً. فقد حكم السيد الخوئي رحمه الله خلافاً لغيره بعدم صحة الكتاب المنسوب للمعلى بن خنيس في الغلو، فيما اتهمه آخرون بالغلو بسبب هذا الكتاب. وهكذا.
علماً أن هذه الكتب لا تشكل شيئاً ذا قيمة في منظومتنا الروائية بل ليس لها أثر يذكر في الاستنباط إذا ما قيست بغيرها من أمهات الكتب الروائية. مع خالص الشكر والتقدير للشيخ الفاضل صاحب المنشور ولهذه المجموعة المباركة.