البحث الخارج

مرحلة البحث الخارج والطرق المتبعة في التدريس ..الشيخ محمد جواد المهدوي

الاجتهاد: ما ينقل عن السيد الميرزا محمد حسن الشيرازي (قده)، أنه قد انفرد بأسلوبه الخاص في تدريس البحث الخارج، فكان لايستعمل في طرح ما عنده من دقائق المطالب، وإنما كان يستثير أفكار طلابه من خلال عرضه لموضوع البحث، واستدراجهم بالأسئلة، ثم ينتظر الجواب منهم ــ كلٌ حسب إستعداده ــ حتى إذا اجتمعت الأجوبة ــ بدأ بجمع أطراف البحث، وتنظيمه وتحقيقه. وهنا كان دور التلميذ دوراً فاعلاً لا منفعلاً، وكان الطلاب يشعرون بالحيويّة والنشاط والثقة بالنفس، والإجلال والإكبار من أستاذهم.

 سميّت هذه المرحلة بالبحث الخارج نظراً إلى كون الدراسة فيها تتمّ خارج نطاق متون الكتب الفقهيّة التي يعتمدها الأستاذ في تحضير مادته ، من غير أن يتقيّد الأستاذ بمصدر علميّ خاص .

ففي هذه المرحلة تقع المسؤوليّة على عاتق الطالب نفسه من حيث التحضير و الإعداد لمادّة المحاضرة التي يتوسّع الأستاذ فيها لمناقشة الآراء و الأفكار المطروحة في المسألة ــ فيستخلص الطالب لنفسه ما يمكن أن يصلح دليلاً لمناقشة الأستاذ في مادّة البحث . . .

هذه الحلقات الدراسيّة يقوم برعايتها كبار علماء الحوزة العلميّة و مراجعها. و هناك من يقوم بمحاضرة واحدة في الفقه وقد يقوم الأستاذ المجتهد بتصدّي محاضرتين فقهيّتين في اليوم الواحد بالإضافة إلى المحاضرة الأصوليّة ، أو التفسيريّة .

و الطرق المتبعة في التدريس لهذه المرحلة هي :

1 – الطريقة التقليديّة، وهي أن يعرض الأستاذ مادة البحث عرضاً شاملاً مع أهم آراء علماء الشيعة الإماميّة،والمذاهب الإسلاميّة الأخرى مع بيان دليل كل صاحب رأي، ليناقش كل واحد من تلكم الآراء فيفنّدها بالدليل العلميّ أو يثبتها كذلك، حتى يصل بالدليل إلى الرأي الخاصّ من تلك الآراء في المسألة مع التقليم أحياناً و التطعيم أخرى ــ ثمّ يقوم بدفع ما يحتمل إيراده على مختاره الذي اعتمده في المسألة الفقهيّة بالدليل العلميّ ثم يستقرّ على ذلك الرأي . . .

وهنا يأتي دور الطالب لإبداء بعض المناقشات مع الأستاذ أثناء الدرس أحياناً ، وبعد الدرس غالباً . وقد يتّفق أنِّ الأستاذ يغيّر رأيه عندما يرى قوّة حجّة الطالب فينزل عند آراء الطلاب .

نعم ، نقل عن سيد أساتذتنا آية الله العظمى السيد أبي القاسم الخوئي ( قدس الله نفسه الزكية ) عدم رضاه بالإشكال ، أو السؤال حين الدرس، و كان يقول أن الإشكال يبعثر الدرس و يشتّت أذهان الطلبة ، فمن كان لديه إشكال ، او مناقشة فلينتظر بعد الدرس فكان يجلس في مكانه ويأتي الطلاب ويعرضون عليه مناقشاتهم بصورة كتبية ، أو شفوية ، ويتلقون جوابهم .

2 ــ الطريقة الثانيّة، ما ينقل عن السيد الميرزا محمد حسن الشيرازي ( قده ) ، أنه قد انفرد بأسلوبه الخاص ، فكان لايستعمل في طرح ما عنده من دقائق المطالب ، وإنما كان يستثير أفكار طلابه من خلال عرضه لموضوع البحث ، واستدراجهم بالأسئلة ، ثم ينتظر الجواب منهم ــ كلٌ حسب إستعداده ــ حتى إذا اجتمعت الأجوبة ــ بدأ بجمع أطراف البحث ، وتنظيمه وتحقيقه. وهنا كان دور التلميذ دوراً فاعلاً لا منفعلاً، وكان الطلاب يشعرون بالحيويّة والنشاط والثقة بالنفس، والإجلال والإكبار من أستاذهم.

وهذه الطريقة متبعة الآن في مجالس إستفتاء المراجع التي تنعقد في مكاتبهم ، ويجتمع فيها بعض الأفاضل من طلبة الحوزة العلمية الذي يقع عليه الإختيار ، فيتداولون أطراف البحوث العلمية للوصول إلى الجواب ثم عرضه على المرجع .

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الطالب في البحث الخارج الفقهي ، غالباً يقرّر محاضرات الأستاذ لغرض جمعها وتهذيبها ، ثم توجيه بعض المناقشات عليها ثم عرضها بعنوان بحث فقهي ، على الأستاذ ، والإستئذان منه لطبعه لزيادة الفائدة ، فإذا وجد الأستاذ إستيعاب الطالب للدّرس وتقريره بشكل مناسب ، يشجِّعه الأستاذ على الطبع والتكثير ، وقد يكتب الأستاذ تقريضاً على تقريراته تحفيزاً له للمضيّ قدماً نحو التحقيق أكثر .

وقد يقتصر الأستاذ في بحوثه على تقريرات طلاّبه من دون أن يقوم بنفسه بطبع بحوثه وتقريراته . وقد يعمد بعض الأساتذة الفقهاء بكتابة بحوثه وتقريراته بنفسه ، وطبعها بإسمه .

أما في النشاط الأصولي

إذا كان الفقه هو المادة الرئيسيّة للدرس الحوزيّ ، فإن ( علم أصول الفقه ) يظل الأداة التي يتوكأ عليها الفقيه ويعتمده في إستنباط الحكم الشرعي ، لذلك فإن الإهتمام بعلم الأصول يظل ثابتاً و مستمراً باستمرار النشاط الفقهي .

ولايخفى أنّ علم الأصول قد وضع لممارسة تكوين النظريات العامّة و تحديد القواعد المشتركة للنشاط الفقهي التطبيقي ، وهو علم واضح المعالم و مستقل عن علميّ الفقه و الكلام ، ويرتبط بعلم الفقه بترابط وثيق على مدى العصور و يتطوّر تبعاً لتطوّر البحث الفقهي و اتساعه في مختلف المجالات .

و بموازاة النشاط الفقهي تدرّس كتب أصوليّة على طبق المستويات المذكورة في الفقه ، من حيث التدرّج من كتاب أصولي بسيط، حتى الوصول إلى مباحث أصوليّة عميقة ، ثم بلوغ البحث الخارج الأصولي ليتسنّى للمجتهد بعد ممارسات دقيقة و مناقشات مضنيّة أن يختار رأياً في المسألة الأصوليّة لأجل تطبيقه على المسألة الفقهيّة، فإن نسبة علم الأصول إلى علم الفقه كنسبة العلم النظري إلى العلم التطبيقي. و من هنا فإن المنهجيّة المتّبعة في النشاط الأصوليّ بمراحلها الثلاثة نفس ما يتبع في النشاط الفقهي من دون فرق يذكر . . .

والجدير بالذكر أن ما وصلت إليه الحوزات الشيعيّة من التطوّر و التكامل في علم الأصول ، لم يبلغ إليه سائر المذاهب الإسلاميّة.

و نشير هنا إلى بعض طرق التدريس الأصولي لمرحلة البحث الخارج في الحوزة العلميّة في النجف ، لبعض فطاحل علمائها :

الأوّل : طريقة الإمام الخوئي ( قده ) ، لما كان مباحث علم الأصول قد أخذت طابعاً فلسفيّاً في عصر الآخوند و تلامذته ( قدهم ) ، قام السيّد الخوئي ( قده ) زعيم الحوزة العلميّة في تدريسه بتهذيب المباحث الأصوليّة و تجريدها عن البحوث الفلسفيّة و علم الكلام .

وكانت طريقة إستدلاله في الفقه و الأصول من قنوات القياس الأرسطى بأشكاله المعروفة ، ولايتعدّاها إلى الفلسفة والمعقول، وكان يمتاز ( قده ) بمنهج علميّ متميّز ، و أسلوب خاص به في البحث و التدريس ، و يشهد لذلك حضور إعداد كبيرة من طلبة الحوزة العلميّة و الأساتذة اللامعين من مختلف بلدان العالم عنده .

و قد جاوزت فترة تدريسه السبعين عاماً ، و لشدّة وضوح بيانه وسلاسته كان يوصل الفكرة إلى أذهان تلامذته بصورة واضحة و دقيقة ــ وقد اتجه هذا الإتجاه في تدريسه و بحوثه أستاذنا المعظّم سماحة آية الله العظمى الشيخ الفياض ( دام ظله ) ، حيث هو الآن الأستاذ الأوّل للبحث الخارج الفقهي و الأصولي في النجف الأشرف ، ويحضر بحوثه ثلّة من فضلاء الحوزة العلميّة من مختلف البلدان .

الثاني : طريقة السيّد محمد باقر الصّدر ( قده ) ، كان للسيّد الشهيد ( قده ) منهجيّة فنيّة فريدة في التدريس و البحث ، وقد تبلورت بشكل خاص في بحوثه الأصوليّة ، و بشكل عام في سائر بحوثه الفقهيّة و المعرفيّة الأخرى . . .

ولقدرته الفائقة على منهجة البحوث وتنسيقها المتماسك كان يفرز الجهات المتشابكة في كلمات الأصوليين ولاسيّما في المسائل المعقّدة، فكان يوضح الفكرة و ينظّمها بشكل موضوعي، لايجد الباحث المختص نظيره ــ كما كان يميّز طريقةالإستدلال في كل موضوع، وهل أنها لابدّ أن تعتمد البرهان ، أو أنها تعتمد الإستقراء ، أو الوجدان ؟ ولم يقتصر على دعوى وجدانية المدّعى المطلوب إثباته ، بل كان يستعين بالمنبّهات اللازمة لإثارة هذا الوجدان و إيصال الفكرة إلى ذهن الطالب .

و كان يتعرض في كل مسألة إلى جذورها الواقعية، و إلفات النظر إلى موقعها الطبيعي بالنسبة إلى سائر البحوث و الأهداف المقصودة ، والنتائج المرجوّة من البحث .

و يجدر الإشارة أنه ( قده ) أدخل عنصراً جديداّ في إستدلال الشرعي في البحث الأصولي و الفقهي و غيرهما ، يعتمد على حساب الإحتمالات ، و يعتبر إستخدام حساب الإحتمالات لأول مرّة بهذا الشكل في هذه المباحث و في موارد مختلفة من إبداعات الشهيد الصّدر ( قده ) . و كان بحق رائد المعارف الحوزويّة خصوصاً في علمي الفقه و الأصول .

 

المصدر: مقال بعنوان طرق التدريس و البحوث في الحوزات الشيعية

لتحميل المقال أضغط هنا

 

http://ijtihadnet.net/%d8%b7%d8%b1%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%91%d8%af%d8%b1%d9%8a%d8%b3-%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%ad%d9%88%d8%ab-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%88%d8%b2%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%b9/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky