الاجتهاد: كلمة سماحة آية الله المرجع الديني الكبير الشيخ بشير حسين النجفي (دام ظله) بمناسبة ذكرى وفاة زعيم الطائفة السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي (قدس سره)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أكرم بني ادم على كثير ممن خلقه وفضلهم تفضيلاً والصلاة والسلام على من ابتعثه رحمة ليكون للعالمين بشيراً ونذيراً ليخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم صراطاً مستقيماً وعلى آله هداه الأمم وقادة للعالمين واللعنة على شانئيهم أجمعين.
وبعد
قال الله سبحانه وتعالى (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) صدق الله العلي العظيم
أيها الحفل الكريم نعتقد إن خير ما يليق بالمسلمين عموماً وشيعة أهل البيت بالخصوص أن يفتخروا به بعد انتمائهم إلى مذهب أهل البيت سلام الله عليهم هو الانتماء إلى حوزة النجف الأشرف اشرف الحوزات وأقدمها وأعظمها على الإطلاق فأنها فضلت باعتبار انتمائها إلى مدينة علي بن أبي طالب سلام الله عليه المدينة التي تشرفت باحتضان اشرف مخلوق بعد رسول الله صلى الله عليه واله فتشرفت الأرض به وتنورت حصباؤها وحصياتها درر النجف بشرف نوره والحوزة العلمية في النجف الأشرف بمجهود قادتها قد تميزت على سائر الحوزات بالكيف الذي هو المناط في الفضل والكمال في موازين الدين الإسلامي دون الاهتمام بالكم
ومن هنا كانت قادة هذه الحوزة العلمية على مر التاريخ مثلوا العمود الفقري لمذهب أهل البيت عليهم السلام وسعى حماة هذه الحوزة ورعاتها إلى الاحتفاظ بهذه الميزة مع الاهتمام الكبير منهم بدقة النظر وعمق الفكر في ميدان علم الفقه وكان سيدنا المؤبن سيد الأساتذة فقيه عصره وزعيم الطائفة في قمة هذه السلسلة الشريفة ولا اعتقد أن أحدا من المراجع الذين نقدرهم ونقدسهم جميعاً وفق مثل توفيق سيدنا الأعظم أبو القاسم الخوئي (ر.ض) فقد وفق لتربية جمع غفير من العلماء والفضلاء والفقهاء الذين واصلوا ويواصلون درب سيدنا في التربية والتثقيف ونشر الدين في أطراف المعمورة
وندر أن يكون من يخدم اليوم من العلماء في أطراف العالم ممن لم يستفيد ولم ينهل من نمير سيدنا الأجل مباشرة أو بالواسطة وكان رضوان الله تعالى عليه موفقا في حفظ الحوزة العلمية في تلك الظروف الحالكة التي عصفت بها من طغاة الشرق والغرب لتزحزحها من أصولها أو تصرفها عن مسيرها وكانت قوة تحمله رضوان الله عليه وسعة صدره وحكمته وحنكته تقف في وجه جميع تلك المحاولات إلى أن أزاح الله سبحانه ذلك الكابوس وأزاله عن وجه مسير الحوزة العلمية بالأيدي التي كانت قد أتت به فعلى سيدنا المعظم أن ينام قرير العين في جوار جده أمير المؤمنين
فإن الحوزة التي كانت يرعاها مازالت مرعية ببعد نوره العلمي ولكنها تتحسر لفقدانه وغيابه عنها وإن كان روحه الطيبة مازالت ترفرف عليها وتمدها بالبركة وتحسسها بالحنان الأبوي من خلال تلامذته الذين تربوا على يده الطاهرة وله أن يقف أمام جده رسول الله (ص) يوم القيامة مرفوع الرأس لتشمله يد النبي الأعظم بعطفه وحنانه فتزيح عنه أثار وعثاء الحياة المريرة والمليئة بالآلام ويتهنى بالعطاء الجزيل الذي ينتظره حين مثوله بين يدي رب العالمين ويرتوي بالكأس الأوفى من حوض جده بيد أبيه علي بن أبي طالب حينما يقف أمام الله مع نجليه الشهيدين رضوان الله عليهم جميعاً.
هكذا الرجال وهكذا ينبغي أن تكون القادة واللسان يعجز والقلم يرتعش أمام عظمة أمثاله سلام الله عليه ورحمته وبركاته.
بشير حسين النجفي