الصوم

ما هي فلسفة الصوم ؟ .. بقلم الشیخ زعيم الخير الله

الاجتهاد: هل للصوم فلسفة، وحكمة، وغاية؟ ام ان الصوم تكليف الهي، وعلى المؤمنين الطاعة والامتثال، دون الحاجة الى الفهم والسؤال؟ وهل افعال الله لها غايات وحكم، ام انها لاتعلل بالاغراض، كما يقول الاشاعرة؟

 هذه التساؤلات، تدعونا الى البحث عن ملاكات الاحكام ؛لان كل تشريع ، سواء أكان التشريع الهيا ام وضعيا ، لابد له من ملاك، والملاك في لغة الاصوليون يعني: (المصلحة او المفسدة) ، فالواجبات تنطوي على مصلحة شديدة مؤكدة، لايسمح الشارع بتركها، والمحرمات تنطوي على مفسدة شديدة ومؤكدة، لايسمح الشارع بارتكابها.

وامّا المستحبات، فتنطوي على مصلحة ليست بشدة الواجبات؛ ولذا سمح الشارع بتركها والمكروهات تنطوي على مفسدة ليست بشدة الحرام؛ ولذا سمح الشارع بفعلها. وامّا المباحات، فقد يراها الناظر انها احكام خالية من الملاكات، ولكن المباحات هي ايضا احكام تنطوي على ملاكات، والملاك فيها : هو ترك المكلف حرا طليقا .

الشیخ زعيم الخيرالله
الشیخ زعيم الخيرالله

هل الافعال الالهية تنطوي على اغراض وحكم؟

ذهب الاشاعرة الى ان افعال الله تعالى لايمكن ان تعلل بالاغراض ؛ لان تعليلها بالاغراض يتضمن نسبة النقص الى ساحة الحق تبارك وتعالى، ولكن هذا التعليل صحيح بالنسبة الى الممكنات، فهي لديها اهداف واغراض وراء افعالها تستكمل بها وتسد نقصها ، ولكن الامر ليس كذلك مع واجب الوجود عزوجل.
فالله تعالى له من وراء افعاله اهداف وغايات، والا نسبنا العبثية واللامعنى لافعال الله تعالى ، والله تعالى منزه عن العبث، ولكن الغايات والاغراض في الافعال الالهية تعود الى الخلق لاالى الخالق جلّ في علاه .
فالله تعالى يقول : ( وماخلقت الجن والانس الا ليعبدون، مااريد منهم من رزق ومااُريد ان يطعمون، ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين). الذاريات: الايات : 56و57و58.
فالاية واضحة ان الله خلق الجن والانس لغرض وحكمة وغاية ، ولكن هذه الغاية ليست له ليستكمل بها ويسد بها نقصا ، فالله هو الغني ، وهو غير محتاج الى طعام وشراب ، فهو الرزاق ذو القوة المتين ، وانما الغرض لصالح عباده من الجن والانس.

نفي العبث عن الافعال الالهية

القران الكريم، نفى العبثية، واللامعنى، واللاغائية عن الفعل الالهي، وهذا يستبطن وجود ملاكات في الافعال الالهية، يقول الله تعالى :
( وماخلقنا السماء والارض ومابينهما لاعبين ) . الانبياء : الاية : 16 .
( وماخلقنا السماوات والارض ومابينهما الا بالحق) . الحجر: الاية: 85.
(وماخلقنا السماء والارض ومابينهما باطلا) . ص : الاية : 27 .
( انا كل شيء خلقناه بقدر) . القمر : الاية : 49.
( الذي احسن كل شيء خلقه ثم هدى) . السجدة : الاية : 7 .

مشروعية السؤال عن الحكمة في الفعل الالهي

التساؤل الذي اثاره الملائكة حول الحكمة من خلق ادم :
( واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) . البقرة : الاية : 30 .
هذا التساؤل في حدود معرفة الحكمة، تساؤل مشروع … والعقل الانساني يحاول استكشاف الحكم والاغراض في الاشياء، ولكن العقل ليس له القدرة على اكتشاف كل الاسرار . الملائكة لما اطلعهم الله على علم ادم بالاسماء كلها، سلّموا باحقية ادم بالخلافة بقولهم: ( سبحانك لاعلم لنا الا ماعلمتنا ) .

فلسفة التشريع

التشريعات الالهية تنطوي على حكم واهداف من وراء تشريعها ، ولم تشرع اعتباطا ، ولم يكن تشريعها خال من اي ملاك ، وقد اوضح القران الكريم بعض اوجه الحكم التي تنطوي عليها التشريعات الالهية . يقول الله تعالى في بعض الحكم من وراء تشريع تحريم الخمر من وجود الاثم الكبير الذي يكون اشد ضررا ، ولاتقاس به بعض المنافع المادية في الخمر ، يقول الله تعالى :
( ويسالونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس واثمهما اكبر من نفعهما). البقرة : الاية : 219 .
وقوله تعالى : ( انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون) . المائدة : 91 .

فلسفة تشريع الصوم

الصوم عبادة، وتشريع الهي ينطوي على الكثير من الحكم والمصالح الدنيوية والروحية، ولكن الله اشار الى احدى اهم الحكم في تشريع الصوم وهي اكتساب ملكة التقوى، كما جاء في قوله تعالى:(ياايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)البقرة: الاية: 183.

فالصوم عبادة تتضمن تروكا، ولاتتضمن افعالا كالصلاة، وبممارسة الترك تترسخ ملكة التقوى، وهذه اهم الحكم التي تنطوي عليها هذه الفريضة العظيمة .
وياتي جواب النبي (ص) لعلي حين ساله: عن اي الاعمال افضل في شهر رمضان، فاجابه النبي: (الورع عن محارم الله)، وجواب النبي (ص)، ياتي منسجما مع ما اشارت اليه الاية من حكمة التقوى ، لان الورع ترك وامتناع وكف ، يرسخ ملكة التقوى خلال دورة شهر رمضان التدريبية .

 

فلسفة الصوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky