الاجتهاد: يقول المرجع الديني آية الله السيد موسى شبيري الزنجاني دام ظله في كتاب “جرعه اي از دريا” : السيد موسى الصدر هو أول زملائي في المباحثة العلمية، ولو كان السيد موسی حاضرا لكان وضعي العلميّ أفضل كثيرا من الآن؛ لما كانت تمتاز به مباحثتي معه من خصائص، لا توجد في أي مباحثة أخرى.
ومع أنني زاملت في مباحثاتي زملاء أقوياء وجيّدین جدا، مثل السيد بهشتي الذي كان أقوى من السيد موسى، وكان نابغًا، متميزًا واستثنائياً، إلا أن السيد موسى كان أرجح بالنسبة لي.
يقول الشيخ عابدي زنجاني: ذهبت إلى السيد موسی في السفر الذي اختطف فيه، وقد ذكر لي السيد بأنه كان متفوّقا على أقرانه، ما عدا ثلاثة أشخاص، أحدهم السيد بهشتي، والآخر السيد محمد باقر الصدر، وقد عدّني منهم أيضا.
-لم يكن البحث والنقاش العلمي مع أحد يفيدني بمقدار فائدة البحث والنقاش مع السيد موسی؛ فقد كان يتمتع بخصائص منها:
أولا: كانت عنده سرعة بداهة شديدة، وأنوه هنا إلى أن السيد بهشتي كان أيضا استثنائيا في سرعة البديهة.
ثانيا: كان متميزًا بقوة في حسن السليقة الاستدلالية؛ عرفيًا وسويّ التفكير والنظر.
ثالثا: بيانه كان شديد الوضوح، لا غموض فيه.
رابعا: كان في الدرجة العليا من الإنصاف.
خامسا: كان مؤدبا في تعبيراته؛ لم يكن يحتدّ في النقاش، ولا يرفع صوته، ولا يستعمل تعبیرات منافية للأدب.
سادسا: كانت نبرة صوته معتدلة وتنسجم مع طبيعتي؛ حيث كنت ضعيفا (حسّاسا]، ولا أتحمل كل صوت، وهو بخلاف السيد بهشتي الذي وإن كان يملك جوانب إيجابية جيدة جدا إلا أن درجة طبقته الصوتية كانت بحيث تعرّضني إلى صداع في الرأس، فأضطر إلى أن أقلّل مدة مباحثتي معه.
سابعاً: تفكير السيد موسى كان قريبا من تفكيري، وكان يشترك معي في المقدمات، ولذا كان نقاشنا يتمحور في النتائج، بحيث إنّ المطلب العلمي الذي يستغرق بحثنا فيه مع الآخرين أسبوعا من الزمن، كنّا نناقشه في عشر دقائق فقط!.
ثامنا: مع أن سليقة وذوق السيد موسى كان جيّدا، ومستوى ذكائه أعلى مني بكثير، إلا أن دقته لم تكن بحيث لا أستطيع مجاراته، وقد كان في نقاشاتنا غالبا ما يسلّم ويقبل بما أطرحه، وقليلا ما كان الأمر عکس هذه الحالة.
نعم، كان سبب تسليمه وقبوله هو كونه يقف غالبا موقف الدفاع عن كلمات الأعلام، وكنت أقف موقف المهاجم؛ فأطرح إشكالا غير قابل للجواب والرد، ولم ينعكس الأمر إلا مرة واحدة؛ حین طرح هو إشكالا على كلام الميرزا النائيني، وأردت أنا الجواب عليه، فلم أستطع.
تاسعا: الميزة الأخرى للسيد موسى أنه كان يصل منذ الجلسة الأولى في البحث إلى مطلب من المطالب، بينما يطول بي الوقت حتى أنتقل إلى ذلك المطلب، فربما أكتب أنا حول ذلك الموضوع صفحة كاملة، وأتأمل وألتفت إلى مطالب جدیدة متوالية، بينما يصل تفکیر السيد إلى ذلك المطلب بشكل صحيح منذ الجلسة الأولى، ودون متابعة.
عاشرا: كان السيد يمتلك فهما صافيا جدا.
ختاما أقول: إن أخلاقه وإنصافه وصفاته الكمالية الأخرى كانت أسبابا لموفقيته، وخلاصة الحديث: لو كان معي السيد موسى لاستفدت منه كثيرا.
أسأل الله أن يعجل في نجاته وعودته إن كان حيّا، وأن يحشره مع محمد وآله الطاهرين إن لم يكن كذلك.
ترجمت هذه الخاطرة ترجمة غير حرفية، من كتاب “جرعه اي از دریا” للفقيه السيد الزنجاني حفظه الله، ج۲، من ص ۷۰۸ إلى ۷۱۰، وذلك بمناسبة الذكرى السنوية لتغييب الإمام السيد موسى الصدر، في 31 أغسطس/آب.
بقلم: فضيلة السيد أمير كاظم العلي.