الاجتهاد: إن عدم المساومة والصرامة من سمات الإمام الخميني المهمة، إذ جعلته قائداً لا مثيل له وناجحاً بكل ما تحمله الكلمة من معنى. منذ بداية النهضة رفض الإمام أي شكل من أشكال المساومة مع النظام وداعميه.
وفي الأشهر المنتهية بانتصار الثورة عارض بشدة فكرة بعض السياسيين الذين اقترحوا سياسة الخطوة تلو الخطوة. فضلاً عن هذا رفض الإمام الوساطة الدولية التي كانت تحمل رسالة المساومة، رفضاً قاطعاً. أخيرا أدت هذه المواقف الصارمة للإمام بإسقاط النظام الملكي الذي استمر لـ 2500 عام وتحقق هذا الأمر في شهر بهمن من عام 1357.
من دون شك ان من سمات الإمام الخميني التي جعلته قائداً لا مثيل له، هي الصرامة وعدم المساومة.
وكما قال الجنرال هايزر: انه شخصية صارمة تسطع منها سمات معنوية. ان قائد الثورة لم يبد أي تساوم وليونة ليس فقط تجاه بختيار ورئيس وزراءه، بل في كل فترة النضال لم يبد أي تساوم مع النظام، وتبنى الصرامة دائماً حتى الإطاحة بالنظام الملكي.
ان الإمام ومنذ بداية النهضة جعل الهدف انتصار الثورة بكل ما تحمله المعنى من كلمة، ورفض رفضاً باتاً أي تراجع أو تساوم في هذا المسار، وأعلن بصراحة: ان نظام الشاه يعارض النظام الإسلامي ويعارض في كل شيء الإسلام في الثقافة والجيش والاقتصاد والسياسة؛ يجب قلب الأمور وتحقيق الإمام الخميني.
كما عارض الإمام أي إصلاح بشدة، وقام بمواجهة النظام بكل صلاحياته، كما رفض توبة الشاه واعتبرها كتوبة فرعون مرفوضة. ورفض أي نوع من الحكومة الانتقالية. وسخر من إقامة انتخابات حرة التي اقترحها الشاه، واعتبرها عديمة الجدوى كما اعتبر إلقاء القبض على رؤساء النظام باللعبة المسلية.
هذا ورفض الإمام الخميني مقترح المعارضين المعتدلين القاضي بإستراتيجية الخطوة تلو الخطوة، وتحدث عن هذا المقترح بالقول: جاء بعضهم وقالوا علينا اتخاذ سياسة الخطوة تلو الخطوة وننتظر من بعدها، ثم نجتاز الثانية، قلت لو تحركتم خطوة سيكسر أرجلكم في الثانية.
لم يرفض الإمام الخميني مقترح السياسيين الداخليين القاضي بإبداء الليونة، بل رفض رفضاً قاطعاً الوساطة الدولية، على سبيل المثال جاء أحد وزراء باكستان عنده للوساطة، لكن الإمام قال له: ان موضوع الشاه لا يحل عبر الوساطة.
وفي ذروة الثورة جاء مندوب الحكومة الفرنسية نيابة عن كارتر عند الإمام لطلب المهلة لحكومة بختيار، وهدد الإمام بالانقلاب العسكري، رد عليه الإمام، ان حكومة بختيار غير شرعية، ولو افترضنا جدلاً بأنني ارتكب مثل هذا الخطأ يرفض الشعب هذا الأمر، وقال الإمام لو قاموا بالانقلاب العسكري يجب إصدار حكم الجهاد المقدس. فشلت مساعي الشاه وأمريكا لجعل الإمام يساوم، لكن الإمام رفض الحل الوسط، وما صرح به أصبح شعاراً لكل القوات المعارضة للشاه.
ان قائد الثورة طوال فترة النضال وخاصة في فترة الثورة العارمة قبل انتصار الثورة، اظهر شخصية بارزة لمناضل مقاوم، لا يساوم وقائد صارم لا مثيل له في تاريخ النضال السياسي في إيران والعالم. والاهم من هذا لم يقل أحد بان هذه المقاومة والصمود الذي أبداها الإمام هو مدلول للتزمت والجزمية، بل ان التجارب المختلفة في هذه الفترة أثبتت حقيقة مفادها ان الصمود والمثابرة وعدم المساومة عند الإمام تضرب بجذورها في التوكل على الله ومعرفة العدو والحنكة والحزم السياسي والاهم من هذا في إستراتيجية العمل بالواجب، وليس في عدم استيعاب متطلبات العمل وآليات السياسة.
ان صمود الإمام ومثابرته، وعدم التنازل عن المواقف، بلغت درجة لم تظهر أحداث مثل خروج الشاه من البلد خللاً فيها. بل وعلى العكس مما كان يتصوره النظام والداعمون له من الغرب، فان الإمام أبدى صرامة بوجه حكومة بختيار، ومنذ بداية حكمه اعتبر حكومته غير شرعية وخائنة للبلاد.
هذا الصمود إلى جانب سرعة الأحداث في الفترة الواقعة بين 12 بهمن حتى 22 من الشهر نفسه، أغلقت كل الأبواب بوجه حكومة بختيار والجيش. خاصة وان القوات الجوية أعلنت وفائها للأمام في التاسع عشر من بهمن واستوعب قادة الجيش بان الثورة انتصرت انتصاراً ثم الجيش أعلن موقفه الحيادي، ووجه الضربة النهائية لهيكلة النظام الميتة أساساً وهكذا أعلن مندوب الإمام في الساعة السادسة مساء عبر الإذاعة: هنا طهران، صوت إيران الحقيقي، صوت الثورة.
وهكذا حققت الثورة التي تعب الإمام لانتصارها 15 عاماً بشكل مستمر في سبيل تحقيقها وذلك بالحكمة والصمود وعدم المساومة بوجه الحكم الملكي وأنصاره.
المصدر: موقع مركز وثائق الثورة الإسلامية