قراءة سريعة في كلمة الشيخ الكربلائي/ الأستاذ حسن عطوان

الاجتهاد: ممثل المرجعية الدينية العليا الشيخ عبد المهدي الكربلائي في كلمته اليوم في مراسيم تبديل راية الإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام ) ، قال ما نصّه :” … ما شهدته منطقتنا ولا سيّما في العام المنصرم [ نحن الآن قد دخلنا في العام 1447 هجرية ، واليوم الخميس هو آخر يوم في العام 1446 هجرية ] من أحداث معروفة، إنّما يمثل معركة من المعارك المحتدمة بين جبهةٍ تدافع عن الحق والعدالة والخير، وجبهة يتمثل فيها الظلم والطغيان والشّر بأبشع صوره، بحيث فاق كل الحدود المتصوّرَة .

وإذا كانت هذه المعركة التي لا تزال قائمة ، قد استنزفت دماءً غزيرة وعزيزة وأدّت الى الكثير من الأذى والضرر بإخواننا وأخواتنا تشريداً وتجويعاً وتخريباً لبيوتهم وممتلكاتهم … وقدّم فيها أصحاب الحق تضحيات جسيمة قلَّ نظيرها ، إلّا أنَّ ذلك كله لا ينبغي أنْ يؤدي إلى الشعور بالضعف والانكسار ، بل لابد في كل الأحوال من تقوية العزائم للمضي قُدُماً في سبيل تدارك الإخفاقات الواقعة والتغلب على نقاط الضعف بأساليب صحيحة بعيدة عن الأوهام والتمنيات .

إنَّ المعركة بين الحق والباطل تحتدم حيناً وتهدأ أحياناً ، وتشهد صولات وجولات على مرّ الزمان ، ولابد لأهل الحق من أنْ يتبصروا ويتثبتوا ، ولا ينخدعوا ببعض المظاهر المزيفة والشعارات الرنانة .

وليأخذ أولياء الأمور العِبر والدروس ممّا وقع من مآسٍ تجلّ عن الوصف وخسائر كبرى لم يحدث مثلها منذ زمن بعيد .

إنَّ الظروف الحاليّة التي تمر بهذه المنطقة بالغة الخطورة ، والشعب العراقي ليس بمنأى من تداعيات الصراع القائم فيها ، عاجلاً أو آجلا .

فلابد من أنْ يتنبّه العراقيون الى ذلك ويتسلحوا بالوعي والبصيرة في التعامل معها ، ويهتموا بما يصلح أمورهم ، بعيداً عن بعض المظاهر الخدّاعة .
وليعلموا أنْهم ما لم يسعوا بجَدٍّ في بناء بلدهم على أسس صحيحة ، فإنَّ مستقبلهم لا يكون أفضل من حاضرهم .

كما أنَّ على مَن بيدهم الأمور أنْ يتقوا الله ويحكّموا ضمائرهم ، ويُراعوا في قراراتهم وتصرفاتهم مصلحة شعبهم وبلدهم والمنطقة كلّها ؛ لأنّ مصالح شعوبها مترابطة ومتشابكة .

إنَّ الشعب العراقي الكريم الذي ضحّى لسنوات طويلة في سبيل التخلص من الإستبداد ، وإرساء آليات دستوريّة تضمن التداول السلمي للسلطة وعدم العود به الى عهد الظلم والقهر وسحق الكرامة الإنسانية ، سيبقى عازماً على الحفاظ على هذه المكتسبات بكل قوة وعدم رجوع الى الوراء على أي حال ، وإنْ كان يشعر بمرارة الأخطاء الكبيرة والإخفاقات المتوالية والسلبيات المتراكمة للكثيرين ممّن تسنموا مواقع المسؤولية خلال العقدين الماضيين ، ولكن يبقى الأمل قائماً في تصحيح المسار وتدارك ما فات .

ولا يكون ذلك إلّا وفق ما أشارت إليه المرجعية العليا في بيان سابق لها ، حيث صرحتْ بالقول : إنّه ينبغي للعراقيين ولا سيّما النخب الواعية أنْ يأخذوا العِبَرَ من التجارب التي مرّوا بها ويبذلوا قصارى جهدهم في تجاوز إخفاقاتها ، ويعملوا بجدٍّ في سبيل تحقيق مستقبل أفضل لبلدهم … وذلك لا يتسنى من دون إعداد خطط علمية وعملية لإدارة البلد ، إعتماداً على مبدأ الكفاءة والنزاهة في تسنم مواقع المسؤولية .

ومنع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها ، وتحكيم سلطة القانون ، وحصر السلاح بيد الدولة ، ومكافحة الفساد على جميع المستويات ” .

وأقول :

أولاً : هذه ليست مجرد خطبة ، بل هي عبارة عن إعلان موقف في غاية الوضوح ، لطالما بيّن أهل الهمّ هذا الموقف في عدة محطات ومقالات ووقفات ، ولكن كلمة الشيخ الكربلائي اليوم لخصت بأسطر معدودة ما أحتاج بعضنا لتوضيحه في سنوات .

ثانياً : لم تكن مجرد وصف للواقع، بل كانت خارطة طريق في كلا الشأنين، الإقليمي والداخلي .

ثالثاً: أكاد أجزم أنَها إنْ لم تكن من إملاء السيد الكبير فهي على الأقل ممّا سطره السيد الإبن، إذ أدّعي أنّي ممَن يعرف ذوق و (لحن) كلامهم.

رابعاً: في قراءة سريعة لهذه الكلمة القيّمة بالنسبة لما يتعلق بالأحداث الجارية في المحيط الإقليمي ، أُشير الى عدّة نقاط :

الأولى: أنّها وصفت المعركة الحاليّة بين المحور الصهيوني وبين محور المقاومة بأنّها معركة بين جبهةٍ تدافع عن الحق والعدالة والخير، وجبهة يتمثل فيها الظلم والطغيان والشّر . وبالتالي فلا حيادّية في معركة من هذا القبيل مهما كانت المبررات ، نبراسنا وقدوتنا في ذلك الثورة الحسينية المباركة .

الثانية : أنَّ الشعب العراقي ليس بمنأى من تداعيات الصراع القائم فيها ، عاجلاً أو آجلا . وعليه فلا معنى لمقولات النأي بالعراق عن نتائج هذا الصراع ! فالموقف الداعي الى مثل هذا النأي ليس واقعياً ، حتى لو أغمضنا النظر عن المباديء ، وقد كتبت مفصلاً في ذلك في مقالات سابقة .

الثالثة : يجب في مثل هذه الظروف أنْ يتم العمل على أمور :

1. معالجة نقاط الضعف والثغرات التي تسببت بخسائر فادحة في جبهة معسكر الحق .

2. تقوية العزائم وعدم الركون الى كلمات التثبيط ، ولكن بعيداً عن التقديرات الخاطئة والأوهام والتمنيات .

3. التحلي بالصبر والوعي والبصيرة .

 

خامساً : أمّا فيما يتعلق بأوضاع العراق فقد دعت الكلمة :

1. المتصدين للمسؤولية في العراق أنْ يتّقوا الله في قراراتهم وسلوكهم .

2. تصدي النخبة من أهل الكفاءة والنزاهة للمسؤولية .

3. على العراقيين أنْ يكونوا دقيقين في إختياراتهم ومواقفهم ، وإلّا فإنَّ مستقبلهم لن يكون أفضل من حاضرهم .

وبالتالي فليس الحل في المقاطعة ، بل الحل في الحضور الواعي ، وذلك بإختيار أهل الكفاءة والنزاهة ، أو على الأقل إختيار الأقل سوءاً من غيره ، وكثيراً ما بينت أدلة وشواهد هذا المبدأ .

4. يجب حصر السلاح بيد الدولة ، فلا يصح بقاء السلاح بيد عصابات أو ميليشيات لا تأتمر بأوامر الدولة ، وليس للدولة سيطرة على حركتها ، ومن الواضح أنَّ هذه الدعوة لا تشير الى الحشد لا من قريب ولا من بعيد ؛ لأنَّ الحشد مؤسسة من مؤسسات الدولة ، وإنْ كان – كغيره من المؤسسات – يحتاج الى إصلاح وتقويم .

5. مكافحة الفساد الذي ينخر بمؤسسات هذا البلد .

6. منع التدخل الأجنبي في القرار العراقي من دول كبرى وإقليمية .

7. يجب على الشعب العراقي – الذي ضحّى لسنوات طويلة في سبيل التخلص من الإستبداد – الحفاظ على هذا المكسب بكل قوة وعدم الرجوع الى الوراء على أي حال .

والكلمة هنا تحذّرنا من أنْ نقع في خداع مَن يسعى – في الخارج والداخل – الى القبول بحكم مَن سيكون أشد علينا ممّا كان قبل العام ( 2003 ) ، حينما كان الطاغية و ( زعاطيط ) قريته يتعاملون معنا كمواطنين من الدرجة العاشرة !

سادساً : الجدير بالتأمل في هذه الكلمة أنّها تمحورت حول جانبين :

أولهما فيما حصل من معركة بين المحور الصهيوني وبين محور المقاومة .

وثانيهما في أوضاع العراق وصولاً الى الإنتخابات القادمة .

وبين الجانبين إرتباط عميق ..

فعندما تركّز كلمات خط المرجعية أحياناً على ما يتعلق بأوضاع البلد في خطابات سابقة فإنَّ البعض – حتى من المدّعين بالقرب – يفهمون من ذلك : أنَّ المرجعية ليس لها موقف في صراع الحق والباطل ما دام بعيداً عن ساحتنا .

لكن كلمة اليوم صرحت بأنَّ الإهتمام بالوضع الداخلي لا يعني الإنكفاء عن المواقف الحقّة في معارك الحق والباطل .

وكم هو ملهم ما أفاده ( حفظه الله ) :
من أنَّ مصالح شعوب المنطقة مترابطة ومتشابكة .

إنَّ كلمة اليوم بحق هي القول الفصل المُحْكَم ..

وأيَّ كلام آخر يُنسَب لخط المرجعية المبارك فهو من المتشابَه ..

( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ ) .

عظَّم الله أجوركم .

 حسن عطوان 

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

Clicky