الاجتهاد: تتكاثر يوما بعد يوم الأصوات الخليجية الداعية إلى التطبيع مع إسرائيل ، بذريعة أن وجودها بات أمرا واقعا، وعدم الاعتراف بهذا الواقع لا يؤثر عليه ولا يغير فيه شيئا، وأفضل سبيل للتعاطي معه هو التطبيع والسلام معها بحسب تلك الأصوات.
ومن السعودية، إلى الإمارات العربية المتحدة، بدأ بعض علماء الدين الرسميين خلال الفترة الأخيرة، منهمكين في تبرير التطبيع مع إسرائيل، والسعي لتسويقه على المستوى الشعبي، الأمر الذي أثار الجدل حول استقلالية المؤسسات الدينية الرسمية، وأثار أيضا انتقادات على مواقع التواصل الإجتماعي من كون هذه المؤسسات تغير من فتاواها وأحكامها الدينية، وفق تغير الواقع السياسي، وما تراه السلطة، كما يرى المنتقدون.
وتأتي قضية السلام بين العرب و ( إسرائيل ) في طليعة السياسة الراهنة ، و بخاصة أن امريكا متمثلة في شخصية الرئيس الامريكي دونالد ترامب قد ألقت بكل ثقلها السياسي في البين لفرض السلام على العرب والمسلمين فرضاً من دون أن يترك لهم الخيار في اختيار ما يرونه مصلحة للمبدأ و الأمة و الوطن في ضوء التعليم الشرعي الإسلامي.
وبغية أن نتعرف الرأي الفقهي الإسلامي في موضوع السلام والتطبيع بين المسلمين واليهود في دويلة إسرائيل المزعومة ناتي لكم هنا باراء مختلفة جاءت بمقالات مختلفة لرفض آراء المتسوقين للتطبيع.
وكتب الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في مقال مفصل ردا علي ما قاله أحمد الريسوني حول جواز التطبيع مع إسرائيل
“عرض الأستاذ الدكتور أحمد الريسوني رأيه حول الصلح مع إسرائيل، والاعتراف بها في مقاله: [قضية فلسطين اليوم.. رؤية فقهية سياسية]. ثم أكد في مقابلة معه، [الاعتراف بإسرائيل.. تساؤلات شرعية] أن ما قاله هو رأي (وليس فتوى) مبني على حالة الضرورة القصوى، وأن أي تنازل من الفلسطينيين إذا وقع تحت القهر والإكراه فليس له إلزام قانوني، أو شرعي للمستقبل.
لمناقشة هذا الرأي، والرد عليه بعد تأكيدنا على حسن ظننا بأخينا الدكتور الريسوني، ولا نشك في حسن نيته، وأن رأيه هذا نابع مما يحس به من آلام تجاه إخوانه في فلسطين الذين أوذوا أشد الإيذاء، وأن العالم اليوم بعد اختيار الشعب الفلسطيني حماس يرميهم من قوس واحدة، نقول في الرد عليه ما يأتي:
حجج الريسوني.. ومناقشتها
أولا: إن الضرورة التي بنى عليها رأيه هي تعود في تقديرها إلى الشعب الفلسطيني، وأن الضرورة كما لا يخفى عليه تقدر بقدرها، وأن الضرورة لا يمكن أن تتحقق عناصرها وأركانها في أن تذهب حماس وتعقد عقد الصلح والسلام مع إسرائيل، وتعترف لها بالتنازل عن أكثر من نصف فلسطين لما يأتي:
1 – إسرائيل غير مستعدة لهذا التنازل، وإذا كان الدكتور الريسوني يقول: فلنجرب، ولنقم الحجة عليها، فنقول ما تقوله حماس في شعاراتها، وفي خطب قادتها: إن منظمة التحرير بقيادة ياسر عرفات رحمه الله، لم تستطع أن تأخذ ما أقرته الأمم المتحدة، ثم تعللت إسرائيل بياسر عرفات رحمه الله فذهب، وجاء أبو مازن ومع ذلك لم يتحقق على أرض الواقع شيء، بل وقع بناء الجدار العنصري الفاصل، وقتل معظم ناشطي المقاومة، ومزيد من التدمير والتقتيل، فهل نقول لحماس: افعلي مثل ما فعلته المنظمة لتسقطي أمام شعبك؟.
2 – لو قبلنا بذلك لأصبحنا نحن العلماء في ازدواجية كبيرة، حيث لم نجز لفتح، وياسر عرفات، ونجيز لحماس؟ لماذا؟ هل تغيرت الأوضاع؟ أبداً الحالة هي هي؟.
3 – أين الضرورة في ذهاب حماس لتوقيع اتفاقية الاستسلام مع إسرائيل دون حصولها على شيء، هل الضرورة بقاؤها في السلطة؟ وبالتالي فهل هذا البقاء ضروري؟ لا يقول أحد من العقلاء لا من حماس ولا من غيرها: إن على حماس أن تضحي بمبادئها وشعاراتها ومصداقيتها في سبيل الحكم، بل على حماس – شرعاً وأدباً والتزاماً – أن تترك السلطة إذا تعارضت مع المقاومة، وعليها أن تتركها إذا لم يبق لها إلاّ خيار الصلح والاعتراف بإسرائيل، وإلاّ فنهايتها السياسية والشرعية تتم بهذا الاعتراف، ثم أين الضرورة في أن تسلم حماس رقبتها طوعاً إلى إسرائيل التي لم ترحم أحداً، ولن ترحم أحداً؟!.
ثانيا: إن قياس الصلح الدائم والاعتراف بإسرائيل على صلح الحديبية قياس مع الفوارق، بل قياس فاسد، فصلح الحديبية لم يترتب عليه اعتراف بشرعية أهل الشرك، فكان هدنة تضمنت بعض الشروط، بل كان اعترافاً من أهل الشرك (قريش ومن معهم) بالرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه، واعتبارهم قوة يمكن التعاقد معها.
ومن جانب آخر، فمكة كانت بأيدي قريش، وهم أهلها، ولم تفتح ولم تصبح عند الصلح أرضاً إسلامية تنازل عنها الرسول صلى الله عليه وسلم.
أما أرض فلسطين فأرض إسلامية، بل من أشرفها وأبركها وفيها القبلة الأولى للمسلمين، وأن اليهود جاؤوا غاصبين، وأن الصلح معهم ليس على بنود تخص القتال والهدنة، وإنما تتركز على الاعتراف الكامل بهم والتنازل عن أكثر فلسطين لهم، وتوثق ذلك من خلال الأمم المتحدة.
وأما قياس هذه الحالة على ما اقترحه الرسول صلى الله عليه وسلم من إعطاء جزء من الثمار إلى غطفان، فهذا لا يخص الجانب المالي فقط، فلم يكن فيه اعتراف ولا تنازل عن حق، ولا عن أرض، بل كان دفعاً آنيًّا لجزء من المال لدرء مفسدة.
ثالثا: أن إقامة صلح دائم مع إسرائيل والاعتراف بها، يعني الاعتراف بانتهاء الجهاد والمقاومة، وعدم مشروعيتهما، وهذا لا يقبله عالم مسلم، فهي أرض الرباط والجهاد إلى يوم القيامة كما وردت بذلك أحاديث صحيحة.
رابعا: القرآن يشهد والواقع يؤكد على أن الصهاينة لا يلتزمون بالوعود والمواثيق فقال تعالى: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}، وهل التزمت إسرائيل باتفاقيات مدريد وأوسلو لياسر عرفات؟
ثم إن أطماع إسرائيل وأهدافها وإستراتيجيتها هي من النيل إلى الفرات، فهل الصلح يجعلها تعدل عن ذلك؟
خامسا: إن شعار (الواقعية) أو (البراغماتية) جرب فعلاً مع إسرائيل، وتورطت بسببها منظمة التحرير، فتنازلت عن مبادئها، واعترفت بإسرائيل فما الذي جنت من وراء ذلك؟ الجني كان تدميراً للبنية التحتية للشعب الفلسطيني، بل لكل شيء حتى لأجهزة السلطة، ومحاصرة لياسر عرفات،
وبالمقابل قامت إسرائيل بتعزيز قواتها ووجودها، وأرادت من اتفاقيات السلام إزاحة عبء الشعب الفلسطيني ومقاومته لها عن كاهلها، وأن تكون جسراً لنقلها بأمان إلى العالم العربي والإسلامي، وضمان تفوقها وتفردها باعتبارها القوة الكبرى في المنطقة، فقد كانت تحليلات المحللين السياسيين لاتفاقيات أوسلو ومدريد أنها سلسلة من الخسائر والفشل، ولذلك كان خيار حماس والجهاد وبقية فصائل المقاومة الخيار الوحيد المتاح شرعاً، وواقعاً وتجارب.
فتوى العلماء بشأن فلسطين
سادسا: إنه من الناحية الشرعية – وباتفاق جميع العلماء منذ القرن الماضي إلى الآن – أنه لا يجوز التنازل عن شبر أو ذرة من أراضي فلسطين، وهذه هي بعض هذه الفتاوى الجماعية:
أ – فتوى علماء فلسطين في القدس الشريف 26-1-1935 التي اعتمدت على فتاوى العلماء في مصر، والعراق، والهند، والمغرب وسوريا وبقية الأقطار الإسلامية، نصوا فيها على عدم جواز التنازل عن ذرة من أراضي فلسطين، وعلى عدم جواز بيع أرض فلسطين لليهود، وأن من يفعل ذلك فهو مؤذ لله تعالى ولرسوله، وخائن لهما، ومتخذاً اليهود أولياء.
وقد صدرت قبل ذلك فتوى فردية بما سبق من الشيخ محمد رشيد رضا، ومن رئيس هيئة العلماء المركزية في الهند.
ب – فتوى الأزهر الشريف عام 1956، وتأكدت فيها بفتوى مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف، وفتاوى شيوخ الأزهر، وجميع العلماء الثقات.
وهذا نصها: (اجتمعت لجنة الفتوى بالجامع الأزهر في 18 جمادي الأولى 75هـ 1-1-1956م برئاسة الشيخ حسنين محمد مخلوف عضو جماعة كبار العلماء ومفتي الديار المصرية سابقاً، وعضوية السادة: الشيخ عيسى منون عضو جماعة كبار العلماء وشيخ كلية الشريعة سابقاً، والشيخ محمود شلتوت عضو جماعة كبار العلماء والذي أصبح شيخاً للأزهر فيما بعد، والشيخ محمد الطنيخي عضو جماعة كبار العلماء ومدير الوعظ والإرشاد، والشيخ محمد عبد اللطيف السبكي عضو جماعة كبار العلماء ومدير التفتيش بالأزهر… وبحضور الشيخ زكريا البري أمين الفتوى، وأصدرت بياناً جاء فيه:
(فقد اطلعت لجنة الفتوى بالأزهر الشريف على الاستفتاء المقدم إليها عن حكم الشريعة الإسلامية في إبرام الصلح مع إسرائيل التي اغتصبت فلسطين من أهلها وأخرجتهم من ديارهم وشردتهم نساء وأطفالا وشيبًا وشبانًا في آفاق الأرض، واستلبت أموالهم واقترفت أفظع الآثام في أماكن العبادة والآثار والمشاهد الإسلامية المقدسة، وعن حكم التواد والتعاون مع دول الاستعمار التي ناصرتها وتناصرها في هذا العدوان الأثيم وأمدتها بالعون السياسي والمادي لإقامتها دولة يهودية في هذا القطر الإسلامي بين دول الإسلام، وعن حكم الأحلاف التي تدعو إليها دول الاستعمار والتي في مراميها تمكين إسرائيل ومن ورائها الدول الاستعمارية أن توسع بها رقعتها وتستجلب بها المهاجرين إليها وفي ذلك تركيز لكيانها وتقوية لسلطانها مما يضيق الخناق على جيرانها ويزيد في تهديدها لهم ويهيئ للقضاء عليهم.
وتفيد اللجنة بأن الصلح مع إسرائيل كما يريده الداعون إليه، لا يجوز شرعًا لما فيه من إقرار الغاصب على الاستمرار في غصبه، والاعتراف بأحقية يده على ما اغتصبه، وتمكين المعتدي من البقاء على دعواه، وقد أجمعت الشرائع السماوية والوضعية على حرمة الغصب ووجوب رد المغضوب إلى أهله وحثت صاحب الحق على الدفاع والمطالبة بحقه،
ففي الحديث الشريف: “من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قٌتل دون عرضه فهو شهيد”، وفي حديث آخر: “على اليد ما أخذت حتى ترد” فلا يجوز للمسلمين أن يصالحوا هؤلاء اليهود الذين اغتصبوا أرض فلسطين واعتدوا فيها على أهلها وعلى أموالهم على أي وجه يمكن اليهود من البقاء كدولة في أرض هذه البلاد الإسلامية المقدسة،
بل يجب عليهم أن يتعاونوا جميعًا على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم لرد هذه البلاد إلى أهلها، وصيانة المسجد الأقصى مهبط الوحي ومصلى الأنبياء الذي بارك الله حوله، وصيانة الآثار والمشاهد الإسلامية من أيدي هؤلاء الغاصبين، وأن يعينوا المجاهدين بالسلاح وسائر القوى على الجهاد في هذا السبيل، وأن يبذلوا فيه كل ما يستطيعون حتى تطهر البلاد من آثار هؤلاء الطغاة المعتدين.
قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} ومن قصر في ذلك أو فرط فيه أو خذل المسلمين عنه أو دعا إلى ما من شأنه تفريق الكلمة وتشتيت الشمل والتمكين لدول الاستعمار والصهيونية من تنفيذ خططهم ضد العرب والإسلام وضد هذا القطر العربي والإسلامي فهو في حكم الإسلام مفارق للجماعة المسلمة ومقترف أعز الآثام، كيف ويعلم الناس جميعًا أن اليهود يكيدون للإسلام وأهله ودياره أشد الكيد منذ عهد الرسالة إلى الآن، وأنهم يعتزمون ألا يقفوا عند حد الاعتداء على فلسطين والمسجد الأقصى وإنما تمتد خططهم المدبرة إلى امتلاك البلاد الإسلامية الواقعة بين نهري النيل والفرات).
وأضافت لجنة الفتوى تقول: (وأما التعاون مع الدول التي تشد أزر هذه الفئة الباغية وتمدها بالمال والعتاد وتمكن لها من البقاء في الديار فهو غير جائز شرعًا، لما فيه من الإعانة لها على هذا البغي والمناصرة لها في موقفها العدائي ضد الإسلام ودياره قال تعالى: (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون) وفي آية ثانية: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم…).
وجاء في الفتوى: (وعلى المسلمين أن ينهجوا نهج الرسول صلى الله عليه وسلم ويقتدوا به، وهو القدوة الحسنة في موقفه من أهل مكة وطغيانهم بعد أن أخرجوه ومعه أصحابه رضوان الله عليهم من ديارهم وحالوا بينهم وبين أموالهم وإقامة شعائرهم ودنسوا البيت الحرام بعبادة الأوثان والأصنام فقد أمره الله تعالى أن يُعد العدة لإنقاذ حرمه من أيدي المعتدين وأن يضيق عليهم سبل الحياة التي بها يستظهرون فأخذ عليه الصلاة والسلام يضيق عليهم في اقتصادياتهم التي عليها يعتمدون، حتى نشبت بينه وبينهم الحروب، واستمرت رحى القتال بين جيش الإسلام وجيش الكفر، حتى فتح الله على يديه مكة، وقد كانت معقل المشركين ووطناً لهم أجمعين بخلاف فلسطين فإنها ملك خالص للمسلمين وليس لليهود بها حق).
فهذه الفتوى المؤصلة هي التي يجب أن يرد بها على بعض الآراء الفردية، حتى تعلم أن الخير باق في أمة محمد إلى يوم القيامة، والأحداث الجسام التي مرت على الأمة الإسلامية تثبت أن القدرة الإلهية لا تضيع هذه الأمة، وأن دين الله الإسلام غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يشعرون أن الله مقيض لهذه الأمة من ينتشلها من وهدتها كلما تداعت أركانها مهما طال ليل الاستغفال أو الاستبعاد أو الخيانة.
الصلح مع إسرائيل.. وصلح الحديبية
وقد اجتمعت لجنة الفتوى بالأزهر الشريف وأصدرت الجواب التالي في الرد على من شبّه الصلح مع إسرائيل بصلح الحديبية، وبشأن ما يجب على المسلمين نحو قضية فلسطين وما نجم عن كارثتها من أوضاع شديدة الخطر.
وجاء الجواب: أن اللجنة تفيد أن الصلح مع إسرائيل كما يريده (الداعون إليه) لا يجوز شرعاً لما فيه من إقرار الغاصب على الاستمرار في غصبه والاعتراف بحقية يده على ما اغتصبه وتمكين المعتدي من البقاء على عدوانه، وقد أجمعت الشرائع السماوية والوضعية على حرمة الغصب ووجوب رد المغصوب إلى أهله وحثت صاحب الحق على الدفاع والمطالبة بحقه ففي الحديث الشريف: (من قتل دون ماله فهو شهيد) وفي حديث: (على اليد ما أخذت أن ترد) فلا يجوز للمسلمين أن يصالحوا اليهود الذين اغتصبوا أرض فلسطين واعتدوا فيها على أهلها وعلى أموالهم دون أي وجه حق.
وجاء في الفتوى أن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بقتال المعتدين حيث قال تعالى (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) والله سبحانه وتعالى نبه المسلمين على رد الاعتداء بقوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ )،
ومن مبادئ الإسلام محاربة كل منكر يضر العباد والبلاد، وإذا كانت إزالته واجبة في كل حال، فهي في حالة هذا العدوان أوجب وألزم، فإن هؤلاء المعتدين لم يقف اعتداؤهم عند إخراج ذلك، بل تعداه إلى أمور تقصدها الأديان السماوية كلها وهي احترام المساجد وأماكن العبادة، وقد جاء في ذلك قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
النصر.. يقين!
سابعاً : إن المسلمين جميعاً موقنون بالنصر المبين على هؤلاء المحتلين الغاصبين، وأن هذا الوعد حق لا ريب فيه ولا يجوز الشك في ذلك، ولا يجوز الإحساس بموقف الاستسلام مهما كانت قوة هؤلاء المحتلين، فالله أكبر هو شعار المسلمين، وأن العاقبة دائماً للمتقين، وأن جند الله هم الغالبون، فليراجع في ذلك كتب العلامة الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله، وكتاب: اقترب الوعد الحق يا إسرائيل لفضيلة الشيخ المربي المجاهد عبد المعزّ عبد الستار حفظه الله، وكتاب الشيخ الدكتور سفر الحوالي بعنوان: فلسطين بين الوعد الحق والوعد المفترى عليه، وكتاب: المعركة الفاصلة لفضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة، وكتاب: زوال إسرائيل حتمية قرآنية للشيخ أسعد التميمي.
هذا هو الردّ بإيجاز شديد والله الموفق، وأختم حديثي بقوله تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) سورة الحج / الآية40، وقوله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) سورة الأنبياء / الآية 105.
وكانت الصحفية السعودية، سهام القحطاني، أثارت مؤخرا جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن اعتبرت الأوصاف التي تقال عادة في وصف التطبيع مع إسرائيل بـ”الفضيحة والعار والجريمة” بأنها “شعارات وجدانية انتهى زمانها”.
وقالت في تغريدة لها مؤخرا على تويتر “إسرائيل واقع.. وعدم اعترافنا بهذا الواقع وجديته وتأثيره علينا لن يغير الواقع”.
من جهته علق الأكاديمي السعودي، الدكتور أحمد بن راشد بن سعيّد عليها بالقول “مزيد من السعوديين والسعوديات تتصدّر أسماؤهم الصفحات والمواقع الرسمية الإسرائيلية، هذا عار، و”المطبّعون و”المطبعّات” لا يمثلون الشعب العربي المسلم في السعودية، والذي يفتدي المسجد الأقصى بروحه، ويجري منه حبّ الأرض المباركة مجرى الدم”.
ووفقا للكاتب والمحلل السياسي، الدكتور سعيد الحاج “هناك حرص صهيوني على التطبيع مع العرب والمسلمين دولا وحركات وأفرادا، وهناك حرص صهيوني على إبراز هذه الحالات وادعاء أنها التيار العام في المنطقة”.
ورأى الحاج في حديثه لـ”عربي21″ أنه “لا يمكن اعتبار تلك الأصوات الخليجية الداعية إلى التطبيع مع إسرائيل أنها تعبر عن قناعات ذاتية، في ظل الأنظمة الخليجية التي لا تسمح بأي اختلاف مع الرواية الرسمية، بل باتت لا تتسامح حتى مع حالة الصمت، وتريد من أصحاب الرأي أن يتماهوا تماما مع مواقفها الرسمية”.
وأضاف: “واضح تماما أن تلك الأصوات الخليجية التي باتت تدعو علانية إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، وبعضها بات يتفاخر بذلك، إنما تصدر عن توجهات رسمية في هذا الشأن، وثمة إشارات تدل على ما هو أبعد من ذلك، فبحسب مصادر مختلفة ثمة خطوات عملية تمت بهذا الاتجاه تمثلت بقيام أكاديميين ومسؤولين خليجيين سابقين بزيارة الكيان الصهيوني وعقد اجتماعات وحضور مؤتمرات مع الصهاينة.
وتابع: “واللافت أننا لم نسمع أي تكذيب لتلك الأخبار من أي عاصمة خليجية، وتحديدا من عاصمتين بارزتين لهما حظ كبير من تلك الأخبار، مع أن بعض تلك الأخبار موثقة بالصورة والصوت لزيارة وفود أكاديمية واقتصادية لتل أبيب، ولقاءات ومؤتمرات في أمريكا وبعض الدول الأوروبية”.
وردا على سؤال حول مدى نجاح سياسة تسويق التطبيع مع إسرائيل بذريعة الواقعية، استحضر الحاج حالتين سابقتين في هذا السياق، ألا وهما مصر والأردن فبعد عشرات السنوات من عقد اتفاقيات السلام بينهما وبين إسرائيل، لم نجد انتشارا واسعا للتطبيع الشعبي، وما زال ينظر شعبيا لكل من يقدم على ذلك بعين الخيانة وارتكاب جريمة وطنية”.
من جهته، وصف الكاتب والأكاديمي الكويتي، الدكتور فهد راشد المطيري، “دعوات التطبيع مع إسرائيل بأنها مجرد جس نبض لردة فعل الشارع العربي، ومحاولة لهذا التطبيع الذي أصبح مع الأسف ملموسا بشكل واضح في الآونة الأخيرة، ولا يمكن لهذه الشخصيات الأكاديمية والإعلامية أن تمتلك إرادة حرة في دعواتها للتطبيع”.
وأضاف في تصريحاته لـ”عربي21″: “حتى الأنظمة نفسها مغلوبة على أمرها في هذه المسألة”، متسائلا “فما بالك بمن يأتمرون بأمر تلك الأنظمة؟”.
وعن توقعاته بشأن مدى تأثير سياسة تسويق التطبيع مع إسرائيل على اختراق أسوار الممانعة العربية الشعبية، لفت المطيري إلى أنه “في ظل افتقار الشعوب لإرادة سياسية حقيقية، وفي ظل جيل عربي جديد لم تعد تشغل باله قضية فلسطين، لا نستطيع أن نُعول كثيرا على الممانعة الشعبية العربية”.
وواصل حديثه بالقول “هناك بالطبع محاولات جادة لإبقاء القضية حية في وعي الشعوب العربية، لكن صدى هذه الدعوات مع الأسف لا يكاد يسمع في ظل هيمنة السلطة على مؤسسات المجتمع المدني بشكل عام”.
وفي الأثناء أشار الداعية والأكاديمي السعودي، الدكتور، سعيد بن ناصر الغامدي، إلى أن “ما يعلنه دعاة التطبيع قادم من جهتين، أولهما: العلمنة، فحقيقة الأمر ما قاله المسيري بما فحواه أنه لا يكاد يوجد متغرب إلا ولديه القابلية للتعايش مع الصهاينة، بسبب المرجعية التي يؤمن بها”.
أما الجهة الثانية، فهي بحسب الغامدي، تتمثل في التوجهات السياسية من ساسة فقدوا قدرتهم على إدارة بلدانهم بحكمة وعدل، وقيم وهوية، فلجأوا إلى العدو الصهيوني ومن خلفه أمريكا للاحتماء بهما بذرائع عديدة، ومسميات تبريرية كالواقعية السياسية، والمصلحة الوطنية والسلم أهم من العدل، وبعض الرتوش الدينية من علماء مغفلين أو أدوات يستخدمها السياسي كما يشاء”.
وردا على سؤال “عربي21″، حول مدى صمود الممانعة الشعبية في مواجهة تلك الحملات الداعية إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، أوضح الغامدي أن “الممانعة الشعبية تقوم على عدة مرتكزات من أهمها الدين وقيم الرجولة والشهامة ومصلحة البلاد والعباد”.
وأضاف: “لكن حلف الفجار يعمل على تحطيم تلك المرتكزات والقيم وفق أجندة “خلوة العزم” التي عقدت في جدة وأبو ظبي عدة مرات.. ووفق اتفاقيات مع كوشنر وترامب ونتنياهو والسيسي” على حد قوله.
وختم الغامدي حديثه بالقول: “لذا فإن تلك الأنظمة تسعى لاختراق حصون الممانعة الشعبية عبر ممارساتها القمعية ضد كل من لا يقبل بالتطبيع بشتى الوسائل سجنا وتضييقا وقتلا”، متوقعا: “بقاء الممانعة الشعبية قوية ومتماسكة ما دام العمل الدعوي قائما، وتعليم العلم الشرعي متاحا، ولن تنطفئ جذوتها وإن خفتت لبعض الوقت”.
وكتب د. سعد العتيبي في ردا علي هذا الجواز
“هل يصح الاستدلال بتعامل الرسول _صلى الله عليه وسلم_ مع اليهود وعقده الصلح معهم على جواز التطبيع مع اليهود في هذا العصر ( ما يسمى دولة إسرائيل ) والتبادل التجاري معهم، وهل هذا من جنس الصلح المذكور في كتب الفقه”؟
الجواب
“الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه .. أما بعد ..
فإنَّ الاستدلال بتعامل النبي _صلى الله عليه وسلم_ مع يهود، على جواز التطبيع، لا يصح ؛ لأوجه عديدة، منها: أنَّ يهود في العهد النبوي لم يكونوا محتلين لبلاد المسلمين؛ وإنَّما معاهدون، سواء كان ذلك بصلح مؤقت ينتهي بانتهاء وقته، أو صلح مطلق ينتهي متى أراد المسلمون إنهاءه بشرط إعلام المصالحين بذلك ، وإمَّا أنهم صاروا رعايا من رعايا الدولة الإسلامية بدخولهم في عقد الذمّة ؛ كما في صلح أهل نجران ، وقصة خيبر، فمنها ما فتح عنوة بالقوة العسكرية ومنها ما فتح صلحا ، وعلِّق فيه بقاؤهم في خيبر بحاجة المسلمين .
قال ابن عبدالبرّ : ” أجمع العلماء من أهل الفقه والأثر وجماعة أهل السير على أن خيبر كان بعضها عنوة وبعضها صلحاً ” (التمهيد ، لابن عبد البر :645) .
وقال أبو العباس ابن تيمية عن أهل خيبر وفتحها : ” فإنَّها فتحت سنة سبع قبل نزول آية الجزية ؛ وأقرّهم فلاحين وهادنهم هدنة مطلقة قال فيها : (( نقركم ما أقركم الله )) ” (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح :1/216-217 ) ؛ ولهذا أمر _صلى الله عليه وسلم_ عند موته بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب ؛ وأنفذ ذلك عمر رضي الله عنه في خلافته ” (أحكام أهل الذمة ، لابن القيم :2/478) .
فاليهود الذين تعامل معهم النبي _صلى الله عليه وسلم_ لم يكونوا محاربين ولا محتلين ، بل كانوا مسالمين خاضعين للشروط الإسلامية بالعهد ، وقد قال الله _عز وجل_ : “لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ “[الممتحنة8] ؛ ثم هم في حالة ضعف ، لا يقدرون على نشر ما يريدون من ثقافة وفكر ، بعكس واقع اليهود اليوم فهم محاربون غير مسالمين كما نرى ويرى العالم ، وهم يفرضون رؤاهم الفكرية والثقافية وقناعاتهم الباطلة ليسلم لهم بها الآخرون رغماً عنهم ! وقد قال الله _عز وجل_ : “إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ “[الممتحنة9] .
ومنها : ما أشرت إليه في سؤالك بقولك : هل هذا من جنس الصلح المذكور في كتب الفقه ؟ وجوابه : أنَّك ذكرت في سؤالك مصطلحين مختلفين ، وهما ( الصلح ) و ( التطبيع ) ، وببيان مدلول كل منهما يظهر الفرق بينهما في الحكم .
فمصطلح ( الصلح ) في كتب الفقه ، يطلق على معاهدة الكفار بما في ذلك عقد الذمَّة الذي يدخل به غير المسلم في رعاية الدولة الإسلامية على الدوام ، والغالب استعمال لفظ الصلح رديفاً لمصطلح ( الهدنة ) عند علماء الإسلام ، والهدنة هي : المعاقدة بين إمام المسلمين أو من ينيبه ، وبين أهل الحرب ، على المسالمة ، مدة معلومة أو مطلقة ، ولو لم يدخل أحد منهم تحت حكم دار الإسلام .”
أصدر أكثر من 200 عالم إسلامي، فتوى تحرم الصلح والتطبيع مع (إسرائيل)، التي تحتل الأقصى والقدس وفلسطين.
وحملت الفتوى التي نشرها “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” ومقره العاصمة القطرية الدوحة، تواقيع العلماء الذين شاركوا في الاجتماع عبر “فيديو كونفرنس” تحت عنوان “هذا بلاغ من علماء المسلمين”.
وقالت الفتوى إن “ما سمي باتفاقيات السلام أو الصلح أو التطبيع (مع إسرائيل) محرمة وباطلة شرعا، وجريمة كبرى، وخيانة لحقوق الله تعالى ورسوله، وحقوق فلسطين أرضا وشعبا، والأمة الإسلامية”.
واعتبرت أن “ما تم بين بعض الدول العربية وإسرائيل، لا يُسمّى صلحا في حقيقته ولا هدنة، وإنما هو تنازل عن أقدس الأراضي وأكثرها بركة”.
ودانت الفتوى “مباركة التطبيع من قبل بعض من ينتسب إلى العلم، وبعض الجهات الإفتائية”.
وأعربت عن “الأسف لما قام به البعض بليّ اْعناق النّصوص، وتحريفها، والخروج عن الثوابت الشرعية إرضاءً للسلطات الحاكمة”.
واعتبرت أن الفتاوى التي تجيز التطبيع مع إسرائيل “تتنافى مع فتاوى العلماء الراسخين طوال قرن كامل من الزمان، وتكشف زيف تلك الشبهات الضالة المضللة التي تتعارض مع الثوابت الشرعية”.
وشددت الفتوى على أن “القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية سياسية، إنما هي قضية مرتبطة بالمسجد الأقصى الذي هو مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال”.
المصدر: شفقنا
التطبيع مع إسرائيل