فقه المسائل المستحدثة

فقه المسائل المستحدثة للسيد علي عباس الموسوي / تعريف وتحميل pdf

الاجتهاد: من الواضح أنّ الفقه بمعناه العام – باعتباره علماً كسائر العلوم ـ هو مجموعة من المسائل الشرعية والمصادر المتعلقة بها، وطرق الاجتهاد و استنباط الأحكام على هذا الصعيد.

إلّا أنّ هنالك طائفة أخرى من هذه المجموعة هي عبارة عن مباني و قواعد أصولية و فقهية متعدّدة يمكن أن تشكل أُسساً أصلية في عملية الاستنباط.

والاجتهاد في أي فرع فقهي ـ ولو كان بسيطاً كما يبتني على العناصر التي ذكرناها ضمن الإطار الذي حدده التعريف أعلاه، كذلك يمكن أن يبتني على المباني و القواعد المعتبرة التي بإمكانها أن ترتسم بعنوان ملاك للعمل الاجتهادي قبل تناول فروع المسائل المطروحة.

و من جهة أخرى أن ماهية الاجتهاد لا تتعدّى كونها مساعي تجري في العمق الجذري للمسألة، في ضوء منهج وإطار معروفين، لغرض الإجابة عن الأسئلة الفقهية والشرعية التي يبتلي بها المكلّف.

ولا فرق بين كون هذه الأسئلة التي يبتلي بها المكلف جزءاً من الموضوعات القديمة، ومما تعد من الماضي أو أنها مورد ابتلاء مسبقة، أو كونها حديثة وجزءاً من الموضوعات الجديدة، فالفقه المتداول قد ينهض لموضوعات قديمة وسابقة، لكن بسبب التنظير تظهر بثوب جديد، وقد ينهض لموضوعات جديدة تظهر إثر حوادث مستجدة، وأسئلة مستحدثة تتعلّق – غالباً – بموضوعات حديثة.

ومن الواضح أنّ أيّ مذهب فقهي وإن كان يعتقد بانسداد باب الاجتهاد، لا يمكنه أن يغمض عينيه عن المسائل المستجدة الحاصلة إثر الوقائع المستحدثة، وإلا سوف يشهد على نفسه الأفول، ومن ثم الزوال إلى الأبد، كما حَصَلَ لبعض المذاهب الفقيهة التي اندرست، ولم يعد لها ذكر ولا أثر ولا أتباع في الوقت الحاضر.

ومن هنا يتضح أن المذاهب الفقهية الحالية المعروفة، والتي ترى ـ أيضاً ـ أنّ باب الاجتهاد مسدود، يجهد علماؤها وفقهاؤها وفي أية مرحلة أو مقطع تاريخي من مسيرة حياتها ـ في الاجابة عن الاسئلة الحادثة من الوقائع المستجدة ضمن إطار أصول المذهب وعلى أساس الملاكات والمباني الخاصة به، لكن بما يتناسب والحاجات الجديدة.

وهذا في الواقع ما هو إلا فتح نسبي لباب الاجتهاد، وما اشتهر بين هذه المذاهب والمحافل الفقهية بـ «فقه النوازل» ليس إلا من هذا الباب.

وأما على صعيد الفقه الإمامي فالأمر واضح وضوح الشمس، ولا يجد فقهاؤهم عسراً تجاه أية مسألة مستحدثة من واقعة مستجدّة، إذ إنّ باب الاجتهاد مفتوح عندهم، والاجابة عن المسائل المستجدة ضمن إطار الأصول والمباني الفقهية والاجتهادية الثابتة عندهم جارية حتى وقتنا الحاضر.

إن طرح المسائل والمستجدات لا يرتبط بزمان خاص ومعيّن، لذا فالحاجة إلى الاجتهاد مستمرة ودائمة، لكن ما يميّز عصرنا الحالي سرعة وكثرة وقوع الحوادث، وكثافة المسائل المستحدثة إثر التطوّر اليومي الذي يشهده الفرد المسلم في حياته الفردية والاجتماعية والأسرية، فكانت الحاجة إلى الاجتهاد والعمل الإضافي أكثر على هذا الصعيد.

اذن فالسبب الذي دعا فقهاء الإمامية – و منذ سنوات طويلة ـ إلى مزاولة عملية الاجتهاد بحماسة، والتعاطي مع الموضوعات المستجدة بعنوان «المسائل المستحدثة» من دون انقطاع، إنّما هو ناشئ من حاجات العصر الراهن، ومتطلباته الكثيرة.

وفي هذا الوسط يبرز سؤال أساسي وكلّي: هل يمكن تحديد دائرة خاصة يمكن بواسطتها تقصّي المسائل الجديدة والاجابة عن المستجدات الحادثة؟ هل أن الاجتهاد في هذه الطائفة من المسائل يبتني على قواعد ومباني خاصة بحيث تعين الفقيه والمجتهد على عمله الاستنباطي وبواسطتها يمكن تقديم الإجابة الصحيحة والموافقة لأصول الشرع المقدس بسهولة؟

وبعبارة أخرى في مجال العمل الاجتهادى والإجابة عن المسائل المستجدة، لو قمنا بمقارنتها مع المسائل السابقة، هل يمكن الاستناد إلى المباني والقواعد الخاصة في هذا الإطار، واعتبارها أدوات و مصادر الاستنباط في المسائل الجديدة ضرورية وموسعة لدائرة الاجتهاد أم لا؟

ومثل هذه المباني والقواعد لا يجب حصرها في مجال الفقه والمسائل الفقهية فحسب، بل بوسعها العمل في كل مقام مشترک وعلى كل الصعد، كما يمكن استعمالها استعمالاً خاصاً وبعناية في عملية استنباط المسائل الجديدة.

والجدير ذكره أن استعمال هذه الفئة من القواعد والأصول والمباني، كما أنه لا يقتصر على المسائل المستجدة فحسب وإنّما يتعدّى إلى غيرها من المسائل، كذلك الاهتمام بها على نحو الإجابة عن هذه المسائل له علاقة خاصة بها أيضاً.

وهذا الكتاب (فقه المسائل المستحدثة) النفيس الذي بين يديك – عزيزنا القارئ ـ قد تم تأليفه على هذا الأساس، حيث سعى مؤلّفه الكريم إلى جذب انتباه القراء إلى بعض النكات المحورية على هذا الصعيد، وإرسال بحثه إلى أبعاد مختلفة ومهمة في حياة المكلف، مع إرفاقها بأمثلة عملية جديرة بمطالعتها والالمام بها.

وقد أكد المؤلّف في كتابه على ضرورة معرفة موضوع الحكم، وأهميته في عملية الاستنباط؛ للعلاقة القائمة بين الموضوع والحكم، وإمكان تعميم الحكم على موضوعات أخرى. كما أكد على إمكان الاستفادة من مجموعة القواعد والمحاور المشتركة في مجال فقه المسائل المستحدثة، وضرورة الإحاطة بها.

كما ضم الكتاب بحثاً نفيساً عن ارتكازات المتشرعة أو العقلاء، والنظرة الخاصة التي يحملها الفقه المعاصر إلى العقود والمعاملات الجديدة، إضافة إلى الحديث عن قواعد الحكم الثانوي، ودورها في المسائل الجديدة، و ما يمكن أن يترتب عليها من أهمية في مجال تناول المسائل الحديثة والمستجدة.

وأثبت في هذا البحث أنّه يمكن جعل الأحكام الولائية والمتعلقة بالحكومة مورد جريانها أيضاً، بعد أن أورد جملة نماذج في هذا الاتجاه.

لقد بذل المؤلّف حجة الاسلام والمسلمين السيد علي عباس الموسوي جهده في تصوير الأبعاد المختلفة للمباني والقواعد وبيانها على مستوى كبير من التوضيح، من خلال إيراد الكثير من التحليلات وتقييم المصاديق، وتطبيق القواعد والمباني في أمثلة عملية عديدة، بل حاول انتزاع أمثلة من مجالاتها الواقعية أو الذهنية من اجل بيان المطالب.

وهذا الكتاب (فقه المسائل المستحدثة) الذي يتمتع بميزة الجودة والحداثة في الطرح، والعمق في الموضوعات الفقهية، وجده معهدنا الأغرّ معهد الفقه والحقوق، أهلاً لأن يحظى بفرصة الطبع والنشر، وينال الحظوة كسائر المؤلّفات النفيسة، ويرقى مكانه في المكتبة الفقهية الاسلامية المعتبرة، فقام كما هو ديدنه – بطبعه والإشراف عليه ونشره بحلة تتناسب وأهميته العلمية.

وقد نهض بمهمة الإشراف العلمي والتقييم المفصل في المرحلة الأولى كـلّ من حجج الاسلام و المسلمين الشيخ رضا اسلامي والشيخ حسنعلي علي اكبريان وشاركهما جمع آخر في مجال التقييم الثانوي، وهم: حجج الاسلام والمسلمين: الشيخ محمد سروش المحلاتي والشيخ سعيد ضيائي فر والشيخ محمد حسين القائيني.

هذا، وقام كلُّ من: الأساتذة حجج الاسلام والمسلمين الشيخ علي اكبر السيفي المازندراني والشيخ أحمد العابدي ضمن اجتماع شورى المعهد بمتابعة التقييمات وإلقاء النظرة النهائية على المتن.

وفي هذا الصدد يسر معهدنا أن يقدّم جزيل شكره وتقديره إلى جميع السادة والأساتذة الأفاضل الذين ساهموا بجهود مباركة في هذا العمل النفيس، ونخص بالذكر المؤلّف المحقق المحترم الذي تحمّل عباً تأليفه، وتوثيق مطالبه، والإخوة الأفاضل من كادر المعهد الذين لم يألوا جهداً فى تقديم الأفضل لهذا الكتاب على طول مراحل تحقیقه وتصحیحه وتقویم نصه ومقابلته، ثم طبعه ونشره بهذه الصورة القشيبة.

نسأل الله سبحانه التوفيق والنجاح للجميع من أجل نشر الأفضل و الأصيل من تراثنا الاسلامي، و و المؤلّفات العلمية التي تخدم الدين و المذهب: مذهب أهل بيت النبوة والرسالة، إنه سميع مجيب.

 

السيد ضياء المرتضوي

مدير معهد الدراسات الفقهية والحقوقية

ذي الحجة 1429ه ق 

 

 

فهرس محتويات الكتاب

 

تحميل الكتاب

فقه المسائل المستحدثة – السيد علي عباس الموسوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky