علي وليد الكعبة للاروبادي

علي وليد الكعبة.. للأردوبادي / قراءة الكتاب

الاجتهاد: كتاب علي وليد الكعبة قد طبع عام “1380 هـ” في النجف، وصوّر من تلك الطبعة أكثر من مرّة، وطبع عام “1412 ه” بتحقيق قسم الدراسات في مؤسسة البعثة- قم.

  • لمحة من حياة المؤلف
  • قراءة في كتاب وليد الكعبة

 

الشيخ محمد علي الأردوبادي
اسمه ونسبه
الشيخ محمّد علي ابن الشيخ أبو القاسم بن محمّد تقي الغروي الأُردوبادي النجفي.

ولادته
ولد في الحادي والعشرين من رجب 1312ﻫ بمدينة تبريز في إيران.

أبوه
الشيخ أبو القاسم، قال عنه السيّد محسن الأمين(قدس سره) في أعيان الشيعة: «كان عالماً فقيهاً، تقياً ورعاً، خشناً في ذات الله، أحد مراجع التقليد في آذربايجان وقفقاسيا».

دراسته
سافر(قدس سره) مع أبيه ـ الذي كان من الفقهاء ـ إلى النجف الأشرف، وله من العمر أربعة سنوات، درس مرحلتي المقدّمات والسطوح على أفاضل الحوزة العلمية في النجف الأشرف حتّى تأهّل للحضور في الفقه والأُصول في سنّ مبكرة على أعلامها، وشهد له مجموعة من الأعلام على بلوغه مرتبة الاجتهاد.

من أساتذته
الشيخ فتح الله الإصفهاني المعروف بشيخ الشريعة، الشيخ محمّد حسين الغروي الإصفهاني المعروف بالكُمباني، أبوه الشيخ أبو القاسم، السيّد عبد الهادي الشيرازي، الشيخ ضياء الدين العراقي، الشيخ محمّد جواد البلاغي، السيّد محمّد هادي الحسيني الخراساني، السيّد علي آقا الشيرازي، الشيخ عبد الله المامقاني.

من أقوال العلماء فيه
1ـ قال الشيخ محمّد مهدي السماوي(قدس سره) في الطليعة: «فاضل اشتمل على فضل جمّ وعلم غزير، وشارك في فنون مختلفة إلى تقى طارف وتليد، وحسب موروث وجديد، المصنّف الشاعر».

2ـ قال الشيخ علي الخاقاني(قدس سره) في شعراء الغري: «والمترجم له شخصية علمية أدبية فذّة، طلعت في عالمها طلوع النجم المتوقّد، فقد دخل معارك أدبية ومغامرات دينية، واشتغل في تعزيز العقيدة».

3ـ قال الشيخ عباس القمّي(قدس سره) في الكنى والألقاب: «العالم الفاضل، الأديب البارع، الشاعر المتبحّر الخبير».

شعره
كان(قدس سره) أديباً شاعراً ناثراً بليغاً لغوياً متكلّماً، له ديوان شعر يحتوي على أكثر من ستّة آلاف بيت، فيه قصائد في مدح ورثاء أهل البيت(عليهم السلام).

من مؤلّفاته
علي وليد الكعبة، الكلمات التامّات في المظاهر العزائية والشعائر الحسينية، سبائك التبر فيما قيل في الإمام الشيرازي من الشعر، حياة السيّد محمّد سبع الدجيل ابن الإمام الهادي(عليه السلام)، سبيك النضّار في شرح حال شيخ الثار المختار، الأنوار الساطعة في تسمية حجّة الله القاطعة، ديوان شعر، السبيل الجدد إلى حلقات السند، المثل الأعلى في ترجمة أبي يعلى، الدرّة الغروية والتُحفة العلوية، حياة إبراهيم بن مالك الأشتر، تفسير سورة الإخلاص، الحدائق ذات الأكمام، حرمة حلق اللحية، الردّ على الوهّابية، الرياض الزاهرة، الحديقة المبهجة، الروض الأغن، زهر الرياض، زهر الرُبى.

وفاته
تُوفّي(قدس سره) في الأوّل من صفر 1380ﻫ بالنجف الأشرف، ودُفن في الصحن الحيدري للإمام علي(عليه السلام). 

حديث المولد الشريف و تواتره

بسم الله الرحمن الرحيم

حديث المولد الشريف و تواتره

إنّ المنقّب في التأريخ والحديث جِدَّ عليم بأنّ هذه الفضيلة من الحقائق التي تطابق على إثباتها الرواة، وتطامنت (1) النفوسُ على اختلاف نزاعاتها على الإخبات (2) بها، حيث لا يجد الباحث قَطُّ غَميزةً (3) في إسنادها، ولا طعناً في أصلها، ولا منتدحاً (4) للكلام على اعتبارها، وتضافر النقل لها، وتواتر الأسانيد إليها، وإن وَجَدَ حولها صَخباً من شذّاذ الناس وطأه بأخمص حجاه (5)، وأهواه إلى هُوّة البطلان السحيقة.

قال الحافظ أَبو عبد اللَّه، محمّد بن عبد اللَّه، الحاكم النّيسابوري، المتوفى سنة “405 ه” في “المستدرك” في باب مناقب حكيم بن حزام (6)، عن مصعب بن عبد اللَّه: أنّ اُمّ حكيم (7) ولدته في الكعبة، ضربها المخاض وهي في جوفها: ولم يُولَد قبله ولا بعده في الكعبة أحدٌ(8).

قال الحاكم: وَهَمَ مصعب في الحرف الأخير، وقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- كرّم اللَّه وجهه- في جوف الكعبة.

والحاكم مَن أذعن الكلّ بثقته وحفظه وضبطه، وتقدّمه في العلم والحديث والرجال، والمعاجمُ طافحةٌ بإطرائه والثناء عليه، والكتبُ مفعمةٌ بالاحتجاج به، والركون إليه، وتآليفه شاهدةٌ بنبوغه وتضلّعه، فناهيك به حاكماً بتواتر الحديث.

وقد وافقه على ذلك النصّ من أفذاذ علماء أهل السنة: شاه ولي اللَّه أحمد بن عبد الرحيم المحدّث الدهلوي (9).

والد عبد العزيز الدهلوي: مصنّف “التحفة الاثنا عشريّة” في الردّ على الشيعة، قال في كتابه “إزالة الخفاء”:

‘قد تواتر الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علياً في جوف الكعبة، فإنّه وُلِدَ يوم الجمعة، الثالث عشر من شهر رجب، بعد عام الفيل بثلاثين سنة، في الكعبة، ولم يُولد فيها أحدٌ سواه قبله ولا بعده'(10).

والحاكم في النقل السابق عنه، وإن لم يذكر وقت الولادة، ولا شهرها ولا سنتها، لكن حمل إلينا ذلك عنه الحافظ أبو عبد اللَّه محمد بن يوسف بن محمد القرشي الكنجيّ الشافعيّ، المتوفى سنة “658 ه” في كتابه “كفاية الطالب” الذي ذكره الچلبيّ في “كشف الظنون” ونقل عن ابن الصبّاغ المالكيّ في “فصوله المهمّة” واحتجّ به ابن حَجَر.

قال: ‘أخبرنا الحافظ أبو عبد اللَّه، محمّد بن محمود النّجار، بقراءتي عليه ببغداد، قلت له: قرأتُ على الصفّار بنيسابور: أخبرتني عمّتي عائشة، أخبرنا ابن الشيرازيّ، أخبرنا الحاكم أبو عبد اللَّه، محمّد بن عبد اللَّه الحافظ النّيشابوريّ، قال:

وُلِدَ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب بمكّة في بيت اللَّه الحرام، ليلة الجمعة، لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب، سنة ثلاثين من عام الفيل، ولم يولد قبله ولا بعده مولودٌ في بيت اللَّه الحرام سواه، إكراماً له بذلك، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم'(11).

وقال شهاب الدين، أبو الثناء، السيّد محمود الآلوسي المفسّر في “شرح عينية عبد الباقي أفندي العمري ” عند قول الناظم:

أنتَ العليُّ الذي فوقَ العُلا رُفعا*** بِبَطْنِ مكّةَ عند البيت إذْ وُضِعا

‘وفي كون الأمير- كرّم اللَّه وجهه- وُلِدَ في البيت، أمرٌ مشهورٌ في الدنيا، وذُكِرَ في كتب الفريقين السنّة والشيعة- إلى قوله-:

ولم يشتهر وضعُ غيره- كرّم اللَّه وجهه- كما اشتهر وضعه، بل لم تتّفق الكلمة عليه.

وما أحرى بإمام الأئمّة أن يكون وضعه فيما هو قِبْلَة للمؤمنين.

وسبحان من يضع الأشياء في مواضعها وهو أحكم الحاكمين’ (12)

وإنّ اشتهار الحديث في الدنيا وتداوله في كتب الفريقين لا يعدوه أن يكون متواتراً على الأقلّ، وهو لا يريد الشهرة والتداول في جيله فحسب، فهو لا يجديه في تبجّحه بتلك المأثرة الكريمة بقوله: وما أحرى… وقوله: وسبحان..ظ وجزمه بذلك لو كانت الشهرة منقطعاً أوّلها، فلا محالة أ نّه يريد ذلك في كلّ جيلٍ، وهو الذي لا يبارحه التواتر على الأقلّ.

وأنت ترى أ نّه في كلامه هذا لم يأبه بمولد حكيم بن حزام، وأوعز إليه بالوهن بقوله: ‘ولم يشتهر’.

كما أنّ الحاكم مع رواية ولادة حكيم في “المستدرك” نفاها في كلامه الأخير الذي أثبته عنه الحافظ الكنجيّ بقوله: ولم يولد….

ولو كان يُقيم وزناً لتلك الرواية لما ساغ له ذلك الجزم النهائيّ.

وممّا يؤكّد ما قاله أبو الثناء كلمةٌ ثمينةٌ للعلّامة الشريف السيّد حيدر بن عليّ الحسيني العُبيدلي الآملي، المعاصر لفخر الدين ابن آية اللَّه العلّامة الحليّ قدس سره، في كتابه “الكشكول فيما جرى على آل الرسول” قال:

‘واحتجّ آل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وجماعةٌ من الأصحاب الذين ثبتوا على دين رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، وعلى عهده في ولاية عليّ عليه السلام بعدّة من الفضائل جعلوها مسنداً لهم عند المفاضلة’ (13).

وعدّ فضائل جمّة مسلّمة عند الفريقين.

والرابعة عشر منها: ولادته في الكعبة.

وقال في أُخريات الكتاب: ‘خاتمة أذكر فيها شيئاً من مناقب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام وكراماته التي اختصّه اللَّه بها على أبناء جنسه (14)

لا يفتقر ناقلها إلى كتاب، ولا يحتاج الخصم فيها إلى جواب، وأرجو أن تكون حجّة للمؤالف على المخالف، وللمستقيم على المتجانف’ (15)

ثمّ ذكر كرامات كثيرة من المتسالم عليها.

وثانيها: ‘أ نّه وُلِدَ في الكعبة، بالحرم الشريف، فكان شرفَ مكّة وأصلَ بكَّة (16)

، لامتيازه بولادته في ذلك المقام المنيف، فلم يسبقه أحدٌ، ولا يلحقه أحدٌ بهذه الكرامة، ولا بلغ أحدٌ بلغ من السيادة والنباهة عامّة، وهو بالأصالة صاحب الإمامة الإبراهيميّة’ (17)

وأنت تعلم أنّ آل محمد صلى الله عليه و آله وتبعهم من الصحابة والتابعين لم يحتّجوا بتلكم الفضائل، ولا جعلوها مستنداً لهم في الحجاج على أمرٍ أصليّ في المذهب، إلّا وعلموا أ نّها جمعاء- ومنها حديث الولادة- مسلّمةٌ عند خصومهم، كما هي ثابتة لديهم.

فبينَ من شهد الموقف من الصحابة، ومن رواه عمّن حضره، وكذلك التابعين.

ثمّ إنّ الكرامات المذكورة إنّما صارت بحيث لا يحتاج صاحبها إلى كتابٍ، كما ذكره السيّد الشريف، لتداولها في أيّ كتابٍ يحسبه الخصم حجّةً عليه، ويراه الموالي معتمداً عنده، ومثل هذا لا يُلجى ء صاحبه إلى إسناد أو ذكر كتاب.

ولذلك كان السيّد يرجو أن تكون حجّةً على المخالف والمتجانف.

وهذا نفس ما مرّ عن أبي الثناء الآلوسيّ من إطّراد الحديث في كتب الفريقين، واشتهاره في الدنيا.

وقد قلنا: إنّه لا ينفك عن التواتر.

ولذلك قال العلّامة السيّد هاشم التوبليّ البحرانيّ في “غاية المرام”: ‘إنّ رواية أمير المؤمنين عليه السلام وُلِدَ في الكعبة بلغت حدّ التواتر، معلومةٌ في كتب العامّة والخاصّة’ (18)

وبمقربة من هذا القول ما قاله العالم البارع السيّد محمّد الهاديّ بن اللوحي الموسويّ الحسيني في كتابه “أُصول العقائد وجامع الفوائد”. قال: ‘كان مولده عليه السلام في جوف الكعبة على ما روته الشيعة وأهل السنّة، ولم يشرّف المولى سبحانه أحداً من الأنبياء والأوصياء بهذا الشرف، فهو مخصوص به سلام اللَّه عليه’ (19)

مترجماً من الفارسية وملخّصاً.

فهو يريد أنّ الحديث ممّا تصافقت الأيدي على نقله، وتطامنت النفوس على روايته، وأصفقت الجماهير من الفريقين على إثباته، وذلك الذي نريد إثباته، وبه يثبت التواتر.

ولقد قال بعض العلماء في مؤلّف له: ‘إنّ حديث الولادة في البيت نقله جلّ أصحاب التأريخ.

والمشهور ما بين الخاصّة والعامّة: أ نّه وُلِدَ بين العمودين على البَلاطة الحمراء’.

وفي كتاب آخر لبعض الأعلام: ‘وخبر ولادته هناك- يعني في البيت- مشهورٌ، والكتب به مملوءةٌ، وروايته متواترةٌ عند الفريقين’.

وفي علمائنا من لا يأبه بغير المتواتر، حيثما تعمل فيه العلماء بالآحاد، ولذلك رفضوا أخباراً كثيرة لأ نّها لم تخرج مخرج التواتر.

ومن أُولئك من أثبت حديث المولد المبارك جازماً به من غير شكٍّ فيه، ولا إردافٍ له بنقدٍ في متنه، أو ردّ لإسناده، وما ذلك إلّا لأ نّهم اعتقدوا فيه ما اعتقده غيرهم ممّن وقفت على كلماتهم من التواتر.

فمنهم: أمين الإسلام شيخ المفسّرين، الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي صاحب “مجمع البيان”، المتوفّى سنة “548 ه” في كتابه “إعلام الورى” فقد أثبت تأريخ الولادة كما عرفته من اليوم والشهر والسنة، وأ نّها بمكّة في البيت الحرام، وقال: ‘ولم يُولد في بيت اللَّه تعالى مولودٌ سواه لا قبله ولا بعده، وهذه فضيلةٌ خصّه اللَّه تعالى بها إجلالاً لمحلّه ومنزلته، وإعلاءً لقدره’ (20)

وأنت تعلم أنّ الإمام الطبرسيّ لم يكُ بالذي يشذُّ هاهنا عمّا أسّسه للعلم والعمل في باب أخبار الآحاد، وجرى عليه في غير مورد من خصوص هذا الكتاب، من ردّ أحاديث أخرجت مخرجها، ولا كان يثبت في كتابٍ أ لّفه في الإمامة وبيان الحجّة عليها ومواقف أصحابها من الفضيلة والشرف إلّا ما تعترف به الاُمّة على بكرة أبيها، وترويها في أجيالها وأدوارها.

ومن اُولئك: علم الهدى، ذو المجدين، الشريف المرتضى، المتوفى سنة “436 ه” في شرح القصيدة المذهّبة للسيد الحميري، قال:

‘ورُوِيَ: أ نّها- يعني فاطمة بنت أسد- ولدته في الكعبة، ولا نظير له في هذه الفضيلة’ (21)

ليس قصده من إيرادها بلفظ ‘رُوىَ’ إسنادها إلى رواية مجهولة، وإنّما جرى فيها على ديدنه في هذا الكتاب من سرد الحقائق الراهنة، مقطوعةً عن الأسانيد لشهرتها، وتاضفر النقل لها، وتداولها في الكتب لفتاً للأنظار إليها، وإشادة بذكرها على نحو الاختصار، وعلى ذمّة الباحث إخراجها من مظانّها.

ولذلك تراه يقول بعد الرواية غير متلكّي ء ولا مُتَلعثِم: ‘ولا نظير له…’ كجازمٍ بحقيقتها، مؤمنٍ بصحّتها وتواترها، وإلّا لَلَفظها كما هو دأبه في غير واحد من الأحاديث.

ولم يشذّ عنه أخوه الشريف الرضيّ، المتوفّى سنة “406 ه” في “خصائص الأئمّة” قال: ‘وُلِدَ (22)

في البيت الحرام، لثلاث عشرة ليلة خلت من رجبٍ، بعد عام الفيل بثلاثين سنة، واُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وهو أوّل هاشميّ في الإسلام ولد من هاشمٍ مرّتين، ولا نعلم مولوداً في الكعبة غيره’ (23).

ومن عرف الشريف ونفسيته العالية، وأخذه الحذر عمّا يمسّ شرفه وكرامة نفسه في القول والعمل، يعلم أ نّه لم يتلفّظ بهذه الكلمة، إلّا بعد أن وجدها حقيقةً ناصعة، يذعن بها نُقّاد فنّ الحديث، وناهيك به خطراً لها واعتباراً.

ولقد حذا حذوَ الشريفين شيخُ الطائفة، الإمامُ المقدّمُ أبو جعفر، محمّد بن الحسن الطوسي، المتوفّى سنة “460 ه” في كتابه “التهذيب” الذي هو ثالث الكتب الأربعة المعوّل عليها عند الشيعة جمعاء، قال في كتاب المزار من “التهذيب”: ‘ولد بمكّة في البيت الحرام يوم الجمعة’ (24)

وذكر التأريخ كما ذكره الشريف الرضيّ.

وروى في “مصباح المتهجّد” تأريخ شهر الولادة ومحلّها، كذلك عن ابن عيّاش: ‘قبل النبوّة باثنتي عشرة سنة’ (25)

وعن عتّاب بن اُسيد: ‘وللنبيّ ثمانٍ وعشرون سنةً، وقبل نبوّته باثني عشر عاماً، يوم الجمعة’ (26)

ومن اُولئك العلماء الذين لم يُقيموا لأخبار الآحاد وزناً، شيخُ الشيعة واُستاذ علمائها، رئيس الأُمّة، الشيخ المفيد، أبو عبد اللَّه، محمّد بن محمّد بن النعمان، المتوفى سنة “413 ه” قال في “الإرشاد”: ‘ولد بمكّة في البيت الحرام يوم الجمعة’.

وتاريخ الشهر والسنة كما عرفت.

ثمّ قال: ‘ولم يولد قبلَه ولا بعدَه مولودٌ في بيت اللَّه سواه، إكراماً من اللَّه جلّ اسمه له بذلك، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم’ (27)

وذكره في “المقنعة” أيضاً (28)

وفي “مسار الشيعة” له، أرسل ولادته عليه السلام في البيت إرسال المسلّم، وذكر التاريخ، غير أ نّه اختار فيه أ نّها في الثالث والعشرين من رجب قال: ‘وهو يوم مسرّة لأهل الإيمان’ (29)

والشيخ المفيد مَن عَرَفته الاُمّة بالنقد والتمحيص، وأ نّه كيف كان يردّ الأخبار لأدنى علّةٍ في أسانيدها أو متونها، ويتردّد في مفادها.

يعرف ذلك كلّه مَن سَبَرَ كتبه ورسائله ومسائله.

أو هل تراه- مع ذلك- يعدل عن خطّته القويمة، فيرمى القول على عواهنه (30)

بذكر الواهيات على سبيل الجزم بها، لا سيّما في كتاب “الإرشاد” الذي قصد فيه إعلاء ذكر آل محمد صلى الله عليه و آله والتنويه بفضلهم وإمامتهم وتقدّمهم فيهما.

فهل يذكر فيه إلّا ما هو مسلّم بين الفريقين، أو الملأ الشيعي على الأقل؟!

وتبع الشيخ الأجلّ معاصره النّسابة، نجم الدين، الشريف أبو الحسن، عليّ بن أبي الغنائم محمّد، ويعرف بابن الصوفي، ابن عليّ بن محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن محمّد الصوفي بن يحيى بن عبد اللَّه بن محمد بن عمر بن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، المنتقل من البصرة إلى الموصل سنة “423 ه” والموجود بعد سنة “441 ه”، قال في “المَجدي”: ‘وَوَلَدَت- يعني فاطمة بنت أسد- علياً عليه السلام في الكعبة، وما وُلِدَ قبلَهُ أحدٌ فيها’ (31)

والنسّابة العمري هذا- ذكر رضيّ الدين السيّد ابن طاوس في “الإقبال”- أ نّه أفضل علماء الأنساب في زمانه، وهو يروي عن الشيخ الصدوق، ويروي عنه غير واحد.

وكتاب “المَجدي” له معوّلٌ عليه لدى كافّة الأصحاب، وسكن إليه عامّة النسّابين، فما يرويه فيه حجّة في مفاده.

روى شيخنا المفيد، ورشيخنا الشهيد في مزاريهما، والسيد ابن طاوس في “مصباح الزائر” في لفظ الزيارة الذي علّمه الإمام الصادقُ عليه السلام محمّد بن مسلم الثقةَ الجليل، لأمير المؤمنين عليه السلام، في يوم مولد النبيّ صلى الله عليه و آله في السابع عشر من ربيع الأوّل ما نصّه: ‘السلام عليك يا مَن وُلِدَ في الكعبة، وزوّج في السماء بسيّدة النساء…’.

ثمّ قال بعد سرد فضائل جمّة له عليه السلام: ‘السلام على المخصوص بالطاهرة التقيّة ابنة المختار، المولود في البيت ذي الأستار…’ (32)

وفي زيارة لأمير المؤمنين عليه السلام اُخرى مطلقة، ذكرها السيّد ابن طاوس في “مصباح الزائر” أوّلها بعد التكبيرات الأربع والثلاثين: ‘سلامُ اللَّه وسلامُ ملائكته المقرّبين، وأنبيائه المرسلين، وعباده المخلصين’، ما لفظه: ‘السلام على المولود في الكعبة، المزوّج في السماء’ (33)

لقد علم النياقد الباحثون أنّ المغزى من إنشاء ألفاظ الزيارات المخصوصة منها والمطلقة، وتلاوتها في المشاهد المقدّسة، حيث المحاشد والمجتمعات العامّة، ليس إلّا الإشارة بذكر أئمّة الدين، والتنويه بفضائلهم، والتذكير بمزاياهم، وإشهار أمرهم، وإحياء ذكرهم.

وإنّما أنهوها إلى الشيعة لتتلوها آناء الليل وأطراف النهار في المواسم، وبين زَرافات المترادفين إلى مراقد أئمّة الدين عليهم السلام، فيقف مَن يتلوها أو يسمعها على مقامهم الرفيع، ومحلّهم من الشرف، ومتبوّءهم من الخطر، فتُخبتَ قلبوهم، وتثلج صدورهم، ويلفت النائي عنهم إلى ما حووه من المجد المؤثّل (34)، والكرامة على اللَّه، والزّلفة منه، فتكون فيها دعايةٌ إلى ولائهم، واحتجاجٌ لإمامتهم، وإصحار (35)

بتقدّمهم للأمر، وهداية إليهم، وإرشاد إلى سلوك خطّتهم.

فهل يكون ذلك كلّه إلّا بسرد ما هو المشهور الدائر بين حَمَلَة الحديث المقبول لدى الأُمّة جمعاء، المطّرد عند أهل السير والأثريين.

ولو عداه ذلك لكان غميزةً في أئمّة الهدى بالتعليم بالسّفاسف، وفي شيعتهم بالتبجّح بالواهيات، وفي المذهب بابتنائه على شفا جُرفٍ هارٍ.

وممّا يقرّب من هذا نظمُ السيّد الحميري، المتوفّى سنة “179 ه” كما نصّ به القاضيّ التستريّ في “المجالس” ذلك، على ما جاء في “المناقب” لابن شهر آشوب، وابن الفتّال الشهيد في “روضة الواعظين” قال:

وَلَدَتهُ في حرم الإله وأمنهِ*** والبيت حيثُ فناؤه والمسجدُ

بيضاءُ طاهرةُ الثياب كريمةٌ*** طابَتْ وطابَ وليدُها والمولدُ

في ليلةٍ غابَت نحوسُ نُجومها*** وبَدَتْ مع القمرِ المنيرِ الأسْعُدُ

ما لُفّ في خِرَقِ القوابلِ مثلُهُ*** إلّا ابنُ آمنةَ النبيِّ محمّدُ (36)

وله:

طِبْتَ كَهْلاً وغُلاماً*** ورَضيعاً وجَنينا

ولدى المِياقِ طِيناً*** يومَ كانَ الخَلْقُ طِينا

وببَطْنِ البيتِ ومولُو*** داً وفي الرَمْلِ دَفينا

كنتَ مأمُوناً وَجيهاً*** عندَ ذي العرش مَكينا

في حِجابِ النُور طُهْراً (37)*** طَيّباً للطاهِرينا

عندَ ساق العَرْش مَعْ طـ*** ـه تؤمُّ الساجِدينا (38)

فلم يكن التنويهُ بمثل هذه المأثرة الجليلة في القرن الثاني من مثل السيّد الحميريّ الذي كان يسيرُ بشعره الركبانُ، إلّا بعد ما نالتْ من الشهرة والثبوت حظوةً وافيةً، فإنّه في جهاده ونضاله مع أعداء أهل بيت الوحي بحجاجه المتواصل، ونظمه البديع، لم يكن بالذي يفضحُ نفسه، ولا الذي كان يصبو إلى ولائهم بالتشبّث بالواهيات، أو ما لا تعرفه الناس، أو لا تعترف به.

فما كان يُصْحِرُ به يجبُ في شريعة المناظرة أن يكون حقيقةً ثابتةً لدى مناوئيه في الانضواء إلى عترة الوحي وسُلالة النبوّة، وهم السواد الأعظم يومذاك، ملأوا الفضاء صخباً وطنيناً في الانحياز عن أُولئك الأئمّة، وكانوا ينكرون ما يسعهم إنكاره من فضائلهم غير ما تضافر به النقلُ، وتواترت الأسانيدُ في نقله.

فلم يدع بقوّته لهم مُنتدَحاً لدحضه، وما كانت الشيعة يومئذٍ تحتجّ عليهم إلّا بما هذا سبيله.

ولذلك إنّا نعدّ نظم السيّد الحميريّ هذا أثبت لمفاده من أسانيده متساندة.

وسيوافيك أنّ حديث الولادة هذا كان كما وصفناه في القرون الأُولى، وإن لم يَعُد أن يكون كذلك فيما بعدها وإلى العصر الحاضر.

وممّن نظّم القصّة محمد بن منصور السّرخسي كما في “مناقب ابن شهر آشوب”، وفي شرح نهج البلاغة الموسوم ب “منهاج البراعة” للعلّامة الكبير الحاج ميرزا حبيب الخوئي، قال:

ولدتْهُ منجبةٌ وكان وِلادُها*** في جوف كعبة أفضل الأكنان (39)

وسقاه ريقتَهُ النبيُّ ويالها*** من شربةٍ تُغني عن الألبانِ

حتّى ترعرعَ سَيّداً سَنَداً رِضاً*** أسداً شديدَ القلب غيرَ جَبان

عَبَدَ الإلهَ مع النبيّ وإنّهُ*** قد كانَ بعدُ يُعَدّ في الصبيانِ (40)

وهذا أحدُ الشعراء القدماء من مادحي أهل البيت النبويّ الطاهر قبل القرن السادس.

والقول في نظمه هذه المنقبة الجليلةَ يقربُ ممّا أسمعناكه في شعر السيّد الحميري.

فإنّ صاحب الحجّة لا يستهين الغَميزة فيما يقول، مهما بلغ من الخلاعة وعدم الاكتراث، ورمي القول على عواهنه في المعاني الشعريّة، فإذا كان شعره قصصياً يربو بنفسه عن القذف والرمي بالإفك، فهو لم يَصُغ تلك المدحةَ في قالب الشعر حتّى حسبها كما هيَ كذلك، متضافرةَ الإسناد، موصولة الطُرُقِ، في كلّ جيل، عند المؤالفِ والمخالف.

ويقرُب من هذا ما جاء في دالّيةٍ كبرى علويةٍ، كلّها مديحٌ واحتجاجٌ، لشاعر أهل البيت عليهم السلام، الفاضل البارع علاءِ الدين، الشيخ عليّ الشفهيني، المتوفّى في حدود السبعمائة بالحلّة ودُفن بها، قال:

أمْ هَلْ ترى العالَمينَ بأسرهم*** بَشَراً سِواه ببيت مكّةَ يُولَدُ؟

في ليلةٍ جبريلُ جاءَ بها مع ال*** مَلَك (41) المقدّس حولَه يتعبّدُ

فلقد علا شَرَفاً بذاك كما بِهِ*** شَرَفاً علا كلَّ (42) (43)

وإنّك تراه كيف يترسّل في سرد الفضيلة كما يترسل الإنسان في أيّ حكم ثابت، ويجدّ في القضاء كما يفعله العالم بالقضيّة المحيط بأطرافها وشؤونها، وقد دحر عنها أيّ وصمةٍ تعتريها، أو شائنةٍ تضرب على يده عند الحكم، وتصرف قلبه عن الإخبات بها.

وهل يكون ذلك مع آحاد الأخبار التي لا يعرفها إلّا رواتها؟!

وممّا يدرأ عن الحديث إسفافه إلى صفّ الآحاد ما قاله العلّامة الأكبر ثقة الإسلام النوريّ رواية الأخبار ونيقد السِيَر وعَلَم الإحاطة في “اللؤلؤ والمرجان”: ‘إنّ هذه الفضيلة الباهرة جاءت في أخبار غير محصورة، ومنصوصٌ بها في كلمات العلماء، وفي ضمن الخطب والأشعار في جميع الأعصار، وهي من خصائص الإمام عليه السلام لم يشاركه فيها نبيّ أو وصيّ، ولا يبعد كونها من ضروريات مذهب الإمامية، ولم تزل الشيعة تفتخر بها’ (44)

ومهما حملنا قوله أ نّها ‘جاءت في أخبار غير محصورة’ على المبالغة، فإنّ أقلّ مراتبه أن تكون متواترة.

أضف إليها نصوص العلماء والخطباء والشعراء التي أوعزوا إليها، فإنّها لا تقلّ عن أن يكون كلّ منها رواية، فهي معاضدة لذلك التواتر.

أو أنّ منها ينشأ تواتر آخر، بضميمة تواصلها في كلّ العصور كما صرّح به.

وعلى العلّات فإنّ الجميع لا يعدو أن يكون متواتراً، ولمكانها من التحق لم تزل الشيعة تفتخر بها، واحتمل أن تكون من ضروريات مذهبهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ تطامنت: من أطمان، أي سكنت. القاموس المحيط- طمن- 247:4.

2 ـ الإخبات: الخضوع والتسليم. مجمع البحرين- خبت- 199:2.

3 ـ الغميزة: العيب. المعجم الوسيط- غمز- 662:2.

4 ـ المنتدح: المتسع. الصحاح- ندح- 910:2.

5 ـ الحجا: العقل. الصحاح- حجا- 2309:6.

6 ـ حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي، أبو خالد المكي، وعمّته خديجة زوج النبيّ صلى الله عليه و آله، قيل: ولد قبل عام الفيل بثلاث عشرة سنة. ومات سنة خمسين، وقيل غير ذلك. جمهرة أنساب العرب: 121، وتهذيب الكمال 170:7 /1454 ولو راجعنا المصادر التي روت ولادة حكيم في الكعبة للفت انتباهنا فيها اُمور، منها الإرسال وانقطاع السند الذي لم يخلُ من ضعيف أو منكر الحديث، كمصعب بن عبد اللَّه، ولمتابعة هذه الاُمور راجع الكتاب التالي في هذه المجموعة، بقلم الاُستاذ شكر شبع النجفي.

7 ـ هي بنت زهير، وقد تصحّفت لفظة بنت في بعض المصادر من ابن، فقالوا: اُم حكيم بنت حزام، والصواب أنّها اُم حكيم بن حزام، وذكر أنّها اُسرت يوم بدر، ثم أسلمت وبايعت. الإصابة 444:4 /1229، واُسد الغابة 577:4.

8 ـ المستدرك 483:3.

9 ـ أبو عبد العزيز، ولي اللَّه بن مولوي عبد الرحيم، الدهلوي الهندي الحنفي، المتوفى سنة “1179 ه”، له تصانيف عديدة. هدية العارفين 500:6، ومعجم المؤلفين 292:4.

10 ـ إزالة الخفاء 2512:2، ط. الهند.

11 ـ كفاية الطالب: 407.

وانظر كشف الظنون 1497:2، والفصول المهمة: 30، ونور الأبصار: 156، ومسار الشيعة: 88.

12 ـ شرح الخريدة الغيبة في شرح القصيدة العينية: 15. على ما في الغدير 22:6.

13 ـ الكشكول: 86.

14 ـ في الأصل: على أنّ جنسها.

15 ـ الكشكول: 189.

16 ـ في المصدر زيادة: وبناء عكّة.

17 ـ الكشكول: 189، الكرامة الثانية.

18 ـ غاية المرام: 13.

19 ـ أُصول العقائد: 165.

20 ـ اعلام الورى: 153، وانظر تاج المواليد: 12.

21 ـ شرح القصيدة المذهّبة: 51.

22 ـ في الخصائص: ولد عليه السلام بمكّة.

23 ـ خصائص الأئمّة: 39.

24 ـ التهذيب 19:6.

25 ـ مصباح المتهجّد: 741.

26 ـ مصباح المتهجّد: 754.

27 ـ الإرشاد: 9.

28 ـ المقنعة: 72.

29 ـ مسار الشيعة: 35.

30 ـ ألقى الكلام على عواهنه: لم يتدبره. لسان العرب- عهن- 297:13.

31 ـ المجدي: 11.

32 ـ في بحار الأنوار 374:100 عن المزارين، والإقبال: 608، ومصباح الزائر: 106، والمزار الكبير “لابن المشهدي”: 267 و 271 “مخطوط”.

33 ـ مصباح الزائر: 106، وبحار الأنوار 301:100-302 عنه.

34 ـ تأثّل لشي ء: تأصّل وتعظّنم. القاموس المحيط- أثل- 337:3.

35 ـ أصحر بالأمر: أظهره. أساس البلاغة- صحر-: 249.

36 ـ مناقب ابن شهر آشوب 175:2، وروضة الواعظين: 81، وأعيان الشيعة 324:1.

37 ـ في المناقب: حياً.

38 ـ مناقب ابن شهر آشوب 176:2.

39 ـ الأكنان: جمع كِنّ وهو ما كنّ وستر من الحر والبرد. مجمع البحرين- كنن- 302:6.

40 ـ مناقب ابن شهر آشوب 175:2، ومنهاج البراعة 218:1.

41 ـ في الغدير: مع الملأ.

42 ـ في الغدير:

فلقد سما مجداً عليٌّ كما علا*** شرفاً به دون البقاع المسجدُ

43 ـ أخرج القصيدة كاملة في الغدير 360:6 عن عدّة نسخ خطيّة.

44 ـ اللؤلؤ والمرجان: 163. فارسي.

حديث الولادة الشريفة مشهور بين الاُمّة

حديث الولادة الشريفة مشهور بين الاُمّة :

إنّ أيسر ما يسع الباحث إثباته هو شهرةُ هذه النبأ العظيم.

بنصوص أئمّة الحديث بذلك، من ناحية.

وبتداول ذكره في الكتب، من ناحية اُخرى.

وبالتسالم على روايته واطّراد أسانيده، من جهة ثالثة.

ولها شواهد أُخرى لعلّك تقف عليها في غضون هذه الرسالة إن شاء اللَّه.

قال العلّامة المجدّد للمذهب في القرن الثاني عشر شيخنا المجلسيّ، المتوفّى سنة “1110 ه” في “جلاء العيون”: ‘إنّ ولادته عليه السلام في البيت، يوم الجمعة الثالث عشر من رجب، سنة ثلاثين من عام الفيل، مشهورةٌ بين المحدّثين والمؤرّخين من الخاصّة والعامّة’ (45)

وفي “تحفة السلاطين” للمولى محمود بن محمّد عليّ بن محمّد باقر: ‘إنّ حديث ولادته عليه السلام في البيت يوم انشقّ جداره لفاطمة بنت أسد فدخلته مشهور، كالشمس في رائعة النهار’ (46)

ثمّ ذكر شيئاً من أحاديث الباب.

وفي “تحفة المجالس” تأليف السلطان محمد بن تاج الدين حسن: ‘إنّ الأقرب إلى الصواب أ نّه عليه السلام ولد في الكعبة’.

وفي الباب أخبار كثيرة ذكر بعضها، ثمّ قال: ‘وفي الأخبار أ نّه لم يكن شرف الولادة في البيت لأيّ أحد قبله ولا بعده’ (47).

وقد عرفت في إثبات تواتر الحديث عن بعض العلماء أ نّه نقله جلّ أصحاب التاريخ، والمشهور بين العامّة والخاصّة أ نّه ولد بين العمودين على البلاطة الحمراء.

هذه كلمات ثمينة من مهرة الفنّ، لا سيّما الكلمة الاُولى التي جاء بها إمام من أئمّة الفقه والحديث، وأحد مجدّدي المذهب في القرون الإسلامية ألا وهو العلّامة الأكبر محمّد باقر المجلسيّ قدس سره أوّل الغائصين في بحار الأخبار، وأولاهم وأبصرهم بالأحاديث والسير، وهو يقول بمل ء فَمِهِ: ‘إنّ الحديث مشهورٌ بين العامّة والخاصّة من المحدّثين والمؤرّخين’ (48)

أفلا تحدوك هذه الشهرة الطائلة بين الاُمّة جمعاء إلى الإخبات به، على حين أنّ شهرةً كهذه لا يبارحها التواتر في الأسانيد.

وإليك ما قاله أحد أسباط هذا الإمام النَيْقَد من أوتاد العلم وعمد المذهب، ألا وهو: أبو الحسن بن المولى محمد الطاهر بن الشيخ عبد الحميد بن الشيخ موسى بن عليّ بن محمد بن الشيخ معتوق بن عبد الحميد العامليّ النباطيّ الأصبهانيّ، المتوفّى في عُشْرِ الأربعين بعد سنة “1100 ه” في كتابه القيّم “ضياء العالمين” عند بحثه عن مولد الإمام عليه السلام، قال: ‘إنّ الولادة في البيت كانت مشهورةً في الصدر الأوّل، بحيث لم يمكن إنكارها، مع أ نّهم- يعني أهل الخلاف- أنكروها أيضاً أخيراً’ (49)

و “ضياء العالمين” أثبتُ كتابٍ في الإمامة، ومن أبسط ما أُ لّف فيها، وهو في الطراز الأوّل بين لِداته (50)

، ومن عليةِ كتب الإمامية، لم يثبت مصنّفه فيه إلّا الحجج الدامغة لتكون مفحمةً للخصم.

فهذه الخطّة هي بمفردها كافيةٌ في أن لا يذكر فيه مؤلّفه إلّا الحقائق الناصعة، لو قطعنا النظر عن عظمة صاحبه التي دون مداها منقطع الوصف والبيان.

ولقد سلك هذا المسلك بإيراد الحديث مرسلاً له إرسال المسلّم في كتب معقودة للحجاج وإيراد المسلّمات فيها جماعة، منهم:

جمال الملّة والدين، آية اللَّه في العالمين، عَلَم الشيعة ومرجعها الفذ، أبو منصور، الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر، العلّامة الحلّي قدس سره المتوفّى سنة “726 ه” في كتاب “كشف الحقّ” و “كشف اليقين”.

فذكر فيهما محلّ الولادة الميمونة وهي الكعبة، ويومها وهو الجمعة، في الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، مع النصّ بأ نّه لم يولد أحدٌ سواه فيها قبله ولا بعده.

وأردف ذلك في الأوّل بفضائل جمّة يأتي ذكرها إن شاء اللَّه، وذكر أ نّه كان عمر النبيّ صلى الله عليه و آله عندئذ ثلاثين سنة (51)

وكذلك الوزير السعيد، بهاء الدين، أبو الحسن، عليّ بن عيسى الأربليّ، المتوفّى سنة “692 ه” في “كشف الغمّة” الذي فرغ منه سنة “687 ه” فقد وافق العلّامة في يوم المولد وشهره وسنته، وقال: ‘ولم يولد في البيت أحدٌ سواه قبله ولا بعده، وهي فضيلةٌ خصّه اللَّه بها إجلالاً له وإعلاءً لرُتبته، وإظهاراً لتكرُمته’.

وروى في سنة الولادة أ نّها سنة ثمان وعشرين من عام الفيل، قال: ‘والأوّل عندنا أصحّ’ (52)

ومثله الشيخ الثقة الثبت أبو عليّ، محمد بن الحسن بن عليّ بن أحمد، الحافظ الواعظ الفارسيّ الشهيد النّيسابوري، ويعرف ب “ابن الفتّال” من علماء المائة السادسة، ويروي عن شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسيّ، في كتابه “روضة الواعظين” فذكر الولادة موافقاً للأربلي في جميع الخصوصيات (53)

ومنهم الحافظ الثقة رشيد الدين محمّد بن عليّ بن شهر آشوب السّرويّ المازندرانيّ، المتوفّى سنة “588 ه” فإنّه قال في “مناقبه” بعد أن روى أحاديث في مولد الإمام عليه السلام: ‘فالولد الطاهر من الطاهر ولد في الموضع الطاهر، فأين توجد هذه الكرامة يولد فيها مولودٌ سواه، فالمولودُ فيها يكون في غاية الشرف.

وليس المولود في سيّد الأيام يوم الجمعة، في الشهر الحرام، في البيت الحرام سوى أمير المؤمنين عليه السلام’ (54)

ومن أُولئك العلماء الأعاظم شمس الدين، أبو الحسين، يحيى بن الحسن بن الحسين بن عليّ بن محمّد الأسدي الحلّي الرّبعي المعروف ب “ابن بطريق”، المتوفّى سنة “600 ه” في شعبان في كتابه “العمدة” فقد جزم فيه بولادته عليه السلام في البيت يوم الجمعة في الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل.

قال: ‘ولم يولد قبلَه ولا بعدَه مولودٌ في بيت اللَّه سواه’ (55)

ومنهم العلّامة الشيخ عليّ بن محمّد بن يونس البياضيّ العاملي، في كتابه “الصراط المستقيم” ذلك الكتاب الضخم الفخم الحافل بالحجج النيرّة، قال بعد تمام القول عن أمير المؤمنين عليه السلام وإمامته ومناقبه: ‘تتمّة: لمّا انتهت بي الحال إلى هذا المقال، أحببتُ أن أُنوّر كتابي بتواريخ هذه الأقيال (56)، ومناصع مواليدهم (57)، ومواضع قبورهم، فاخترت ما ارتجزه السيّد الحسيب النسيب، ذو المجد السديد، السيّد حسين بن شمس الحسيني’ وذكر الاُرجوزة ومنها في تاريخ عليه السلام:

ومولدُ الوصيّ أيضاً في الحرم*** بكعبة اللَّه العليّ ذي الكرم

من بعد عامِ الفيلِ في الحساب*** عشر وعشرين بلا ارتيابِ (58)

والبياضيّ من علماء القرن التاسع، وصاحب الاُرجوزة من معاصريه.

ومنهم العلّامة عماد الدين، الحسن بن عليّ بن محمّد بن الحسن، الطبرسيّ الآمليّ صاحب “الكامل البهائي” و “أسرار الإمامة” وغيرهما، من علماء القرن السابع في كتابه “تحفة الأبرار” فذكر ولادته عليه السلام في جوف الكعبة، محدّدةً بتاريخ اليوم والاُسبوع والشهر والسنة، كما فصّله ابن بطريق.

ونفى أن يكون في البيت مولودٌ سواه من غير ترديد، وذلك أنّ فاطمة بنت أسد قصدت الطواف بالبيت ففاجأها الطَلقُ، ولم يسعها الرجعة، ويمَّمت الكعبة، ففتح لها بابها بأمر من ربّ الدار، حتّى دخلتها فأرتج البابُ، ووُلِدَ هنالك، طاهراً مطهّراً، فمكثت فيها ثلاثة أيام ثمّ خرجت إلى بيتها (59)

وقال القاضيّ السعيد الشهيد سنة “1019 ه” السيّد نور اللَّه الحسيني المرعشيّ التّستري، حين طفق يُنازل ويُناضل القاضي روزبهان (60)

في الحقيقة البارزة في كتابه “إحقاق الحق”: ‘إنّ الفضيلة والكرامة في أنّ باب الكعبة كان مقفلاً، ولمّا ظهر آثار وضع الحمل على فاطمة بنت أسد- رضي اللَّه عنها- عند الطواف خارج الكعبة انفتح لها الباب بإذن اللَّه تعالى، وهتف بها هاتف بالدخول.

وعلى تقدير صحّة تولّد حكيم بن حزام قبل الإسلام في وسط بيت اللَّه الحرام فإنّما كان بحسب الاتفاق كما يتّفق بسقوط الطفل من المرأة، والعجل من البقرة في الطريق وغيره.

وعلى أنّ الكلام في تشرّف الكعبة بولادته فيها، لا في تشرّفه بولادته في الكعبة’.

ثم أنشد قول العارف لطف اللَّه النيشابوري الفارسي:

طواف خانه كعبه از آن شد بر همه واجب*** كه آنجا در وجود آمد على بن ابى طالب

فهذه الكتب الثمينة المبنية على الحجاج والنضال لا سيّما كتب العلّامة، والقاضي التستريّ وابن بطريق، لم يتوخّ مؤلّفوها سرد الوقائع التاريخية من أينما حصلت، وإنّما قصدوا فيها إلزام الخصوم بالحجج النيّرة، فهل يمكنهم إذن أن يسترسلوا بإيراد ما توسّع بنقله القالة من دون تثبّت؟

لا، ولكن شريعة الحقّ والدين تلزمهم بإثبات الشائع الذائع المتلقّى عند الفريقين بالقبول، المشهور نقله، الثابت إسناده بحيث لا يدع للمتعنّت وليجةً إلى إنكاره، وإلّا لعاد ما يذكره ثلماً في بيانه، وفتّاً في عضد برهانه.

فمن الواجب إذن أن يكون هذا الجواب ممّا يخضع له الخصم ولا يتقاعس عن الإخبات به الأولياء، لمكان شهرة النقل له.

وما ذكره القاضيّ في ولادة حكيم بن حزام أصفق فيه معه البحّاثة عبد الرحمن الصفوري الشافعي في “نزهة المجالس” قال: ‘ورأيت في “الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة” بمكّة شرّفها اللَّه تعالى لأبي الحسن المالكي: أنّ علياً رضى الله عنه ولدته اُمّه بجوف الكعبة شرّفها اللَّه، وهي فضيلةٌ خصّه اللَّه تعالى بها، ذلك أنّ فاطمة بنت أسد رضي اللَّه عنها أصابها شدّة الطلق، فأدخلها أبو طالب الكعبة، فطلقت طلقةً فولدته يوم الجمعة في رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، بعد تزوّج النبيّ صلى الله عليه و آله خديجة بثلاث سنين، وأمّا حكيم بن حزام (61) فولدته اُمّه في الكعبة، إتفاقاً لا قصداً'(62).

هذا على تقدير صحّة النقل بذلك، فهو أمرٌ اتفاقيٌّ تقع أمثاله لكثير ممّن لا أهميّة له في دين أو دنياً، ولا أثر له إلّا تلويث المحلّ بمخاضٍ يجب إزالته، إن كان من المحالّ المحترمة كالكعبة وشبهها.

وأين هو من قصّة أمير المؤمنين علي عليه السلام التي هي من الاُمور القصدية من المهيمن الأعلى جلّت عظمته.

روى الوزير السعيد الأربليّ في “كشف الغمة” عن كتاب “بشارة المصطفى” مرفوعاً إلى يزيد بن قَعنَب، قال:

كنتُ جالساً مع العبّاس بن عبد المطلب رضى الله عنه وفريق من بني عبد العزى، بإزاء بيت اللَّه الحرام، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين عليه السلام، وكانت حاملاً به لتسعة أشهر، وقد أخذها الطلقُ فقالت: يا ربّ، إنّي مؤمنةٌ بك وبما جاء من عندك من رسلٍ وكتبٍ، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل، وأ نّه بنى البيت العتيق، فبحقّ الذي بنى هذا البيت، وبحقّ المولود الذي في بطني إلّا ما يسرت عَلَيَّ ولادتي.

قال يزيد بن قَعْنَب: فرأيتُ البيت قد انشقّ عن ظهره، ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا، وعادَ إلى حاله، والتزقَ الحائط، فرُمْنا أن ينفتح لنا قفلُ الباب فلم ينفتح، فعلمنا أنّ ذلك من أمر اللَّه عزّ وجل، ثمّ خرجت في اليوم الرابع وعلى يدها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

ثمّ قالت: إنّي فُضّلتُ على من تقدّمني من النساء، لأنّ آسية بنت مزاحم عبدت اللَّه سرّاً في موضع لا يُحبُّ اللَّه أن يعبدَ فيه إلّا اضطراراً.

وأنّ مريم بنت عمران هزّت النخلة اليابسة بيدها حتّى أكلت منها رُطباً جنيّاً.

وإنّي دخلت بيت اللَّه الحرام، فأكلت من ثمار الجنّة وأرزاقها، فلمّا أردت أن أخرج هتف بي هاتف وقال: ‘يا فاطمة سمّيه عليّاً فهو عليٌّ، واللَّه العليّ الأعلى يقول: شققتُ اسمه من اسمي، وأدّبته بأدبي، وأوقفته على غامض علمي، وهو الذي يكسّر الأصنام في بيتي، وهو الذي يؤذّن فوق ظهر بيتي، ويقدّسني ويمجّدني، فطوبى لمن أحبّه وأطاعه، وويلٌ لمن أبغضه وعصاه’.

قال: فولدت علياً ولرسول اللَّه صلى الله عليه و آله ثلاثون سنة، وأحبّه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حبّاً شديداً، وقال لها: ‘اجعلي مهده بقرب فراشي’.

وكان صلى الله عليه و آله يلي أكثر تربيته، وكان يطهّر عليّاً في وقت غسله، ويوجره (63)

اللبنَ عند شربه، ويحرّك مهده عند نومه، ويُناغيه في يقظته، ويحمله على صدره ورقبته، ويقول: ‘هذا أخي، ووليّ، وناصري، وصفيّي، وذخري، وكهفي، وصهري، ووصيّي، وزوج كريمتي، وأميني على وصيّتي، وخليفتي’.

وكان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يحمله دائماً ويطوف به جبال مكّة وشعابها وأوديتها وفجاجها.

صلّى اللَّه على الحامل والمحمول وآلهما (64).

ورواه ابن الفتّال في “روضة الواعظين” عن يزيد بن قَعنب مثله- إلى قوله-: وويلٌ لمن أبغضه وعصاه (65).

وفي “كشف اليقين” لآية اللَّه العلّامة الحلّي، و “كشف الحقّ” عن “بشارة المصطفى” عن يزيد بن قَعْنَب، مثله- إلى قوله-: وأوديتها (66)

وفي “الإرشاد” لأبي محمد الحسن بن أبي الحسن محمّد الديلمي عن البشارة أيضاً مثله (67)

وروى مختصراً منه الأمير محمّد صالح بن عبد اللَّه الحسينيّ الترمذي، الآتي ذكره، في “مناقبه” عن يزيد بن قَعنَب (68)

ورواه رئيس المحدّثين الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، المتوفّى سنة “381 ه” في “الأمالي” و “علل الشرائع” و “معاني الأخبار” عن عليّ بن أحمد بن موسى الدّقاق رضى الله عنه، عن محمّد بن جعفر الأسدي، عن موسى بن عمران، عن الحسين بن يزيد، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، عن ثابت بن دينار، وعن سعيد بن جبير، قال: قال يزيد بن قَعنَب… وذكر الحديث مثله.

وفي نسخته بعض التغيير أوعزنا إلى المهم منه في محلّه، وأنهاه إلى قوله: وويلٌ لمن أبغضه وعصاه… (69).

ورواه شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي في “أماليه” عن أبي الحسن محمّد بن أحمد بن الحسن بن شاذان، عن أحمد بن محمّد بن أيّوب، عن عمر بن الحسن القاضي، عن عبد اللَّه بن محمد، عن أبي حبيبة، عن سفيان بن عيينة، عن الزّهري، عن عائشة.

وعن محمّد بن أحمد بن شاذان، عن سهل بن أحمد، عن أحمد بن عمر الربيعي، عن زكريا بن يحيى، عن أبي داود، عن شعبة، عن قَتادة، عن أنس بن مالك، عن العباس بن عبد المطلب.

قال الشيخ: وحدّثني إبراهيم بن عليّ، بإسناده عن أبي عبد اللَّه جعفر بن محمّد عليهماالسلام، عن آبائه عليهم السلام قال:

كان العبّاس بن عبد المطلب ويزيد بن قَعنَب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزى بإزاء بيت اللَّه الحرام، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أُمّ أمير المؤمنين عليه السلام، وكانت حاملةً بأمير المؤمنين عليه السلام لتسعة أشهر، وكان يوم التمام.

قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام، وقد أخذها الطلق، فرمت بطرفها نحو السماء، وقالت:

أي ربّ، إنّي مؤمنة بك وبما جاء به من عندك الرسول، وبكلّ نبي من أنبيائك، وبكلّ كتاب أنزلت، وإنّي مصدّقةٌ بكلام جدّي إبراهيم الخليل، وأ نّه بنى البيت العتيق فأسألك بحقّ هذا البيت ومَن بناه، وبهذا المولود الذي في أحشائي، الذي يكلّمني ويؤنسني بحديثه، وأنا موقنةٌ أ نّه إحدى آياتك ودلائلك، لمّا يسّرت عليّ ولادتي.

قال العبّاس بن عبد المطلب، ويزيد بن قَعنَب: لمّا تكلّمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء، رأينا البيت قد انفتحَ من ظهره، ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا، ثمّ عادت الفتحة والتزقت بإذن اللَّه تعالى، فرُمنا أن نفتحَ الباب ليصل إليها بعض نسائنا فلم ينفتح الباب، فعلمنا أنّ ذلك أمرٌ من اللَّه تعالى، وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيام.

قال: وأهل مكّة يتحدّثون بذلك في أفواه السكك، وتتحدّث المخدرات في خدورهنّ.

قال: فلمّا كان بعد ثلاثة أيام انفتحَ البيتُ من الموضع الذي كانت دخلت فيه فخرجت فاطمة وعليّ على يديها، ثمّ قالت: معاشر الناس، إنّ اللَّه عزّ وجل اختارني من خلقه، وفضّلني على المختارات ممّن مضى قبلي.

وقد اختار اللَّه آسية بنت مزاحم، فإنّها عبدت اللَّه سرّاً في موضع لا يحبّ أن يعبد اللَّه فيه إلّا اضطراراً.

ومريم بنت عمران حيث هانت ويسّرت عليها ولادة عيسى، فهزّت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتّى تساقط عليها رطبّاً جنياً.

وإن اللَّه تعالى اختارني وفضّلني عليهما، وعلى كلّ مَن مضى قبلي من نساء العالمين، لأ نّي ولدتُ في بيته العتيق، وبقيتُ فيه ثلاثة أيام، آكلُ من ثمار الجنة وأوراقها.

فلما أردتُ أن أخرج وولدي على يدي هَتَفَ بي هاتفٌ وقال:

يا فاطمة، سمّيه عليّاً، فأنا العليُّ الأعلى، وإنّي خلقتهُ من قدرتي وعزّتي وجلالي، وقسط عدلي، واشتققتُ اسمه من اسمي، وأدّبته بأدبي، وفوّضت إليه أمري، ووقّفته على غامض علمي، ووُلِدَ في بيتي، وهو أوّل مَن يؤذّن فوق بيتي، ويكسّر الأصنام، ويرميها على وجهها، ويعظّمني ويمجّدني ويهلّلني، وهو الإمام بعد حبيبي ونبيّي وخيرتي من خلقتي محمّد رسولي، ووصيّه، فطوبى لمن أحبّه ونصره، والويلُ لمن عصاه وخذله، وجحد حقّه.

قال: فلمّا رآه أبو طالب سُرّ، وقال علي عليه السلام: ‘السلام عليك يا أبه، ورحمة اللَّه وبركاته’.

قال: ثم دخل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فلمّا دخل اهتزّ له أمير المؤمنين عليه السلام، وضحك في وجهه، وقال: ‘السلام عليك يا رسول اللَّه، ورحمة اللَّه وبركاته’.

قال: ثمّ تنحنحَ بإذن اللَّه تعالى وقال: ‘بسم اللَّه الرحمن الرحيم، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ’ (70)

‘- إلى آخر الآيات-.

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: ‘قد أفلحوا بك، وقرأ تمام الآيات إلى قوله: ‘أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ’ (71)’.

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: أنت- واللَّه- أميرهم، تميرهم من علمك فيمتارون، وأنت- واللَّه- دليلُهم، وبك يهتدون.

ثمّ قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لفاطمة: اذهبي إلى عمّه حمزة، فبشّريه به.

فقالت: فإذا خرجت أنا فمن يرويه؟

قال: أنا اُرويه.

فقالت فاطمة: أنت ترويه؟

قال: نعم، فوضع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لسانه في فيه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً.

قال: فلمّا رجعت فاطمة بنت أسد رأت نوراً قد ارتفع من عليّ إلى عنان السماء.

قال: ثمّ شدّته وقمّطته بقماط فَبَتَرَ القماط، قال: فأخذت فاطمة قماطاً جيّداً، فشدّته به، فبتر القماط، ثمّ جعلته قماطين فبترهما، فجعلته ثلاثة فبترها، فجعلت أربعة أقمطة من رِقّ مصر لصلابته فبترها، فجعلته خمسة أقمط ديباج لصلابته فبترها كلّها، فجعلته ستّةً من ديباج وواحداً من الأدم، فتمطّى فيها فقطعها كلّها بإذن اللَّه.

ثمّ قال بعد ذلك: ‘يا اُمّه، لا تشدّي يدي، فإنّي أحتاج إلى أن اُبصبص (72)

لربي بإصبعي’.

قال: فقال أبو طالب عند ذلك: إنه سيكون له شأنٌ ونبأ.

فلمّا كان من غدٍ دخل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله على فاطمة فلمّا بصر عليّ عليه السلام برسول اللَّه صلى الله عليه و آله سلّم عليه، وضحك في وجهه، وأشار إليه أن خُذني إليك واسقني ممّا سقيتني بالأمس.

قال: فأخذه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فقالت فاطمة: عرفه وربّ الكعبة، إلى أن قال: فلمّا كان اليوم الثالث- وكان العاشر من ذي الحجة- أذّن أبو طالب في الناس أذاناً جامعاً، وقال: هَلمّوا إلى وليمة ابني علي.

قال: ونحر ثلاثمائة من الإبل، وألف رأس من البقر والغنم، واتخذ وليمةً عظيمةً، وقال: معاشر الناس ألا مَن أراد من طعام عليٍّ ولدي فهلُمّوا وطوفوا بالبيت سبعاً، وادخلوا وسلّموا على ولدي عليٍّ، فإنّ اللَّه شرّفه.

ولفعل أبي طالب شرّف يوم النحر (73)

وفي “المناقب” لابن شهر آشوب: وفي رواية شُعبة، عن قَتَادة، عن أنس، عن العباس بن عبد المطلب.

وفي رواية الحسن بن محبوب، عن الصادق عليه السلام، والحديث مختصر.

أ نّه انفتح البيت من ظهره، ودخلت فاطمة فيه، ثمّ عادت الفتحة والتصقت، وبقيت فيه ثلاثة أيام، فأكلت من ثمار الجنّة، فلمّا خرجت، قال: عليّ عليه السلام: ‘عليك السلام يا أبه، ورحمة اللَّه وبركاته’. ثم تنحنح وقال: ‘بسم اللَّه الرحمن الرحيم، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ” الآيات.

فقال رسول اللَّه: قد أفلحوا بك، أنتَ- واللَّه- أميرهم، تُميرهم من علمك فيمتارون، وأنتَ- واللَّه- دليلهم، وبك- واللَّه- يهتدون.ووضع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لسانه في فيه فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً.

قال: فسمّي ذلك اليوم: يوم التروية.

فلمّا كان من غده وبصر عليّ برسول اللَّه سلّم عليه، وضحك في وجهه، وجعل يُشير إليه، فأخذه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فقالت فاطمة: ‘عَرَفَه’.

فسمّي ذلك اليوم: عرفة.

فلمّا كان اليوم الثالث- وكان اليوم العاشر من ذي الحجة- أذّن أبو طالب في الناس أذاناً جامعاً، وقال: هلمّوا إلى وليمة ابني عليٍّ.

ونحر ثلاثمائة من الإبل، وألف رأس من البقر والغنم، واتخذ وليمةً، وقال: ‘هلمّوا وطوفوا بالبيت سبعاً، وادخلوا وسلّموا على عليّ ولدي’.

ففعل الناس من ذلك، وجرت به السنّة (74).

ولابن شهر آشوب في “المناقب” رواية اُخرى لهذا الحديث:

عن يزيد بن قَعنب، وجابر الأنصاري: أ نّه كان راهبٌ يقال له: المثرم بن دعيب، قد عبد اللَّه مائة وتسعين سنة، ولم يسأله حاجة، فسأل ربّه أن يريه وليّاً له، فبعث اللَّه تعالى بأبي طالب إليه، فسأله عن مكانه وقبيلته، فلمّا أجابه وثب إليه وقبّل رأسه، وقال: الحمد للَّه الذي لم يُمتني حتى أراني وليّه.

ثم قال: أبشر يا هذا! إنّ اللَّه ألهمني أنّ ولداً يخرج من صلبك هو ولي اللَّه، اسمه عليّ، فإنّ أدركته فأقرأه منّي السلام.

فقال: ما برهانه؟

قال: ما تريد؟

قال: طعام من الجنّة في وقتي هذا.

فدعا الراهب بذلك فما استتمّ دعاءه (75)

حتى اُوتي بطبق عليه من فاكهة الجنّة رطب وعنب ورمّان، فتناول رمّانة، فتحوّلت ماءً في صلبه، فجامع فاطمة، فحملت بعليّ، وارتجّت الأرض، وزلزلت بهم أياماً، وعلت قريش الأصنام إلى ذروة أبي قبيس (76)

فجعل يرتجّ ارتجاجاً، حتّى تدكدكت بهم صمّ الصخور، وتناثرت وتساقطت الآلهة على وجوهها.

فصعد أبو طالب الجبل وقال: أ يّها الناس، إنّ اللَّه قد أحديث في هذه الليلة حادثة، وخلق فيها خلقاً، إن لم تطيعوه وتقرّوا بولايته وتشهدوا بإمامته لم يسكن ما بكم. فأقرّوا به.

فرفع يده، وقال: إلهي وسيدي أسألك بالمحديّة المحمودة، وبالعلويّة العالية، وبالفاطمية البيضاء، إلّا تفضّلت على تهامة بالرأفة والرحمة.

فكانت العرب تدعو بها في شدائدها في الجاهلية وهي لا تعلمها.

فلمّا قربت ولادته أتت فاطمة إلى بيت اللَّه اللَّه وقالت: ربّ إني مؤمنة بك، وبما جاء من عندك من رسل وكتب، مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم، فبحقّ الذي بنى هذا البيت، وبحقّ المولود الذي في بطني لمّا يسرّت عليّ ولادتي.

فانفتح البيت، ودخلت فيه، فإذا هي بحوّاء، ومريم، وآسية، واُمّ موسى وغيرهنّ، فصنعنَ مثل ما صنعن برسول اللَّه صلى الله عليه و آله وقت ولادته.

فلمّا وُلِدَ سَجَدَ على الأرض يقول: ‘أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه، وأشهد أنّ علياً وصيّ محمد رسول اللَّه، بمحمّد يختم اللَّه النبوّة، وبي تتمّ الوصيّة وأنا أمير المؤمنين’.

ثمّ سلّم على النساء، وسأل عن أحوالهنّ، وأشرقت النسماء بضيائها.

فخرج أبو طالب يقول: أبشروا، فقد ظهر وليّ اللَّه يختم به الوصيين، وهو وصيّ نبيّ ربّ العالمين.

ثمّ أخذ علياً فسلّم عليٌّ عليه، فسأله عن النسوة، فذكر له.

ثم قال: ‘فالحق بالمثرم، وخبّره بما رأيت فإنه في كهف كذا من جبل لُكام’ (77)

فخرج، حتّى أتاه فوجد ميّتاً جسداً ملفوفاً بمدرعة، مسجّى، فإذا هناك حيّتان، فلمّا بصرتا به غابتا (78)

في الكهف.

فدخل أبو طالب، فقال: السلام عليك يا وليّ اللَّه ورحمة اللَّه وبركاته.

فأحيا اللَّه المثرم، فقام يمسح وجهه، ويقول: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، وأنّ علياً ولي اللَّه والإمام بعد نبيّ اللَّه.

فقال أبو طالب: أبشر، فإنّ علياً قد طلع إلى الأرض.

فسأل عن ولادته فقصّ عليه القصّة، فبكى المثرم ثمّ سجد شكراً، ثمّ تمطّى فقال: غطّني بمدرعتي.

فغطّاه، فإذا هو ميّت كما كان، فأقام أبو طالب ثلاثاً، وخرجت الحيّتان، وقالتا: السلام عليك يا أبا طالب، الحق بولي اللَّه، فإنّك أحقّ بصيانته وحفظه من غيرك.

فقال: مَن أنتما؟

قالتا: نحن عمله، نذبّ عنه الأذى إلى أن تقوم الساعة، فحينئذٍ يكون أحدنا سائقه، والآخر قائده إلى الجنّة.

فانصرف أبو طالب (79)

وحديث الراهب رواه ابن الفتّال في “روضة الواعظين” على وجهٍ هو أبسط من هذا (80)

ورواه غيره أيضاً (81)

ولقد وجدت تفصيل هذه الجمل في بعض مؤلفات أصحابنا رضوان اللَّه عليهم المخصوص بذكر المولد العلويّ الشريف، اقتطف منه ما يلي، ففيه بعد ذكر تفاصيل من مقدّمات الولادة:

قالت فاطمة بنت أسد: لمّا تتابعت عليّ الشهور، وقرب أوان خروج ولدي، ما كنت أمرُّ بِحَجَرٍ ولا مَدَر ولا شَجَرٍ إلّا ويقول لي: ‘هنيئاً لك يا فاطمة بما خصّك اللَّه من الفضل والكرامة بحملك بالإمام الكريم’.

وكنت أسمع منه، وهو يقول في بطني: ‘لا إله إلّا اللَّه، محمّد رسول اللَّه، به تختم النبوّة، وبي تختم الولاية’.

قال الراوي: فلمّا مضى من الليل ثلثه أتى فاطمة أمر اللَّه، وسمعت قائلاً يقول: يا فاطمة، عليك بالبيت الحرام.

وخرجت فاطمة، وأتت إلى البيت الحرام، ووقفت بإزائه وقد أخذها الطلق، فرمقت بطرفها إلى السماء، وقالت:

يا ربّ، إنّي مؤمنة بك، وبكل كتاب أنزلته، وبكلّ رسول أرسلته، وبكلّ ما جاء به عبدك ورسولك محمّد صلى الله عليه و آله، وإنّي مؤمنة بك وبجميع أنبيائك ورسلك، ومصدّقة بكلامك وكلام جدّي إبراهيم الخليل عليه السلام، وقد بنى بيتك العتيق.

وأسألك بحقّ أنبيائك المرسلين وملائكتك المقرّبين، وبحقّ هذا الجنين الذي في أحشائي، الذي يؤنسني تسبيحه وتقديسه وتهليله وتكبيره، وإنّي موقنة أ نّه أحد أوليائك، إلّا ما يسرّت عليّ ولادتي.

فلمّا انتهى كلامها انشقّ البيت وتساقطت الأنوار، وزجّها جبرئيل داخل الكعبة، وغابت عن الأبصار، وعادت الفتحة كما كانت أوّلاً بإذن اللَّه تعالى.

قال أبو طالب: فأشفقنا عليها من ذلك، وأردنا أن نفتح الباب لتصل إليها بعض نسائنا، فلم نستطع أن نفتح الباب، فعلمنا أنّ هذا الأمر من اللَّه سبحانه وتعالى.

قالت فاطمة: وجلستُ على الرّخامة الحمراء ساعة، وإذا أنا قد وضعت ولدي عليّ بن أبي طالب، ولم أجد وجعاً، ولا ألماً.

فلمّا وضعته خرّ ساجداً للَّه، ورفع يديه إلى السماء يتضرّع إلى ربّه، فبينما أنا أنظر إليه وإلى ابتهاله إلى ربّه وأنا متعجبة منه، إذا أنا بخمس نساء كأ نّهن الأقمار، قد دخلنَ عليَّ، وعليهنّ ثيابٌ من الحرير والإستبرق، ويفوح طيبهنّ كالمسك الأذفر (82)

، فقلنّ لي: ‘السلام عليك يا بنت أسد’ ثمّ جلسنَ بين يديَّ ومع إحداهنّ جُونة (83)

من فضّةٍ.

ثمّ التفت إليهنّ ولدي وسلّم عليهنّ وحياههنّ بأحسن التحيّات، وقال: أشهد ألا إله إلّا اللَّه، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه، به تُختم النبوّة، وبي تختم الولاية.

فتعجّبت النسوة منه، ثمّ أخذنه واحدةٌ واحدةٌ وقبّلنه، ودار بينه وبينهنّ من السلام والتحيّة والكلام ما لا يعدو أن يكون كرامة أو شبه إرهاص.

وهنّ: حواء، ومريم، وهي صاحبة الجُونة، فطيّبته بها من طيب الجنّة، وآسية إمرأة فرعون بنت مزاحم، وسارة زوجة إبراهيم صلّى اللَّه عليه، واُمّ موسى عليه السلام.

وكشفنَ عن سرّته فإذا هي مقطوعة.

قالت فاطمة: ثمّ خرجت النسوة عنّي، ثمّ دخل عليّ مشايخ خمسة، فجعل ولدي يهشّ (84)

ويضحك، كأ نّه ابن سنة، ثمّ قالوا: السلام عليك يا وليّ اللَّه، وخليفة رسول اللَّه.

فقال: ‘وعليكم السلام ورحمة اللَّه وبركاته’ ثمّ سلّم على واحدٍ واحدٍ منهم.

وهم أنبياء اللَّه: آدم، ونوح، وإبراهيم الخليل، وموسى، وعيسى.

فأخذوه وقبّلوه، وأطروه واحداً بعد واحد، ثمّ خرجوا، ولم أعلم من أين خرجوا.

قالت فاطمة: فبينما أنا كذلك إذ أنا بخفقان أجنحة الملائكة، وإذا بسحابة بيضاء قد نزلت على ولدي وطارت به.

وسمعت قائلاً يقول: طُوفوا بعليّ بن أبي طالب بمشارق الأرض ومغاربها، وبرّها وبحرها، وجبالها وسمائها، وأعطوه أحكام النبيّين، وعلوم الوصيّين، وجميع أخلاق النبيّين والمرسلين، والأوصياء والصدّيقين، وافعلوا به مثل ما فعلوا بأخيه سيّد الأوّلين والآخرين، واعرضوه على جميع الأنبياء والمرسلين، وعلى الملائكة المقرّبين، وأهل السماوات والأرضين (85)

فإنّه ولي ربّ العالمين.

قالت فاطمة: وكان بين غيبته ورجوعه أقلّ من نصف ساعة، فجعلت أنظر إليه، وإذا بسحابة أُخرى قد نزلت عليه، وطارت به كالمرّة الأُولى.

وسمعت قائلاً يقول: طوفوا بعليّ بن أبي طالب على جميع ما خلق اللَّه، وأعطوه أحكام العلم والحلم، والورع والزهد، والتقى والسخاء، والبهاء والضياء، والتواضع والخشوع، والرقّة والهيبة، والمروة والكرم، والمودّة والشفاعة، والشجاعة والصيانة، والديانة والقناعة، والفصاحة والعفاف، والإنصاف والعرف، وجميع أخلاق النبييّن.

قالت فاطمة: فبينما أنا حائرةٌ وإذا بولدي بين يديّ.

ثمّ أ نّهم لفوّه في حريرة بيضاء من حرير الجنّة، وقالوا: احفظيه عن أعين الناظرين، فإنّه ولي ربّ العالمين، واعلمي أ نّه لا يدخل الجنّة إلّا من تولّاه وصدّق بإمامته وولايته، فطوبى لمن تبعه، وويلٌ لمن حاد عنه، فمَثُلُه كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق وهوى.

ثمّ تكلموا في أُذنه بكلام لم أفهمه، ثمّ قبّلوه وخرجوا، ولم أعلم من أين خرجوا.

قالت فاطمة: ثمّ بقيتُ في الكعبة ثلاثة أيام بلياليها، آكل من ثمار الجنة، ثمّ إنّ الجدار انشقّ كأوّل مرّة، وخرجتُ من البيت الحرام وولدي في حضني، ووجهه كالقمر الزاهر، وهو يهشّ ويضحك.

ثمّ إنّها أخبرت أبا طالب ورسول اللَّه صلى الله عليه و آله بما جرى عليها، وما اختصّت به، هي وولدها من الفضيلة الباهرة، فتعجّب الناس.

فقالت فاطمة: معاشرَ الناس، إنّ اللَّه قد اختارني على المختارات، وفضّلني على من مضى.

وقد اختار آسية بنت مزاحم لأ نّها عبدت اللَّه في مكان لا يحبّ فيه العبادة إلّا اضطراراً.

واختار مريم ابنة عمران ويسّر عليها ولادتها بعيسى، ثمّ هزّت جذع النخلة في فلاة من الأرض، فتساقط عليها رطباً جنيّا.

واختارني اللَّه وفضّلني على كلّ من مضى من نساء العالمين، لأ نّي وَلَدْتُ في بيت اللَّه الحرام، وبقيتُ فيه ثلاثة أيام بلياليها، آكل من ثمار الجنّة، فلمّا أردت الخروج من الكعبة هتف بي هاتف أسمع صوته ولا أرى شخصه:

يا فاطمة سمّي ولدك عليّاً (86)

فإنّ العليّ الأعلى أمرني أن أقول لك ذلك؛ واللَّه يقول: أنا المحمود وحبيبي محمّد، وأنا العلي ووليّي عليّ، وقد شققتُ اسمهما من اسمي، وأدّبتهما بأدبي، ووقفتهما على علمي، وهما الصفوة من الأخيار، وقد خلقتُ نورهما من نوري، وعزّتي وجلالي، إنّي شققتُ اسم وليّي من اسمي، وولد في بيتي، وهو أوّل من يؤمن بي ويصدّق برسولي، ويقدّسني ويهلّلني ويكبّرني، وهو خليفة نبيّي ووزيره ووصيّه، والقائم بالقسط من بعده، وزوج ابنته وأبو سبطيه، فجنّتي لمن يحبّه، وناري لمن يبغضه ويخالفه ويجحد ولايته.

قال أبو طالب: فلمّا رأيته ورآني، قال لي: ‘السلام عليك يا أبه، ورحمة اللَّه وبركاته’.

فقلت: وعليك السلام يا بنيّ ورحمة اللَّه وبركاته.

ثمّ إنّ أبا طالب قبّل ولده وضمّه إليه وناوله أُمّه، فدخل عليها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وفرح فرحاً شديداً بالمولود، وفرح المولود بمقدمه وقال: ‘السلام عليك يا رسول اللَّه، ورحمة اللَّه وبركاته’.

وطَفِقَ يهشّ ويضحك كأ نّه ابن سنة، وقال: ‘خذني إليك’.

فأخذه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وقبّله، وحمد اللَّه به، فناوله اُمّه.

ثمّ إنّه عليه السلام تنحنحَ وأذّن، وقرأ صحف آدم وشيث ونوح وإبراهيم والتوراة والإنجيل، ثمّ قال:

‘أعوذ باللَّه السميع العليم من الشيطان الرجيم، ‘بسم اللَّه الرحمن الرحيم، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِاَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ’ (87)

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: ‘قد أفلحوا بك يا عليّ، أنت- واللَّه- أميرهم، ومن علمك يمتارون، وأنت- واللَّه- وليّهم وبك يهتدون، وأنت- واللَّه- وصيّي، ووزيري، وصنوي (88)

، وناصر ديني، وقاضي ديني، وزوج ابنتي، وأبو سبطيّ، وخليفتي على أُمّتي، فطوبى لمن اتّبعك ووالك، والويل لمن عصاك وعاداك، فو اللَّه ما يتولّاك إلّا السعيد، ولا يبغضك إلّا الشقي العنيد’.

وقال أبو طالب: يا فاطمة، امضي إلى أعمامه وبشّريهم به.

قالت: فَمن يرويه من بعدي؟

فأخذه النبيّ صلى الله عليه و آله وقال: ‘أنا أُرويه’.

فوضع لسانه في فيه، ولم يزل عليٌّ يمصّه حتّى انفجرت منه اثنتا عشرة عيناً من العلم.

وجاء عمّه حمزة والعباس، فأخذاه وأثنيا عليه.

ثمّ أرادت فاطمة أن تقمّطه بقماط من صوف، فلمّا شدّته بَتَره، فقمّطته بقماطين آخرين، فبترهما.

ثمّ أخذت قماطين من ديباج واستبرق وأديم، فَبترهما جميعاً.

فقال: ‘يا اُمّ، لا تشدّي يدي اليمنى، فإني أحتاج إلى مصافحة الملائكة، واستحي أن تكون يدي مشدودة في القماط، فإذا جاء الملائكة يصافحونني أقطعه وأصافحهم’.

فسرَّ أبو طالب بذلك سروراً عظيماً، وحمد اللَّه تعالى عليه.

ومن غدٍ أقبل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلى بيت عمّه أبي طالب، فلمّا رآه أمير المؤمنين عليه السلام هَشّ إليه وضحك سروراً به، وأشار إليه أن: خذني إليك واسقني مثل ما سقيتني بالأمس.

فأخذه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وقبّله، وأثنى عليه، ثمّ وضع لسانه في فيه فمصّه حتّى اكتفى.

وعمل أبو طالب وليمةً عظيمةً نحر فيها ثلاثمائة من الإبل، وألفاً من البقر، وألفين من الغنم، وأمر مناديه أن يُنادي في الناس عامة، حتّى لم يبق منهم أحدٌ إلّا وحضرها.

فقال أبو طالب: مَن أراد أن يأكل من وليمة ولدي فليطُف بالبيت سبعاً، ثمّ امضوا إلى ما رزقكم اللَّه وكلوا واشربوا حيث شئتم (89)

والحديث طويل انتخبنا منه بقدر الحاجة.

ومجمل هذا الحديث نظّمه العلّامة المتبحّر الشيخ محمد بن الحسن، الحرُّ العاملي، صاحب “الوسائل” وغيرها، المتوفّى سنة “1104 ه” في اُرجوزةٍ له في تواريخ المعصومين عليهم السلام، قال:

مولدُهُ بمكّة قد عُرفا*** في داخل الكعبة زيدتْ شرفا

وذاك في ثالث عشر من رجبْ*** فقدرُه علا وحقّه وَجَب

وقيل: في السابع من شعبانا*** مطلعَ ذاك البدر حينَ بانا

على رُخامةٍ هناك حمرا*** معروفةٍ زادت بذاك قدرا

فيا لها مزيّةٌ علّيه*** تخفضُ كلَّ رُتبةٍ عليّه

ما نالها قطُّ نبيٌّ مرسلُ*** ولا وصيٌّ آخِرٌ وأوّلُ

أما سمعتَ قصّة ابن قَعْنَبِ*** ينطقُ عن مقصودنا بالعجبِ

وإنّه محقّقٌ مشهورُ*** يُثبته المدقّقُ النحريرُ

قال: جلستُ مع اُناسٍ شتّى*** في المسجد الحرام يوماً حتّى

مرّت بنا فاطمةٌ بنتُ أسد*** حاملةً بالمرتضى ذاك الأسد

فجاءها الطلقُ فطافت سبعا*** ثمّ دَعَت أكرم ربّ يدعى

قالت: إلهي، إنّني آمنتُ بك*** حقّاً وصدّقتُ جميع كتبك

وما على الخليل جدّي اُنزلا*** وما به كلُّ رسولٍ أُرسلا

ثمّ دَعَت خالقَها بما سنح*** فسهّلَ اللَّهُ العسيرَ وانفتح

بابٌ لها تجاهَ باب الكعبة*** وذاك مستجارُ أهل الرَهبة

ودخلت فيه فعادَ مثل ما*** كانَ وما ذاك مشيد محكما

هذا وقُفلُ الباب لم يفتح لنا*** من بعد جُهدٍ وعلاجٍ وعنا

فقلتُ: إنّ ذاك أمرُ اللَّهِ*** فلم أكن بذكرهِ باللاهي

فمكثت ثلاثةً أيّاما*** وخرجت وأعلنت كلاما

إنّي فضّلتُ على النساء*** دخلتُ بيتَ رافعِ السماءِ

ثمّ أكلتُ من ثمار الجنّهْ*** ورزقُها فهو عليّ جنّه

وعندما وضعتُه ورُمْتُ أنّ*** أخرجَ نادى هاتفٌ لي بالعلن

سمّي الذي وضعته عليّا*** فلن يزالَ قدرُه عليّا

لقد شققتُ اسماً له من اسمي*** أطلعتُه على خفيِّ علمي

ادّبْتُهُ بأدبي إكراماً*** وهو الذي يكسّر الأصناما

في بيتي الشريف إذ يؤذّنُ*** من فوقه وبالأذان يُعلنُ

طوبى لمن أحبّه ووالى*** ومن أطاعه يجازى فضلا

ويلٌ لمن أبغضهُ ومَن عصى*** وذاك بعضُ ما به قد خُصّصا (90)

وحديث البلاطة الحمراء قد سبق الإيعاز إليه في مبحث تواتر الحديث.

وذكر العالم الضليع ميرزا جبّار ابن المولى زين العابدين الشكوئي، المتوفّى قبل سنة “1330 ه” في كتابه “مصباح الحرمين” في الفصل الثاني والثلاثين، في وداع الكعبة أُموراً.

منها: ‘الصلاة بين الاسطوانتين على الرّخامة الحمراء، وهي على رواية بعض العلماء محلّ ولادة أمير المؤمنين عليه السلام كما مرّ في فصل المستجار…’ (91)

والفصل المشار إليه هو الفصل الثامن عشر (92)

، وذكر فيه حديث يزيد بن قَعنَب، فالإحالة في أصل ولادة البيت لا خُصوص حديث الرّخامة الذي أسند حديثه إلى بعض العلماء.

وكان هذا الرجل من ثقات عصره المتورّعين، والوالد (93)

العلّامة قدس سره كان يمدحه ويثق به، ويخبت بقوله وفعله، ولم يزل موصوفاً بحسن السيرة وأداء حقّ وظيفته الروحية حتّى قضى نحبه سعيداً طيباً.

وقال الشيخ أحمد بن الحسن الحرّ، نزيل مشهد الرضا عليه السلام، أخو صاحب الوسائل في “الدر المسلوك في أحوال الأنبياء والأوصياء والملوك” في الفصل الرابع، في ذكر أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، ما لفظه:

‘أمّا اسمه فعليٌّ.

كنيته: أبو الحسن.

لقبه: المرتضى.

ولادته: الكعبة في البيت، على الحجر.

يوم ولادته: الجمعة.

شهر ولادته: ثلاث عشر برجب، وقيل نصف شهر رمضان.

سنة ولادته: ثلاثون من عام الفيل.

ملك وقت ولادته: شهريار (94).

اسم اُمّه: فاطمة بنت أسد’ (95).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

45 ـ جلاء العيون 232:1. فارسي.

46 ـ تحفة السلاطين، الجزء الثاني. فارسي.

47 ـ تحفة المجالس: 64. فارسي.

48 ـ جلاء العيون: 232.

49 ـ ضياء العاملين ج 2 “مخطوط”.

50 ـ أي مثيلاته. اُنظر الألفاظ الكتابية: 158.

51 ـ نهج الحقّ وكشف الصدق: 232، وكشف اليقين: 5.

52 ـ كشف الغمّة 59:1.

53 ـ روضة الواعظين: 76.

54 ـ مناقب ابن شهر آشوب 175:2.

55 ـ العمدة: 34.

56 ـ جمع قَيل، وهو الملك النافذ القول والأمر. لسان العرب- قول- 576:11.

57 ـ أثبتناه من المصدر، وفي الاصل ومناصه ومواليد.

58 ـ الصراط المستقيم 215:2.

59 ـ تحفة الأبرار: الباب الرابع الفصل الثاني.

نجد سرد هذه الحقائق مشفوعاً بالتقرير في ترجمة هذه- التحفة- إلى العربية للشيخ عليّ بن يوسف بن منصور، النجفيّ صاحب “مختصر تأويل الآيات الباهرة في فضائل العترة الطاهرة” من علماء القرن العاشر، ونسبة الكتاب إليه مذكورة في “الذريعة إلى مصنّفات الشيعة” 405:3، وفي حرف الميم منها، وفي كتاب “إحياء الداثر في مآثر القرن العاشر”. هامش المطبوع.

60 ـ فضل اللَّه بن روزبهان بن فضل اللَّه الخنجي الإصفهاني، المعروف بباشا، كان من أعاظم علماء المعقول والمنقول، حنفي الفروع أشعري الاُصول، متعصّباً لأهل مذهبه وطريقته، متصلباً في عداوة أولياء اللَّه وأحبّته. الضوء اللامع 171:6، وروضات الجنات 17:6 /553.

61 ـ في نزهة المجالس: عمرو بن حزم، والصحيح ما أثبتناه. اُنظر: جمهرة أنساب العرب: 121 و تهذيب الكمال 170:7 /1454، والإصابة 32:2 /1695، وتهذيب التهذيب 446:2/ 775، والمستدرك 483:3.

62 ـ نزهة المجالس 204:2، والفصول المهمة: 30.

63 ـ أوجره اللبن: جعله في وسط حلقه. لسان العرب- وجر- 279:5.

64 ـ كشف الغمة 60:1، وبشارة المصطفى: 7.

65 ـ روضة الواعظين: 76.

66 ـ كشف اليقين: 5، ونهج الحق وكشف الصدق: 233.

67 ـ إرشاد القلوب: 211.

68 ـ مناقب مرتضوي: 87، ط. بومباي، “1321 ه”.

69 ـ الأمالي 114:9، وعلل الشرائع 135:1 /3، ومعاني الأخبار 62:10.

70 ـ سورة المؤمنون: 2- 1.

71 ـ سورة المؤمنون: 11- 10.

72 ـ البصبصة: هي أن ترفع سبابتيك إلى السماء وتحركّهما وتدعو. مجمع البحرين- بصبص- 164:4.

73 ـ أمالي الطوسي 317:2.

74 ـ مناقب ابن شهر آشوب 174:2.

75 ـ في المصدر: كلامه.

76 ـ أبو قبيس: هو اسم جبل مشرف على مكّة. معجم البلدان 80:1.

77 ـ لكام: الجبل المشرف على أنطاكية وبلاد ابن ليون والمصّيصة وطرسوس. معجم البلدان 22:5، وفي المصدر: إكام.

78 ـ في المدر: غربتا.

79 ـ مناقب ابن شهر آشوب 172:2.

80 ـ روضة الواعظين: 81- 77.

81 ـ الفضائل “لشاذان بن جبرئيل”: 54، وجامع الأخبار: 15.

82 ـ المسك الأذفر: أي طيب الريح. لسان العرب- ذفر- 306:4.

83 ـ الجونة: بالضم، ظرف للطيب. مجمع البحرين- جون- 230:6.

84 ـ هشَّ لهذا الأمر هشاشة: إذا فرح به واستبشر. النهاية 264:5.

85 ـ إذا كانت المعلولات بأسرها حاضرة عند علّتها الفاعلية، وإن كانت بعنوان ما به الوجود ولو بمرتبة هي أدنى من حضورها عندها بعنوان ما منه الوجود، فهي كلّ حين مشاهدة لها، ومن الأوّليات ثبوت ذلك بالمعنى الأوّل من العلّية لأمير المؤمنين عليه السلام، لوجوه من العقل والسمع لا يسع المقام سردها، فالمراد عرض ولائه عليهم، أو شخصيته البارزة بذلك الجثمان المقدس الذي عرفوه بالعلّية ووجوب الولاء منذ الأزل، ومن الممكن أن يكون عرضه على أرواح أهل الأرضين لتقوم الفطرة الإلهية وتتميم الاستعداد التام ليحيى من حيّ عن بينّة ويهلك من هلك عن بينة.

أو على الأولياء والصديقين منهم ممّن لهم الأهميّة في تنظيم المجتمع الديني من الأبدال والأوتاد. “هامش مطبوع”.

86 ـ لا منافاة بين هذه الرواية والاُخرى الدالّة على أنّ أبا طالب طلب اسمه عليه السلام من اللَّه سبحانه بقوله: يا ربّ الغسق الدجى… وجوابه من قبله تعالى: خصصتما بالولد الزكي.

وسيأتي تفصيلها- إن شاء اللَّه- لجواز اجتماع الأمرين: الهتاف بفاطمة، وتحرّي أبي طالب لحق اليقين في أمر مولوده الذي علم أ نّه من آيات ربّه الكبرى. من هامش المطبوع.

87 ـ سورة المؤمنون: 11- 1.

88 ـ الصنو: المثل. مجمع البحرين- صنا- 269:1.

89 ـ علل الشرائع: 135:3، ومعاني الأخبار: 10 : 62، وأمالي الصدوق: 9 : 114، وأمالي الطوسي 317:2. انظر مناقب ابن شهر آشوب 172:2، وروضة الواعظين: 77.

90 ـ منظومة في تواريخ المعصومين عليهم السلام، مخطوطة.

91 ـ مصباح الحرمين: 194.

92 ـ مصباح الحرمين: 115- 114.

93 ـ والد المؤلّف هو: الشيخ الميرزا أبو القاسم بن محمد تقي الأُردوبادي التبريزي الغرويّ “1274-1333 ه” هاجر إلى كربلاء، والنجف والكاظمية، وأخذ من أعلامها، وأُجيز بالاجتهاد منهم، كان عالماً فقيهاً، تقياً ورعاً، من مراجع التقليد، وله مؤلفات ترجمه صاحب الذريعة والأعيان. لاحظ: السبيل الجدد إلى حلقات السند لولده، المطبوع في مجلة علوم الحديث، العدد 2، ص 194.

94 ـ شهريار بن كسرى ابرويز بن هرمز، وكان لكسرى ابرويز ثمانية عشر ولداً، وكان أكبرهم شهريار، وكانت شيرين قد تبنّته، وكان هلاك ملك كسرى على يد يزدجرد ابن شهريار. الكامل في التاريخ 493:1 و 28:3 و 123.

95 ـ الدر المسلوك، مخطوط.

نبا الولادة والمحدّثون

نبا الولادة والمحدّثون :

لا نريد من المحدّثين السّذّج، الذين لم يعرفوا إلّا أساطير في خلال الكتب، أو قول بسيط مثل “حدّثني فلان” وهو لا يرى سعة العلم إلّا بالتوسّع في النقل، فيحشد من ذلك صفوفاً، ويسرد من وَرَطات القالة أُلوفاً، من غير ما تفقّه في مغزى الحديث، ولا تبصّرٍ في مؤدّاه، ثمّ إذا طوى الدهر أيّامه تناقلت رواة الجيل الثاني أخباره من دون وقوف على قصّته، وإنّما غرّتهم فخفخة الرجل، ومحاباة نظرائه من أرباب المعاجم، بأ نّه “حافظ، روى مائة ألف أو تزيد” إلى غيرها من ألفاظ الثناء الباطل.

إنّما نقصدُ هاهنا أئمّة الحديث، ومهرة فنّه النياقد، الذين لا يروقهم رمي القول على عواهنه، فلا يؤمنون بالمنقول إلّا بعد التفرّغ من أمر إسناده، والتثبّت فيه، والتروّي في متنه، حذار مخالفته لمعقولٍ، أو مصادمته لشي ء من الاُصول.

فنريد من المحدّث ذلك الحَبر الناقد الضليع في العلم، الذي ضرب فراغاً من أويقاته للتبصّر في هذا الفن، والإحاطة به من أطرافه بما هو من أشرف العلوم وأهمّ الفرائض على العلماء الباحثين.

فهو محدّثٌ حينَ يقف على هذا النغز، كما أ نّه فقيهٌ متى طَفِقَ يردّ الفرع على الأصل، ومفسّرٌ حين يتحرّى مغازي آي الكتاب الكريم واكتشاف مخبّآتها، وهو فنّي إذا عطف النظر على أيّ من العلوم.

إذا عرفتَ القصد من هذا العنوان، فإنّك جدّ عظيم بدخول كثيرٍ ممن ذكرناهم من رواة الحديث أو الناصّين بمفاده، كعلم الهدى السيّد المرتضى، وأخيه السيّد الرضيّ، وشيخ الطائفة الطوسيّ، وقبلهم رئيس المحدّثين الصدوق، وبعدهم رشيد الدين ابن شهر آشوب، وابن الفتّال الشهيد، وآية اللَّه العلّامة الحلّي، وابن بطريق، إلى غير هؤلاء من الكثيرين الأول، ممن سلفت الإشارة إليهم، وإلى اُناس آخرين من علماء أهل السنة كالحاكم وغيره، كما سلف ذكرهم.

لكننا نذكر هنا أفذاذاً لم نذكرهم هنالك، أو لخصوصية فيهم لم تذكر فيما مرّ، وبهذا الفصل وغيره من فصول هذه الرسالة تعرف مقيل ما هَوِسَ به ابنُ أبي الحديد في ‘شرح النهج’ في الحقيقة من أنّ حديث الولادة مزعمة كثيرٍ من الشيعة ‘والمحدّثون لا يعترفون بذلك، ويزعمون أنّ المولود في البيت حكيم بن حزام’ (1)

وقد مرّت بك كلمة الحاكم النيسابوري في الولادتين، وهو أحد أئمّة المحدّثين، وغيره من محدّثي أهل السنّة والشيعة، وإلى الملتقى هاهنا.

ففي “المجموع الرائق” تأليف السيّد الأجل، في اُخرياته، عند ذكر “المائة منقبة” المخصوصة بأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وذلك مما رواه الشيخ السعيد أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه- قدّس اللَّه ارواحهم-، يوم الغدير من سنة إحدى وستّين وثلاثمائة، يرفعه إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ممّا خصّ اللَّه به أمير المؤمنين علياً عليه السلام:

|المنقبة الأُولى|: ‘أنّ اللَّه تعالى خلقه من نور عظمته’. إلى قوله:

|الثامنة|: ‘أ نّه ولد في الكعبة’.

|التاسعة|: ‘أ نّه لمّا ولد في الكعبة ظهر نوره من عِناسن السماء إلى ظهر الكعبة، وسقطت الأص نام التي كانت على الكعبة على وجوهها، وصاح إبليس، وقال: ويلٌ للأصنام وعبدتها مِن هذا المولود’ (2)

وقال العلّامة أبو الفتح محمّد بن عليّ بن عثمان الكراچكي الفقيه المحدّث المتكلّم الثقة، المتوفّى سنة “449 ه” من تلمذة شيخنا المفيد في “كنز الفوائد” بعد أن ذكر أحاديث في مقدّمة الولادة من خبر الكاهن، ورؤيا فاطمة بنت أسد، وتعبير الكاهن لها ما لفظه:

‘وفي الحديث أ نّها- يعني فاطمة بنت أسد- دخلت الكعبة على ما جرت به عادتها، فصادفَ دخولها وقت ولادتها، فولدت أمير المؤمنين عليه السلام داخلها’ (3)

والمتّبع من هذا الحديث ما هو الجامع بينه وبين أحاديث الباب وأقواله من أصل الولادة في البيت، وأمّا كيفية الدخول فيها فالمعتمد عليه ما أسلفنا لك نبأه من أ نّها كانت أمراً من أمر اللَّه، وعنايةً من عنده خاصّةً بأمير المؤمنين عليه السلام، خارجةً عن مجاري الطبيعة ومقتضيات الصدف.

ولذلك انشقّ البيت لفاطمة، ثمّ لمّا دخلته ارتأبت الصدعةُ ولم ينفتح قُفل الباب بالرغم من جهدهم الأكيد في فتحه.

وأكلت هي من ثمار الجنّة في جوف البيت، وكان من أمر الولادة ما عرفت.

فخرجت من البيت متبجّحةً بما منحها اللَّه سبحانه.

وهذا هو المناسب لما عرفته من إطباق كلمات العلماء والأئمة، من أنّ ذلك فضيلةٌ اختصّ اللَّهُ بها أمير المؤمنين عليه السلام.

وأيّ فضيلةٍ في الوقوع صدفة، ولا عن قصدٍ كما يقع كثيراً لأفراد من الناس والحيوان من الولادة في محالٍّ شريفةٍ على مجاري العادة، ولا يعدّ شرفاً وفضيلة لهم، كما لم تعدّ الولادة في البيت فضيلةٍ لحكيم بن حزام على تقدير صحّة الرواية.

فإنّ مَن أخبتَ بها لم يذكر فيها ما ذكره في أمير المؤمنين عليه السلام من أ نّها فضيلةٌ اختصّه اللَّه بها، ولا قال كقولهم فيه من أ نّه لم يسبقه إلى مثلها أحدٌ، ولا يلحقه فيها أحدٌ، وما هو إلّا لما ذكرناه.

وفي كتاب “الأربعين” للشيخ أبي الفوارس، أو أبي عبد اللَّه محمد بن مسلم بن أبي الفوارس الرازيّ عن السيّد الأجلّ الأوحد جمال الدين عزّ الإسلام فخر العشيرة شرف الدين أبي محمد، إبراهيم بن عليّ بن محمد العلوي الحسني (4)

الموسوي بكازرون في التاسع عشر من شهر رجب، عن الشيخ العارف، شهريار بن تاج الدين الفارسيّ، عن القاضي أبي القاسم، أحمد بن ظاهر النوري (5)، عن الشيخ الإمام شرف العارفين أبي المختار، الحسن بن عبد الوهاب، عن أبي التحف (6)

عليّ بن إبراهيم المصريّ، عن الأشعث بن محمد بن مرّة، عن المثنّى بن سعيد بن الأصيل البغداديّ العطّار، عن عبد المنعم بن الطيّب القدوري، عن العلاء بن وَهب، عن الوزير محمّد بن ساليق، عن أبي جرير، عن أبي الفتح المغازليّ، عن أبي جعفر ميثم التمّار رضى الله عنه (7)

، قال:

كنت بين يدي مولاي أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة وجماعة من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله حافّون به، كأنّهم الكواكب اللامعة في السماء الصاحية، إذ دخل علينا من الباب رجلٌ طويلٌ، عليه قَباءُ خزّ أدكن، معتمٌّ بعمامة أنجمية صفراء، متلقّد بسيفين، فنزلَ من غير سلام، ولم ينطق بكلام، فتطاول إليه الناسُ بالأعناق، ونظروا إليه بالآماق، ووقف عليه الناس من جميع الآفاق، وأمير المؤمنين عليه السلام لا يرفعُ رأسه، فلمّا هدأ من الناس الحواسّ، فسح عن لسانه كأ نّه حُسامٌ صقيلٌ جُذِبَ من غِمده، وقال:

‘أيّكم المجتبى في الشّجاعة، والمعمّم بالبراعة، والمدرّع بالقناعة؟

أيّكم المولود في الحرم، والعالي في الشِيم، والموصول بالكرم؟’ (8)

ورواه الشيخ أسعد بن إبراهيم بن الحسن بن عليّ بن عليّ الحلّي، أو الجبلي، في “أربعينه” الذي يروي أحاديثه عن مشايخه من العامّة في مجلس واحد سنة “610 ه”.

وذكر شيخنا العلّامة بحّاثة العصر الحاضر في الذريعة (9)

: أ نّه من علماء الحلّة من الإمامية.

فذكر فيه الحديث الأوّل بإسناده إلى أبي جعفر ميثم التمّار مثله، غير أنّ بينهما اختلافاً في بعض الحروف.

وفيه أ نّه قال:

‘أيكم الإمام الأروع الأورع، البطين الأنزع، المولود في الحرم، العالي الهمم، الكريم الشيم؟

أيكم حيدر أبو تراب، قالع الباب، وهازم الأحزاب، الذي فتح له- حين سدّت الأبواب- باب، والذي نصب للعبّاس الميزاب؟’ (10)

ورواه مؤلف كتاب “الروضة في الفضائل” المطبوع مع “علل الشرائع” و “معاني الأخبار” للشيخ الصدوق بالإسناد يرفعه إلى أبي جعفر ميثم التمّار، لكن روايته توافق الرواية الأُولى لأبي الفوارس في حروفها.

ففيهما أ نّه لمّا فرغ من وصفه الكثير، قال أمير المؤمنين عليه السلام:

‘أنا، يا أبا سعد بن الفضل بن الربيع بن مدركة بن نجبة بن الصلت بن الحارث بن الأشعث بن السمعمع! سل عمّا بدا لك’ (11)

وفي رواية أسعد: أ نّه أشار بعض الحاضرين إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وقال: ‘هذا مرادك’.

وذكر الجميع القصّة التي جاء الرجل لأجلها من القتل الواقع عندهم.

وذكروا المعجزة الباهرة للإمام صلوات اللَّه عليه بإحيائه الشابّ المقتول، بإذن اللَّه تعالى، وإخباره بقاتله وغير ذلك.

وفي الأربعين لأسعد أنّ هذا حديث رواه عامّة محدّثي الكوفة (12)

وفي كتاب “عيون المعجزات” للشيخ حسين بن عبد الوهاب المعاصر لسيّدنا المرتضى علم الهدى، عن أبي التّحف عليّ بن محمد بن إبراهيم المصري عليهم السلام عن الأشعث بن مرّة، عن المثنّى بن سعيد، عن هلال بن كيسان الكوفي الجزار، عن الطلب الفواجريّ، عن عبد اللَّه بن سلمة الصحي (13)، عن شقادة بن الأصيد العطّار البغدادي، عن عبد المنعم بن الطيّب القدوري، عن العلاء بن وَهب بن (14)

قيس، عن الوزير أبي محمد بن سايلويه رضى الله عنه، فإنّه كان من أصحاب أمير المؤمنين العارفين، ورحم جماعتهم (15)، عن أبي جرير، عن أبي الفتح المغازلي- رحمهما اللَّه-، عن أبي جعفر ميثم التمّار (16)، آنس اللَّه به قلوب العارفين، قال:

‘كنتُ بين يدي مولاي أمير النحل- جلّت معالمه، وثبتت كلمته- بالكوفة، وجماعة من وجوه العرب حافّون به كأ نّهم الكواكب اللامعة في السماء الصاحية’ (17)

وأنت ترى أنّ الرجل يعدّ مناقب أمير المؤمنين عليه السلام الخاصّة به، الشهيرة بين القاصي والداني، ومنها كونه مولوداً في الحرم، المراد به البيت خصوصاً، وإلّا لما كانت خاصّة له، لأنّ المولودين في حدود الحرم وبين شعاب مكّة وهضابها كثيرون ولا فخر لأحد فيه، فإنّ الولد لابد وأن يولد في مساكن الأبوين شريفاً كان المحل أو غير شريف، نعم إذا جاوزت الولادة في المحال الشريفة حدود العادة عدّت فضيلةً، كولادة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في البيت الذي هو محلّ العبادة لا الولادة، مع ما اكتنفته من الخوارق للعادات المشروحة في هذه الرسالة.

كانت هذه المصارحة من الرجل بمشهدٍ ممّن لاث (18)

بالإمام عليه السلام كان هو الذي أصحر بانطباق هاتيك الأوصاف الكريمة على نفسه المقدّسة، وناهيك به شاهداً ومشهوداً له.

أو ترى أ نّه عليه السلام لو كان يعتقد خلاف ما وصفه به الرجل كان يسكت عنه ويغضّ الطرف عن إفكه؟

لاها اللَّه!

ومَن عرف سيرته وخشونته في ذات اللَّه، وتهالكه في دحر الباطل، وإدحاض معرّة البهت والزور، علمَ مكانة هذه الفضيلة من الثبوت بعد تصديقه لها، فلقد كان عليه السلام بما اكتنفته من الفضائل التي لا تحصى في غنىً عن أيّ فخفخة بالئتة ومجد كاذب.

ثمّ انثيال (19)

عامّة محدّثي الكوفة على نقل الحديث من غير نكيرٍ بينهم، مع حداثة عهدهم بالقصّة، وتمكّنهم من تمييز الصدق فيه مِن المين (20)

، دليلٌ واضح على شهرته بينهم على العهد العلويّ وقبله وبعده، وإصفاقهم على تصديقه والإخبات به.

وروى الوزير الأربليّ في “كشف الغمة” عن “مناقب” الفقيه ابن المغازليّ المالكي، مرفوعاً إلى عليّ بن الحسين عليهماالسلام، قال:

‘كنّا زوار الحسين عليه السلام وهناك نساء كثيرة، إذ أقبلت منهنّ امرأة، فقلتُ لها: مَن أنتِ رحمك اللَّه؟

قالت: أنا زيدة بنت قُريبة بن العجلان من بني ساعدة.

فقلت لها: فهل عندك من شي ء تحدّثينا به؟

فقالت: إي واللَّه! حدّثتني اُمّ عمارة بنت عُبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان الساعدي، أ نّها كانت ذات يوم في نساء من العرب، إذ أقبل أبو طالب كئيباً حزيناً، فقلتُ له: ما شأنك؟

فقال: إنّ فاطمة بنت أسد في شدّة من المخاض، وأخذ بيدها وجاء بها إلى الكعبة، وقال: اجلسي على اسم اللَّه، فطلقت طلقة واحدة، فولدت غلاماً مسروراً نظيفاً منظّفاً لم أرَ كحُسن وجهه، وسمّاه عليّاً، وحمله النبيّ صلى الله عليه و آله حتّى أدّاه إلى منزلها’.

قال عليّ بن الحسين عليهماالسلام: ‘فو اللَّه ما سمعت بشي ء قطّ، إلّا وهذا أحسن منه’ (21)

ورواه ابن الصبّاغ المالكيّ في “الفصول المهمة” عن ابن المغازلي، عن الإمام السجّاد عليه السلام (22)

ورواه شمس الدين، أبو الحسين، يحيى بن الحسن بن الحسين بن عليّ بن محمّد ابن البطريق الحلّي، من علماء القرن السادس، بإسناده عن ابن المغازلي، عن أبي طاهر محمّد بن عليّ بن محمّد البيّع (23)، عن أبي عبد ام بن خالد الكاتب، عن أحمد بن جعفر بن محمّد بن سَلم الختّلي، عن عمر بن أحمد بن روح الساجي، عن أبي طاهر يحيى بن الحسن العلوي، عن محمّد بن سعيد الدارمي، عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن محمّد بن عليّ، عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام، وذكر الحديث، وفي بعض حروفه اختلاف (24).

ولا منافاة بين ما قد يتوهّمه غير المتأمل في مغازل الكلام، من قولها في هذا الحديث: ‘فجاء بها إلى الكعبة’ وبين ما هو مذكور في حديث يزيد بن قَعنب: من أنّ دخول فاطمة البيت لم يكن بمجي ء أبي طالب بها، وأ نّه كان من خوارق العادات، لانشقاق الجدار من وراء الكعبة، والتئام الفتحة بعد دخولها، وعدم انفتاح رتاج (25).

الباب بالرغم من معالجة القوم من فتحه، وأ نّها أكلت فيها من ثمار الجنّة، وهتف بها الهاتف لمّا أرادت الخروج.

وفي رواية اُخرى: أ نّه نزلت نسوة من السماء لِيَلينَ من أمرها ما تلي النساء من النساء.

إنّ هذه الرواية لم تتعهد بسرد تفاصيل القصّة بحذافيرها، وإنّما أرادت الرواية لها إشارة إجمالية إلى مولد الإمام عليه السلام، والتذكير بفضله الباهر يوم ميلاده.

فمن المحتمل أن يكون ما شاهده فريق من بني هاشم، وفريق من بني عبد العزى من أمر فاطمة بنت أسد المذكور في خبر ابن قَعنب، ودعائها، ودخولها البيت، كان بعد ما جاء بها أبو طالب- سلام اللَّه عليه-، أهمله ابن قَعنب كما أهملت هذه الرواية أشياء اُخرى من حديثه، للاختصار.

وليس في حديث ابن قعنب أيّ صراحة في أنّ أبا طالب لم يأت بها هلى فِناء البت، ولا في هذا الحديث نصّ بأ نّه هو الذي باشر إدخالها البيت، وإنّما هو ظهور متضائل.

فلا تنافي بين النقلين حتّى ينتهزه المريض قلبه فرصةً لقلب الحقائق.

وروى أبو عبد اللَّه محمّد بن يوسف بن محمّد القرشي الشافعي الكنجيّ الحافظ، المتوفّى سنة “658 ه” في “كفاية الطالب” في الباب السابع من الأبواب الاثني عشر، التي ذكرها في اُخريات الكتاب بعد تمام الأبواب المائة، قال:

أخبرنا الشيخ المقرى ء أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف بن بركة الكتبي، في مسجده بمدينة الموصل، ومولده في سنة “554 ه” قال: أخبرنا أبو العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن العطّار الهمداني إجازة عامّة، إن لم تكن خاصّة، أخبرنا أحمد بن محمّد بن إسماعيل الفارسي، حدّثنا فاروق الخطابي، حدّثنا الحجّاج بن المنهال، عن الحسن بن مروان بن عمران الغنوي، عن شاذان بن العلاء، حدّثنا عبد العزيز بن عبد الصمد، عن مسلم بن خالد المكّي المعروف بالزنجي، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد اللَّه، قال: سألت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عن ميلاد عليّ بن أبي طالب.

فقال: ‘لقد سألتني عن خير مولود ولد في شبه المسيح عليه السلام، إنّ اللَّه تبارك وتعالى خلق عليّاً من نوري، وخلقني من نوره، وكلانا من نور واحد، ثمّ إنّ اللَّه عزّ وجل نقلنا من صلب آدم إلى أصلاب طاهرة، وإلى أرحاك زكيّة، فما نقلت من صلب إلّا ونقل عليّ معي، فلم نزل كذلك حتّى استودعني خير رحم وهي آمنة، واستودع عليّاً خير رحم وهي فاطمة بنت أسد.

وكان في زماننا رجلٌ زاهدٌ عابد يقال له: المبرم بن دعيب بن الشقبان، قد عبد اللَّه مائتين وسبعين سنة، لم يسأل اللَّه حاجة، فبعث اللَّه إليه أبا طالب، فلمّا أبصره المبرم قام إليه وقبّل رأسه وأجلسه بين يديه، ثمّ قال له: مَن أنت؟

فقال: رجل من تهامة.

فقال: من أيّ تهامة؟

قال: من بني هاشم.

فوثب العابد فقبّل رأسه مرّة ثانية، ثمّ قال: ا هذا، إنّ العلي الأعلى ألهمني إلهاماً!

قال أبو طالب: ما هو؟

قال: ولدٌ يولد من ظهرك، وهو وليُّ اللَّه عزّ وجل.

فلمّا كانت الليلة التي وُلِدَ فيها علي عليه السلام أشرقت الأرض، فخرج أبو طالب وهو يقول: أيّها الناس ولد في الكعبة وليّ اللَّه عزّ وجل.

فلمّا أصبح دخل الكعبة وهو يقول:

يا ربّ هذا الغسقُ الدجيُّ*** والقمرُ المبلَّجُ المضيُّ

بيّن لنا مِن أمرك الخفيِّ*** ماذا ترى في اسم ذا الصبيِّ؟

قال: فسمع صوت هاتف وهو يقول:

يا أهل بيت المصطفى النبيِّ*** خُصِصتم بالولد الزكيِّ

إنّ اسمه من شامخ عليٍّ*** عليّ اشتقّ من العليّ’ (26)

قال الحافظ الكنجيّ: قلت: هذا حديث اختصرته، ما كتبناه إلّا من هذا الوجه، تفرّد به مسلم بن خالد الزّنجي، وهو شيخ الشافعي، وتفرّد به عن الزّنجي عبد العزيز بن عبد الصمد، وهو معروف عندنا، والزّنجي لقب لمسلم، وسمّي بذلك لحسنه وحُمرة وجهه وجماله (27)

وقال العالم الضليع المولى، محمّد رضا بن محمّد مؤمن، المدرّس الإمامي، في الجدول السابع من كتابه “جنّات الخلود”: إنّه عليه السلام ولد في ضحى الجمعة، اعترى اُمّه الألم، ولم تكن تحتمل الطلق في وقتها، فدخلت البيت للاستشفاء، فاُوصد بابه من قبل نفسه، وكلّما عالج أبو طالب وإخوته أن يفتحوه لم يُفتح، وانشقّ سقف البيت، ونزلت حواء ومريم وسارة وآسية تصحبهنّ الملائكة والحور، ومعهنّ الطّست والإبريق وحرير من حرير الجنّة، فقمن بواجب الولادة، حتّى إذا ولد الإمام عليه السلام سجد وتلا قوله تعالى: ‘جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ’ (28)

ولا يناقض هذا ما عرفته من انشقاق جدار البيت لدخولها، فإنّ أقصى ما في هذا الحديث إهمال كيفية الدخول.

فمن الجائز أن تكون على الصفة التي وصفها في الأحاديث الاُخر، ومحاولة القوم لفتح الباب، لأ نّه كان أيسر لهم من إعادة الفتحة بعد التائامها، لا لأ نّها دخلت منه.

على أ نّها كانت من الاُمور الإلهية التي لا تتأتّى لغيره سبحانه، وما كان من الهيّن الهدم العادي لإخراجها مع وجود الباب، والقوم لمّا عمدوا إلى الباب ورأوا تعاصيه على تماديهم في فتحه، عرفوا أنّ شِروى (29)

التئام الفتحة أمرٌ غيبيّ لا يتسنّى لهم معالجته، فتركوه لحاله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ شرح نهج البلاغة 14:1.

2 ـ المجموع الرائق: 154، مخطوط.

3 ـ كنز الفوائد 255:1.

4 ـ في اليقين: الحسيني.

5 ـ في اليقين: أبو القاسم أحمد بن طاهر السوري.

6 ـ في اليقين: أبو النجيب، والظاهر صحّة ما في الأصل، كما في رياض العلماء 123:2-129، حيث قال في ترجمة الحسن بن عبد الوهاب أ نّه يروي عن أبي التحف عليّ بن محمّد بن إبراهيم بن الحسن الطيب المصري الذي هو من مشائخ المرتضى والرضي، وهو يروي عن جماعة كالأشعث بن مرّة وغيره.

7 ـ السند لا يخلو من اضطراب ولكن تركناه على علّاته مع الإشارة إليه، لعدم تعرض الكتب الرجالية المتوفرة لدينا هليه.

8 ـ الأربعون حديثاً، مخطوط، ورواه في نوادر المعجزات: 10، واليقين: 73، وفضائل ابن شاذان، الحديث الأول.

9 ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة 411:1.

10 ـ الأربعون حديثاً: 9، مخطوط.

11 ـ الروضة: 143.

12 ـ الأربعون حديثاً: 17، مخطوط.

13 ـ في المصدر: القبحي، كذا.

14 ـ في المصدر: عن.

15 ـ يعني أ نّه كان من شيعته صلوات اللَّه عليه، لا أ نّه من أصحابه المعاصرين له، وقوله: ‘ورحم جماعتهم’ معطوف على قوله: رضي اللَّه عنه والضمير عائد إلى المؤمنين العارفين شيعته عليه السلام من هامش المطبوع وفي المصدر: وروى جماعتهم.

16 ـ إنّما أعدنا الإسناد مرة ثانية للاختلاف بين النسختين، والتصحيف في إحداهما. من هامش المطبوع.

17 ـ عيون المعجزات: 25.

18 ـ الالتياث: الاختلاط والالتفاف. الصحاح- لوث- 291:1.

19 ـ انثاليأي تتابع واجتمع. انظر لسان العرب- ثول- 95:11.

20 ـ المين: الكذب. لسان العرب- مين- 425:13.

21 ـ كشف الغمّة 59:1، ومناقب ابن المغازلي: 3 : 6.

22 ـ الفصول المهمّة: 30.

23 ـ هو أبو طاهر محمّد بن علي بن محمد بن عبد اللَّه البغدادي، البيّع: بيع السمك، ولد سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، ومات سنة خمسين وأربع مائة، ودفن في مقبرةالشونيزي. انظر تاريخ بغداد 106:3.

24 ـ العمدة: 8 : 27.

25 ـ الرتاج: القفل. مجمع البحرين- رتج- 302:2.

26 ـ وردت هذه الأبيات في ألقاب الرسول وعترته: 220، وينابيع المودّة: 255.

27 ـ كفاية الطالب: 405.

28 ـ جنّات الخلود: 17، فارسي. سورة الإسراء: 81.

29 ـ الشّروى: المثل، يقال: ما له شروى أي ما له مثل. مجمع البحرين- شرا- 245:1.

حديث الولادة والنسّابون

حديث الولادة والنسّابون :

عرف الباحثون أنّ في أمثال هذه المسألة من أظهر ما تنتهي إلى النسّابة أخباره، وأ نّها من الحقائق التي لا تعزب عنها حيطتهم، فهم ذوو خبرة في هذا الباب، ونصوصهم فيها إحدى الحجج القويمة على إثباتها، ونحن إذا رفعنا إليهم الأمر وجدناهم حكماً عدلاً، ولهم فيه قضاءٌ فصل.

لقد مرّ عليك قول النسّابة العمريّ في “المَجدي”: ‘وولدت- يعني فاطمة بنت أسد- علياً عليه السلام في الكعبة، وما وُلِدَ قبلَهُ أحدٌ فيها’ (30)

وفي “عمدة الطالب” تأليف جمال الدين، أحمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن مهنا بن عِنَبَة الأصغر الداوديّ الحسني النسّابة، المتوفّى سنة “828 ه” ذكر محل الولادة، وهي: الكعبة، ويومها وهو: الجمعة، وشهرها وهو: الثالث عشر من رجب، وعامها وهي: سنة ثلاثين من عام الفيل.

ونفى أن يكون أحدٌ ولد في البيت سواه قبله وبعده إكراماً له من اللَّه عزّ وجل (31)

وقال العلّامة السيّد محمد بن أحمد بن عميد الدين عليّ الحسيني النجفي النسّابة في “المشجّر الكشّاف لاُصول السادة الأشراف”: وُلِدَ عليه السلام بمكّة في البيت الحرام، وذكر اليوم والشهر والعام، كما عرفته عن الداوديّ، قال: ‘ولم يولد قبله ولا بعده مولودٌ في بيت اللَّه الحرام سواه’ (32)

وفي “مناهل الضرب في أنساب العرب” تأليف النّسابة أبي عبد اللَّه، جعفر بن محمد بن جعفر بن الراضي، أخي المحقّق الأوحد السيّد محسن بن المرتضى الحسينيّ الأعرجيّ الكاظميّ، شِروى ما نصّ به النسّابة العميدي، عدا اختلاف في اللفظ يسير (33)

وفي “اُرجوزة في مواليد الأئمة عليهم السلام ووفياتهم” للعلّامة أبي صالح، محمد المهديّ بن بهاء الدين محمّد الملقّب بالصالح بن الشيخ معتوق بن عبد الحميد، الفتونيّ العامليّ النباطيّ النجفيّ النسّابة، المتوفّى سنة “183 ه” صاحب “حديقة النسب” قال:

مولدُه الجمعةُ يومَ السابعِ*** في شهر شَعبان ببيت الصانعِ

وقد خلت منه ثلاثون سنه*** من مولد النبيّ فاعلم سُنَنَه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

30 ـ المجدي: 11. ونقله بنصّه في معالم الطالبيين في شرح كتاب “سرّ الأنساب العلوية” لأبي نصر البخاري: 69، شرح الدكتور عبد الجواد الكليدار آل طعمة “ت 1379 ه”، طبع المكتبة المرعشية- قم، 1422 ه.

31 ـ عمدة الطالب: 58.

32 ـ المشجر الكشاف: 230.

33 ـ مناهل الضرب “للأعرجي”: 84، “1274-1332 ه”، طبعة مكتبة السيد المرعشي- قم، 1419 ه. ولاحظ نصّ كلامه في “مسك الختام في ولادة الإمام علي عليه السلام” في هذه المجموعة.

حديث الولادة والمؤرّخون

حديث الولادة والمؤرّخون :

والسابر زُبُر التاريخ يجد هذا الحديث من أثبت ما تعرّض له مولّفوها، وقد أثبتوه مخبتين به، مُذعنين بحقيقته، ومنهم من نصّ بصحّته عندهم جميعاً.

ففي “روضة الصفا” للمؤرّخ الضليع الشهير، محمّد خاوند شاه: ‘كانت ولادته عليه السلام- في رواية- يوم الجمعة، في الثالث عشر من رجب، سنة ثلاثين من عام الفيل.

وقيل: إنّها سنة ثمان وعشرون من العام المذكور.

وكان ميلاده عليه السلام في جوف الكعبة، فإنّ اُمّه كانت تطوف بالبيت، أو أنّ المشيئة الإلهية أجاءتها إلى فنائه، وكانت في أوان الطلق، فكانت ولادته فيها، ولم تتح هذه السعادة لأيّ أحدٍ منذ بدء الخليقة إلى الغاية.

وإنّ لصحّة هذا الخبر بين المؤرخين المتحفّظين عن الفضائل صيتٌ لا تشوبه شبهةٌ، وتجاوز عن أن يصحبه الشكّ والترديد’ (34)

انتهى مترجماً من الفارسي وملخّصاً.

والممعن في كلمة هذا المؤرخ البارع في فنّه، الواقف على المختلف فيه والمتّفق عليه، يرى حقيقة ما نحن بصدده من ثبوت هذه الفضيلة عند نقلة السير، وتلقيهم إياها بالقبول حيث يقول بمل ء فمه: ‘إنّ صيت صحّتها قد تجاوز عن أن يشك فيه أو تحوم حولها الشبهات’.

وقد عرفت في غضون هذه الرسالة كثيراً ممّا يشبهه، أو يربو عليه، أو يقاربه.

والرجل مع ذلك يصافق من تقدّمه على أ نّها ممّا اختصّ بها أمير المؤمنين عليه السلام ولا يشاركه فيها أيّ أحدٍ.

ولا ريب في ذلك، غير أنّ أعداء آل البيت النبويّ افتعلوا حديث حكيم بن حزام فتّاً في عَضُد هذه الفضيلة.

لكن المنقّبين من الفريقين لم يأبهوا به، وبذلك تعرف قيمة ما هملج به القاضي روزبهان (35)

من أنّ ذلك مشهور بين الشيعة ولم يصحّحه علماء التاريخ، بل عند أهل التواريخ أنّ حكيم بن حزام ولد في الكعبة ولم يولد فيه غيره… إلى آخره.

وستجد نصوص التاريخ بذلك، وعرفت ردّ الحاكم النّيسابوري من حصر ولادة البيت بحكيم، وذكر تواتر النقل بولادة أمير المؤمنين عليه السلام فيه.

ومرّ أيضاً رواية أساطين أهل السنّة، ولذلك ما يتلوه.

وإنّك تجد شيخ المؤرّخين الثبت الحجّة عند الفريقين أبا الحسن، عليّ بن الحسين بن عليّ، الهُذلي المسعوديّ، المتوفى سنة “333 ه” أو سنة “345 ه” في “مروج الذهب” عند ذكر خلافة أمير المؤمنين عليه السلام، مثبتاً هذه الحقيقة، جازماً بها من غير ترديد، قال: ‘وكان مولده في الكعبة’ (36)

وهذا الكتاب من أوثق المصادر التاريخية رضىً، واحتجّ به الموافق والمخالف، وقد راعى فيه جانب التقيّة بما يسعه، بتأليفه على نسق كتب أهل السنّة وما يرتضونه من رواياتهم، حتّى حسبه بعض- من لم يرد من كتبه غيره، ولم يستكنه حياته الطيّبة، ولم يلفت نظره إلى غير يسير من الإشارات بل النصوص في نفس هذا الكتاب- أ نّه منهم.

فهل من السائغ إذن: أن يذكر في كتاب هذا شأنه غيرَ الثابت المتسالم عليه عند الاُمّة جمعاء، لا سيّما في مثل المقام الذي يكثر فيه بطبع الحال وَرَطات القالة؟

وفي كتاب “إثبات الوصية” للمسعوديّ أيضاً:

‘وروي أنّ فاطمة بنت أسد كانت تطوف بالبيت، فجاءها المخاض وهي في الطواف، فلمّا اشتد بها دخلت الكعبة، فولدته في جوف البيت على مثال ولادة آمنة النبيّ صلى الله عليه و آله، وما ولد في الكعبة قبله ولا بعده غيره’ (37)

و “إثبات الوصيّة” من أنفس كتب الإمامية.

وليس من الجائز أن يحتجّ ويتبجّح فيه بما لا يقرّ به الخصم، ولا تذعن به اُمّته، ثمّ يقول بكل صراحة: ‘وما ولد…’ وبمشهد منه ومسمع ما تحذلقوا (38)

به من أمر حكيم بن حزام، غير أنّ المؤرخ لا يقيم له وزناً.

وذكر حمد اللَّه المستوفي في “تاريخ گزيده”: ‘أنّ مولده عليه السلام كان سنة ثلاثين من عام الفيل، الموافقة لسنة اثنتا عشرة بعد اتسع مائة الإسكندرية، لثمان سنين مضين من ملوكية أبرويز (39)

، وكان في الكعبة حيث كانت اُمّه في الطواف، فبان عليها أثر الطلق، فأشارت إلى البيت ووضعته في جوفه’ (40).

انتهى مترجماً من الفارسيّة وملخّصاً.

وفي التاريخ الإسكندري اختلاف بين ما يقوله هذا المؤرّخ، وبين محمّد بن طلحة الشافعيّ في “مطالب السؤول”، قال: ‘إنّه عليه السلام ولد ليلة الأحد الثالث والعشرين من رجب، سنة تسعمائة وعشر من التاريخ الفارسيّ المضاف إلى إسكندر.

وكان ملك الفرس يومئذ مستمراً، وكان ملكهم أبرويز بن هرمز.

وقيل: ولد في الكعبة، البيت الحرام’ (41)

ومخالفات الرجل للمشهور غير محصورة بهذا كما تراه في قوله: ‘ليلة الأحد’ وقوله: ‘الثالث والعشرين’.

إذن فلا نأبه بخلافه هذا، كما لم نأبه بغيره.

ولا نكترث بإسناد ولادة البيت إلى القيل، بعد ما عرفناه عن الحاكم من تواترها، وعن الآلوسي من اشتهارها في الدنيا والنصوص المتعاضدة بما يشبه ذلك.

وجزم من جزم به من أئمّة الفن وحَمَلة الآثار.

والرجل صاحب رياضة وتصوّف، وليس تضلعه في العلم والحديث كغيرهما ممّا نسب إليه.

وعلى أيّ، فلا يقلّ ما ذكره عن أن يكون إحدى الروايات في الباب ومن مؤكّداته.

وفي “مرآة الكائنات” تأليف المؤرخ البّحاثة نشانجيّ زاده، محمّد بن أحمد بن محمد بن رمضان: ‘أ نّه عليه السلام ولد، ولرسول اللَّه صلى الله عليه و آله ثلاثون سنة، كانت اُمّه فاطمة زائرة البيت، فولدته فيه لحكمة اللَّه سبحانه فيه، ولم يرزق هذا غيره، وغير حكيم بن حزام’ (42)

انتهى مترجماً من التركية.

ولقد عرفت أنّ مولد حكيم فيه من الصدف الاتفاقية لا عن قصد، فليست فيه فضيلة تعدّ، وإنّما الفضيلة في مولد سيّدنا أمير المؤمنين عليه السلام على التفصيل الذي أسلفناه، وهو الذي عرفه هذا المؤرّخ نفسه حيث عدّ ذلك من حكم اللَّه سبحانه.

وفي “سِيَر الخلفاء” للمعاصر عبد الحميد خان الدهلوي، عن غير واحد من المؤرخين، أ نّه ‘ولد في مكّة المكرّمة يوم الجمعة في الثالث عشر من رجب، سنة ثلاثين من عام الفيل، ولم يتولّد أحدٌ قبله في حصار البيت’.

قال: ‘وإنّه وإن كان رابع الخلفاء، ولكنّه صاحب أثر واقتداد على عهد كلّ من الخلفاء، وكان يمدّ أبا بكر بآرائه، وكان من أكبر أنصار عمر بن الخطاب، وكذلك بعده مع عثمان’ (43)

انتهى مترجماً من الهندية، وملخّصاً.

3وفي “تاريخ قم” تأليف العالم المؤرّخ، الحسن بن محمّد بن الحسن القمي، الذي أ لّفه للصاحب بن عباد سنة “378 ه” وفي ترجمته إلى الفارسية للفاضل الجليل، الحسن بن عليّ بن الحسن بن عبد الملك القمي، الذي ترجمه بأمر الوزير فخر الدين بن شمس الدين سنة “865 ه” وطبع في طهران سنة “1313 ش” المطابقة لسنة “1353 ه” القمرية.

ففي الفصل الأوّل من الباب الثالث: ‘إنّ ولادة أمير المؤمنين في الكعبة يوم الخميس ثامن ربيع الأول، سنة ثلاثين من عام الفيل.

وفي رواية: سنة ثمان وعشرين منه’ (44)

وما ذكره من تاريخ الاسبوع والشهر غريب، وإنّما قصدنا في نقله ما يوافق غيره من المؤرّخين من النصّ بولادة الكعبة.

والرجل من عظماء المؤرّخين والمحدّثين القدماء، يحتجّ بقوله ويعوّل عليه وعلى كتابه.

ولا ينافيه ترجيحنا رواية غيره من العظماء فيما وقعت المخالفة بينهما لمرجّحات خارجية، لكنّ موضوع رسالتنا هذه ممّا لم يختلف فيه الأوّل والآخر.

فقال البحاثة السيّد عليّ جلال الدين الحسيني الكاتب المؤرّخ المعاصر المصريّ في كتابه “الحسين عليه السلام”: ‘أ نّه عليه السلام ولد بمكّة في البيت الحرام، يوم الجمعة الثالث عشر من رجب، سنة ثلاثين من عام الفيل.

قال الشيخ المفيد: ولم يولد قبله ولا بعده مولودٌ في بيت اللَّه تعالى سواه.

وقال عبد الباقي أفندي الموصليّ العمريّ:

أنتَ العليُّ الذي فوقَ العُلا رُفعا*** ببطنِ مكّةَ عندَ البيتِ إذ وُضِعا’ (45)

وفي “تاريخ نگارستان” لأحمد بن محمد بن عبد الغفار الغفاريّ القزويني من مؤرّخي القرن العاشر.

وموضوع الكتاب تأريخ ملوك الإسلام إلى سنة “949 ه” وهو مذكور في “كشف الظنون” للچلبي، و “الذريعة” لشيخنا البحاثة الحجة الشيخ آقا بزرك الرازي، وطبع سنة “1245 ه”.

ففيه: أ نّه ولد في جوف الكعبة (46)

وذكر التاريخ موافقاً للسيد علي جلال الدين في السنة والشهر والاسبوع.

وفي “روضة الصفا ناصري” للبحاثة المؤرّخ الشهير رضا قلي خان هدايت: ‘أنّ من المحقَّق: لمّا عادت فاطمة بنت أسد صدفاً لذلك الجوهر الملوكي، ظهرت لها من إمارات السّعود ما أخبتت بعظمة الحمل الذي كان في بطنها.

ولقد بشّر به أبا طالب مثرم بن دعيب بن سقيام، من رُهبان المسيحيين الإلهيين، وكان يسكن جبل لكام من جبال الشام، الذي كان معبداً للمرتاضين، ولقد عمّر مائة وتسعين عاماً.

ولمّا انتهت أيام حملها قصدت الكعبة يوماً، فانشقّ لها الجدار، ودخلته فالتأمت الفتحة.

وتعجّب العباس بن عبد المطلب، ويزيد بن قَعنب، وبقية الحضور، وتعذّر عليهم فتحُ الباب والدخول عليها.

حتّى خرجت هي في اليوم الرابع وابنها على يَدها، وهي مباهيةٌ به.

فوافى أبو طالب ودخل معها البيت، ووجدَ لوحاً فيه هذان البيتان:

خُصِصتما بالولد الزكيِّ*** والطاهر المطهّر المنتجبِ المرضيِّ

إنّ اسمه من شامخٍ عليِّ*** عليٌّ اشتقَ من العليِّ

يقال: إنّ هذا اللوح كان معلّقاً بمكّة، حتّى أخذه عبد الملك.

وكانت الولادة الميمونة يوم الجمعة، لثالث عشر من رجب، قبل البعثة بعشرة أعوام، وقبل الهجرة بثماني وعشرين سنة (47)

وكان عمرُ النبيّ صلى الله عليه و آله ثمانية وعشرين عاماً.

فوُلِدَ وَليُّ اللَّه سلام اللَّه عليه في البيت على الرّخامة الحمراء.

وذكر الفنّيون بالفلكيات والنجوم أنّ ساعة الميلاد كانت في طالع العقرب، والزُّهرة والقمر في بيت الطالع، وكان المرّيخ وزحل في الحوت، وعطارد والشمس والمشتري في السُّنبلة.

وبما أنّ المرخى وزحل في الخامس والعشرين الذي هو منسوب للأولاد، كان ولده سلام اللَّه عليهم بين مقتول بالسيف الذي منسوبٌ إلى المريخ، وآخر مستشهد بالسُّم الذي هو منسوب إلى زحل.

ويوجد نظير هذه الأحكام في كتاب “جاماسب” الحكيم الفارسيّ’ (48)

مترجماً من الفارسيّة وملخّصاً.

وفي “بستان السياحة” للمؤرّخ المنقّب الحاج، زين العابدين بن إسكندر الشرواني، بعد ذكر ولادته عليه السلام من غير ترديد في العام الثلاثين من واقعة الفيل في جوف الكعبة، وعن بعضهم أ نّه في الثالث عشر من رجب:

‘إنّ من المتّفق عليه: أنّ غيره- صلوات اللَّه عليه- لم يُولد هناك’ (49)

وذكر بيتاً فارسياً، هذا نصّه:

شد او درّ و بيت الحرامش صَدَف*** كسى را ميسّر نشد اين شَرَف

وفي “روضة الشهداء” للمولى حسين الكاشفي عن “بشارة المصطفى” وذكر حديث يزيد بن قَعنب مختصراً، كما مرّ.

ثمّ نقل عن الإمام أبي داود البناكتي أ نّه ‘لم يولد أحدٌ قبلَه ولا بعدَه في البيت’ (50)

والعلويّة المباركة، تلك القصيدة التاريخية المُربيَة على الخمسة آلاف بيت في حياة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام للصحافي الشهير عبد المسيح الأنطاكي صاحب مجلّة “العمران” المصريّة (51)

في رَحبة الكعبة الزهرا قد انبثقت*** أنوارُ طفلٍ وضاءت في مَغانيها

واستبشرَ الناسُ في زاهي ولادته*** قالوا: السُّعودُ له لابدَّ لاقيها

قالوا ابنُ مَن؟ فأُجيبوا: إنّه ولدٌ*** من نسل هاشمِ من أسمى ذَراريها

هنّوا أبا طالبِ الجّواد والدَهُ*** والأُمَّ فاطمة هُبُّوا نُهنّيها

إنّ الرضيعَ الذي شام (52) الضياء ببيـ*** ـتِ اللَّه عزّتُهُ لا عزَّ يَحكيها

أ مّا الوليدُ فلاقى الأرض مُبتسماً*** فما رغا رَهَباً ما كان خاشيها

إلى النساءَ التي حولَيه قد نظرت*** عيناهُ نظرةَ مُستجلٍ خوافيها

وهنَّ أعجبنَ بالمولُود شِمْنَ بهِ*** شِبلاً ببنيَتِهِ سُبحان بانيها

وقلنَ فاطمُ قد جاءت بِحَيدرةٍ*** يذبُّ عن قومه العُدوى ويَحميها

فَراقَ فاطمةٌ والطفلُ بينَ يَدي*** -ها قولةٌ سمعتها من جواريها

واستبشرت ثمّ قالت: ولدي أسدٌ*** فباسمه صِرتُ أُسْميهِ بخافيها

ثمّ أبو طالبٍ وافى حليلته*** وطفلها وانثنى صَفواً يحاليها

وهمَّ بالطفل يستجلي ملامحَه الز*** هرا فالفى المعالي كُوّنت فيها

وقالت الأُمُّ: يا بشرى بِحَيدرةٍ*** بُشرى أبا طالبٍ وافيتُ أُسديها

أجابَها: بل عليٌّ إنّني لأرا*** هُ بالغاً ذِروة العَليا وراقيها

اللَّهُ أكبرُ من تلك الفَراسة بالـ*** ــمولود والوالد المفضالِ رائيها

قد حقّقتها الليالي بالوليدِ فأمر*** ـسى بينَ أهل العُلا والمجد عاليها

وعام مولده العام الذي بدأت*** بشائرُ الوحي تأتي من أعالهيا

فيه الحجارةُ والأشجار قد هتفت*** للمُصطفى وهو رائيها وصاغيها

وإذ درى المصطفى فيه ولادةَ مو*** لانا العَليّ غدا بالبُشر يُطريها

وباتَ مُستبشراً بالطفلِ قال به*** لنا من النِعَمِ الزَهراء ضافيها

علّق الناظم المؤرّخ على هذا المورد من قصيدته بقوله:

‘كانت ولادة سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين في العام الثلاثين لولادة المصطفى- عليهما وعلى آلهما الصلاة والسلام على ما حقّق المحقّقون، فتكون ولادته الشريفة حول سنة ستة مائة وواحد مسيحيّة، ومن بشائر سعده- عليه صلوات اللَّه- أ نّه وُلِدَ في الكعبة كرّمها اللَّه، ولدته اُمّه فيها، فاستبشر بذلك أبوه وعمومته.

وعند ولادته الشريفة دعته اُمّه: ‘حيدرة’ ومعنى هذه الكلمة: ‘الأسد’ فكأ نّها أرادت أن تسمّيه باسم أبيها، فلمّا وقعَ نظرُ أبيه أبي طالب عليه توسّم بملامحه العلاء، ودعاه ‘علياً’.

وقد صدّقت الأيام فراسته، فكان عليه صلوات اللَّه ‘عليّاً’ في الدنيا والآخرة.

وعام ولد سيّدنا أمير المؤمنين- عليه صلوات اللَّه- هو العام المبارك الذي بدى ء فيه برسول اللَّه صلى الله عليه و آله فأخذ يسمعُ الهُتاف من الأحجار والأشجار، ومن السماء، وكشف عن بصره فشاهد أنواراً وأشخاصاً.

وفي هذا العام ابتدأ بالتبتّل والانقطاع والعزلة في جبل حِراء.

وكان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يتيمّنُ بذلك العام، وبولادة سيّدنا عليّ- عليهما وعلى آلهما الصلاة والسلام- وكان يسمّيه: ‘سنة الخير، وسنة البركة’.

وقال المصطفى صلى الله عليه و آله لأهله عندما بلغته بشرى ولادة المرتضى: ‘لقد وُلِدَ لنا الليلة مولودٌ، يفتحُ اللَّه علينا به أبواباً كثيرةً من النعمة والرحمة’.

وكان قوله هذا أوّل نُبوّته، فإنّ المرتضى- عليه صلوات اللَّه- كان ناصره، والحامي عنه، وكاشف الغمّاء عن وجهه، وبسيفه ثبت الإسلامُ، ورسخت دعائمُه وتمهّدت قواعدُه’ (53)

وفي الرسالة الموضوعة لتأريخ مواليد أئمّة الدين عليهم السلام ووفياتهم، تأليف العلّامة الأوحد السيد محمّد الطباطبائي، جدّ آية اللَّه بحر العلوم: أ نّه عليه السلام ‘وُلِدَ بمكّة في جوف الكعبة، ولم يولد قبله ولا بعده أحدٌ فيه سواه، إكراماً له من اللَّه جلّ اسمه بذلك، في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر بجب الأصم، على ما نقله جلّ أهل التاريخ بل كلّهم…’.

وفي الجدول الذي عمله السيّد الأجلّ أبو جعفر، محمّد بن أمير الحاج الحسينيّ في شرح قصيدة الأمير أبي فراس الحمداني، تعيين يوم ولادته بالجمعة، وشهرها بالثالث عشر من رجب، وعامها بالثلاثين من واقعة الفيل، ومحلّها بالكعبة (54)

وقال الكفعميّ في جنّته المعروف ب “المصباح” الذي أ لّفه سنة “895 ه” عند ذكر شهر رجب: ‘وفي ثالث عَشَر، يوم الجمعة، وُلِدَ عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الكعبة، قبل النبوّة باثنتي عشرة سنة، وللنبيّ صلى الله عليه و آله ثمانٍ وعشرون سنة’ (55)

وفي الجدول الذي عقده شيخ الإسلام، ميرزا حسن الزنوزيّ نزيل “خُوي” على العهد الدنيلي، لمواليد الأئمة عليهم السلام ووفياتهم في كتابه “بحر العلوم”: ‘أنّ ولادته عليه السلام الكعبة’.

وعرفت في باب إثبات شهرة الحديث نقله عن كتاب “الدر المسلوك في أحوال الأنبياء والأوصياء والملوك” للشيخ أحمد بن الحسن الحرّ العاملي، فراجع (56)

ووجدناه مرسلاً إرسال المسلّم في كتاب “حياة عليّ بن أبي طالب عليه السلام” لبعض خريجي كلية باريس.

وفي “تجارب السلف في تواريخ الخلفاء ووزرائهم” تأليف هندو شاه بن عبد اللَّه الصاحبيّ النخجواني، الذي فرغ منه سنة “724 ه”: ‘أنّ علياً عليه السلام ولد في الكعبة، وكان المصطفى صلى الله عليه و آله ابن ثلاثين، ولمّا ولد عليّ عليه السلام سمّته اُمّه “حيدرة” وحيدرة اسم الأسد، وسمّاه النبيّ صلى الله عليه و آله عليّاً، وكنّاه بأبي تراب’ (57)

مترجماً عن الفارسية.

وقال الحلبيّ في سيرته “إنسان العيون”: ‘إنّه عليه السلام وُلِدَ في الكعبة، وعمره- يعني عمر النبيّ صلى الله عليه و آله- ثلاثون سنة’.

ثمّ قال: ‘وقيل: الذي وُلِدَ في الكعبة حكيم بن حزام، قال بعضهم: لا مانع من ولادة كلهيما في الكعبة.

لكن في “النور” حكيم بن حزام ولد في الكعبة، ولا يعرف ذلك لغيره، وأ مّا ما روي أنّ علياً عليه السلام ولد فيها، فضعيف عند العلماء’ (58)

وأنت تجد من سياق العبارة أنّ المعتمد عند الرجل هو ولادة الإمام عليه السلام في الكعبة، ولذل ذكرها أوّلاً مرسلاً إيّاها إرسال المسلّم، ثمّ عزا ولادة حكيم بن حزام فيها إلى القيل إيعازاً إلى وهنه.

ولذلك أردفه بجواب البعض عنه.

لكنّه وجد لصاحب “النور” كلمةً لم يرقه الإغضاء عنها بما هو مؤرّخ أخذ على عاتقه إثبات المقول في كلّ باب، وإذ لم يجد جواباً عنها لغيره لم يشفعها به.

واكتفى هو بما ذكرناه من اعتماده على حديث الولادة عن أن يردّ كلمة الرجل، لأ نّه مؤرّخ لا مُنقّب.

وأمّا صاحب “النور” فيكفيك في تفنيد مزعمته ما تقف عليه في هذه الرسالة من نصوص علماء أهل السنة في ذلك، ورواياتهم.

وقد عرفت نصّ الحاكم والمحدّث الدهلويّ بتواتر حديثه، وقول الآلوسيّ: ‘إنّه أمرٌ مشهورٌ في الدنيا’.

وأيّ عالم يردّ المتواتر، أو يعدوه أمرٌ مشهورٌ ثبوتُه في الدنيا فيضعّفه حتّى يقول الرجل بمل ء فيه: ‘إنّه ضعيف عند العلماء’.

وإن تعجب فعجبٌ إثباته ولادة حكيم التي لم يستقم إسنادها، ولا اعترف بها مخالفوه وأُمم من موافقيه.

وعلى فرض وقوعها فقد ذكرنا في غير مورد من هذه الرسالة وذكر الصفوريّ الشافعيّ: أ نّها من الصدف التي تثبت فضيلةً ولا تخرق عادةً.

ثمّ تضعيفه ولادة أمير المؤمنين التي أخبت بها أئمّةُ الحديث، وأثبتها نَقَلَةُ التاريخ، وطفحت بها كتبُ الأنساب، ونظّمتها الشعراءُ، وقال بها العلماءُ، وفيهم مَن ينفي أن يكون لغيره- صلوات اللَّه عليه- مولد في البيت؟

فقد مرّ عن الحاكم قوله: ‘ولم يولَد قبله ولا بعده مولودٌ في بيت اللَّه الحرام سواه’، هذا مع روايته حديث حكيم بن حزام.

لكنّه بما هو محدّث أخذ على عاتقه إثبات المرويّات.

والإخبات بمفاده أمرٌ آخر تكشف عن عدمه كلمته هذه.

ويأتي عن البدخشيّ قوله: ‘ولم يولَد في البيت أحدٌ سواه، قبله ولا بعده، وهي فضيلةٌ خصّه اللَّه بها’.

ثمّ ذكر عن بعضهم رواية قصّة حكيم، فقال: ‘واللَّه أعلم’ مُشعراً بوهنه.

وعرفت عن أبي داود البناكتي أنه: ‘لم يحظَ أحدٌ قبلَ الإمام عليه السلام ولا بعده بشرف الولادة في البيت’ (59)

ويشبه هذه كلّها كلمة ابن الصبّاغ المالكيّ السابقة: ‘ولم يولَد في البيت الحرام قبله أحدٌ سواه، وهي فضيلةٌ خصّه اللَّهُ تعالى بها إجلالاً له، وإعلاءً لمرتبته، وإظهار لتكرمُتَه’.

وبمطلع الأكمة منك قول الدهلوي في “سِيَر الخلفاء” أ نّه: ‘لم يتولّد أحدٌ قبله في حصار البيت’.

ولعلّ قيد ذاكرتك كلمة أبي الثناء الآلوسيّ في أوليات هذه الرسالة: ‘ولم يشتهر وضعُ غيره كرّم اللَّه وجهه، كما اشتهر وضعه’.

يوعز إلى وهن ذلك الحديث، وانحياز الشهرة عنه.

وقبيله قول المحدّث الدهلويّ في “إزالة الخفاء”: ‘ولم يولد فيها أحدٌ سواه قبله ولا بعده’.

إلى غير هؤلاء من مهرة الفنّ، وأئمّة النقل، وأصفقَ معهم علماء الشيعة كافّة.

وقد أوقفناكَ على كلمات زُرافات منهم.

فلو كان يقام لولادة حكيم في البيت وزنٌ عندَ هؤلاء لما أطلقوا القول بمل ء الأفواه أنّ تلك خاصّة لأمير المؤمنين عليه السلام لا يشاركه فيها أحدٌ، مع وقوفهم على أمر حكيم، وفيهم من أورده في كتابه لكنّه غير آبِهٍ به.

ويقربُ من هذه الهملجة ما جاء به الديار بكري في “تاريخ الخميس” قال: ‘وُلِدَ بمكّة بعدَ عام الفيل بسبع سنين، ويقال: كانت ولادته في داخل الكعبة، ولم يثبت’ (60)

ليت شعري، بماذا تثبت الحقائقُ التاريخية؟

أبالوحي؟ أم بأخبار الأنبياء؟ وهتاف الكتب السماوية؟

أم أنّ المرجع فيها الرجل والرجلان من النَقَلة والرواة؟

وهل التزم الديار بكريّ في كتابه بأكثر من هذا؟

فما بال هذه الحقيقة التي هَتَفَت بها المئاتُ والأُلوفُ، وأثبتتها طبقاتُ الناس جيلاً بعد جيل، لم تثبت عنده؟

وثبتت لديه هَفوات التاريخ، التي لو أحصيتها لخرجت عن وضع الرسالة؟

ثمّ ما بال الديار بكري يعتمد على شواهد النبوّة كلّما نقل عنه، ولا يرتضيه في خصوص المقام؟

ثمّ ما باله يغضّ الطرفَ عن غلطه الشائن من أنّ ولادته عليه السلام كانت بعدَ عام الفيل بسبع سنين، لكنّه يردّ حديث ولادة البيت بعدم الثبوت؟ أنا أدري لماذا؟

وأنت تدري. وقبلنا الديار بكريّ يدري.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

34 ـ روضة الصفا، الجزء الثاني.

35 ـ تقدّمت ترجمته: 39.

36 ـ مروج الذهب 349:2.

37 ـ إثبات الوصية: 111، وقد مضى نصّ ما أثبته من الحديث في الصفحة:… من هذه المجموعة.

38 ـ حذلق: ادعى أكثر ممّا عنده. تاج العروس- حذلق- 311:6.

39 ـ كسرى أبرويز بن هرمز بن انوشروان، بُعث رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لعشرين سنة مضت من ملكه. انظر الكامل في التاريخ 491:1-496 و 46:2.

40 ـ تاريخ گزيده “فارسي”: 192.

41 ـ مطالب السؤول: 11.

42 ـ مرآة الكائنات 383:1.

43 ـ سير الخلفاء 2: 8.

44 ـ تاريخ قم: 191.

45 ـ كتاب الحسين عليه السلام 16:1، وإرشاد المفيد: 9، وشرح عينية عبد الباقي “للألوسي”: 15.

46 ـ تاريخ نگارستان: 10. وانظر بشأنه كشف الظنون 1976:2، والذريعة 308:24.

47 ـ الظاهر بثلاث وعشرين سنة.

48 ـ روضة الصفا، الجزء العاشر، وكتاب جاماسب: 51.

49 ـ بستان السياحة: 540، ط. 2.

50 ـ روضة الشهداء: 146.

51 ـ مجلّة العمران: 62- 61.

52 ـ شام: تطلع. انظر لسان العرب- شيم- 329:12.

53 ـ القصيدة العلوية: 61، وهذه القصيدة تشتمل على 5595 بيتاً، انظر الذريعة 120:17، والأعلام “للزركلي” 297:4.

54 ـ شرح الشافية: 15.

55 ـ مصباح الكفعمي: 512.

56 ـ تقدّم في الصفحة:…

57 ـ تجارب السلف: 37، ط. طهران، سنة “1313 ش”.

58 ـ إنسان العيون 165:1.

59 ـ تقدم في الصفحة:….

60 ـ تاريخ الخميس 307:2.

حديث الولادة والشعراء

حديث الولادة والشعراء :

عرفت أنّ الحديث الشريف بلغَ من الشهرة والثبوت بحيثُ لا يسعُ أيَّ مُعنت إنكاره.

ولذلك احتجّ به فريقٌ كبيرٌ من المحقّقين في كتب الإمامة، وأرسله إرسال المسلّمات جموعٌ من نياقد فنّ الحديث في باب الفضائل، وتبجّحَ به زرافاتٌ من حَمَلةِ العلم ونقّاده في مؤلّفاتهم.

وهنالك لفيفٌ لا يستهان بعدّتهم، ولا يغمزُ في شي ئ من تثبّتهم وضبطهم من صيارفة القول، وصاغة القريض، وزُبناء الشعر، بين عالمٍ ضليعٍ، وأديبٍ بارعٍ، وشاعرٍ مبدعٍ، تصدّوا لإثبات هذه الفضيلة فيما أفرغوه في بوتقة النظم، أو حاكوه على نول الحقيقة.

فسار ذكرها مع الرُّكبان، وانتشر نشرها مع مهبّ الريح، كما مرّ عن الحميريّ، والسّرخسي، والشفهينيّ، والحرّ العاملي، والأفنوني، وغيرهم.

وإليك ذكر آخرين منهم، وهم كما وصفناه لك من المكانة الراسية من العلم والأدب:

قال العلّامة الكبير الورع الشيخ، حسين نجف، المتوفى “1252 ه” من قصيدة ع لويّة مثبّتة في ديوانه المخطوط:

جعلَ اللَّهُ بيتَه لعليٍّ*** مَوْلِداً يا لَه عُلاً لا يضاهى

لم يشاركهُ في الوِلادة فيهِ*** سيّدُ الرسل لا ولا أنبياها

علمَ اللَّهُ شوقَها لعليٍّ*** علمه بالذي بهِ مَن هَواها

إذ تمنّت لقاءَهُ وتمنّى*** فأراها حبيبَهُ ورآها

ما ادّعى مدّعٍ لذلكَ كلّا*** مَن ترى في الورى يرومُ ادّعاها؟

فاكتست مكّةٌ بذاك افتخاراً*** وكذا المشعران بعدَ مِناها

بل بهِ الأرضُ قد علت إذ حوتْهُ*** فغدت أرضُها مَطافَ سماها

أو ما تنظرُ الكواكبُ ليلاً*** ونهاراً تطوفُ حولَ حِماها؟

وإلى الحشر في الطواف عليهِ*** وبذاكَ الطواف دامَ بقاها (1)

وللمولى محمّد مسيح المعروف ب “مسيحا” الفَسويّ الشيرازيّ، المتوفى سنة “1127 ه” من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين عليه السلام:

ما كان ربّاً ولكن ليسَ من بشرٍ*** وليسَ يشغلُهُ شأنٌ عن الشانِ

هو الذي كان بيتُ اللَّه مَوْلِدُهُ*** فطهّرَ البيتَ من أرجاس أوثانِ

هو الذي من رسول اللَّه كانَ لَهُ*** مقامُ هارونَ من موسى بن عمرانِ

هو الذي صار عرشُ الربّ ذا شَنَفٍ (2)*** إذ صارَ قُرطيه ابناهُ الكريمانِ (3)

وهو من أعاظم علماء الشيعة، جمع المعقول والمنقول، من تلمذة المحقّق الخوانساري، ترجمه وأثنى عليه الشيخ عليّ الحزين في “تذكرته” والميرزا محمد عليّ الهندي في “نجوم السماء” والعلّامة الأميني المعاصر في “الغدير في الكتاب والسنّة والأدب”.

وللعلّامة المدرّس السيّد نصر اللَّه الحائري الشهيد سنة “1154 ه” من قصيدة علوية ما نصّه:

مَن شُرِّفَ البيتُ بميلادهِ*** وحِجرُهُ والحَجَرُ الأنورُ

وقد صفا عيشُ الصفافيه والـ*** ـمَرْوة أضحت بالهنا تحظرُ (4)

والرجل من أعاظم علماء الشيعة، له في المعاجم تراجم ضافية الذيول، وثناء بليغ، وتجد ترجمته المبسوطة في كتابه “شهداء الفضيلة” للعلّامة المعاصر الأميني.

وقال حامل لواء الفضيلة والشرف الشريف الرضيّ، محمد بن فلاح الكاظمي في قصيدته الكراكرية المربية على أربعمائة بيت، المقرَّظة من ثمانية عشر رجلاً من علماء عصره وأُدبائه، نظماً ونثراً:

ولدتهُ فاطمةٌ ببيت اللَّه يا*** طُوبى لطاهرةٍ أنت بِمُطهَّرِ

ونشا بِحِجْرِ المصطفى طفلاً فأد*** دَبَهُ بآدابِ العليِّ الأكبرِ

لولاهُ ما طافَ الحجيجُ به وذا*** ك الهَدي لولا سيفُهُ لم يُنْحَرِ

قد كان أوّل طائفٍ فيهِ ومُع*** تَكِفٍ بهِ ومحلّقٍ ومُقَصِّرِ

عقمت فلم تلد الحرائرُ مِثْلَهُ*** بل قد عَقَمْنَ فلم يَلِدنَ كقَنْبَرِ

وقال الشاعر المفلق ميرزا عباس الدامغاني المتخلص “بنشاط” الهزارجريبي الدامغاني، المتوفى سنة “1262 ه”:

اى زاده تو در ميان كعبه*** از مادر پاك جان كعبه

اى كعبه شَرف گرفته از تو*** نه تو شَرف از ميان كعبه

اى بنده خانه زاد ايزد*** وى خاجه بندگان كعبه

اى قدوه خاندان طه*** اى نخبه دودمان كعبه

اى از شَرف ولادتِ تو*** طوقى كه بر آستان كعبه

وقال البارع المفضال الشيخ حسين بن محمّد بن علي بن محمد التقيّ بن بهاء الدين الفتوني الهمداني الآملي الحائري في اُرجوزته المسماة ب “الدوحة المهديّة” في تواريخ أئمة الهدى عليهم السلام، وفرغ منها سنة “1278 ه” وعن خطّه نقلتُ:

وفي ضُحى الجمعة قد تولّدا*** مُطهّراً مُكرّماً مُسدّداً

وكن ذا في كعبة الرحمنِ*** لسبعةٍ خلونَ من شعبانِ

وقد روي أنّ الإمامَ المنتَجب*** مولدُه ثالث عشرٍ من رجَب

وقيل في الثامن منه وُلِدا*** وذا ضعيفٌ لم يكن معتمدا

وقد رووا في رمضان مولدُه*** في نصفه وكان يروى سندُه

مولدُه بعد ثلاثين سنه*** من مولد النبيّ يقفو سُننه

وللعلّامة السيد محمد تقي القزويني، من علماء عصر شيخ الطائفة الإمام الأنصاري من “اُرجوزة” له، قوله:

بعدَ النبيّ سيّدِ الموالي*** بنصّه هو العَليُّ العالي

هو الذي مولده البيتُ وفي*** حِجر النبيّ المصطفى قد اصطُفي

ولسيد فلاسفة الاسلام السيّد محمد باقر بن محمد الحسيني الاسترآبادي الشهير “بالداماد” المتوفى سنة “1041 ه” أبيات فارسية، ضمنها قصة الميلاد الشريف بكل صراحة، منها قوله:

در مرحله علىّ نه چون است و نه چند*** در خانه حقّ زاده بجانش سوگند

بى فرزندى كه خانه زادى دارد*** شك نيست كه باشدش بجاى فرزند

وله قدس سره:

در كعبه “قُل تَعالَوا” از مام كه زاد؟

از بازوى “باب حِطّه” خيبر كه گشاد؟

بر ناقه “لا يؤدّي عنّي” كه نشست؟

بر دوش نبى پاى گرامى كه نهاد؟

وقال الشاعر الفارسي المفلق محمد اليزدي الملقّب في شعره “بجيحون” والمتوفى حدود سنة “1318 ه”:

از كنز نهائى كنون كعبه مشرّف*** كز اوست عيان سرّ “فأحببَتُ أن أعرف”

زين كنز خفى طنز جلى زد بفلك أرض*** كش خاك بشد پاك چو افلاك مشرّف

ذرّات بكرّات چو أفواج كه از حاج*** بستند و گشادند بى طوف حرم صَف

عقل آمد و “لبيّك” زنان حلقه بدر زد*** تا چون بود احباب ورا باز مكلّف

شاهِ همه او بود چون او پرده بر افكند*** هر ذرّه برش بنده صفت گشت موقّف

وقال الشاعر الفارسي المجيد المولى رضا ابن المولى محمد الرضتي الملقب في شعره “بمحزون” في مثنويٍّ له:

باز خواهم درفشانى سر كنم*** ياد از شير خدا حيدر كُنم

چون خداوند رحيمش ياد شد*** كعبه يكجا مطلع الأنوار شد

از كريم لا يزالى شد كرم*** مادرش آورد بيرون از حرم

در بغل آن كعبه مقصود را*** برد سوى خانه آن مولود را

وقال الحاج محمد خان الفارسي الملقب في شعره “بدشتي” من اُمراء العهد النصاري، المتولد سنة “1246 ه” في ديوانه المطبوع، من بائية علوية سمّاها ‘فصل الخطاب’:

كعبه مى بايد كه مُحرِم آيد اندر اين حرم*** با سر و پاى برهنه گشته عريان از ثياب

صاحب اين خانه در آن خانه خود خانه خدا است*** كان بنا از بهر مولودش خدا كرد انتخاب

ولعلّامة فِهر ونابغة مُضَر الحجة الظاهرة والآية الباهرد الحاج ميرزا إسماعيل، ابن عمّ الإمام المجدّد الشيرازي الأمير السيّد رضي قدّست أسرارهم، المتوفّى سنة “1305 ه” موشّحةٌ في مولد الإمام عليه السلام، يروقني إيرادها هاهنا، وهي من القصائد السائرة، قال:

رغدَ العيشُ فزدهُ رَغدا*** بسلافٍ منك تُشفي سَقَمي

طرَ الصبُّ على وصل الحبيب*** وهَنا العيشُ على بُعد الرقيب

وفنى من أكؤس الراح النصيب*** واسقنيها توأماً لا مفردا

فالهَنَا كلّ الهَنا في التوأمِ

آتني الصَهباء ناراً ذائبه***كلّلتها قَبستاتٌ لاهبه

واسقنيها والندامى قاطبه***فلعمري إنّها ريّ الصدا

لفؤادٍ بالتصابي مُضرَمِ

ما اُحَيلي الراح من كفّ المِلاح*** هي روحٌ هي روحٌ هي راح

فأدِرها في غُدوٍّ ورواح*** كذُكاء تتجلّى صَرْخَدا (5)

رصّعتها حببٌ كالأنجمِ

حبّذا آناء أُنسٍ أقبلت***أدركت نفسي بها ما أمّلت

وضعت اُمّ العُلا ما حملتطاب أصلاً وتعالى مَحتدا

مالكاً ثقل ولاء الاُممِ

آنست نفسي من الكعبة نور*** مثلما آنسَ موسى نارَ طور

يوم غشّى الملأ الأعلى سرور*** قرعَ السمعَ نداءُ كَنِدا

شاطى ء الوادي طُوى من حَرَمِ

وَلَدَت شمسُ الضحى بدرَ التمام*** فانجلت عنّا دياجيرُ الظلام

نادِ يا بُشراكمُ هذا غلام*** وجههُ فِلْقَةُ بدرٍ يُهتدى

بِسَنا أنواره في الظلمِ

كُشف السترُ عن الحقِّ المبين*** وتجلّى وجهُ ربِّ العالمين

وبدا مصباحُ مشكاة اليقين*** وبدت مشرقةً شمسُ الهدى

فانجلى ليلُ الظلام (6)المظلمِ

نُسخ التأبيد من نفي ترى*** فأرانا وجهه ربُّ الورى

ليتَ موسى كان فينا فيرى*** ما تمنّاهُ بطورٍ مُجهَدا

فانثنى عنه بِكَفّي مُعدمِ

هل درت اُمُّ العُلا ما وضعت*** أم درت ثديُ الهدى ما أرضعت؟

أم درت كفُّ النُّهى ما رفعت*** أم درى ربُّ الحِجَا ما ولدا؟

جلَّ معناهُ فلمّا يُعلمِ

سيّدٌ فاقَ عُلاً كلَّ الأنام*** كان إذ لا كائنٌ وهوَ إمام

شرَّفَ اللَّهُ به البيتَ الحرام*** حينَ أضحى لعُلاهُ مَولِدا

فوطا تربتَهُ بالقدمِ

إن يكن يُجعلُ للَّهِ البنون*** وتعالى اللَّهُ عمّا يصفُون

فوليدُ البيت أحرى أن يكون*** لوليّ البيتِ حقّاً وَلَدا

لا عُزَيرٌ لا ولا ابنُ مريم

هو بعدَ المصطفى خيرُ الورى*** من ذُرى العرش إلى تحت الثَّرى

قد كست علياؤُه اُمَّ القُرى*** عزّةً تحمي حماها أبدا

حيثُ لا يدنوهُ من لم يُحرِم

سبقَ الكونَ جميعاً في الوجود*** وطوى عالَمَ غيبٍ وشُهود

كلّما في الكون من يُمناه جُود*** إذ هُوَ الكائنُ للَّه يدا

ويدُ اللَّه مدرُّ الأنعمُ

سيّدٌ حازت به الفضلَ مُضَر*** بِفخارٍ قد سما كلّ البَشَر

وجههُ في فلك العَليا قَمَر*** فبه لا بالنجومِ يُهتدى

نحو مغناه لنيل المَغنَم

هو بَدْرٌ وذراريه بُدُور*** عقمت عن مثلهم اُمُّ الدُهور

كعبةُ الوفّادِ في كلّ الشُهور*** فازَ من نحوَ فَناها وَفَدا

بمطافٍ منه أم مستَلَم

ورثوا العَلياءَ قِدماً من قُصَي*** ونزارٍ ثمَّ فِهرٍ ولُؤَي

لا يبارى حَيُّهم قَطُّ بِحَي*** وهُمُ أزكى البرايا مَحتدا

وإليهم كلُّ فَخرٍ ينتمي

أيّها المُرجَى لقاهُ في الممات*** كلُّ مَوتٍ فيه لُقياك حَياة

ليتَما عجّلَ بي ما هُو آت*** علّني ألقى حَياتي في الرّدى

فائزاً منه بأوفى النِعَمِ (7)

وقال علّامة المجاهدين سيّدنا الحجّة الحاج السيد المصطفى بن الحسين الكاشاني النجفي، دفين الكاظمية، المتوفى سنة “1336 ه” المترجم في “نقباء البشر” و “العذب النمير” وغيرهما، من قصيدة علويّة:

أنتَ شرّفتَ زمزماً والمصلّى*** بل وركنَ الحطيم والمستجارا

حازت الكعبة التي خارها اللـ*** ـهُ بِميلادك السعيدِ فَخارا

ولباقعة (8) الفضل والأدب، ميرزا محمد تقي التبريزي الشهير بحجّة الإسلام والملقّب في شعره “بنيّر” صاحب كتاب “صحيفة الأبرار” وغيره، المتوفّى سنة “1312 ه” من لامية علويّة:

سر حنانيك في البلاد وباحث*** عن بُطون الكرام جيلاً فجيلا

فانظرن هل ترى لتيمِ بن مرّ*** أو عديٍّ يا سعدُ فيها محلّا

لا ومَن شقّ جانبَ البيت حتّى*** دخلت فيه اُمّهُ وهي حُبلى

فتخلّت عن أسجحٍ هاشميٍّ*** بُوركت حامِلاً وبُورك حَملا

وسما غارب النبيّ فنحّى*** عنهُ أصنامَهم وحَسبُكَ نُبلاً (9)

وفي الصفحة 196 من الديوان المذكور:

اى آنكه حريم كعبه كاشانه تو است*** بطحا صَدَفِ گوهر يكدانه تو است

گر مولد تو بكعبه آمد چه عجب*** اى نجل خليل خانه خود خانه اوست

وإلى قوله: ‘لا ومن شق…’ ألمحتُ بقولي من رائية علويّة عند تعداد معاجزه صلوات اللَّه عليه:

من البيت الحرام شَقَقتَ حملاً*** لاُمّك يومَ مولدكَ الجدارا

فحلَّت فاطمٌ منهُ مَقاماً*** لصِنو محمّد تَخِذَتهُ دارا (10)

وإلى معنى شعره الفارسي السابق أُوعز بقولي من مقطوعة في أهل البيت عليهم السلام:

وليس ولادهُ في البيت بِدعاً*** فإبراهيمُ شادَ له دِعامَهُ

وهذا البيتُ بيتُ أبيهِ قدماً*** وفاطمةٌ به وضعت غُلامَه

ولنابغة طبرستان الشيخ محمد الصالح، المتولّد سنة “1297 ه” صاحب المؤلفات الجمّة في المعقول والمنقول، وديوانه العربيّ والفارسيّ، من علويّة:

بالبيتِ قد وضعتهُ فاطمةٌ*** رفعاً له قد شُرِّفت وضعا

للَّهِ أُمٌّ أرضعت أسداً*** رضعَ النبيّ علومَه رضعا

تاللَّهِ لو كُشِفَ الغِطاء رأت*** نوراً ومُلتقماً لها ضرعا

وقال المولى اهلي الشيرازي المتوفّى سنة “942 ه” بشيراز، من علوية تحتوي “136” بيتاً، منها قوله:

كاشف علم اللَّه آن گيتى نماى “لو كُشِف”*** ديده را از هر دو كون از ديده “علم اليقين”

كعبه زان شد سجده گاه انبياء واولياء*** كامد آنجا در وجود آن كعبه ارباب دين

وقال المولى كاتبي المترجم في “مجالس المؤمنين” للقاضي التستري قدس سره، من علوية مستهلها:

بچشمِ عقلِ اقاليمِ سبعه گنجِ زر است*** ولى چه از مگرى اژدهاى هفت سر است

ومنها:

زبالِ او طيران يافت جعفر طيّار*** كه همچو طايرِ قدسش هزار زير پر است

بدامن “حَجَر الأسود” است مولدِ او*** چه جوهر است ندانم؟ كه مولدش حَجَر است

ولسراج الدين، محمد بن الحسن بن عيش القرشيّ التيميّ العدويّ الأموي اليماني الدرشن خاني، ويعرف بالشيخ “فدا حسين” الهندي، من قصيدته العلوية البالغة “1411” بيتاً، المسماة “بالنفحة القدسية”:

ولِدت في البيتِ والأيّام مظلمةٌ*** والجوُّ منكدرُ الآفاقِ من ضَلَلِ

فكنتَ كالشمسِ في إبّان مطلعها*** بقائم اليوم زادَ الشمس في طَفَل (11)

وفي موضع آخر منها في تقريب: أن “أندر” إله الهنود مصحّف “حيدر”، وأ نّه المذكور في “الويدات واليرانات” قال:

فكلّ ذاك صفات “الأندر” عندهم*** وكلّ ذاك صفاتٌ للوصيّ عليّ

قتلتَ من قبل ثُعباناً بمهدك إذ*** وُلِدتَ في عُقر بيت الواحد الجَلَلِ (12)

وقال الفاضل الأديب الشيخ محمود عباس العامليّ، في قصيدته العلوية الكبيرة المسماة ب “الدرر السنيّة” المطبوعة المخمّسة:

فو حقِّ آيات الكتاب المنزَلِ*** ومكوّن الأكوانِ ذي المجدِ العَلي

وبحقّ هادينا النبيّ المرسَل*** ما حازَ كلَّ المكرمات سوى عَليّ

وسواهُ لا عينٌ لديه ولا أثر

مَن مثلهُ في بيت بارئه وُلِد*** ذو خصلةٍ قد خُصّ فيها مُذ وُجِد

أمعِن بها- يا صاحِ- فكراً واعتمد*** وانظر لها النَظَرُ الصحيحَ ولا تَحِد

من واضح المنهاج وقيت الضرر

وقال باقعة العلم والأدب العلّا السيد رضا ابن العلامة الحجة السيد محمد الهندي النجفي، المتوفى سنة “1362 ه”:

لما دعاك اللَّهُ قدماً لأن*** تولَدَ في البيتِ فلبّيته

شكرتَه (13)بينَ قريشٍ بأن*** طهّرتَ من أصنامهم بَيته (14)

وهناك بيت فارسي قديم استشهد به كثير من العلماء والمؤرّخين، ومن ذلك ما وجدته في مقالٍ كتبه بعض علمائنا جواباً عمّا كتبه إليه بعض أهل السنة.

قال بعد الحمد ما لفظه: ‘والصلاة والسلام على أشرف الأنام الذي حملَ علياً عليه السلام لكسر الأصنام في بيت اللَّه الحرام، الذي شُرِّفَ لكونه مولداً له عليه السلام:

طوافِ خانه كعبه از آن شُد بر همه واجب*** كه آنجا در وجود آمد عليُّ بن أبي طالب’ (15)

وذكره المؤرّخ الحاج زين العابدين الشرواني في “بستان السياحة” والقاضي الشهيد السعيد نور اللَّه التستري، في “إحقاق الحق” وغيرهما إلى العارف، لطف اللَّه النيسابوري، وذكره أيضاً صاحب “مناقب المعصومين”.

وللمولى الروحيّ العارف الشهير صاحب “المثنويّ” المتوفّى سنة “672 ه” من قصيدة يذكر فيها الأئمة عليهم السلام:

اى شحنه دشتِ نجف از تو نجف ديده شَرَف*** تو درّى و كعبه صَدَف ستان ملامت ميكشد

ويلمح إليه قول الجامي عبد الرحمان المتوفّى سنة “898 ه”:

بسوى كعبه رود شيخ و من بسوى نجف*** بحقّ كعبه كه آنجا مراست حقّ بطرف

تفاوتى كه ميان من است و او اينست*** كه مَن بسوى گُهر رفتم او بسوىِ صَدَف

وللعلّامة المعاصر السيد عليّ نقي النقويّ الهندي اللكهنوي، موشحة ميلادية يهنى ء بها آية اللَّه السيد ميرزا عليّ آقا الشيرازي قدس سره، بعد صرح الإمام عليه السلام، وذكر مولده الشريف، نزين بها صفحات هذه الرسالة:

مَن بدا فازدهرَ البيتُ الحرام*** وزَهَت منهُ ليالي رَجَب؟

طَرِبَ الكونُ لِبشرٍ وهَنَا*** إذ بدا الفخرُ بنورٍ وَسَنا

وأتى الوحيُ يُنادي مُعلِنا*** قد أتاكُم حجّةُ اللَّه الإمام

وأبو الغُرِّ الهداةِ النّجبِ

خصّهُ الرحمنُ بالفضل الصراح*** ومزايا أشرقَت غُرّاً وضاح

وسما منزلُهُ هامَ الضراح*** فغدا مولدُهُ خيرَ مقام

طأطأت فيه رؤوسُ الشُهُبِ

إنّهُ أوّلُ بيتٍ وُضِعَا*** للورى طُراً فأضحَوا خُضَّعا

وعلى الحاضِرِ والبادي معا*** حجَّةٌ أصبحَ فرضاً ولزام

طاعةٌ تتبعُ أقصى القُرَبِ

وهو في القبلةِ في كلّ صلاة*** وملاذ تُرتَجى فيه النجاة

وقد استخلَصَهُ اللَّهُ حماة*** فلئن يأتِ إليه مستهام

في مُلِم داعياً يَستَجب

تلكمُ فاطمةٌ بنتُ أسد*** أمّت البيت بكَربٍ وكَمَد

ودعت خالقَها الباري الصمد*** بحشاً فيه من الوَجدِ الضرام

قد علتهُ قبساتُ اللّهبِ

نادت اللهمَّ ربّ العالمين*** قاضيَ الحاجاتِ للمستصرخين

كاشفَ الُضّرِ مجيب السائلين*** إنّني جئتُك من دون الأنام

أبتغي عندك كشف الكربِ

بينما كانت تُناجي ربَّها*** وإلى الرحمان تشكُو كَربَها

وإذا بالبِشرِ غشّى قلبها*** من جدار البيتِ إذ لاحَ ابتسام

عن سنا ثغرٍ له ذي شَنَبِ (16)

فُتِقَ الزَهرُ أم انشقَّ القمر*** أم عمود الصُبح بالليل انفجر!

أم أضاءَ البرقُ فالكون ازدهر*** أم بدا في الأُفق خَرقٌ والتئام

فغدا برهانُ معراجِ النبيّ

أم أشارد البيتُ بالكفِّ ادخُلي*** واطمئنّي بالإلهِ المُفضِل

فهنا يُولَدُ ذو العَليا علي*** مَن بهِ يحظى حطيمي والمقام

وينال الركنُ أعلى الرُتَبِ

دخلت فاطمُ فارتدَّ الجدار*** مثلما كانَ ولم يكشف سِتار

إذ تجلّى النورُ وانجابَ الشرار*** عن سَنا بدرٍ به يَجلُوا الظلام

والورى تنجو بهِ من عطَبِ

وُلِدَ الطاهرُ ذاك ابنُ جَلا*** مَن سما العَرشَ جلالاً وعُلا

فلهُ الأملاكُ تَعنُو ذُلَلا*** وبهِ قد بَشَّرَ الرُسلُ العظام

قومهم فيما خلا من حقب

عَرِفَ اللَّه ولا أرضٌ ولا*** رُفِعَت سَبعُ طباقٍ ظُلَلا

فلذا خَرَّ سُجوداً وتَلا*** كلَّ ما جاء إلى الرُسلِ الكرام

قبله من صُحُفٍ أو كُتُبِ

إن يكُ البيتُ مطافاً للأنام*** فعليٌّ قد رَقى أعلى سنام

إذ بهِ يطَّوَفُ البيت الحرام*** وسعى الركنُ إليه لاستلام

فغدا يَهُو بهِ من طَرَبِ

لم يكن في البيتِ مَولُودٌ سِواه*** إذ تَعالى عن مَثيلٍ في عُلاه

أُوتيَ العلمَ بتَعليمِ الإله*** فغداهُ دَرَّةُ قبلَ الفِطام

يرتوي منهُ بأَهنا مَشرَبِ

صَغُرَ الكونُ على سُؤددَهِ*** وانتمى الوَحيُ إلى مَحتِدِهِ

بَشِّرَ الشيعةَ في مَولِدِهِ*** واقصدِ العلّامةَ الحَبر الهُمام (17)

منبعَ العلمِ مَناطَ الأدبِ

آيةَ اللَّهِ عليَّ المرتضى*** لم يزل للدين سَيفاً مُنتضى

حُكمُهُ جارٍ وعدلٌ ما قضى*** يُرشِدُ الناسَ إلى دارِ السلام

كلّهم من عَجَمٍ أو عَرَبٍ

سيّدَ الأُسرةِ والنَّدبَ الشريف*** لَم يزل حاميةَ الدينِ الحَنيف

جاهداً في نصرةِ الدينِ المُنيف*** شيَّدَ العلمَ على أقوى دِعام

وهدى الناسَ لِنَهجِ المذَهبِ

إنّ للوُفّادِ في مغنى حِماه*** بيتَ قدسٍ يقصدُ النائي فَناه

ابتغاءً فيهِ مَرضاةَ الإله*** طالِباً في قُربِهِ أقصى مقام

بفؤادِ المُرتَجى المرتقب

عليمَ الأحكامِ قاموسُ الحِكَم*** لم يزل غيثُ هداهُ مُنسَجِم

وبهِ شَملُ المعالي مُنتَظِم*** دامَ في الكونِ إلى يوم القيام

بهنا بِشْرٍ وعَيشٍ مُخصِبِ (18)

ونشفع هذه القصيدة بثانية للسيّد العلّامة المذكور، ميلادية أيضاً، بارى بها قصيدة “إيليا أبي ماضي” الإلحادية المقفاة ب “لست أدري”، قال:

طَرِبَ الكونُ من البشرِ وقد عمَّ السُرور

وغدا القُمريُّ يَشدُو في ابتسامٍ للزهُور

وتهانَت ساجِعاتٍ في ذُرى الأيكِ الطُيور

لِمَ ذا البِشرُ وما هذي التهاني؟

لستُ أدري

تلعبُ الريحُ وفيها الدَوح (19)

قامَت راقصات

وبها الأوراقُ تَزهُو بالأكفِّ الصافِقات

ضارباً سَجعَ هَزارِ (20) الغصن أوتارَ الحياةِ

مِمَّ هذي الدوحُ أضحَت راقصات؟

لستُ أدري

قد كَسى وَجهَ الثَّرى من سُندُسٍ وشيُ الربيع

فتهادى مائساً في حُلَلِ الخَصبِ المَريع

وغَدا يَختالُ بالأرياشِ والشأن البَديع

قائلاً: هَل أحَدٌ يُوجدُ مثلي؟

لستُ أدري

والنسيمُ الغَضُّ قد يَهمِسُ في سَمعٍ الأُقاح

فترى باسمةَ الثغرِ نَشاطاً وارتياح

وهزيزُ الغُصنِ يُبدي شأنَ زَهوٍ ومَراح

ما الذي قالَت؟ فردّت بابتسامٍ

لستُ أدري

طَبَّقَ الأرضَ لهيباً نارُ مُحمّزرّ الشَقيق

فغدا البلبلُ مُرتاعَ الحشا خَوفَ الحَريق

صارِخاً هَل لِنَجاتي عن لَظاها من طَريق؟

هذهِ النارُ أتَتني كيفَ أُطفِي؟

لستُ أدري

أشرقَت طلعةُ نُورٍ عَمَّتِ الكونَ ضِياءا

لا أرى بَدراً على الأُفقِ ولم أُبصِر ذُكاءا

وتَفَحَّصتُ فلم أُدرِك هُناك الكَهرُباءا

فَبِماذا ضاءَ هذا الكونُ نُوراً؟

لستُ أدري

كانَ هذا الرَوضُ قبلَ اليوم رَهناً للذُّبول

ساحِباتٍ فوقَها الأرواحُ قِدماً للذّيُول

تَعصِفُ النَكباء فيها دونَ أنفاسِ البَليل

كيفَ عادَ اليومَ يَزهُو في شذاهُ؟

لستُ أدري

قُمتُ استَكشِفُ عنه سائلاً هذا وذاك؟

فرأيتُ الكُلَّ مثلي في اضطِرابٍ وارتباك

وإذا الآراء طُرّاً في اصطدامٍ واصطكاك

وأخيراً عمّها العَجزُ فقالت:

لستُ أدري

وإذا نبّهني عاطفةُ الحُبِّ الدَفين

وتظنَّنتُ وظَنُّ الألمعي عينُ اليقين

أ نّهُ م ميلادُ مولانا أمير المؤمنين

فدع الجاهلَ والقَولَ بأ نّي

لستُ أدري

لم يكن في كعبة الرحمنِ مولودٌ سواه

إذ تعالى البرايا عن مَثيلٍ في عُلاه

وتولّى ذِكرَهُ في محكم الذِكْرِ الإله

أيقول الغِرُّ فيهِ بعدَ هذا:

لستُ أدري

أقبلت فاطمةٌ حاملةً خَيرَ جَنين

جاءَ مخلوقاً بِنُورِ القُدسِ لا الماءِ المَهين

وتردّى منظر اللّاهوتِ بينَ العالَمين

كيف قد اُودعَ في جَنبٍ وصَدرِا

لستُ أدري

أقبلت تدعُو وقد جاءَ بها داءُ المَخاض

نَحوَ جِذعِ النَخلِ من ألطاف ذي اللُّطفِ المُفاض

فدعَت خالقها الباري بأحشاءٍ مِراض

كيفَ ضجّت؟ كيفَ عجّت؟ كيفَ ناحَت؟

لستُ أدري

لستُ أدري غيرَ أنَّ البيتَ قد رَدَّ الجواب

بابتسامٍ في جدار البيت أضحى منهُ باب

دخلت فانجابَ فيه القشر عن مَحض اللُّباب

إنّما أدري بهذا، غيرَ هذا

لستُ أدري

كيفَ أدري وهو سرٌّ فيهِ قد حارَ العُقول

حادثٌ في اليوم لكن لم يزل أصلَ الاُصول

مظهرٌ للَّهِ لكن لا اتّحادٌ لا حُلُول

غايةُ الإدراكِ أن أدري بأ نّي

لستُ أدري

وُلِدَ الطُّهرُ عليٌّ مَن تسامى في عُلاه

فاهتدى فيه فريقٌ وفريقٌ فيهِ تاه

ضلَّ أقوامٌ فظنّوا أ نّه حقّاً إله

أم جُنونُ العِشقِ هذا لا يُجازي؟

لستُ أدري (21)

ولشيخنا الأُستاذ علم الهداية والحجّة والآية، الحاج الشيخ محمد الحسين، الأصفهاني المتوفّى سنة “1361 ه” قصيدة ميلادية فارسيّة، على طريقة الترجيع والبند المصطلح والمطرّد في الشعر الفارسي، تكاد تكون في حدّ الإعجاز من البلاغة، أذكرها على طولها.

گوهرى را از صَدف آورده طبعم در كنار*** يا كه از خاك نجف تابنده درّى آبدار

برد از حدّ عدم تا “قاب قوسين” وجود*** رَفرَفِ طبع مرا يك غمزه زاندُلدُل سوار

شاهدِ بَزمِ ولايت شاه اقليم شُهود*** شمعِ ايوانِ هدايت نَيِّرِ گيتى مدار

صورتِ زيباى او يا طلعتِ “اللَّهُ نُور”*** معني والاي او يا سِرّ “لَم تَمسَسهُ نار”

خَطِّ دلجويش طِرازِ مُصحفِ كَونُ ومكان*** خالِ هِندُويَش مدارِ گردشِ ليلُ ونهار

پرتوى از نورِ رُويَش طُورِ سيناىِ كليم*** بنده درگاهِ گويش صَد سُليمان اقتدار

مشرقِ صُبحِ اَزل خوشيدِ عشق “لم يَزَل”*** چرخِ تا شام اَبد در زيرِ حُكمش بى قرار

دَر بَرَش پير خِرَد چون كودكى آموز گير*** بَر دَرَش “عَقلِ مجرّد” همچو پيرى خاكسار

شاهبازِ اوجِ او اذدنى بهنگام عُروج*** يكه تازِ عرصه ايجاد گاه گيرُ و دار

گوش جان بُگشا وبشنو از امين كردگار*** “لا فتى إلّا عليّ لا سيف إلّا ذو الفقار”

باز جان مى پرورد ساز پيامِ آشنا*** يا كه از طورِ غَري مى آيد آواز “أنا”

ميدمد صبحِ ازل از كوى عشقِ “لَمَ يَزَل”*** يا فُروزان شمعِ رُوىِ شاهدِ بَزمِ “دَنا”

جلوه شمعِ طريقت چشمها را خيره كرد*** يا “سنا بَرقِ” حقيقت ميزند كُوسِ فَنا

كعبه را تاجِ شرف تا اوج او ادنى رسيد*** يافت چون از مولدِ ميمون او “أقصى المنى”

قبله اهلِ يقين شد خطّه بيت الحرام*** روضه خلد برين شد ساحَت خِيفُ و مِنى

بيتِ معمور ار شَود ويران از اين حَسَرت رواست*** يا بيفتد گنبدِ دَوّار “مِن أعلى البنا”

از پىِ تعظيم خَم شُد گوئيا پشتِ فلك*** فرش را عرشِ مُعلّى گفت تبريكُ وهنا

“يا وليدَ البيتِ” غوغاى نصارى دَر مسيح*** گرچه مى زيبد ترا لكن “تعالى ربُّنا”

“مفتقر” گر ميكند با يك زبان مدحتگرى*** ميكند روح الأمين با صد نوا مدحُ وثنا

گوش جان بُگشا وبشنو از امين كردگار*** “لا فتى إلّا عليّ لا سيف إلّا ذو الفقار”

كعبه چون كوى سَبَق از سينه سينا گرفت*** پايه بَرتر از فرازِ گنبدِ مينا گرفت

خانه بى سالارُ و صاحب بود تا ميلاد شاه*** سَر بِكيوان زد چه “ربّ البيت” در وى جا گرفت

تا زِبُرجِ كعبه خُورشيدِ حقيقت جلوه كرد*** چرخ چارم سوخت از حسرت دل از دُنيا گرفت

كعبه شد چون با مقام “لي مع اللَّه” قرين*** از شرافت همسرى با بزم او ادنى گرفت

خاك بَسحا زِين عنايت آنچنان شُد سَر بلند*** رونقِ عزُّ و شرف از مسجدِ اقصى گرفت

كعبه شد تا مركز طاوسِ كلزار ازل*** تا ابد زاغ و زغن يكسر ره صحرا گرفت

خلوتِ حقّ شد زِهَر ديوُ ودَدِ ناپاك پاك*** در پناهِ اسمِ اعظم منزلُ ومأوى گرفت

خيرَ مقدَم اى هُمايون طالع برج شَرَف*** مُلكِ هستى زيبُ وفرزان طلعتِ غرّا گرفت

نغمه دستان نباشد در خور اين داستان*** شور جبريل امين در عالم بالا گرفت

گوش جان بُگشا وبشنو از امين كردگار*** “لا فتى إلّا عليّ لا سيف إلّا ذو الفقار”

گوهرى شد در درون كعبه بيرون از صَدف*** كرد “بيت اللَّه” را با آن شَرَف “بيتَ الشَرَف”

گوهرى سنگين بها رخشان شد از “بيت الحرام”*** كز ثُريّا تا ثرى را كرد كمتر از خَزَف

كعبه شد از مقدمِ اوقافِ عنقاء قِدَم*** شاهبازان طريقت در كنارش صَف بِصَف

سينه سينا مگر از هيبتش شد چاك چاك*** يا شنيد از رأفتش موسى نداى “لا تَخَف”

زاشتياقش يوسفِ صدّيق در زندان غم*** در فراقش پير كنعان نغمه سازُ واَسف

خلعتِ خِلَّت شد ارزانى بر اندام خليل*** كرد بنياد حرم چون بهر آن “نِعمَ الخَلَف”

كعبه را شد همسرى با تُربت پاكِ غري*** مبدأ اندر كعبه بود و منتهى اندر نَجف

آسمان زد كوسِ شادي دَر محيطِ “كُن فكان”*** زُهره ساز نغمه تبريك زد بى چنگ و دَف

هر دو گيتى را بشادى كرد فردوسِ برين*** نغمه روح الأمين با يك جهان شوق و شَغَف

گوش جان بُگشا وبشنو از امين كردگار*** “لا فتى إلّا عليّ لا سيف إلّا ذو الفقار”

آفتاب عالمِ لاهوت از برجِ قَدم*** كرد گيتى را چه صبح روشن از سَر تا قَدَم

كعبه شد مِشكاةِ مصباحِ جَمالِ “لَم يَزَل”*** بيت “ربّ البيت” را گرديد مَجلاي أتَم

كوكبِ درّى دَرِي بگشود از فيضِ وجود*** كز فروغش نيست جز نامِ دروغى از عَدَم

قدرت در درونِ كعبه نقشى را نگاشت*** پايه اش را برد برتَر از سَرِ لَوحُ وقَلَم

كعبه گوئى كنز مخفى بود و گوهر زاى شد*** زين شرافت تا ابد گرديد در عالم عَلَم

مكه شد “اُمُّ القرى” از مولدِ “اُمُّ الكتاب”*** قبه عرش برين زَد بوسه بر خاك عَدَم

شاه اقليم “سَلُوني” تا قَدَم در كعبه زد*** قبله حاجات گشت و مستجارُ و ملتزم

از مروّت داد عنوانى صفا و مروه را*** وز فتوّت آبروئى يافت زمزم نيز هَم

منطقِ تقرير ميگويد “لَقَد كَلَّ اللسان”*** خامه تحرير مينالد “لَقَد جَفَّ القلم”

گوش جان بُگشا وبشنو از امين كردگار*** “لا فتى إلّا عليّ لا سيف إلّا ذو الفقار”

گلشن خُلد برين شد عرصه بيت الحرام*** تا خرامان گشت در وى تازه سَروى خوشخرام

نو نهالى معتدل از بوستان “فاستقم”*** شاخه طوبى برى از روضه “دار السلام”

قامتى در استقامت چون “صراط مستقيم”*** سَرو آزادى بقامت همچو ميزانى تمام

قَدُّ و بالاى دل آرامش بغايت دِلستان*** عالَم از حسنِ نظامَش در كمالِ انتاظم

شمعِ بَزمِ كبريائى گاه قد افراختن*** نخله طور تجلّاى الهى در كلام

نقطه بائيه بود و در تجلّى شد ألف*** مصحفِ كونين را داد افتتاحُ واختتام

ت اقيامت وصف آن قامت نگنجد در بيان*** ليك ميدانم قيامت ميكند از وى قيام

زان ميان حاشا اگر حديثى در ميان*** سرّ “خاص الخاص” كى باشد روا در بزمِ عام

وصفِ آن بالا نباشد كار هر بى پا و سَر*** من كجا و مدحت آن سرور والا مقام

گوش جان بُگشا وبشنو از امين كردگار*** “لا فتى إلّا عليّ لا سيف إلّا ذو الفقار”

تا دَرخشان شد درونِ كعبه آن وجه حَسن*** “ثمّ وجهُ اللَّه” روشن شد برون شد شكُّ و ظن

چونكه بودش خلوتِ “غيب الغيوبى” جايگاه*** ديد “بيت اللَّه” را نيكو مثالى از وَطَن

كعبه شد طورِ حقيقت سينه سينا شكافت*** پور عمران كو كه تا باز آيدش آواز “لن”

در محيط كعبه چندان موج زد درياى عشق*** كز نهيبش گشت نُه فُلكِ فَلَك لنگر فِكَن

سِرِّ وَحدَت از جبينش آنچنان شد آشكار*** كَز دَرُ و ديوارِ بيتِ اللَّه فرارى شُد وَثَن

نقشِ باطل چيست با آن صورتِ يزدان پَرست*** با وجود اسم اعظم كى بماند اهرِمَن

تا عَلَم زد بَر فرازِ كعبه شاهِ مُلك و عشق*** عالم توحيد را يكباه روح آمد به تَن

شهريار “لا فَتى” تا زد قَدَم در آن سَرا*** حسنِ ايّام جوانى يافت اين دهر كُهَن

تيشه بَر سَر كوفت از ناقابلى فرهادوار*** مفتقر هر چند مى گويد بشير بى سخن

گوش جان بُگشا وبشنو از امين كردگار*** “لا فتى إلّا عليّ لا سيف إلّا ذو الفقار”

كعبه تا آن نقطه بائيه را در بر گرفت*** در جهان گوى سَبَق از چار دَفتر بر گرفت

در محيط كعبه شد تا نقطه وحدت مدار*** عالم ايجاد را آن نقطه سر تا سر گرفت

نامه هستى شد از طغراى نامش نامور*** طلعت زيبا از آن ديباچه دفتر گرفت

تا كه زير پاى او را از دلُ و جان بوسه داد*** آنچه را در وَهم نايد كعبه بالاتر گرفت

از قدوم روح قدسى از شغف پرواز كرد*** شاهباز سدّ رَه را در زير بالُ و پر گرفت

شد حرم “دار الأمان” در رقص آمد آسمان*** تا كه “شعرى” بوسه از خاكِ رَهِ مَشعَر گرفت

چشمه خاور فروغى ديد از آن ماهِ جبين*** نار طور از شعله نور جمالس در گرفت

عقل فعّال از دبستان جمالس بهره يافت*** چون خداوند سخنَ جابر سَرِ منبر گرفت

شَهسوارى آمد اندر عرصه ميدان رَزم*** كز سران عالم إمكان سَر و افسر گرفت

گوش جان بُگشا وبشنو از امين كردگار*** “لا فتى إلّا عليّ لا سيف إلّا ذو الفقار”

كعبه كوى حقيقت قبله اهل وصول*** مستجار عُلوى و سُفلى و ارواح و عقول

نسخه اسماء و سَر لَوح حُروفِ عاليات*** مصدرِ افعال و اول صادرِ و اصلُ الاُصول

آنكه بودش “قاب قوسين” اولين قوس صعود*** كعبه اش گاه قتنزّل آخرين قوسِ نُزول

در رواقِ عرّتش اشراقيان را راه نيست*** در حريم خلوتش عقل است ممنوع از دخول

ريزه خوارِ خوانِ او ميكال با حفظ ادب*** حامل فرمان او جبريل با شرطِ قبول

قطره از قلزم جودش محيطى بى كران*** عكسى از نور جمالش آفتابى بى اُفول

حاكم ارض و سما بى شبهه اندر رتق و فَتق*** واجبِ ممكن نما بى اتّحاد و بى حلول

خاتمِ درِّ ولايت فاتح اقليم عشق*** هر كه اين معنى نمى داند ظَلوم است و جَهُول

دست “هو” ادراك كوتاه است از دامان او*** پس چه گويم من “تعالى شأنه عمّا نقول”

گوش جان بُگشا وبشنو از امين كردگار*** “لا فتى إلّا عليّ لا سيف إلّا ذو الفقار”

شد سَمَندِ يكّه تاز طبع را زاتُو دوتا*** چون قزدَم زد دَر مديح شَهسوار “لا فتى”

خامه مشكينِ مَن چون مى نگارد اين رقم*** خون خورَد از رَشكُ و حسرت نافه مشكِ ختا

گر بگيرم باج از تاجِ كيان نبوَد عَجَب*** چون سرايم نغمه از تاجدار “هَل اتى”

اى سروش غيب پيغامى ز كوى يار من*** جان بِلَب آمد ز حسرت هستى “حتّى متى”

عمر بگذشت و نديدم روى خوبى اى دريغ*** زندگانى رفت بر باد فنا “وا حسرتا”

روز من از شب سيه تر كو جهان افروز من*** صبحم از شام غريبان تيره تر “وا غربتا”

در حضيض جهل افتادم زاوج معرفت*** وز ميان شهر دانش در كنارِ رُوستا

عشق گُفتا دَست زَن دَر دامنِ شيرِ خدا*** تا رهائى از نهنگ طبع چُون پُور “متى”

آنكه در اقليم وَحدَت فرد بى مانند بود*** وآنكه اندر عرصه ميدان نبودش هيچ تا

گوش جان بُگشا وبشنو از امين كردگار*** “لا فتى إلّا عليّ لا سيف إلّا ذو الفقار”

وللسيّد عباس الحسيني الملقّب “بالجوهري” وتخلّصه الشعري “ذاكر” في “ديوانه” المطبوع سنة “1335 ه” المسمّى “خزائن الأشعار” في الخزينة الأُولى المسمّاة “جواهر الأسرار”، الصفحة 6:

ز پشت پرده تا بى پرده يار من نمايان شد*** ز سرم روى او خورشيد اندر پرده پنهان شد

ولادت يافت اندر كعبه آن مولود مسعودى*** كه ذات پاكِ او مرآت ذاتِ پاكِ يزدان شد

تجلّى كرد تا نور رُخَش اندر حريم حَق*** حَرَم حرمت گرفت و قبله گاهِ اهل ايمان شد

همان نوريكه موسى ديد اندر وادي ايمَن*** مگر بار دِگر در كعبه باز آن نور تابان شود

همانا كعبه آمد در شَرَف بالاتر از وادى*** كه آنجا نورِ او اينجا وجودِ او درخشان شد

وللخطيب المِصقع، الشاعر المفلق، الشيخ محمد عليّ بن الخطيب الأديب الشاعر الشيخ يعقوب الحلّي النجفيّ، من مقصورته العلوية المطبوعة:

له بِبَطن البيتِ خيرُ مولدِ*** نالَ بهِ البيتُ فَخاراً وعُلا

هناك سمّتهُ “عليّاً” اُمّهُ*** حيثُ مِنَ العَليّ وافاها النّدا

ثمّ تولّى أمرَهُ الهادي وكَم*** أرضعهُ لسانَهُ حتّى اغتذى

يحملُهُ طِفلاً على عاتِقِهِ*** يطوفُ فيهِ بشعابِ اُمّ القُرى

كَم قامَ بالليلِ الطويلِ ساهِراً*** يهزُّ فيه مهدَهُ طولَ الدُجى

يأويهِ ليلاً ونهاراً عندَهُ*** حتّى نشا في حِجرِ طه وارتبى

ربّاه طفلاً واصطفاه يافعاً*** لنصره إذ يستجير في حِرا

مستعدياً فيه على من ساءهُ*** أيّام قد عزّ المحامي والحمى

يُبدي إليه من خفايا سرّه*** حتى حَوى من العُلومِ ما حوى

وقال الشريف الفاضل المرحوم ميرزا ابو القاسم الحسيني الشيرازي وقد أبدع في نظمه:

اى وحدتِ و كثرت همه از روى تو پيدا*** از ذرّه و بيضا همه بر روى تو شيدا

عشقِ رُخِ تو از سَرِ هر ذرّه هويدا*** يك قطره زِعِمِ تو صَد قَلزم صيدا

اى عنصر خاكى كه به روح مجرّد

آن كعبه و آن كوفه كه بس خلق شتابند*** بر طوف حرم شان صفِ املاك بيايند

از مولد و از مرقد تو مدح نمايند*** از حلم چو تو گوهر يكتاى نزايند

زان است كه عالم ز تو گرديده مشيّد

مولود تو در كعبه چو بشگفت علم زد*** گوئى كه خداوند در آن بقعه قدم زد

بر نقشه اصنام جهان نقشِ عَدَم زد*** بر صفحه نروانى اسلام رَقَم زد

تأييد جهان كرد چُو خود بود مؤيّد

وللفاضل حامل لواء العلم والأدب الاُستاذ الشيخ جعفر النقدي، المتوفّى سنة “1372 ه” قصائد علوية، نظم في غير واحدٍ منها هذه الفضيلة الباهرة، فمن بائية له، قوله:

لاتعجبوا إذ أتى في البيت مولدُهُ*** فليسَ ذلكَ من عَلياهُ بالعجبِ

لأنّ فوقَ الثَّرى من أجلهِ رُفع الـ*** ـبَيتُ العتيقُ وفيهِ خُصّ بالرُّتبِ

ومن رائية له، قوله:

زهرت بهِ أكنافُ مكّةَ مُذ غدا*** ميلادهُ في البَيتِ ذي الأستارِ

ما البيتُ شرّفهُ ولكن شَرّفُ الـ*** ـبيتَ الحرامَ بساطِعِ الأنوارِ

ومن يائية له، قوله:

مَن خصّ مولدهُ في بيتِهِ شرفاً*** للبَيتِ يومَ أقامَ البيتَ بانيهِ

لذاكَ قبلةَ مَن صلّى لخالقِهِ*** غدا ومقصدَ مَن لِلحجِّ يأتيهِ

واقتصصتُ أثرَ القوم بنظم هذه الأبيات، وخمّسها النطاسيُّ المحنَّكُ، الميرزا محمد بن الطيب الحاذق الميرزا صادق بن شيخ الأواسيّ الميرزا باقر بن الورع التقي الصالح المتطبّب الميرزا خليل الرازيّ النجفيّ، وإليك الأصل والتخميس:

قد كَلَّ عن فضل الوصيّ المنطقُ*** مُذ ضاقَ فيه غَربُها والمشرقُ

ولذاكَ أعجب إذ يقول محقّقُ*** “سَبَقَ الكرامَ فها هم لم يَلحَقوا”

“في حَلبَةِ العَلياء شَأوَ كُمَيتِهِ” (22)

فَمَن الكرامُ؟ بجنبِ بَحرٍ زاخر*** طفحت بهِ أمواجُهُ بمفاخرِ

ضاعَ القياسُ لناظمٍ ولناثر*** “إذ خصّهُ المولى بفضلٍ باهر”

“فيه يميزُ حيُّهُ مِن مَيتِهِ”

ولدتهُ فاطمةٌ بكعبته ومُذ*** ولدتهُ ظنّ به المغُالي يومَ شَذ

جَلّ الإلهُ عن الشريك غَداة إذ*** “لَم يتّخِذ وَلَداً وما إن يتّخذ”

“إلّا وكانَ ولادُهُ في بيتهِ”

ما كانَ ابنٌ مثلَ ما قد ظنّهُ*** نَفَرٌ، بلى عبدٌ يحاول مَنّهُ

يدعو إلى توحيدِهِ لكنّه*** “في البيتِ مولدُهُ يُحقّقُ أ نّهُ”

“دونَ الأنام ذُبالةٌ (23) في زَيتِهِ” (24)

وقال العلّامة البارع السيد مير عليّ ابن السيد عباس ابن السيد راضي ابو طبيخ النجفي، من قصيدة يخاطب بها أمير المؤمنين عليه السلام، ويعاتبه على المصائب الواردة:

أَلَم تَكُ للَّهِ أمضى حسام؟*** أَلَم تَكُ في بيتهِ تُولَدُ؟

ينوّهُ باسمكَ منهُ المقام*** ويعنو لكَ الحَجَرُ الأسودُ

ولولاكَ لم يُهدَ هذا الأنام*** ولولاكَ لم يَستقِم مَعبَدُ

تدورُ بكَ الحربُ دَورَ الرَّحى*** فتثبُتُ كالقُطُبِ الماثلِ

وقال العلّامة الكبير السيد محسن الأمين العاملي، من مقصورة علوية له:

لكَ يا أمير المؤمنين مناقبٌ*** ظهرت ظهور الشمس في وقتِ الضُحى

مشهورةٌ لا يُستاطع جحودها*** فالناسُ مُذعنةٌ بها حتّى العدى

نَصُّ الغدير كفاكَ فضلاً إنّهُ*** لكَ في الرقاب جميعها عقدُ الولا

هيَ من فضائلك العظيم الشأن إحـ*** ـداها إلى أمثالها الفضلُ انتهى

يكفيك ما قد جاء في التطهيرِ أو*** في “قُل تعالَوا” أو أتى في “هل أتى” (25)

وقال الشيخ عليّ الملقّب بالشيخ الرئيس الخراساني المتوفّى في حدود سنة “1320 ه” في منظومته الموسومة “بتنبيه الخاطر في أحوال المسافر” (26)

عند ذكر الإمام عليه السلام:

شاهى كه به خلق پيشوا بود*** نَفسِ نبى و رُخِ خدا بود

مرآتِ حقيقتِ نهان او است*** سِرِّ همه مخفىُّ و عيان او است

دَر خانه كعبه زاد است*** ما نازِ طوافِ او مراد است

وقال الشاعر الطائر الصيت، ميرزا محمد علي التبريز، الملقّب في شعره “بصائب” المعاصر للشاه سليمان الصفوي عليهم السلام، الذي هبط “عبّاس آباد” من أعمال “اصفهان”، وسافر إلى الهند، ثم عرج عليها، من قصيدة يمدح بها الكعبة، ويذكر مزاياها، مستهلّها:

اى سوادِ عنبرين قامت سوداى زمين*** مغزِ خاك از نكهتِ مشكين لباست يافته چين

إلى أن يقول في التخلّص إلى مدح الإمام عليه السلام:

هيچ تعريفى تر از اين به نميدانم كه شد*** در تو پيدا گوهر پاكِ أمير المؤمنين

ذكره في “الخزانة العامرة” (27)

نابغة الهند غلام علي آزاد الحسيني الواسطي البلگرامي، المولود سنة “1116 ه”.

فذكر أ نّه نظم أيضاً قصيدة يمدح بها البيت الحرام، ويتخلّص إلى مدح الإمام عليه السلام مستهلّها:

مرحبا اى كعبه اشرف چه والا گوهرى*** قيمتى دارى كه قربان تو گردد مشترى

إلى أن قال في التخلّص:

مطلع خورشيد خوانم مَن تو را الحق بجا است*** از تو سر زد آفتاب سرورى

شاه مردان صفدر يزدان كه دست تيغ او*** كرد حك از صفحه ايام نقش كافرى

نور سيماى هدى يعنى على المرتضى*** افتخار دوره آدم زِروشن گوهرى

وذكر القصيدة برمّتها في الصفحة: 293- 292.

لكنّه بدل هذا التخلّص بعدما وقف على تخلّص الصائب، وما في القصيدتين من توارد الخاطرين، حذار أن يقذف بالسرقة بقوله:

بر تو واجب شكر مولائى كه دستِ قدرتش*** بر زمين افكند از بالا إله آذرى

وقلتُ في مولد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، مادحاً ومهنئّاً بها آية اللَّه العظمى السيّد ميرزا علي آقا الشيرازي، نذكر منها قدر الحاجة:

لقد شُرِّف البيتُ في مولدٍ*** زهت بِسَناهُ عِراصُ النجف

بنفس الرسولِ وزوجِ البتول*** وأصلِ العُقولِ ومعنى الشَرف

وبابِ مدينةِ علمِ النبيّ*** وصارمِ دعوتِهِ والخَلَف

وجاءَ مطهّرُ بيتِ الإلهِ*** فعن مجدهِ كلَّ رِجسِ قَذَف

أزاحَ عن البيتِ أوثانَهم*** وأزهقَ مَن عَن هُداهُ صَدَف

وكانَ الخليلُ له رافعاً*** قواعدَهُ فلهُ ما رَصَف

فليسَ من البِدعِ أن أُسدَلَت*** على شبلهِ منهُ تلك السَّجَف (28)

وقال الشعر المسيحيّ بولس سلامة، في ملحمته التاريخية الكبرى المسمّاة ب “عيد الغدير” أبياتاً ضمّنها ولادة الإمام عليه السلام في الكعبة:

سمعَ الليلُ في الظلام المديدِ*** همسةً مثل أ نّةِ المفؤود (29)

من خفيّ الآلامِ والكبتِ فيها*** ومن البشر والرجاء السعيد

حرّة لزّها المخاضُ فلاذت*** بستاِ البيتِ العتيقِ الوَطيدِ

كعبة اللَّه في الشدائد تُرجى*** فهي جسرُ العبيد للمعبودِ

لا نساءٌ ولا قوابلُ حَفَّت*** بابنة المجدِ والعُلا والجُود

يذر الفقر أشرف الناس فرداً*** والغنيّ الخليع غير فريدِ

أينما سارَ واَكبَتهُ جِباهٌ*** وظهورٌ مخلوقةٌ للسُجودِ

صبرت فاطمٌ على الضَيمِ حتّى*** لهثَ الليلُ لهثةَ المكدودِ

وإذا نجمةٌ من الاُفق خفّت*** تطعنُ الليلَ بالشُعاع الحَديد

وتدانَت من الحطيمِ وقَرَّت*** وتدلّت تدلّيَ العُنقودِ

تسكبُ الضوءَ في الأثيرِ دَفيقاً*** فعلى الأرضِ وابلٌ من سُعودِ

واستفاقَ الحَمامُ يسجعُ سَجعاً*** فتهشُّ الأركانُ للتَغريدِ

بَسَمَ المسجدُ الحرامُ حُبوراً*** وتنادت حجارُهُ للنشيدِ

كانَ فجرانِ ذلكَ اليومَ فَجرٌ*** لنهارٍ وآخَرٌ للوَليدِ

هالَت الاُمُّ صرخةٌ جالَ فيها*** بعضُ شي ءٍ من هَمهَمات الأُسودِ

دَعَتِ الشبلَ حَيدراً وتمنَّت*** واكبَّت على الرَجاء المَديدِ

أسَداً سمّت ابنها كأبيها*** لِبدَةُ الجَدّ أُهديت للحفيدِ

بَل “عليّاً” ندعوُهُ قالَ أبوهُ*** فاستفزَّ السَماءَ للتأكيدِ

ذلك اسمٌ تناقلته الفيافي*** ورواهُ الجُلمُودُ للجُلمودِ

يهرمُ الدَهرُ وهو كالصُبح باقٍ*** كلّ يومٍ يأتي بِفَجَرٍ جَديدِ (30)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ ديوانه المخطوط.

2 ـ الشَّنف الذي يلبس في أعلى الأُذن، والذي في أسفلها القُرط. لسان العرب- شنف- 183:9.

3 ـ وردت هذه الأبيات في الغدير 29:6 و 370:11.

4 ـ توجد في ديوانه المخطوط.

5 ـ صرخد: موضع ينسب إليه الشراب لسان العرب- صرد- 251:3.

6 ـ في الغدير: الضلال.

7 ـ وردت هذه القصيدة في الغدير 29:6-32.

8 ـ الباقعة: الذكي العارف الذي لا يفوته شي ء. أقرب الموارد- بقع- 54:1.

9 ـ الديوان: 20.

10 ـ الديوان: 196.

11 ـ النفحة القدسية: 68.

12 ـ النفحة القدسية: 178.

13 ـ في الديوان: جزيته.

14 ـ ديوانه: 25.

15 ـ ترجمته: صار الطواف حول الكعبة واجباً على الجميع، لأن علي بن أبي طالب وُجدَ هناك.

16 ـ الشنب: الرقة ولاعذوبة. الصحاح- شنب- 158:1.

17 ـ هو سيّدنا علّامة الهاشميين، آية اللَّه في العالمين، السيد ميرزا علي آقا الخلف الصالح السيّد الطائفة الإمام المجدد الحاج السيد ميرزا محمد حسين الشيرازي نزيل سامراء، المتوفّى سنة “1312 ه” ولد سيّدنا الممدوح سنة “1286 ه” وتوفي سنة “1355 ه” وكان أحد زعماء الدين، والأوحدي من فقهاء المسلمين، خلف أباه في علمه وخلائقه وهديه وهداه وفضائله كلّها.

18 ـ أورده هذه القصيدة في الغدير 33:6-35، وشعراء الغري 436:6-438.

19 ـ الدوح جمع دوحة: وهي الشجرة العظيمة المتسعة. لسان العرب- دوح- 436:2.

20 ـ الهزار: العندليب. حيارة الحيوان 405:2.

21 ـ أورد هذه القصيدة في الغدير 35:6-37، وشعراء الغري 438:6-441.

22 ـ الشأو: الأمد والغاية والهمّة. المعجم الوسيط- شأو- 470:1. والكميت من اخييل ما كان لونه بين الأسود والأحمر. المعجم الوسيط- كميت- 797:2.

23 ـ الذُّبالة: الفتيلة التي تُسرج. لسان العرب- ذبل- 256:11.

24 ـ علّق المؤلف وكتب الفاضل المخمّس إلينا في ذيل نظمه هذين البيتين:

خمّستُ أبياتَكَ لكنّني*** معترفٌ أ نّي لكم داعيه

إنّي تطفّلتُ عليها وقد*** تشفع لي أخلاقك الساميه

فكتبتُ تحتهما هذين البيتين:

كسوتَ أبياتي جَمالاً بهِ*** تَرفُلُ في أبرادهِ الضافيه

وحقّ أنّ أغدو له شاكراً*** ما خلدت آثاره الباقيه.

25 ـ ديوانه 71:1، والآيتان من سورة آل عمران: 61، والإنسان: 1.

26 ـ ص: 4.

27 ـ ص: 291.

28 ـ السَجفُ والسِجفُ: الستر. الصحاح- سجف- 1371:4.

29 ـ في الغدير: المفقود.

30 ـ وردت هذه الأبيات في الغدير 37:6-38.

حديث الولادة مجمعٌ عليه

حديث الولادة مجمعٌ عليه :

لعلّ الباحث لا يعروه الشكُّ في ذلك، بعدما وقف على عناوين هذه الرسالة في إثبات الحديث، وما سلف النصّ به من علماء الفريقين.

كقول الآلوسيّ فيه ‘إنّه أمر مشهور في الدنيا’ وذكر في كتب الفريقين السنّة والشيعة.

وما سبق عند السيد حيدر الآملي من عدّه في المناقب المتسالم عليها، التي لا يفتقر ناقلها إلى كتاب.

وما عرفته عن ابن اللوحيّ من إسناد روايته إلى الفريقين، وهصفاقهم على نقله.

وما سلف عن العلّامة النوري قدس سره أنّ تلك الفضيلة لا يبعد كونها من ضروريات مذهب الإمامية، وأ نّها جاء في أخبار غير محصورة، ومنصوص بها في كلمات العلماء، وفي ضمن الخطب والأشعار في جميع الأعصار.

إلى غير هذه من كلمات كثيرة تؤدّي ذلك المؤدّى.

على أنّ البحث لا يعدمنا النصّ الصريح بذلك.

قال العلّامة السيد هاشم البحراني، المتوفّى سنة “1107 ه” في “مدينة المعاجز”: ‘قال محمّد بن علي بن شهر آشوب في “مناقبه”: أجمعت الشيعة على أ نّه عليه السلام ولد في الكعبة’ (1)

والظاهر أنّ النقل عن كتاب “المناقب” نفسه الذي لم نقف عليه، لا منتخبه المعروف المطبوع المشهور بمناقب ابن شهر آشوب، وهو لابن جبر (2)

، فلا تذهب المذاهب بالقارى ء.

وفي “مناقب المعصومين عليهم السلام” عن “المناقب” أ نّه إجماع أهل البيت عليهم السلام (3)

ورأيت في موسوعة لبعض الفضلاء المتأخّرين، أنّ ولادته فيها هو الأشهر بل عليها الإجماع، وإلى الآن لم يولد فيها غيره.

ولنا أن نثبت إجماع الشيعة على ذلك طوراً، واتفاقها مع أهل السنّة تارةً.

أمّا اتفاق الشيعة:

فلا يعزب الجزم به أيّ باحث منقّب، وقف على كلماتهم، وسبر أخبارهم، واطّلع على تواريخهم.

وقد عرفت في تضاعيف هذه الرسالة طرفاً من أحاديث الباب وكلمات العلماء وقد أرسلوا فيها حديث الولادة إرسال المسلّم، نافين عنه أيّ شبهة وارتجاف.

وهناك جموع آخرين نوقفك على بعض عبائرهم أو مضامينها:

فمنهم العلّامة الأوحد قطب الدين محمّد ابن الشيخ عليّ الشريف اللاهيجي، تلميذ المحقّق الداماد المترجم في “أمل الآمل” (4)

في كتابه القيّم الفخم “محبوب القلوب”.

فقد نصّ- كما عرفته من علماء اُمّته قبله وبعده- بولادة الإمام عليه السلام داخل الكعبة، يوم الجمعة في الثالث عشر من رجب، قبل الهجرة بثلاث وعشرين عاماً.

قال: ‘ولم يُولد في البيت الحرام قبله أحدٌ سواه، وهي فضيلةٌ خصّه اللَّه تعالى بها، إجلالاً له وإعلاءً لمرتبته وإظهاراً لكرامته’.

ويقربُ منه ما ذكره البارع الجليل السيد عباس بن عليّ بن نور الدين الموسوي الحسيني المكّي في رحلته المسماة ب “نزهة الجليس ومنية الأديب الأنيس” (5)

وما قاله العالم الناقد المتبحّر السيد نعمة اللَّه الموسوي الجزائري، المتوفى سنة “1112 ه” في “الأنوار النعمانية” ناهيك به ناقداً للأخبار، متبصراً فيها (6)

ومنهم نظام الدين، محمد بن الحسين التفرشيّ الساوجي، تلميذ الشيخ بهاء الدين العاملي، ومتمّم “جامعه العبّاسي” بعده بأمر الملك السعيد الشاه عباس الصفوي.

قال في الباب السابع من تكملة “الجامع” المذكورة: ‘إنّ ولادته عليه السلام في جوف الكعبة’.

وكذلك أرسله إرسال المسلّم شيخنا الفقيه الأوحد الشيخ خضر بن شلال آل خدام العفكاوي النجفي، المتوفى سنة “1255 ه” في مزاره المسمّى ب “أبواب الجنان وبشائر الرضوان”.

قال: ‘ومولده الشريف في الكعبة الحرام بعد عام الفيل بثلاثين سنة’.

ومثله في الجزم بذلك العلّامة المشارك في العلوم الحاج المولى الشريف الشيرواني، نزيل تبريز، من تلمذة سيّد الرياض، وهو من ثقات علمائنا، في كتابه “الشهاب الثاقب”.

فقال: ‘إنه ولد في مكّة ببيت اللَّه الحرام’، قال: ‘ولم يولد فيه قطّ سواه، ولا قبله ولا بعده’.

وعيّن التأريخ بليلة السبت لثلاث وعشرين من رجب، قال: ‘وقيل: يوم الجمعة’ (7)

ومنهم المحقّق الحكيم العارف الأخلاقي الفقيه المحدّث الشاعر المولى محمّد ابن المرتضى المدعو بالمحسن الفيض الكاشاني، المتوفّى سنة “1091 ه” فقد أثبت ذلك في كتابه “تقويم المحسنين” في حوادث شهر رجب: ‘أنّ في ثالث عشرة يوم الجمعة على الأشهر ولد عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الكعبة، قبل النبوّة باثنتي عشرة سنة، وللنبيّ صلى الله عليه و آله يومئذ ثمان وعشرون سنة’ (8)

وماثله في ذكر الفضيلة بصفة الجزم بها الشيخ ابو محمّد الحسن بن أبي الحسن محمّد الديلمي في “إرشاده” وكذلك في تأريخ الاُسبوع والشهر، وذكر أ نّها كانت سنة ثلاثين من عام الفيل، ونفى أن يكون قبله عليه السلام أو بعده أحدٌ في البيت، وأ نّها إحدى فضائله الجمّة المخصوصة به (9)

ومثله العلّامة الأوحد، الجامع للمعقول والمنقول، الحاج السيد ميرزا حبيب اللَّه ابن محمّد بن هاشم الموسوي الخوئي في شرح نهج البلاغة، المسمّى “منهاج البراعة”.

قال: ‘وقد خصّه اللَّه بهذه الفضيل على سائر الأنام، ولم يولد في البيت أحدٌ قبله ولا بعده، وفي ذلك يقول أبوه أبو طالب عليه السلام:

أنتَ الذي فرضَ الإله ولاءَهُ*** ونطقتَ حقّاً بالجوابِ الصائبِ

أنتَ الذي رفعَ الإله محلّهُ*** وعَلا عُلاك على الشهابِ الثاقبِ

وولدتَ في البيت الحرام وخصّكَ*** الباري بكلّ مكارمٍ ومواهبِ (10) (11)

ومنهم العلّامة الفقيه السيّد حيدر الحسني الحسيني الكاظمي، المتوفّى سنة “1265 ه” قال في كتابه “عمدة الزائر”: ‘… وأ نّه ولد بمكّة في البيت الحرام، يوم الجمعة لثلاث عشر ليلة خلت من رجب، بعد عام الفيل بثلاثين سنة، وهو المشهور.

والأقوى عندي ما رواه الشيخ في الصحيح عن الصادق عليه السلام قال: كانت ولادته يوم الأحد، لسبع خلون من شعبان، وكان بين مولده ومولد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ثلاثون سنة، ولم يولد قبله ولا بعده في بيت اللَّه الحرام سواهُ، إكراماً له وتعظيماً له من اللَّه تعالى بذلك وإجلالاً لمحلّه’ (12)

وقال سيّد الفقهاء، الآية الباهرة، السيد مهدي القزويني قدس سره، المتوفّى سنة “1300 ه” في “فلك النجاة”: ‘ولد يوم الجمعة، ثالث عشر رجب، وروي سابع شعبان، والأول أشهر، بعد مولد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بثلاثين سنة، في الكعبة البيت الحرام، هو أوّل من أسلم يوم مبعث النبي صلى الله عليه و آله وهو ابن عشر سنين، وأوّل من صدّق به’ (13)

وفي “عدّة الرجال” للعلّامة المحقّق السيد محسن الأعرجي: ‘ولد أمير المؤمنين عليه السلام بعد عام الفيل ومولد النبي بثلاثين سنة، في أيّام هِرَقل، يوم الجمعة في رجب، وقيل في شعبان في البيت الحرام، ولم يولَد في البيت أحدٌ قبله ولا بعده'(14).

ثمّ ذكر حديث يزيد بن قَعنب كما مرّ عن الصدوق.

وهذا العالم البّحاثة النيقد وجد خلافاً في شهر الولادة فأوعز إليه، لكنّه لم يجد في حديث البيت أيّ ترديد، فلم ينبس عنه ببنتِ شَفَةٍ، ولو كان مثله يجد شيئاً لما آثر تركه، وهو ذلك الصريح الشديد في البحث.

والشيخ عبد النبي الجزائري في “حاوي الأقوال” والشيخ أبو علي الرجالي في “منتهى المقال” وإن نقلا هذه الحقيقة الراهنة عمّن قبلهما من العلماء، وقد أثبتنا في هذه الرسالة مقاله، لكن العبرة في المقام بإخبات الرجلين- وهما من أعلام علماء الدين- بها وبخوعهما لصحّتها.

ومنهم البحر الخضمّ علّامة العصور السيّد عليّ خان المدني الشيرازي، المتوفى سنة “1210 ه” في “الحدائق الندية في شرح الفوائد الصمدية”.

فقد نقل عن “الفصول المهمة” عبارته الآتية مكتفياً بها، مذعناً بحقيقتها وحقّيتها (15)

وهناك من مؤلّفي العصور الأخيرة العالم النيقد المولى عليّ أصغر البروجردي، الذي أطلق القول الصراح في كتاب “عقائد الشيعة”: بأنّ ‘مولده عليه السلام في وسط البيت، ضحى الجمعة، بعد ثلاثين عاماً من ولادة النبيّ الأعظم’ (16)

ولغيره كتاب آخر في المعارف الإلهية أحسنَ فيه وفي مبحث الإمامة، لم يشكّ بأنّ مولد الإمام عليه السلام في الكعبة، بعد عام الفيل بثلاثين عاماً في الثالث عشر من رجب يوم الجمعة.

قال: ‘ولم يولد فيها أحد سواه، لا قبله ولا بعده’.

إلى هنا نكتفي من نماذج هذا الفصل بما ذكرناه، على أنّ جميع ما وقفت عليه تحت عناوين هذه الرسالة شروى هذه النقول، فيمكننا في هذا الموقف الاحتجاج بكلّ ذلك، ولعلّها جمعاء كقطرٍ من بحرٍ، بالنسبة إلى ما يجده السابر لكتب علمائنا.

وأ مّا إصفاق علماء أهل السنّة ومحدّثيهم وعرفائهم معنا في إثبات هذه المأثرة الفاضلة، فمن أجلى الحقائق وأثبتها.

لقد أسمعناك كلمة الحاكم في “المستدرك” وحكمه بتواتر النقل به.

ثمّ نقل الحافظ الكنجيّ الشافعيّ عنه ذلك بصفة اُخرى.

وحكم آخر بالتواتر عن المحدّث الدهلويّ.

وكلام الآلوسي بما يوافقهم ونصّه ب ‘أنّ ذلك مشهور في الدنيا’.

وما عن الصفوريّ الشافعي في ذلك.

وعن “تاريخ گزيده” لحمد اللَّه المستوفي.

وعن “مطالب السؤول” لابن طلحة الشافعي.

وعن “مرآة الكائنات” لنشانجيّ زاده.

و “سير الخلفاء” للدهلويّ المعاصر.

وكتاب “الحسين” للسيد علي جلال الدين الحسيني.

وعن عبد الباقي أفندي العمري في قصيدته.

وعن المولى الروميّ.

ومعين الدين الجشتيّ.

وعبد الرحمن الجامي في شعرهم.

والأمير محمد صالح الترمذي في “مناقبه”.

بل ذكر العلّامة الشيخ أبو الحسن الشريف العامليّ في “الفوائد الغروية والدرر النجفية” أ نّه ‘روى حديث الولادة أكثر العامّة، وأ نّه يوم الجمعة، ولم يولد فيها أحد غيره’.

وإليك أسماء آخرين منهم لم يمتاروا في صحّة الخبر، فسردوه خاضعين لأميره:

قال نور الدين عليّ بن محمد بن الصبّاغ المكّي المالكي، المتوفى سنة “855 ه” في “الفصول المهمة”: ‘ولد عليّ عليه السلام بمكة المشرفّة، بداخل البيت الحرام، يوم الجمعة الثالث عشر من شهر اللَّه الأصمّ رجب الفرد، سنة ثلاثين من عام الفيل، قبل الهجرد بثلاث وعشرين سنة، وقيل: بخمس وعشرين سنة.

وقبل المبعث باثني عشرة سنة، وقيل: بعشر سنين.

ولم يولد في البيت الحرام قبله أحدٌ سواه، وهي فضيلة خصّهُ اللَّه تعالى بها إجلالاً له وإعلاء لمرتبته، وإظهاراً لتكرمته’ (17)

كما عرفت نقلها كذلك عن العلامة السيد علي خان المدني في “الحدائق الندية” قبيل هذا (18)

والسيد مؤمن بن الحسن بن مؤمن الشَّبلنجي الشافعي في “نور الأبصار” قال: ‘ولم يولد في البيت الحرام قبله أحد سواه، قاله ابن الصباغ’ (19)

ونقل عن “الفصول” هذه مع نسبتها إلى مؤلّفها غيرُ واحد من أثبات أهل السنّة غير هؤلاء، كالسّمهودي في “جواهر العقدين” وبرهان الدين الحلبيّ في “إنسان العيون” (20)

وقال شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزأُوغلي الشهير بسبط ابن الجوزي في “تذكرة خواصّ الاُمّة”: ‘روى أنّ فاطمة بنت أسد كانت تطوف بالبيت وهي حامل بعليّ عليه السلام فضربها الطَلقُ، ففُتِحَ لها باب الكعبة، فدخلت فوضعته فيها.

وكذا حكيم بن حزام ولدته اُمه فيها.

قلت: وقد أخرج لنا أبو نعيم الحافظ حديثاً طويلاً في فضلها.

إلّا أ نّهم قالوا: في إسناده رَوح بن صلاح، ضعّفه ابن عَديّ فلذلك لم نذكره (21)،(22).

عرفت أنّ ولادة حكيم فيها، على تقدير صحّتها، من جملة الصدف والإتفاقات غير القصدية، فليس فيها فضل ما غير تلويث البيت بالمخاض، ويجب تطهيره.

وأين هذه من ولادة أمير المؤمنين عليه السلام الذي فُتح لاُمّه الباب- كما في عبارة السبط نفسه- ولم يُفتح لغيرها، بالرغم من جهدهم في ذلك، كما سبق في أحاديث كثيرة.

أو انشقّ لها جدار البيت فدخلته- كما في أحاديث الشيعة- ولا يعدو ذلك أن يكون الأمر إلهيّاً قصد به التنويه بِشَرَف المولود المبارك الذي شرَّف البيت بولادته فيه.

وقوله: ‘فيما رواه ابو نعيم من الرواية المحكوم عليها بالضعف’.

فسياق العبارة يعطي أ نّها في فضل فاطمة بنت أسد فحسب، غير متضمّنة لحديث الميلاد الشريف، فلا يهمنا إذن ضعيفةً كانت هي أو قوية.

وإن كانت تتضمن شيئاً من ذلك فهو غير ضائر لنا، فإنّ مستند السبط في أمر الولادة غيرها، ولو كان مأخوذاً منها لتركه كما تركها لضعفها، فإنّ الضعف إن كان مسقطاً لجميع الرواية عن الاعتبار وموجباً للتحرّج عن إيرادها، فليس للاستناد إلى بعضها مبررٌ يرتضيه عالمٌ يترفّع عن التعويل على الأخبار الضعيفة.

فليس في نقله الحديث ‘يروى’ بصيغة المجهول أيّ هيعاز إلى الوهن فيه، بعد ما عرفت حال الرجل في خصوص المقام، وهو المعهود منه في غير مورد من هذا الكتاب من إرداف الحديث بنقده، أو تصحيحه، أو حذفه رأساً لضعفه.

وإنّما جاء به كذلك لتكثّر طرقه الموجب للإطناب إذا تصدّى لسردها، ولشهرته المغني عن ذكر الأسانيد.

وإنّما الغرض الإشارة إلى إحدى المسلمات بأوجز بيان.

ومثله من علمائنا ما وقع في عبارة السيد رضي الدين ابن طاوس، المتوفّى سنة “664 ه” في “الإقبال”.

قال: ‘روي أنّ يوم ثالث عشر رجب كان مولد مولانا عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الكعبة قبل النبوة باثنتي عشر سنة’ (23)

فالمسند فيه إلى تلك الرواية هو يوم الولادة ثالث عشر رجب الذي وقع الخلاف فيه، لا محلّها المجمع عليه، الذي تضافرت الروايات به وتواترت الأسانيد.

وما كان مثل السّيد ابن طاوس بالذي يخفى عليه جليّة الحال في المقامين، وهو نابغة العلم وبحاثة الحديث، ورواية السير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ مدينة المعاجز: 7.

2 ـ الثابت عند المتخصّصين أنّ المطبوع هو ‘مناقب آل أبي طالب’ لابن شهر آشوب، وأنّ منتخبه الموسوم ب “نخب المناقب” لأبي عبد اللَّه الحسين بن جبر، ما يزال مخطوطاً، وموجوداً في بعض المكتبات. اُنظر الذريعة 22.

3 ـ في الذريعة 334:22 مناقب المعصومين “للشيخ عبد الخالق بن عبد الرحيم اليزدي” المتوفى سنة “1268 ه”.

4 ـ أمل الآمل 285:2 /849.

5 ـ نزهة الجليس 103:1.

6 ـ الأنوار النعمانية 370:1.

7 ـ الشهاب الثاقب: فصل 2.

8 ـ تقويم المحسنين: 17.

9 ـ إرشاد القلوب: 211.

10 ـ علّق المولّف: أنا لا يروقني إثبات هذه الأبيات لشيخ الاُمة وأب الأئمة عليهم وعليه السلام، فإنّ شعره أفحل من أن تعدّ هذه في عداده، والعبرة هنا بكلام هذا السيّد الجليل لا الشعر المنقول، ولا بأس بأن تكون لبعض الشعراء.

11 ـ منهاج البراعة 216:1.

12 ـ عمدة الزائر: 54.

13 ـ فلك النجاة: 326.

14 ـ عدّة الرجال…:….

15 ـ الحدائق الندية: 10، والفصول المهمة: 30.

16 ـ عقائد الشيعة: 31.

17 ـ الفصول المهمة: 30.

18 ـ الحدائق الندية: 10.

19 ـ نور الأبصار: 156.

20 ـ إنسان العيون: 165.

21 ـ قال العسقلاني في لسان الميزان 465:2: رَوح بن صلاح المصري، ضعّفه ابن عدي، وقد ذكره ابن حبّان في الثقات، وقال الحاكم: ثقة مأمون. انتهى.

وقد أخرج المتقي الهندي في كنز العمال 636:13 حديثاً في فضلها عليهاالسلام عن أبي نعيم الحافظ في المعرفة والديلمي، وقال: سنده حسن.

22 ـ تذكرة الخواص: 10.

23 ـ الإقبال: 655.

وقفة المؤلف مع الكازروني

وقفة المؤلف مع الكازروني:

وقال أحمد بن منصور الكازروني في “مفتاح الفتوح”: ‘ولدت فاطمة عليّاً عليه السلام في الكعبة.

ونقل عنها أ نّها كانت إذا أرادت أن تسجد لصنم وعليّ في بطنها لم يمكّنها، ولذا يقال عند ذكر اسمه: ‘كرّم اللَّه وجهه’ أي كرّم اللَّه وجهه عن أن يسجد لصنم’.

أنا لا أُحاول تصديق الرجل في كل ما يقول غير ما أتيت به من كلامه شاهداً لموضوع الرسالة، فإنّي لا اُصافقه على أنّ فاطمة كانت تسجد للصنم، وإن كان ابنها أكبر وازع عن عبادة الأوثان.

ولو كانت اُجوّز لها تلكم الاُسطورة، لما عداني اليقين بما ذكره من أمر جنينها.

لكنّي اعتقد أنّ كون الإمام سلام اللَّه عليه في بطنها حملاً، وتقدير كونها حاملاً له عليه السلام من اللَّه سبحانه منذ الأزل، كان عاصماً لها عن عبادة الأصنام كبرهان الربّ “العصمة” المانع يوسف عن الزنا.

وهذا هو الذي نعتقده في آباء النبيّ والأئمة عليهم وعليه السلام واُمهاتهم، فهم مبرّءون عمّا يصمهم في دين أو دنيا.

ولهذا البحث مقالٌ ضافٍ لا يسعه المقام، وإنّما المراد هنا فذلكة(24).

المقام من أ نّا لا نقيم لهاتيك الرواية الساقطة وزناً، وإن وافق راويها في إخراجها ابن حجر في “الصواعق”.

ولقد أُسرَّ ناقلها حَسوا في ارتغاء يزيد وقيعة في اُمّ الإمام، كما تحامل على أبيه المقدّس، فحكم بكفره لأمر دبِّرَ بليل، فصبّها في قالب الفضيلة له وتلقّاها الغير في غير ما رويّة.

وأسند عبد الرحمن الجاميّ في “شواهد النبوّة” (25)

حديث ولادة الكعبة إلى بعضهم.

غير أنّه خلط الحابل بالنابل، وجاء بعثرات لا تقال.

فحدّد عام المولد الشريف بالسابعة من عام الفيل، عن الضدّ من ضرورة التاريخ والحديث، وعلم النسب، المثبتة أنّه في الثلاثين، وشذّ من أرّخه بالثامن والعشرين منه.

ثمّ ذكر على ذلك: أنّه كان عند بعثة النبي صلى الله عليه و آله ابن خمسة عشر عاماً.

وعليه يجب أن تكون البعثة في الثاني عشر من عام الفيل، أو أن يكون الإمام عندها إبن ثلاثة وثلاثين عاماً.

وكلاهما مخالف للضرورة والإجماع.

وعلى العلّات، فالغرض من نقل ما ذكره الرجل هو ما عزاه إلى البعض من حديث الولادة نفسه، فلا يقصر أن يكون إحدى روايات الباب.

وللجامي رباعية في حديث الولادة، والشعراء تلمح إلى هذه الفضيلة بما يكاد أن يبلغ مبلغ الصراحة.

وقال الشيخ عبد الحقّ بن سيف الدين المحدّث الدهلوي في “مدارج النبوة” ما ترجمته: ‘قالوا: إنّه سمّته- يعني الإمام عليه السلام- اُمّهُ فاطمة بنت أسد “حيدرة” موافقة لاسم أبيها أسد، فإنّ حيدرة اسم للأسد، ولمّا جاء أبو طالب كره ذلك، فسمّاه “عليّاً”.

وسمّاه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالصديق كذا في “الرياض النضرة” (26)

: وكنّاه بأبي الريحانتين.

ولقّبه ب “بيضة البلد” و “الأمين” و “الشريف” و “الهادي” و “المهتدي” و “ذي الاُذن الواعية” و “يعسوب الاُمة”.

وقالوا: إنّ ولادته كانت في جوف الكعبة’ (27) مترجماً من الفارسية.

ولا منافاة بين ما ذكره من أنّ أبا طالب عليه السلام سمّاه عليّاً، وبين ما مرّ من أنّ التسمية كانت من عند اللَّه سبحانه، وأُنهيت إلى أبي طالب بطريق غير عادي.

وقد علمت أن شيخ الأبطح لما بلغه الأمر الإلهي سمّاه “عليّاً” فهي في الظاهر منسوبة إليه.

وأمّا تسرّع فاطمة بالتسمية فلا تصحّ عندي.

والأمير محمد صالح بن عبد اللَّه الكشفيّ التّرمذي الأكبر آبادي، بعد أن ذكر حديث يزيد بن قَعنب السابق ذكره بأسانيد متكرّرة مرسلة له إرسال المسلّم في كتابه “المناقب” نقل عن أبي داود البناكتي أ نّه ‘لم يحظَ أحدٌ قبلَ الإمام عليه السلام ولا بعده بشرف الولادة في البيت’ (28) مترجماً من الفارسية.

وفي “روائح المصطفى” لصدر الدين أحمد البردوانيّ من متأخري علماء القوم: ‘كانت ولادته عليه السلام في جوف الكعبة بعد عام الفيل بثلاثين سنة، يوم الجمعة في الثالث عشر من رجب’ (29) مترجماً من الفارسية.

وفي كتاب “آئينه تصوّف” لشاه محمد حسن الجشتيّ: ‘أ نّه عليه السلام ولد في الكعبة في الثامن عشر من رجب، سنة ثلاثين من عام الفيل عند الضحى قبل مبعث البي صلى الله عليه و آله بستّ سنين وستّة أيام’ (30) مترجماً من الهندية.

وفيه من الغرائب تعيينه يوم الولادة بالثامن عشر من رجب، وأغرب منه تحديده الوقت بما قبل البعثة بستّ سنين وستّة أيام.

فإنّ من المتسالم عليه أنّ مولده صلى الله عليه و آله في عام الفيل، وأنّ بعثته على رأس الأربعين من عمره الشريف، فيجب أن تكون ولادة الإمام عليه السلام، وهي بعد الثلاثين من عام الفيل قبل المبعث بعشر سنين.

وفي “مفتاح النجا في مناقب آل العبا” لميرزا محمّد بن رستم معتمد خان الحارثيّ البدخشيّ، بعد تحديد شهر الولادة ويومها من الاسبوع وسنتها بالجمعة في الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، وأ نّها بمكّة في البيت الحرام: ‘وسمّته اُمّه حيدرة، وسمّاه النبيّ صلى الله عليه و آله عليّاً، فرضي أبواه بذلك، ولم يولد في البيت الحرام أحدٌ سواه، قبله ولا بعده، وهي فضيلة خصّه اللَّه بها’.

وفي “كفاية الطالب لمناقب علي بن أبي طالب” للعلّامة الشيخ محمد حبيب اللَّه الشنقيطي المدرّس بالأهزر- بعد التزامه فيه بشدّة التحرّز من أحاديث الروافض المكذوبة، فيما زعمه، لأنّ الإمام عليه السلام في غنىً عنها لكثرة ما ثبت في السنّة من أحاديث فضائله-.

وأرسل إرسال المسلّم: أنّ من مناقبه- كرّم اللَّه وجهه-، أ نّه ولد في داخل الكعبة، ولم يعرف ذلك لأحدٍ غيره، إلّا حكيم بن حزام رضى الله عنه.

ففي “شرح الشفا” للشيخ عليّ القاري، بعد أن قال في حكيم بن حزام: ‘ولا يعرف أحدٌ ولد في الكعبة غيره على الأشهر’ ما نصّه: ‘وفي “مستدرك الحاكم” أنّ عليّ بن أبي طالب- كرّم اللَّه وجهه- أيضاً ولد في داخل الكعبة’ (31)

ليت القارى ء لم يسحب ذيل أمانته على كلمة الحاكم الموجودة في “المستدرك” التي أسلفنا إثباتها عند إثبات تواتر هذا الحديث.

وليته ذكر قوله: ‘تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في جوف الكعبة’.

ليت! وهل ينفع شيئاً ليتُ (32)؟ عذرته.

فهو حين رمى القول على عواهنه في ولادة حكيم بن حزام بإسناده إلى الأشهر- المستخرج من علبة مخيلته- لم يكن يسعه المصارحة بأنّ خلافه ممّا تواترت به الأخبار.

فلا أقل من التكافؤ بأن يكون كلّ منهما مشهوراً، فكان الأحفظ لسمعته والأستر لَمينِه (33)، أن يمسخ كلمة الإمام الحاكم إلى رأيت، وكان من المحتمل القريب أن لا يناقشه أحدٌ الحساب.

لكن الحقيقة لابدّ وأن تبرز نفسها.

***

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

24 ـ الفذلكة: مجمل ما فُصل وخلاصته. المعجم الوسيط- فذلك- 678:2.

25 ـ شواهد النبوة: 198، ط. المطبعة الحيدرية- بومباي- سنة “1288 ه”.

26 ـ انظر الرياض النضرة 104:3 و 107.

27 ـ مدارج النبوة 531:2، ط. لول كشور، 1914 م.

28 ـ مناقب مرتضوي: 87، ط. بومباي، سنة “1321 ه”.

29 ـ روائح المصطفى: 10، ط. كانبور، سنة “1302 ه”.

30 ـ آئينه تصوف: 9، ط. لامپور، سنة “1311 ه”.

31 ـ كفاية الطالب: 25 و 37، وشرح الشفا 151:1، طبع الآستانة، والمستدرك 483:3.

32 ـ مأخوذ من بيت لرؤية من العجّاج، عجزه: ليت شباباً بوعَ فاشتريت.

33 ـ المين: الكذب. لسان العرب- مين- 425:13.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky