الاجتهاد: قال مدير الحوزة البحرانية في قم سماحة الشيخ عبدالله الدقاق: إن النظام الخلیفي في البحرين يمارس التمييز في توظيف الشيعة ويُقصيهم عن المراكز الحساسة، مشددا على أن حرية الدين تتقيد عمليًا بسبب ممارسات الحكومة.
سماحة الأستاذ الشيخ عبدالله الدقاق هو أحد علماء البحرين البارزين والمناضلين، وممثل زعيم الشيعة في البحرين آية الله الشيخ عيسى قاسم. فسماحته الآن مدير الحوزة العلمية البحرانية في قم وعضو الجمعية العامة للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية أيضاً. أسقطت محكمة بحرينية في 30 آذار، عام 2017، الجنسية عن هذا العالم البارز وأصدرت حكمها ضده بالسجن لمدة 10 أعوام.
أجرى رئيس تحرير مجلة الآفاق حواراً مع سماحته حول: «أوضاع الشيعة في البحرين والأسباب الكامنة وراء تهميشهم».
بالنسبة إلى عدد السكان الشيعة في البحرين، يعتقد سماحة الشيخ الدقاق أنه ليس هناك إحصاءات رسمية دقيقة لعددهم، لكن الواقع هو أن الشيعة شكلوا دائمًا الأغلبية السكانية في هذا البلد. تسعى الحكومة البحرينية إلى تغيير التركيبة السكانية عبر سحب الجنسية من الشيعة ومنح الجنسية للسنة المهاجرين.
من أجل تحسين أوضاع الحريات المدنية للشيعة، يطالب الشيخ الدقاق بإجراء انتخابات لتشكيل جمعية تأسيسية وكتابة دستور جديد بناءً على إرادة الشعب. سماحته يعتقد أن حل المسألة السياسية سيمهد الطريق لحل باقي المشاكل الاقتصادية والقانونية.
كما أشار الشيخ الدقاق إلى التمييز الذي تمارسه الحكومة في توظيف الشيعة وإقصائهم عن المراكز الحساسة، ويرى أن الحرية الدينية تتقيد عمليًا بسبب ممارسات الحكومة.
وإليكم نص هذا الحوار:
الآفاق: هل توجد إحصائيات رسمية دقيقة لعدد السكان الشيعة في البحرين؟
سماحة الشيخ الدقاق: يدعي النظام الحاكم في البحرين، أنّ هناك إحصائية دقيقة لعدد السكان الشيعة في البحرين، وهم يدعون أنها قد تزيد على الخمسين في المائة بقليل. وبعض السنة المحسوبين على النظام في البحرين، يدّعون أننا وصلنا إلى النصف والتساوي، 50% السنة 50% الشيعة. ولكن واقع الحال في البحرين يكذّب ذلك؛ النظام يدعي أن عدد سكان البحرين وصل إلى مليون ومائتي ألف نسمة.
55% من هؤلاء مقيمون، و45% من هؤلاء هم السكان الأصليون. بناء على هذا يكون عدد سكان البحرين الأصليين قرابة 700 ألف. من هؤلاء 700 ألف سنة وشيعة وتعداد قليل جدا على عدد الأصابع أو يزيد من المسيحين واليهود.
حينما نشأنا في البحرين كان المعروف أن البحرين كانت كلها شيعة. وهذا مدوّن في التاريخ الإسلامي وذكره الشيخ يوسف البحراني في الكشكول. وأنّ سكان البحرين الأصليين كلهم شيعة ثم ورد أهل السنة.
وحينما كنّا صغارا كان المتداول أنّ نسبة السكان الشيعة في البحرين 80% إلى 85%؛ والشيعة هم الأكثرية. ثم بعد ذلك انتشر أنه عدد السكان الشيعة ونسبتهم 70%، ولكن حينما جاء الملك الحالي حمد بن عيسى آل خليفة كان عنده مشروع لتغيير التركيبة الديمغرافية في البحرين وتجنيس أهل السنة من دول مختلفة من إيران وباكستان وسوريا واليمن ومختلف بلدان العالم الإسلامي. فأعطاهم جنسية بحرينية وفي المقابل سلب الجنسية البحرينية عن المواطنين الشيعة ومنهم جنسيتي.
لذلك الآن النظام يدّعي أن الشيعة والسنة متساوون أو أكثر بقليل ولكن لا يوجد شيء رسمي لأن ملف تغيير التركيبة الديمغرافية ملف خاص موجود في الديوان الملكي ويشرف عليه سابقا أحمد عطية الله آل خليفة وزير شؤون مجلس الوزراء ورئيس الجهاز المركزي للإحصاء في البحرين وهذه معلومات خاصة بمركز الإحصاء وهو لا ينشر معلومات دقيقة؛ فالنتيجة لا توجد إحصائية دقيقة لنسبة الشيعة في البحرين
ولكن كواقع حال حينما اندلعت الثورة الرابع عشر من فبراير 2011 ميلادية وجدنا أن الشيعة البحارنة استطاعوا إيقاف السوق من خلال إضرابهم، واستطاعوا إيقاف مفاصل الدولة مما يدل على أنهم لا يزالون يمثلون أكثرية، ويستطيعون شلّ البلد ويستطيعون أن يتحكموا بمفاصل البلد؛ لذلك أقدم النظام على فصل الشيعة من المراكز الحساسة في مختلف وزارات الدولة.
الآفاق: حرية الدين مكفولة ظاهرياً بموجب الدستور البحريني، شريطة ألا «ينتهك الأفراد المعتقدات الأساسية للعقيدة الإسلامية». ومع ذلك، يبدو أن تطبيق هذه الحرية يخضع من الناحية العملية لتصرفات السلطات البحرينية. اشرح لنا قليلا هذه التصرفات.
سماحة الشيخ الدقاق: يقول بعض الباحثين إذا أردت أن تعرف النظر الحقيقي للسلطات، فاقرأ الدستور والقوانين بالمقلوب، فإذا قال الدستور انه حرية الرأي والمعتقد، فهذا يعني أنهم يعملون على تقييد حرية الرأي والمعتقد. مثال ذلك، أعلن النظام عن تسيير رحلات جوية مباشرة بين البحرين والعراق.
وذهب ملك البحرين إلى روسيا وفي مقابلة علنية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة: إن شعب البحرين يحب إيران ويحب الزيارات، ولكن في المقابل حينما فتحوا خط الطيران إلى النجف الأشرف والعراق وذهب شعب البحرين واشترى التذاكر، تفاجأ مَن ذهب إلى المطار أنهم أرجعوه وقالوا لهم لابدّ من الحصول على تصريح أمني والكثير من المواطنين قد خسر التذاكر؛ فمثل هذه الممارسات موجودة، يعلن النظام عن شيء ولكن في مقام العمل يوجد شيء آخر. وهكذا التضييق على العزاء، التضييق على مجالس الحسين عليه السلام.
مثال آخر: الفاتحة التي أقيمت على روح آية الله السيد رئيسي وآية الله آل هاشم إمام جمعة التبريز باعتبارهما عالمين من علماء الإسلام، فهي فاتحة علمائية، لكن النظام منع تلك الفاتحة وهكذا توجد ممارسات كثيرة، فالنظام يعلن عن شيء وفي مقام العمل يقوم بشيء آخر.
الآفاق: كيف تصف الوضع الحالي للحريات المدنية للشيعة في البحرين، وما هي التحديات الرئيسية التي يواجهونها فيما يتعلق بممارسة حقوقهم الدينية والمدنية؟ وهل هناك تحسّن ملموس في هذه الحريات أم أن هناك استمرارًا في السياسات التقييدية؟
سماحة الشيخ الدقاق: يقول البعض إن البحرين يوجد فيها سجن صغير وسجن كبير؛السجن الصغير هو معتقلات النظام في البحرين وسجونه؛ والسجن الكبير هو البحرين بأكملها لأن هناك تضييق على الحريات وعلى المعتقدات وتضييق على الناس في مصادر عيشهم ورزقهم، يمنعونهم من الحصول على البعثات الدراسية مع أن أذكى المتفوقين من الشيعة، ولكن لا يحصلون على البعثات الدراسية المناسبة لهم، يُضيق عليهم في فرص العمل، وفي مختلف الأمور، فالبحرين سجن كبير؛ ولكن في هذه الآونة الأخيرة هناك انفراجة بسيطة إذ أقدم النظام على الإفراج عن 622 معتقلا قبل عيد الفطر ومن المتوقع أن يُفرج عن الباقين وهم 556 سجينا سياسيا في الايام القادمة.
فالنظام يريد أن يرتب العلاقات مع الجمهورية الإسلامية في إيران من جهة ويريد أن ينظف الملف الحقوقي لتبييض وجه النظام أمام الرأي العام العالمي والمحافل الدولية من جهة أخرى، لذلك الآن يوجد بعض الإنفراجة البسيطة التي نأمل أن تتسع وأن يعود الوطن إلى ما هو أفضل.
الآفاق: كيف تؤثر القيود الأمنية المفروضة على الحريات المدنية للشيعة في البحرين، وما هي الآثار المترتبة على حياتهم اليومية وممارساتهم الدينية؟
سماحة الشيخ الدقاق: الآن هناك تحرّك من عائلات السجناء للإفراج عن ابنائهم. فهم يعتصمون أمام سجن جو المركزي، ويتظاهرون ويرفعون العرائض، ولكن سلطات النظام أحيانا تقمعهم. ربما تعتقل بعض آباء السجناء ثم تفرج عنهم لاحقا لأنها لا تريد أن توتّر الوضع أكثر. ولكن هناك اعتقالات حصلت في الآونة الأخيرة وفي الأيام الماضية فلا يزال الوضع متوتّرا في البحرين ونحن نعيش إرهاصات ما قبل الإنفراج إن شاء الله تبارك وتعالى.
شعب البحرين يعشق الحرية وتربّى على مذهب أهل البيت عليهم السلام وعلى مدرسة سيد الشهداء سلام الله عليه والذي يقول هيهات منّا الذلة، فهذا الشعار من أبرز وأهم شعارات أهل البحرين ومنها: “لن نركع إلا لله ومنصورين والناصر الله” ويريدون أن يتظاهروا ولكن يُمنعوا من التظاهر لأنه لكي تتظاهر لابد من الحصول على رخصة وترخيص رسمي للمظاهرة والسلطات لا تعطي هذا الترخيص الرسمي؛ إذن هناك تقييد للحريات الدينية ولحرية الرأي والتعبير في البحرين.
الآفاق: هل هناك تمييز في حقوق العمل والتعليم ضد الشيعة في البحرين، وكيف تؤثر هذه الممارسات على فرصهم الوظيفية والتعليمية؟ وهل هناك جهود ملموسة لمعالجة هذه القضايا وتحقيق المساواة؟
سماحة الشيخ الدقاق: بعد ثورة الرابع عشر من فبراير 2011 م والتي حصل فيها إجماع شيعي وفي يوم واحد استقال جميع الوزراء الشيعة وجميع البرلمانيين الشيعة وحصل إضراب في السوق المركزي وقد احتجوا اعتراضا على قمع نظام آل خليفة لدوّار اللؤلؤة وفض الاعتصام بالقوة بمعونة قوات الإحتلال السعودي؛ بعد ذلك أدرك النظام أن الشيعة لهم شوكة وقوة وعمل على تطهير مؤسسات الدولة والوزارات والمواقع الحساسة من الشيعة.
قام بتطهير المواقع من الموظفين القدامى وكثير منهم أحالهم على التقاعد، طبعا بعد الدوّار أقال الكثير منهم وأخرجهم من العمل ثم أرجع بعضهم، ولكن بعد ذلك لاحظ ورصد الوزراء أو وكلاء الوزارات أو المسؤولين الكبار والنافذين والمتنفذين من الشيعة، وعمل على إخراجهم عبر التقاعد المبكر، وابدلهم ببعض أهل السنة أو المجنّسين أو المحسوبين على النظام في البحرين حتّى لا تكون قوة وشوكة للشيعة في البحرين. لذلك الآن لا توجد مراكز مهمة وحساسة للشيعة في البحرين.
نعم عمل ولي عهد البحرين على أن يبرز أن الشيعة لهم دور كبير والآن مجلس الوزراء مكوّن من واحد وعشرين وزيرا جعل تسعة منهم من الشيعة وهذا لا سابق له في العهود السابقة لكي يقول للمحافل الدولية إن قرابة نصف وزارتي من الشيعة والشيعة حقوقهم ليست مضيّعة وجاء بوزراء من عوائل شيعية مرموقة ومعروفة حتى يقول إنّنا قد أعطينا الشيعة حقوقهم.
وهؤلاء الوزراء هم من عائلات مرموقة لكن ليس لهم امتداد شعبي كبير، ليسوا كالعلماء الذين لهم امتداد شعبي ويحملون هموم الناس وليسوا من القادة السياسيين أو الأحزاب والجمعيات السياسية التي تحمل همّ الناس والمعارضة، فهو يستفيد من هذا الجانب الشكلي والصوري لتلميع صورته أمام الرأي العام العالمي من دون أن نجد أثر ذلك في الواقع المحلي.
الآفاق: هل هناك أمثلة على انتهاكات حقوق الإنسان التي تعرض لها الشيعة في البحرين؟
سماحة الشيخ الدقاق: الكثير من السجناء قد فقد أبا أو أمّا أو بعض أقربائه وهو في السجن ولم يُفرج عنه لتشييع والدته أو والده؛ مثلا الأستاذ حسن مشيمع، الآن قد تجاوز السبعين وهو الآن في السجن الإنفرادي على ما يزيد على السنتين وهو يعاني من مرض السرطان وأمراض أخرى ويضيّق عليه؛
هناك تقارير مفصلة عن الإنتهاكات التي يتعرض لها السجناء في البحرين، والوضع في البحرين بالنسبة إلى حرية الرأي والتعبير امني بامتياز، فقد عطلت صلاة الجمعة في جامع الدراز كذا سنة، وهي الصلاة التي كان يقيمها سماحة آية الله المجاهد الشيخ عيسى أحمد قاسم ومن بعده سماحة العلامة الشيخ محمد صنقور، عطلت لسنوات وعطل جامع الإمام الصادق عليه السلام بالدراز لسنوات وسمح له مؤخرا ويتعرض أئمة الجمعة للتضييق والمحاسبة على مضامين هذه الخطب، فالإنتهاكات متواصلة ولا تزال الأجهزة الأمنية تراقب خطب الجمعة والجماعة والمظاهرات وتُحكم السيطرة عليها.
الآفاق: ما هي الخطوات العملية والإصلاحات التي يمكن اتخاذها لتعزيز الحريات المدنية للشيعة في البحرين في المستقبل؟ وكيف يمكن للحكومة والمجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان أن يتعاونوا لتحقيق تحسين ملموس في هذا المجال؟
سماحة الشيخ الدقاق: مشكلتنا في البحرين في الأسلس سياسية بامتياز، وبقية المشاكل تتفرع على المشكلة السياسية؛ فالمشكلة الحقوقية والمشكلة الاقتصادية ومشكلة الحريات تتفرع على المشكلة السياسية وأساس المشكلة السياسية هو دستور البحرين. كان في البحرين دستور 1973 وتحركت انتفاضة التسعينات في ديسمبر 1994 للمطالبة بإعادة العمل بدستور 1973، ولكن الأمير الراحل رفض ذلك واستمرت الانتفاضة الشعبية إلى أن جاء الملك الحالي وجاء بمشروع ميثاق العمل الوطني؛ ثم جاء بدستور جديد من طرف واحد فرضه على الشعب وهو دستور المنحة لعام 2002 ميلادية.
وفي هذا الدستور رُكز على أمرين؛ أولا جعلت جميع السلطات بيد الملك، وثانيا هُمّش دور المجلس النيابي والمجلس الانتخابي. نحن نطالب بدستور عقدي في البحرين؛ أي إنّنا نطالب بانتخابات لمجلس تأسيسي يعمل على كتابة وصياغة دستور البحرين الجديد والذي يعمل على كتابته ممثلوا الشعب الذين انتخبوهم وانتخبهم الشعب بالاقتراع الحر المباشر.
إذن هناك خطوتان؛ الخطوة الأولى إقامة انتخابات للمجلس التأسيسي، والخطوة الثانية يجتمع المجلس التأسيسي وممثلوا الشعب لكتابة دستور يرتضيه شعب البحرين وهذا الدستور يمثّل عقدا ووثيقة سياسية بين الحاكم والمحكوم، بين الشعب والملك؛ فالخطوة الأولى هي المجلس التأسيسي والخطوة الثانية هي كتابة دستور عقدي للخروج من عنق الزجاجة وحل المسألة السياسية. فإذا انحلت المسألة السياسية سينحل وسنجد حلولا لما يتفرع عليها من المشاكل الاقتصادية والحقوقية.
والله ولي التوفيق.