الاجتهاد: درج الأخوة من أهل السنة غالباً على صيام شهر رمضان قبل يوم واحد من صوم أخوتهم الشيعة، من هنا يتأتى السؤال عن سبب هذا الاختلاف، وعن الأدلة التي اعتمدها الفريقان في ذلك. وبدءاً نقول ان الاختلاف في حقيقته ليس بين الشيعة واهل السنة قاطبة، وإنما حقيقة الخلاف بين الحنابلة وباقي المذاهب الإسلامية ومن ضمنهم الشيعة، فالكل متفقون على صوم الشهر عند رؤية الهلال،
وفي حالة عدم رؤيته يعد هذا اليوم متمماً لعدة شعبان؛ لحديث النبي صلى الله عليه وآله “صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين” رواه البخاري عن أبي هريرة،
ومعنى الحديث: أن السماء إذا كانت صحوا فأمر الصوم يتعلق برؤية الهلال فلا يجوز الصيام إلا إذا رئي الهلال، أما إذا كان بالسماء غيم فإن المرجع في ذلك يكون إلى شعبان بمعنى أن نكمله ثلاثين يوما. ولم يخالف في ذلك غير الحنابلة لروايتهم حديثاً عن ابن عمر مفاده: “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له”. فقالوا: إن معنى “فاقدروا له” من الإقدار وهو التضييق، فيكون المعنى فإن غم فضيقوا شعبان اي اجعلوه تسع وعشرين يوماً.
يقول عبد الرحمن الجزيري: “وبهذا أخذ ثلاثة من الأئمة (المالكية والأحناف والشافعية) وخالف الحنابلة حال الغيم عملا بلفظ آخر ورد في حديث آخر وهو صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له . فقالوا : إن معنى ” فاقدروا له ” احتاطوا له بالصوم وقد احتج الحنابلة لذلك بعمل ابن عمر راوي الحديث فقد ثبت أنه كان إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يبعث من ينظر فإن رأى فذاك وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب وقتر أصبح مفطرا وإن حال أصبح صائما”. الفقه على المذاهب الأربعة، ص 501.
وعليه فالحالات بحسب مذهب الحنابلة ثلاث: الأولى رؤية الهلال فيجب الصوم ويعتبر من رمضان. والثانية عدم رؤيته بسبب الموانع من غيم ونحوه ايضا فيجب الصوم ايضاً واعتباره من رمضان عملاً بحديث ابن عمر. والثالثة عدم رؤيته لا بسبب الغيم وباقي الموانع فلا يجب الصوم ولا يعد من رمضان.
والخلاصة ان الخلاف في دخول شهر رمضان منحصر بين الحنابلة وباقي المسلمين، وأن سبب ذلك حديث رووه عن ابن عمر “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له”، ففسروا قوله (فاقدروا له) بالتضييق اي بقصر شهر شعبان على تسع وعشرين يوما.
لكن اعترض أكثر العلماء على هذا التفسير للحديث، لاحتمال ان يكون المراد من قوله (فاقدروا له) قدروا عدده، اي اكملوه ثلاثين يوماً، كما وأن الحديث معارض بما رواه والتزم به جمهور أهل السنة وهو حديث “صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين”، وكذلك ما روى البخاري (1914) مسلم (1082) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ).
قال محمد بن محمد المختار الشنقيطي في شرح زاد المستقنع: والذي يترجح والعلم عند الله هو قول الجمهور: وهو أنه إذا حال بين الناس وبين رؤية الهلال غيم أو قتر فأنه لا يجب عليهم صيام يوم الثلاثين، والدليل على ذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمر في الصحيحين: “لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين”، وهذا يدل على أننا لا نصوم يوم الشك، وهذا نهي تحريم. هذا اولاً.
وهناك سبب آخر لهذا الاختلاف يعود لاختلاف العلماء في مسألة ثبوت رؤية الهلال في بلدٍ دون سائر البلاد، فهل يلزم بقية البلدان العمل به، أم لا؟ فذهب جمهور علماء السنة إلى أنَّ الهلال إذا رُئيَ في بلدٍ لَزِم جميع البلاد الصَّومُ والعَملُ بتلك الرُّؤية في الصِّيام والإفطار؛ فيَلزِم أهلَ المشرق رؤيةُ أهل المغرب. وبظهوره -أي الهلال- يجب الصومُ على جميع أقطار المسلمين، وهو مَذهب الحنفيَّة – على المُعتَمَد الرَّاجح عندهم، وهو ظاهر المذهب- ومذهب المالكيَّة في رواية ابن القاسم والمصريون كما قال ابن عبد البرِّ، ومذهب الحنابلة، وقولٌ عند الشَّافعيَّة، ورجَّحه ابن تيمية والشَّوْكاني والقنوجي.
قال الجزيري: إذا ثبت رؤية الهلال بقطر من الأقطار وجب الصوم على سائل الأقطار لا فرق بين القريب من جهة الثبوت والبعيد إذا بلغهم من طريق موجب للصوم. ولا عبرة باختلاف مطلع الهلال مطلقا عند ثلاثة من الأئمة وخالف الشافعية فانظر مذهبهم تحت الخط (الشافعية قالوا: إذا ثبتت رؤية الهلال في جهة وجب على أهل الجهة القريبة منها من كل ناحية أن يصوموا بناء على هذا للثبوت والقرب يحصل باتحاد المطلع بأن يكون بينهما أقل من أربعة وعشرين فرسخا تحديدا أما أهل الجهة البعيدة فلا يجب عليهم الصوم بهذه الرؤية لاختلاف المطلع). الفقه على المذاهب الأربعة ص503.
فأكثر علماء المذاهب الثلاثة (المالكية والحنفية والحنابلة) يفتون بوجوب الصوم عند رؤية الهلال في أي بقعة من الأرض وإن لم نشترك معها في الأفق، بخلاف الإمامية والشافعية فقد افتوا بتعدد آفاق البلدان، فإذا رؤي الهلال في بلد يثبت فيه والبلدان المشتركة معه في الأفق دون سائر البلاد الأخرى.
ومن الواضح تأثر فتوى فقهاء المذاهب الثلاثة بفكرة تسطيح الأرض، وإنها ليست كروية كما كان هو الاعتقاد السائد قديماً فأفتوا بوحدة الأفق لكل الأرض.
والخلاصة: يرجع سبب اختلاف المذاهب الإسلامية في ثبوت الهلال الى سببين رئيسيين:
الأول: تفسير الحنابلة لكلمة (فاقدروا له) بتضييق شهر شعبان وجعله تسع وعشرين يوماً، وقد خالفهم جمهور المسلمين بما فيهم الإمامية.
الثاني: الاختلاف في وجوب الصوم على سائر بلدان الأرض عند رؤية الهلال في بلد واحد، فذهب جمهور علماء المالكية والحنفية والحنابلة الى وجوب صوم سائر البلدان، وذهب الإمامية والشافعية الى عدم الوجوب واختلاف البلدان في المطالع والآفاق.
المصدر: موقع الأئمة الاثنا عشر