مراد-غريبي

روّاد الفكر الإسلامي وسياق المقارنات الفكريّة العالميّة / المفكر الجزائري مراد غريبي

الاجتهاد: وصلني نصّ جديد من كلمات ومواقف للأستاذ الفاضل حيدر حبّ الله بعنوان “قراءة الرموز والشخصيّات في سياق المقارنات مع الفكر العالمي”،

حيث تناول الأستاذ حبّ الله موضوع جدّ استراتيجي فيما يتعلّق بالبحوث والدراسات في المجال العربي والإسلامي الخاصّة بالرموز والشخصيات العلميّة والفكريّة، سواء منها الأكاديميّة أو الدينيّة،

حيث نوّه ونبّه لضرورة الانتقال لحقل البحث المقارن خارج الدوائر المحليّة، سواء القوميّة أو المذهبيّة، نحو العالميّة؛ معلّلاً ذلك إلى فتح آفاق جديدة ومعمّقة في النظر والنقد لفكر شخصيّاتنا ورموزنا من خلال نهج مقارنة الطروحات والنظريّات ذات المسائل والمطالب والمباحث ذاتها.

وهذا توجّه يحتاج لمناقشات عميقة حول راهن البحث العلمي ومدى رصانة المناهج البحثيّة المتداولة خصوصاً تطبيقاً في مجالات وأروقة وحقول الفكر الإسلامي كلها..

ممّا يدفعنا لطرح سؤال منطلقي: هل ابستيمياً يمكن افتراض وجود تقابل فكري ومعرفي بين رموز الفكر الإسلامي والفكر الديني الآخر خاصّة الغربي منه والإنساني ككل؟

أم نمهّد لذلك بدراسة كيف تلقّى رموز الفكر الإسلامي المجدّدين والتنويريّين ـ إن صح التعبير ـ الفكرَ الإنساني غير الإسلامي، الديني منه والأكاديمي بمعاييره المنهجيّة وحمولات مفاهيمه؟

قبل الإجابة على هكذا إشكالات من خلال تحديد بقع الضوء التقابليّة التي يمكن التأسيس عليها في إعلان ميلاد حقل علمي خاصّ بالفكر الإنساني المقارن ضمن أطر البحث العلمي في الفكر الإسلامي، لابدّ من إدراك أنّ هذا المنحى أو المطلب يؤكّد مرّةً أخرى على ضرورات المراجعات المعمّقة والجدليات المنهجيّة الخلاقة للنزعة الإنسانيّة ضمن فلسفة الفكر الإسلامي وتجاوز مستويات الغرور الفوق ـ عنصريّة، سواء المذهبيّة أو القوميّة أو الدينيّة.

والملاحظ أنّه موضوعيّاً هناك حاجة ملحّة وضرورة مركزيّة لتشكّل نخبة مختصّين بالفكر الغربي المعاصر، وكذلك ذاتيّاً الفكر الإسلامي المعاصر بحاجة لفكّ جدليّات القيم والمعايير وتفريغ الإرث الفكري من أثقال المقدّس الوهمي، وعلى أساس هذين السببين يمكن ترشيد مسار الأطروحات في العلوم الإسلاميّة المعاصرة.

وعليه دعوة الأستاذ المبجّل حيدر حب الله إلى تنوّع المقارنات، هي دعوة للانفتاح بثقة وجدّ واجتهاد لخوض غمار العلم والمعرفة والإسهام عالميّاً بسلعة معرفيّة ذات قيمة وجودة،

كما أنّها دعوة تخاطب العقول المعلّبة مذهبيّاً وطائفيّاً لتفتح نوافذها على هواء العلوم الطلق، حتى تستطيع وعي وإدراك عدّة أطروحات وأفكار ونظريّات توصّل لها العديد من رموز الفكر الإسلامي برحابة عقولهم وسلامة قلوبهم وثقتهم في العقل الإسلامي الرصين بالقرآن العظيم والسنّة الصحيحة، واعتماداً على النباهة التي استطاعت أن تعبر بالقيم نحو المعايير حتى لا تبقى حبيسة الخطابات الخشبيّة أو الأفكار الميتة أو القاتلة بحسب تعبير المفكّر الراحل مالك بن نبي ـ رحمه الله ـ.

هذه الكلمة/الموقف يمكن أن تكون رسالة البحث العلمي المقارن إلى روّاد الدراسات الفكريّة والفلسفيّة الإسلاميّة، بما يغني الوعي ويمتّن المناهج، كما أنّ هذا السبيل عين الصواب في زمن اللاحدود، حيث التسابق الزمني بين عواصم العالم يزداد مع كلّ ثانية أو أقلّ من الثانية، لما للاهتمامات الأمميّة في المعمورة بالإنتاج العلمي، تعكس أهميّة التفاعل والتثاقف والتعارف في تحقيق التنمية المستدامة.

وعلى الرغم من كلّ الحوادث والاضطرابات والتحدّيات التي تعيشها الإنسانيّة، إلا أنّ الرهان المشترك لدى جميع الأفراد والمجتمعات هو التطوّر العلمي بحثاً وإبداعاً وتطبيقاً، لتحقيق التحرّر والاستقلاليّة الحقيقيّة على جميع الصعد.

وأوّل خطوة هي تحرّر العقل من معطّلات الانفتاح كالجمود والتقوقع والنكوص بمبرّر ملكيّة الحقيقة أو العصمة المعرفيّة.

لهذا كلمة الأستاذ حبّ الله دقّت ناقوس خطر، سواء بالنسبة للتحديات الفكريّة المواجهة للفكر الإسلامي المعاصر من جهة، كما أشارت أيضاً لأمراض نفسيّة مستشرية في أروقة ومخابر المؤسّسات العلميّة الدينية والأكاديميّة، والتي أساءت للعديد من الرموز والقامات العلميّة والفكرية، إمّا حقداً أو جهلاً أو مجاملةً لجهات لا تؤمن بالحوار العلمي ومعاييره وآفاقه وأخلاقيّات سبل العلم والمعرفة.

كلّنا أمل أن يُستفاد من النتاج المعرفي والعلمي في فتق القوى الكامنة في المنطق الإسلامي، وليس عبر خطاب الاصطفاء، كمن وصفهم القرآن بأنّهم يحبّون أن يُحمَدوا بما لم يفعلوا..

هذه السطور جاءت عفويّاً وتفاعلاً مع كلمة الأستاذ المكرّم حيدر حبّ الله، كما أنّها تهدف لطرح الإشكال التصوّري لبناء تنوّع مقارنات ضمن مناهج البحث العلمي في الفكر الإسلامي المعاصر، وأيضاً بعض المناشدات لسماحة الأستاذ المبجّل حيدر حبّ الله:

أ ـ تطوير هذه الكلمة وهذا الموقف، لتكون رسالة كـ (رسالة سلام مذهبي) أو ورقة عمل لبلورة رؤية شاملة وعميقة لتأسيس علم الفكر المقارن، كنواة تأسيسيّة واعدة في الأفق القريب.

ب ـ الدعوة للاهتمام أكثر بالأبحاث الأنطولوجيّة (علم المعلومات).

ج ـ الحث على استثمار الفضاء الرقمي في تنظيم حوارات ولقاءات وورشات علميّة خاصّة بالمقارنات الفكريّة، تصحيحاً للمفاهيم المغلوطة، ودحضاً للأحكام التسقيطيّة المنافية لكلّ أخلاقيّات المعرفة والحريّات الفكريّة.

د ـ تفعيل المزيد من الأفكار والمشاريع لبحوث فكريّة وفلسفية مقارنة مع الفكر العالمي.

هـ ـ ضرورة تشجيع الباحثين والعلماء على ابتكار نماذج ومناهج بحث خاصّة بالفكر المقارن، حتى تتلائم وتؤسّس لحقل معرفي علمي خاص جديد، تساير وتطوّر مباحث أصول الفقه المقارن ومشاريع حوار وتعارف وتعايش الحضارات.

و ـ إصدار مجلّة علميّة محكمة تعتني بدراسات وبحوث سياق المقارنات الفكريّة العالميّة.

يمكن إذاً مقاربة هكذا كلمات ومواقف لأحد أعلام الدرس التجديدي في الفكر الاسلامي المعاصر، مقاربة توصيف وتحليل ونقد وإثارة للإشكالات والإضاءات المتحرّرة من كلّ ضغط، مع مراعاة السياقات الراهنة من داخل الفكر الإسلامي ومن خارجه؛ لفهم آليّات إنتاج الفكر المقارن وضبط نتائجه وترويجها دون الوقوع تحت تأثير أيّ اتّجاه من اتّجاهات الفهم المُسبَق أو الكلاسيكي المنغلق، وأيّ مسعى من مساعي تكييفه براغماتيّاً كان أو مصلحيّاً أو غيره؛ لأنّ قضيّة التفكير الإسلامي أساساً هي إنسانيّة وحضاريّة بامتياز.

 

* كاتب وباحث في الفكر، من الجزائر.

المصدر: موقع الشيخ حيدر حب الله على النت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky