الاجتهاد: صراع لا ينتهي، مناكفات مستمرة، تقارب في جوانب وخلاف جذري في جوانب اخرى والكثير بعد هو ما يلف العلاقة ما بين الدين والسياسة. علاقة جعلت من نفسها مادة دسمة في أوساط الساعين في دهاليز تفكيكها وفهمها ومقاربتها وحتى تأطيرها.
وفي هذا السياق وتحت عنوان “دور المؤسسات الدينية في الحياة السياسية اللبنانية” أقام معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية ندوة حوارية حاضر فيها كل من نائب رئيس تحرير جريدة الأخبار بيار أبي صعب، المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان، رئيس المحكمة الروحية في أبرشية صيدا –مرجعيون للروم الأرثوذكس الأب إبراهيم سعد، رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المقاومة الشيخ ماهر حمود، وأمين عام مؤسسة العرفان التوحيدية الشيخ سامي أبو المنى.
أبي صعب
واستهل أبي صعب الندوة مشيرا إلى أن هناك عدد كبيرمن اللبنانيين يطرحون رؤية اخرى للدولة اللبنانية ولا اعتقد أن هذه الرؤية هي ضد المؤسسة الدينية بل ان الخيارات السياسية والإجتماعية والثقافية والفكرية تقربنا أكثر من الدين والفكر الديني، لافتا إلى أن سوء التفاهم الموجود في مجتمعاتنا يتمثل بالإدراك الخاطئ لفكرة العلمانية التي ينظر الناس إلى أتباعها على أنهم كفار وملحدين.
وتابع أبي صعب أن المؤسسة الدينية في فترة من فترات التاريخ كانت المؤسسة الدينية داعمة للسلطة الجائرة والمستبدة ، مضيفا أن اليوم النظرة إلى الدين هي نظرة غنية ومنوعة ومن الظلم ان نختذلها من موقع العلمانيين بمؤسسة تمنع التطور وجائرة وتمنع الحرية عني كفرد. مؤكدا أن الحديث عن دولة مدنية في لبنان يهدف إلى الوصول إلى دولة لا طائفية.
الشيخ قبلان
من جانبه أشار الشيخ قبلان إلى أن أصل نشأة لبنان تم بقرار فرنسي سياسي وليس بقرار ديني، لافتا إلى أن هناك اختلاف كبير بين لبنان المنتج ولبنان الرؤية وهذا يعني أن معركتنا اليوم هي معركة لبنان الرؤية وكيف يجب أن يكون. مؤكدا أننا كمؤسسة دينية نصر على الدولة المدنية، وأعني بذلك أن نؤكد على قناعتنا الدينية بصيغة دستور للسلطة العامة موضوعه المواطن اللبناني بما هو مواطن وبما في ذلك السلطات الثلاث وما يتبعها من الوظائف العامة والسياسات العامة والقانون الانتخابي ونحن مع ذلك دون تحفظ، وبتعبير آخر نحن نريد دولة مهيكلة بشكل كامل بعيدا عن هوية من يحكم لتمثيل المواطنة وضمان خدماتها بعيدا عن الدين والطائفة.
وأضاف قبلان: نحن وبخلفية دينية ضد الاحزاب والعقليات التي تروج للموضوع الطائفي او توظف الطائفة كند للمواطنة، لافتا إلى أن المؤسسة الدينية بتجربتنا وصيغتنا تعتقد بأولويات رئيسية منها ضرورة كرامة الإنسان، قداسة حقوقه ليس بخلفية حق حياتي فحسب، بل بما يضمن هذا الحق من كل الجهات الإستشفائية والتربوية والإجتماعية والمهنية والسياسية وباقي العناوين كالكفالات المضادة للبطالة والشيخوخة وباقي عناوين الحاجة الطبيعية والإجتماعية، وقبل هذه وتلك ضرورة تأسيس دولة المواطنة.
الأب سعد
أما الأب سعد فاعتبر أننا نحن الآن في أزمة لأنه هناك حكم مسبق على ماذا سنقول ولهذا رفض مسبق على ماذا سنقول دون أن يسمعونا، مضيفا أنني كلبناني لا رجاء لي من هذا البلد لأن هذا البلد سيبقى على حاله في ظل عدم وجود الإستعداد الفكري والثقافي لأي تغيير إلا في المنابر وعلى المنابر وفي الجلسات الخاصة عندنا لغة اخرى هي دائما إيذائية.
وتابع سعد: الكنيسة بما فيها جوهري ودائم أي من حيث إنتمائها للمسيح غير متضامنة مع اي نظام اقتصادي او سياسي او اجتماعي او يجب ان تكون كذلك لانه عندما يتنكر اي نظام معين للمصلحة العامة ويقتصر على توفير مصلحة بعض المستغلين على الكنيسة ان لا تكتفي بفضح الظلم، بل يجب ان تتنصل من هذا النظام الظالم. مؤكدا ان السيد موسى الصدر ليس رجل سياسة بل هو رجل وطن. ولفت الى انه لا وطن اذا كان هناك طائفية ولن يكون. منوها إلى أننا في أزمة ولا رجاء ولا أمل إلا بثورة لدولة مدنية بكل معنى الكلمة، وانا لا حرج عندي كلبناني ومسيح وأرثوذكسي وكرجل مكرس من أن يكون أي مسلم بأي وظيفة وبأي مركز اذا كان على الاخلاق التي اؤمن بها.
الشيخ حمود
من جهته اعتبر الشيخ حمود أن المشكلة ليست في المؤسسة الدينية او المدنية، من قال انها اذا كانت دولة مدنية لا يوجد فيها اناس يظلمون ويقتلون ويسرقون؟، ونفس الأمر اذا كان في دولة دينية فهل كل الناس معصومين؟، المقياس الرئيسي الإنسان واستقامته. مؤكدا ان المشكلة هي الفرق الشاسع بين النظرية والتطبيق عند الجميع.
وتابع الشيخ حمود المشكلة الرئيسية هي تبعية الجهات الدينية للجهات السياسية المالية، والمشكلة أيضا في الإنسان الذي اذا صلح وحتى اذا كان النظام فيه خطايا الامور تسير على ما يرام، وان فسد لو أتينا له بأفضل الأنظمة لن يحصل الشيء المطلوب أبدا، لذلك لا يجب أن نحلم بأن الدولة المدنية ستنقلنا إلى ما فوق الغيوم.
الشيخ أبو المنى
بدوره لفت الشيخ أبو المنى إلى أن التركيبة اللبنانية معقدة ونظامه فريد من نوعه يراعي التنوع الطائفي والمذهبي وبنفس الوقت يميل الى ان يكون هناك دولة مدنية واذا هناك حاجة لإيجاد توازن بين هذه العناوين، مبينا ان الازدواجية في الولاء لا تبني وطنا. مؤكدا انه اذا كان من حق الاحزاب ان تعمل خارج الطوائف فعليها ان تسعى لتبني مفهوم وطني غير معادي للدين وفي نفس الوقت للمؤسسة الدينية دور اساسي في التربية والتوجيه وبث الروح الوطنية.
المصدر: شفقنا