تتناول هذه الورقة دور الإسلام في مكافحة المخدِّرات من خلال خمسة محاور: المحور الأول: تعريف المخدِّرات لغةً واصطلاحاً وشرعاً وقانوناً. المحور الثاني: أنواع المخدِّرات ومدى تأثيراتها على العقل والأخلاق. المحور الثالث: الأضرار الصحية للمخدِّرات. المحور الرابع: معالجة الإسلام لمشكلة المخدِّرات. المحور الخامس: الختام وأهم النتائج والتوصيات. بقلم: الفاتح محمد.
موقع الاجتهاد: إنَّ الشريعة الإسلامية حرَّمت المسكِرات والمخدِّرات؛ نظراً إلى ما فيها من الأضرار الفادحة، والأخطار البادية، وإنَّ الإسلام يَرمي من خلال تعاليمه النيِّرة، وآدابه الطيبة، إلى الحفاظ على النفسِ، والمال، والعقل، والعِرْضِ، والمسكِراتُ والمخدِّرات تؤدِّي بصاحبها إلى حِرمانه مما يملِكُ من المال، وإلى إرخاء الستر على العقل، وتعرِّضُه لهَتْك العِرض، والقضاء على النفس.
وكانت المخدِّرات قبل الإسلام شيئًا مألوفاً عند العرب جميعاً، وكانت عندهم كسائر المأكولات والمشروبات في عامة الأحوال، وكانت قد تغلغلتْ في نفوسهم، حتى إنَّهم كانوا يَمدَحُونها في شعرهم؛ حيث يبدؤون قصائدَهم عادةً بذكر الأطلال، ثم وصف الخمر.
يقول عنترة بن شداد:
ولقد شَرِبْتُ من المـُدامَةِ بعدَ ما *** رَكَدَ الهواجِرُ بالمـِشُوفِ المـُعْلَمِ
ويقول عمرو بن كلثوم:
ألاَ هُبِّي بِصحنِكِ فاصْبَحِينا *** ولا تُبْقِي خُمُورَ الأندرينا
فكان مبعثُ النبي الكريم محمدٍ (صلى الله عليه وسلم) رحمةً للبشرية جمعاء؛ ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾()؛ حيث كان (عليه الصلاة والسلام) يُحِلُّ لهم الطيباتِ، ويحرِّم عليهم الخبائثَ؛ ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾()، وكانت المخدِّرات تعتبرُ في كل زمان مُخزِيةً لأخلاق الإنسان، وناعيةً على كلِّ خيرٍ وإحسان، فمَقَتَها بعض العرب في الجاهلية أيضاً مقتاً شديداً، ونَأَوا عنها ونهوا، وبالرغم من ذلك كان معظم العرب وغيرهم في بلاد العجم يحبُّون الخمر حبّاً جمّاً، ويشربونها شُرْباً لمـَّاً، فكان النهيُ عنها في الإسلام وتحريمها في القرآن على نحوٍ تدريجي بعد أن بيَّن للناس أضرارها وأخطارها، مصحوبةً بالأدلة العقلية.
تتناول هذه الورقة دور الإسلام في مكافحة المخدِّرات من خلال المحاور التالية:
المحور الأول: تعريف المخدِّرات لغةً واصطلاحاً وشرعاً وقانوناً.
المحور الثاني: أنواع المخدِّرات ومدى تأثيراتها على العقل والأخلاق.
المحور الثالث: الأضرار الصحية للمخدِّرات.
المحور الرابع: معالجة الإسلام لمشكلة المخدِّرات.
المحور الخامس: الختام وأهم النتائج والتوصيات.
المحور الأول: تعريف المخدِّرات لغةً واصطلاحاً وشرعاً وقانوناً:
المخدِّرات هي المواد المسبِّبة لحالة الإدمان، سواء كانت هذه المواد طبيعية أو مصنَّعة، وتشمل هذه المواد قائمةً طويلة من الأنواع؛ كالكحوليات، والقنبيات، الأمفيتامينات، والمهلوسات،….إلخ.
والتعريف اللُّغوي للمخدِّرات مأخوذٌ من اللفظ (خَدَرَ) ومصدره التخدير، ويعني (سَتَرَ)، حيث يُقال: تخدَّرَ الرجلُ أو المرأةُ، أي استترَ أو استترتْ، ويُقال: يومٌ خَدِرٌ، أي مليءٌ بالسحاب الأسود، وليلةٌ خَدِرَةٌ، أي شديدة الظلام. ويُقال أنَّ المـُخدِّر هو الفتور والكسل الذي يعتري شارب الخمر في ابتداء السُكْر، أو هي الحالة التي ينتج عنها الفتور والكسل والسكون الذي يعتري متعاطي المخدرات، كما أنَّها تعِّطل الجسم عن أداء وظائفه، وتعطِّل الإحساس والشعور.
وجاء في لسان العرب لابن منظور: أنَّ المخدِّرات مشتقةٌ من الخدر، وهو سترٌ يُمدُّ للجارية في ناحية البيت. والخدر يعني الظلمة، والخدرة تعني الظلمة الشديدة، والخادر هو الكسلان، ويعني الخدر من الشراب أو الدواء؛ فتور وضعف يعتري الشارب().
ويُقال: خدر العضو إذا استرخى فلا يطيق الحركة، وكل ما منع بصرك عن شيء وحجبه عنه، فقد أخدره.
وذكر الإمام القرافي في “الفروق” أنَّ المسكر هو الذي يغطِّي العقل ولا تغيب معه الحواس، والمرقد هو المشوِّش للعقل كالحشيش والأفيون وسائر المخدِّرات التي تثير الخلط الكامن في البدن().
والتعريف الشرعي لها فقد أطلق على المخدرات “المـُفتِّرات”، وهي ما يُغيِّب العقل والحواس دون أن يصيب ذلك النشوة والسرور، أمَّا إذا صحب ذلك نشوة، فإنَّه سُكْر.
أمَّا التعريف الاصطلاحي للمخدِّرات؛ فلا يوجد تعريف واحد جامع يوضِّح مفهوم المواد المخدِّرة بوضوح وجلاء، بل هناك مجموعة من التعريفات الاصطلاحية لها، والتي تتراوح بين التعريف الشرعي والقانوني والطبي؛ فعرَّفها البعض بأنَّها: كل مادة يؤدِّي تعاطيها إلى حالة تخدير كلي أو جزئي مع فقدان الوعي أو دونه، أو تعطي شعوراً كاذباً بالنشوة والسعادة، مع الهروب من عالم الواقع إلى عالم الخيال.
ويعرِّفها آخرون بأنَّها: كل مادة تعمل على تعطيل أو تغيير الإحساس في الجهاز العصبي لدى الإنسان أو الحيوان، وذلك من الناحية الطبية، أمَّا من الناحية الشرعية فهي كل مادة تقود الإنسان إلى الإدمان، وتؤثِّر على الجهاز العصبي.
أمَّا المخدِّرات من الناحية القانونية فهي: مجموعة من المواد التي تسبِّب الإدمان، وتسمِّم الجهاز العصبي المركزي، ويُحظر تداولها أو زراعتها أو تصنيعها، إلاَّ لأغراض يحدِّدها القانون، ولا تُستخدم إلاَّ بواسطة من يُرخَّص له ذلك.
المحور الثاني: أنواع المخدِّرات ومدى تأثيراتها على العقل والأخلاق:
أولاً: أهم أنواع المخدِّرات:
أهم أنواع المخدِّرات باختصار، هي على النحو التالي:
[1] الخشخاش أو الأفيون:
نبات الخشخاش هو المصدر الذي يؤخذ منه الأفيون، وهو نبات حولي (أي يتجدَّد كل حول أو عام) يبلغ ارتفاعه من 2 إلى 4 أقدام، ينتج أزهار ذات أربع بتلات قد تكون بيضاء أو قرمزية أو حمراء أو بنفسجية أو أرجوانية، ولكن اللون الأكثر شيوعاً هو اللون الأبيض. وللنبات رأس أو كبسولة ذات استدارة غير منتظمة تبدو بيضاوية الشكل من القمة إلى القاع ويتراوح حجمها عند النضج بين حجم حبة الجوز وحجم البرتقالة الصغيرة وتحتوي الكبسولة على بذور النبات.
[2] المورفين:
المورفين هو العنصر النشط في الأفيون، وقد تم اكتشافه في أوائل القرن التاسع عشر، ولكن لم ينتبه للمورفين إلا بعد أن أعاد اكتشافه وأعطاه اسمه عالم ألماني في العام 1817م، ويُقال إن المورفين منسوب إلى مورفيوس إله الأحلام في أساطير الإغريق.
[3] الهيروين:
أُكتشف الهيروين في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وقد أنتجته شركات باير (Bayer) الألمانية، وطُرح تجارياً كدواء، غير أنَّ آثاره المخدِّرة ما لبثت أن ظهرت، وتوقف الأطباء عن وصفه كعلاج. وقوة الهيروين تتراوح بين أربعة أمثال وعشرة أمثال المورفين.
[4] الحشيش أو المواريهوانا:
تعتبر أكثر المخدِّرات انتشاراً في العالم، ويطلق اسم الحشيش على النبات وعلى المادة المستخلصة منه، أي إفراز القمم المزهرة لنبات القنب، والسطح العلوي لأوراقه، وعلى أطراف النبات المورقة والمزهرة، وهي تشبه في مظهرها التبغ، ولكن لونها يميل إلى الاخضرار أكثر من اللون البني.
[5] البانجو أو الماريجوانا:
ينتج البانجو عندما تقل نسبة العنصر الفعَّال (THC) في نبات القنب، بحيث لا يمكن الحصول على مادة الحشيش منه، كما لا يمكن تجفيف النبات وصنع كتل وألواح منه، وفي هذه الحالة تجمع أوراق النبات وتجفف وتُلف أو تُدق، وتُسمى الماريجوانا أو البانجو.
[6] الكوكايين:
أُكتشف الكوكايين في منتصف القرن التاسع عشر وهو مسحوق ناعم الملمس بلوري أبيض اللون عديم الرائحة يشبه ندف الثلج. وفي أواخر القرن التاسع استخدم الكوكايين في علاج العيون، وفي التخدير في العمليات الجراحية، كما استخدم لعلاج النزلات، وكدواءٍ مقوٍ، ولتخفيف آلام المعدة، وما لبث المدمنون أن أقبلوا عليه، وقلت استعمالاته في المجال الطبي، ويستخرج الكوكايين من ورقة نبات الكوكا.
ثانياً: تأثير المخدِّرات على العقل والأخلاق:
إنَّ تزايد الطلب على هذه المواد القاتلة جعل جل الدول التي تنتج هذه المواد تضاعف منتوجها وتقويه من أجل كسب المزيد من الأموال التي تدرها هذه التجارة، كذلك المنافسة الشديدة جعلت أثمانها تنخفض وتتوافر بكثرة في الأسواق، وتنتشر في أوساط العمال والطلاب والتلاميذ والعاطلين على حدٍّ سواء، إضافة إلى التقدم التكنولوجي الحديث الذي سهَّل ترويجها وتطوير عمليات تهريبها من طرف عصابات مافيا هذه التجارة، إذ وصل عدد مدمني المخدرات في العالم ما يفوق الـ(185) مليون مدمن، حيث يمثِّل هذا العدد 3 % من عدد سكان العالم، أي بزيادة قدرها 5 ملايين عن تقرير الأمم المتحدة(). نصف مليون من هذا العدد تتواجد في المناطق العربية، وتنتج أفغانستان وحدها 92% من الأفيون المتداول في العالم بطريقة غير شرعية، حيث يتزايد الإدمان عليه يوماً بعد يوم. وأكثر من 40 مليون مدمن حول العالم يتناولون “القات” معظمهم في اليمن، الصومال، إثيوبيا وكينيا.
وحسب تقارير الأمم المتحدة فإنَّ إنتاج القارة الأمريكية من الكوكايين خاصة كولومبيا؛ يغطِّي طلبات العالم بأسره! ويُزرع الحشيش بكثرة في باكستان وميانمار وأفغانستان، وبكميات أقل في مصر وتركيا والمغرب. كما ذكر التقرير أنَّ إجمالي المتداول من المخدِّرات غير الشرعية في السوق العالمية لم يتغير كثيراً خلال عامي 2005م و2006م.
وكشف تقرير صادر عن هيئة الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة (UNODC) أنَّ هناك 230 مليون شخص تعاطوا المخدرات الممنوعة مرة واحدة على الأقل، مشيراً إلى أنَّ عدد متعاطي المخدرات في العالم سيصل إلى 300 مليون شخص بحلول عام 2100م().
ويعتبر الإدمان على المخدِّرات خصوصاً عن طريق الحقن، السبب الرئيسي في انتشار فيروس (HIV) في العديد من الدول، مثل إيران، ليبيا، باكستان، إسبانيا، أوكرانيا وأوروغواي، وذلك طبقاً لما ذكرته الأبحاث العالمية.
كذلك ذكر التقرير الصادر في 25 تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2005م عن اللجنة المشتركة لمكافحة الإيدز التابعة للأمم المتحدة أنَّ 40.3 مليون شخص مصابون بفيروس (HIV) المسبِّب للإيدز في العالم. وفي الهند وإندونيسيا وفيتنام أدى الإدمان على المخدِّرات عن طريق الحقن إلى زيادة انتشار المرض. وفي الصين تسبَّب تعاطي المخدِّرات بنفس الطريقة في نسبة 43.9% من حالات الإصابة بالفيروس القاتل، وأن 85 % ممن يتعاطون المخدِّرات عن طريق الحقن في إندونيسيا وإيران يحملون الفيروس المسبِّب للإيدز.
وتؤثِّر المخدِّرات على العقل، عن طريق التشويش للإدراك والحس والزمان والمكان، وكذلك عن طريق اختلال الوظائف العقلية، كما يولِّد تعاطيها إحساساً خاطئاً بالقدرة على التفكير الثاقب والإبداع، ويسبِّب أيضاً الاعتماد النفسي وقد يسبِّب الاعتماد الجسمي، وفي بعض الأحيان يؤدِّي إلى الموت أو الجنون.
بالإضافة إلى ذلك فإنَّ تعاطي الأنواع البدائية التقليدية من المخدِّرات كالحشيش، يشكِّل نقطة انطلاق نحو تعاطي عقاقير أكثر خطورة مثل الهيروين، والكوكايين، والمؤثرات العقلية من منشطات، ومهبِّطات، وعقاقير هلوسة، وأحياناً يحدث أن يقوم متعاطي الحشيش بقتل أمه أو أبيه أو ابنه أو بنته أو زوجته أو أخيه أو أخته ، بسبب التشويش الذي يحدث له، ويجعله غير قادر على السيطرة على تصرُّفاته.
المحور الثالث: الأضرار الصحية للمخدِّرات:
للمخدِّرات أضرارٌ صحيةٌ كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال:
بطء التنفس، القلق والتوتر، التهيج، بطء دقات القلب، القىء، فقدان الشهية، ضيق حدقتي العين، التثاؤب، الارتعاش، برودة الجسم، قلة النوم، الأرق، حالات من السرطان، تلف الحاجب الأفقي، تصلُّب الشرايين وانسدادها، التهابات موضعية تحت الجلد، تخثُّر الدم، انخفاض ضغط الدم، توقُّف النمو العقلي، التراخي، جلطة القلب والرئة، ضعف حركة الأمعاء، الإمساك، التهاب المثانة، ضعف أو انعدام المناعة، تليُّف الكبد، زيادة السكر في الدم، الضعف والهزال، السل، زرقة في لون الجلد، ضعف جنسي واضح، توقُّف الدورة الدموية، فقدان البصر، الوفاة المفاجئة.
المحور الرابع: معالجة الإسلام لمشكلة المخدِّرات:
لقد نجح الإسلام في مكافحة هذه الآفات التي تفتك بالمجتمع حين أوضح بشكلٍ حازمٍ حرمة الخمر والمخدّرات التي تشترك مع الخمر في الضرر والفساد، بل هي تزيد عنها، وقد شرّع الإسلام الزواجر والعقوبات لمن يتناولها، ونبّه إلى الآثار المدمّرة للخمر والمخدّرات، معتبراً ذلك مما توعّد به الشيطان في سبيل إغواء الإنسان، وصرفه عمّا يرضي الله عزّ وجل، وتسبّب تعاسته.
وقد قال تعالى مبيِّنا طبيعة هذا الصراع ومدى تربّص الشيطان بالإنسان: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)()، وقال تعالى أيضاً: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)(). لقد كان هدف الشيطان وغاية كيده هو إيقاع العداوة والبغضاء في صفوف المسلمين، وإبعادهم عن ذكر الله بكل الوسائل وكافة الطرق، وكانت أشدّ أساليب الشيطان تأثيراً وتحقيقاً لهذا الهدف، هو إغراؤهم وإغراقهم في إدمان الخمر والميسر.
ولا ريب أنّ للمخدّرات التأثير ذاته، لأنّه إذا كانت الخمر أمّ الخبائث فإنّ المخدّرات أخبث الخبائث، ولها من التأثير ما للخمر وزيادة، ولها من المضار الصحية والدينية والفكرية والاجتماعية ما هو أشدّ وأنكى من الخمر، لذلك كان الاهتمام بمشكلة المخدّرات يفوق كثيراً مشكلة الخمور، لما لها من آثار في تدمير عقول مدمنيها، وتحطيم أبدانهم، والقضاء على شخصيّاتهم، وتحويلهم إلى سوس ينخر كيان المجتمع.
وقد بيَّن رسول الهُدَى (صلى الله عليه وسلم) جميعَ أنواع الخمر التي تُتَّخذ من متنوع الأشياء من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، كما أخرج الإمام البخاري (رحمه الله) عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) أنَّه قال: سمعتُ عمر (رضي الله عنه) على منبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: “أمَّا بعد، أيُّها الناس، إنه نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة: من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والخمرُ ما خامر العقل”().
وروى الإمام مسلم (رحمه الله) عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنَّه قال: (كل مسكرٍ خمر، وكل مسكرٍ حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يُدمِنها لم يتب، لم يشربْها في الآخرة)().
وقد عالج الإسلام مشكلة المخدّرات على ثلاثة محاور، تشمل العقيدة، والعبادة، والتشريع، فبدأ بالعقيدة وهي الأساس، إذ جعل الإسلام الطاعة والعبادة لله وحده لا شريك له ولا طاعة لسواه، لذا فإنّ الإنسان في حياته إمَّا أن يطيع الله سبحانه وتعالى الذي يأمر بكل خير وعدل، ويحرم كل فاحشة وشر، وإمَّا أن يتَّبع خطوات الشيطان التي حذّره الله من خطرها، وأمره بمخالفتها.
أمّا المحور الثاني فهو محور العبوديّة والطاعة، فحقّ الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، فلا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق، لأنّ غير الله لا يستحقّ الطاعة إلاَّ بأمر الله، والله سبحانه وتعالى هو الأحقّ بالطاعة لأمور كثيرة؛ أهمها أنه خالق الإنسان ورازقه، فكيف يترك الإنسان طاعته ويسمح لنفسه بأن يكون عبداً أسيراً لمخلوقٍ أو لهوى.
أمَّا المحور الثالث فهو التشريع؛ فالمخدّرات محرمةٌ شرعاً كتحريم الخمر أو أشدّ، لأنّها تُسْكِر كالخمر، وهي أكثر ضرراً من الخمر على الجسم والعقل والمجتمع.
المحور الخامس: الختام وأهم النتائج والتوصيات:
مما سبق يتبيَّن لنا خطورة المخدِّرات على الفرد والمجتمع، وهي من الأشياء التي تؤدِّي بمتعاطيها إلى التهلكة، كما تترتَّب عليها آثار اقتصادية مدمِّرة أدناها ضعف الإنتاج بسبب ذهاب العقول والقوة البدنية، وأعلاها الأموال الطائلة التي تُصرف لعلاج المدمنين والتي كان من الممكن الاستفادة منها وصرفها للنهضة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وغيرها من مجالات الحياة.
وختاماً توصي الورقة بالآتي:
[1] الاهتمام بشريحة الشباب من خلال ملء فراغهم بما يعود عليهم بالنفع الدنيوي والأخروي.
[2] النظر للإدمان بوصفه مرضاً بحاجة لتدخلات علاجية من ضمنها استخدام الأدوية الحديثة المساعدة.
[3] تشكيل لجان من كافة الجهات ذات الصلة بموضوع الإدمان؛ اجتماعية وتربوية ونفسية وأمنية واقتصادية، وغيرها من منظمات المجتمع المدني، للعمل على وضع حلول لمكافحة المخدِّرات.
[4] ضرورة متابعة الأسر لأبنائهم متابعةً لصيقةً، حتى يمكنهم التدخُّل في الوقت المناسب لعلاج حالات الإدمان، أو منع وقوعها ابتداءً.
[5] التعامل مع المدمنين والمتعاطين باعتبارهم حالات مرضية يجب علاجها، وليس كما يُروَّج له من خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة من تصوير المدمن كشخص خفيف الظل والدم، ويمكن التعايش معه في المجتمع دون أدنى مشكلة.
[6] وضع تشريعات من شأنها التقليل من حالات الإدمان، وذلك بتشديد القبضة الأمنية لمنع دخول أو تسرُّب المخدِّرات لداخل الأقطار، وإنزال أقسى العقوبات على مروِّجي وتجَّار المخدِّرات.
[7] التنبيه لخطورة وحرمة المخدِّرات من خلال المنابر الدعوية المختلفة، والعمل على نشر مفاهيم التوبة والرجوع إلى الله، حتى يدرك المتعاطي أنَّ بإمكانه العودة للمجتمع مواطناً صالحاً فيه.
وصلَّ الله على سيدنا محمدٍ وآلهِ وصحبهِ أجمعين،،،
الفاتح عبد الرحمن محمد ؛ *باحث بمجمع الفقه الإسلامي السُّـوداني.
مراجع البحث:
[1] القرآن الكريم.
[2] صحيح البخاري، حديث رقم (4619).
[3] صحيح مسلم، حديث رقم (2003).
[4] لسان العرب، لابن منظور.
[5] الفروق، للقرافي.
[6] مركز أنباء الأمم المتحدة، وثائق، بتاريخ 3/7/2007م.
[7] تقرير بمجلة الاقتصادية الإلكترونية، بتاريخ: 27 يونيو 2012م، المملكة العربية السعودية.