خاص الاجتهاد: وفقا لمراسل الاجتهاد، بإشراف لجنة الفقه التطبيقي لمعهد الإسلام الحضاري وبالتعاون من مركز الآخوند الخراساني للدراسات العليا في مكتب التبليغ الإسلامي أقيمت الورشة التعليمية والبحثية التخصصية الرابعة لفلسفة علم الأصول، التي تخص الأساتذة وطلاب السطح الثالث والرابع في الحوزة العلمية في مشهد المقدسة وذلك بتقديم مدير اللجنة التعليمية للفلسفة والكلام الإسلامي؛ حجة الإسلام الدكتور السيد علي طالقاني. فقد قدم فضيلته في هذه الورشة مباحث حول نظرية المعرفة الفقهية والتي نقدم لكم تقريرا مفصلا عن هذه الورشة.
إذا نظرنا إلى نظرية المعرفة على أنها فرع معرفي، في هذه الحالة سيكون البحث في مقامين:
الأول توصيفي: نظرية معرفة الفقه في مقام «الوجود» وتضم: الفقه الأصولي والفقه الأخباري. ومن ثم المعيارية: نظرية المعرفة الفقهية في مقام «ينبغي» وهنا ثلاثة مواضيع: ماهية المعرفة الفقهية ؛ مصادر المعرفة الفقهية وإمكانية المعرفة الفقهية.
والمقام الثاني دراسة آراء نظرية المعرفة لفقهاء الأصول والأخبار وهي واحدة من دراسات تاريخ الفكر.
ليس لدينا اليوم تخصص باسم نظرية المعرفة الفقهية ولدينا اليوم مجرد أبحاث حول هذا الموضوع. هذه المواضيع تصل تدريجياً إلى التنقيح والتدوين ومن ثم تتحول إلى فرع.
يتصور الكثير ممن يعملون في مجال «فلسفة العلم» أن العلوم باستطاعتها أن تمتلك تأسيساً تعيينياً. مثل إقليدس الذي أسس علم الهندسة. وكأنّ هذه الصورة كانت رائجة عند الإمامية. «تأسیسُ الشیعة لعلوم الإسلام » للمرحوم الصدر يشير ظاهراً إلى مثل هذا التصوّر. نحن نعلم اليوم أنّ تشكّل العلوم خاصة العلوم الجديدة ليست كذلك وليست Axumatic.
إذا أرادت نظرية المعرفة الفقهية أن تصبح فرعاً، فإنها تصبح واحدة من فروع نظرية المعرفة. هذا أمر مهم وأنا أتطلع إلى ذلك في الجلسات القادمة.
دراسة النظرة المعرفية للفقهاء ليست مجموعة فرعية من نظرية المعرفة
أمّا الإنطباع الثاني، يعني دراسة النظرة المعرفية للفقهاء ليست مجموعة فرعية من نظرية المعرفة، هو بحث تاريخي وستكون مجموعة فرعية من تاريخ الفكر.
من الواضح أنّ كلمة الفقه في عنواننا تنصرف إلى فقه الإمامية الذي يضم الأخباريين والأصوليين. من الواضح أن نظرة الفقهاء في كل من هاتين المجموعتين ستكون مختلفة في كل مرحلة وفيما يتعلق بأشخاص مختلفين.
لذلك وكما لا يمكن جعل جميع شعوب شرق آسيا في وعاء واحد ويقول: جميعهم صينيون، لا يمكن القول أنّ: جميع الفقهاء لديهم نظرة واحدة. يمكن للباحثين دراسة وجهة نظر كل واحد من الفقهاء بصفتها اطروحة له.
لسوء الحظ فإن العديد من المواضيع في السطح 3 و 4 في الحوزة العلمية اليوم تستحق أن يكتب بها موسوعة ولا تتسع لها الأطروحة.
نحن في تاريخ الفكر الاسلامي، بما في ذلك الإمامية، ليس لدينا فرع نظرية المعرفة. أحياناً يتم البحث عنها أسفل الفلسفة، وأحياناً في الكلام. للأسف فقد شهدنا في العقود الثلاثة الأخيرة تحقير المتكلمين من قبل الفلاسفة وهذا دليل على الجهل.
يجب أن نعلم أن تراثنا الكلامي، خاصة إلى ما قبل خواجه نصير هو تراث معرفي يستحق العناية. النقطة المثيرة هي أنّ مواضيعهم كانت تبدأ في الأساس بنظرية المعرفة. بينما بعد خواجه نصير، وتحت تأثير الحكمة السينوية، فإن المواضيع تبدأ بعلم الوجود.
النقطة الهامة هي أنّ الكلام كان ولا يزال مؤثراً على الفقه ولهذا السبب يُقال «اصولَین». يعني أنّ فقهاء الأصول كانوا يأخذون نظريتهم المعرفية من الأصول التي مصدرها الكلام. حسب ظني فإن نظرية المعرفة لفقهاء الأصول حتى بعد الشيخ الأنصاري يجب البحث عنها في نظرية المعرفة الكلامية قبل خواجه نصير الدين الطوسي.
وفي الأساس فإن ملعب «القطع والظن والشك» الذي صدر عن الشيخ الأنصاري وإلى اليوم يلعب الجميع في ذلك الملعب، هي لعبة أشعرية. إذا كانت هذه الأرض تمرّ بتغيّر ومثل هذا النظام في الأصول قد تعرض للتغيير، فإذا واجه الأصول تغيّراً فليس من الواضح أنّ الفقه سيتغير.
برأيي أنّ هذا قوة. إنّ التناقضات الحادة اليوم بين فلاسفة العلم لا تؤدي إلى اضطراب في حالة العلم. دليل ذلك أنّ فلسفة العلم هي معرفة من الدرجة الثانية، وليس من المفترض أن يتبع الفيزيائيون فلاسفة الفيزياء. وكما انّ المخرج والممثّل لا يسعون وراء الناقد ليعملوا وفق رأيه.. إنّ ما قيل في نظرية المعرفة بعد خواجه نصير، هو نظرية المعرفة للفلاسفة التي لم تدخل في الفقه أيضاً.
ثلاث قضايا أساسية في نظرية المعرفة
ثلاث قضايا أساسية في نظرية المعرفة هي ماهية ومصادر وإمكانية المعرفة. ما هي المعرفة؟ الإعتقاد الصادق المبرر. التصديق المطابق للواقع المحرز. هذه النقطة هي بداية نظرية المعرفة المعاصرة وعلى اساس هذا التعريف تتم المناقشة والترميم. المعرفة نفس اليقين. الإعتقاد الجازم المطابق للواقع الثابت. هذه النظرة هي تراث المتكلمين.
يبدو أن الشيخ الأنصاري عندما يتكلم عن القطع فإن مقصوده من اليقين، اليقين في علم النفس؛ وليس العرف. هذه نظرة هامة للغاية؛ لأنه وفق هذا التعريف فإن نظرية المعرفة المعاصرة لا تعتبره علماً. في نظرية المعرفة المعاصرة فإن الحديث عن مفهوم الإدراك الحسي هو المنطق العقلاني.
الخلط بين الاستدلال العقلي والعقل
بطبيعة الحال يبدو أنّ هناك في سنّتنا خلط بين الإستدلال العقلي والعقل. فنحن لدينا عقل والذي هو قوة إدراكية تصدر الأحكام، أو تكشف الحقائق دون الإستفادة من المنطق وآلية الإستنتاج.
يبدو أنّ الحسن والقبح العقليان شيئاً كهذا. أولاً هناك عدد من الحقائق والاحكام الأخلاقية التي ليست منشأء لأحدٍ، وهو متافيزيقيا الحسن والقبح. إن الصورة المعرفية لهم هي ما ينظّمه الشيخ لاريجاني لهذه الصورة، باسم (الحدسيّة) ونفهم الحقائق التي لا يتدخل بها الله.
هذا المفهوم له مشاكل كلامية ومشاكل فلسفية. مثل هذه الصورة لا مكان لها في نظرية المعرفة المعاصرة، ويقصدون بذلك الإستدلال والمنطق. من الواضح أنه في الاستدلال، لدينا صورة ويجب أخذ المادة من مصادر أخرى. نجد مصادر معرفتنا في نظرية المعرفة المعاصرة، المشاعر، الإستبطان، الذاكرة، (إذا لم نعتبره مصدر من الدرجة الثانية)، الاستدلال(Reasoning) و الشهادة (Testimony). الخبر الواحد قليل للغاية في عالم المعرفة، بينما نراه كثيراً في نظريتنا المعرفية.
النقطة الأخرى في باب العقلانية هي أنّ لدينا عقلان: الأول Instrumental Reason والآخر Constitutive Reason . العقل التأسيسي والعقل الأداتي. يعتبر الفلاسفة، تحت تأثير أرسطو، أنّ العقل هو قوة إدراك الكليات. واضح أنّ أرسطو قد صنّف القوى الإدراكية بحسب الْمُدْرَكات.
لقد كان اختياراً موفّقاً للغاية لتفسير شعار (Logos) النطق اليوناني، الذي كان يعني كلاماً وحكمة أيضاً. وفي مجال العقلانية فإن الأداة النظرية تصبح منطق. هل لديك إخباري لم يستخدم العقلانية كأداة؟! الأشاعرة أيضاً يستدلون. جميع الأشخاص الذين نسميهم مناهضين للعقل يستخدمون العقل الأداتي. الغزالي الذي هو من كبار الأشعرية لديه كتاب حول المنطق.
أحد أعمال الغزالي كان إدخال المنطق إلى الكلام. إنّ الشيء الذي يملكه أهل مايسمّى بالتوحيد والعقل، ليس العقل الأداتي، بل العقل التشريعي. أمّا عن العقل الأدات فهو العمل الأكثر استخداماً في السياسة. العقلانية الأداتية تابعة للهدف. فالعقلانية الأداتية تعني كيف يمكن الوصول إلى تلك الغاية بأفضل وجه.
لدينا عقلانية الأهداف وعقلانية الأداة. من غير المعقول أن نقول لسياسي أنك لا تستخدم طريقاً صحيحاً من أجل الوصول إلى هذا الهدف. لا يجب الخلط بين هاتين العقلانيتين. إنّ ما نتحدث عنه بعنوان مصدر لنظرية المعرفة هو العقل الأداتي النظري.
يبدو أنه في الإمامية لا يعتبر الأخباريون العقل التشريعي صالحاً، ويقولون أننا لا نستطيع فهم حقائق الأحكام الشرعية بعقلنا. فإذا استطعنا يمكننا المضي قدماً بالعقل الأداتي والإستدلال لخدمة النقل. كان الأصوليون تحت تأثير كلام الشيخ الطوسي مع قبول العقل التشريعي والحسن والقبح العقليان. «کلّ ما حکم به العقل حکم به الشرع».
فمن يتفحص واقعي الفقه الأصولي للإمامية لا يرى ذلك. يعني في مقام الاستنباط لم يستند أي حكم بمثل هذا العقل. كما أنك لا تجد حكماً واحداً قالوا فيه أنّ عقلنا يفهم هذا وليس لدينا رواية، ولا آية، ولا إجماع، لكننا بسبب العقل نعطي مثل هذا الحكم. بينما تجدون عكس ذلك، يعني أن يصبح الإجماع دليل الحكم.
بحث الشكوكية هو البحث التالي. فالشكاك لا يقول لا أعرف، ويقول لا أستطيع أن أعرف. فالبحث ليس في الوقوع بل في الإمكان. فمدّعاه عدم الإمكان وليس عدم الوقوع. فادّعاء عدم الوقوع هو جهل؛ ليس شك. الإنسداد معناه أننا لا نستطيع أن نعرف. هذا نفس ادّعاء الشكوكية. فالإنسدادي يعني الشكّاك. في نظرية المعرفة المعاصرة لدينا بحث عام وعالمي Global.
وفي مقابله لدينا الشكوكية الإقليمية Local. الوضعيون المنطقيون كانوا يسمّونه الشكوكية في الإلهيات. واضح أيضاً أنّ فقهاءنا الإنسداديين كانوا شكاكين في مجال الفقه والأحكام الإلهية. في الحقيقة لديهم نوع من الشكوكية الإقليمية والمحلية. إحدى الطرق لإعادة معرفة رأي النظرية المعرفية للفقهاء هي هذا الذي قلته. يعني تصنيف الفقهاء في عناوين نظرية المعرفة المعاصرة.
من أجل تأسيس فقه عصري يجب أولاً أن نذهب وراء فلسفته ومن ثم نظريته المعرفية.
نحن لدينا فقه موجود مع خلفية عظيمة، وفقه مثالي وواجب. يجب أن نرى أيّ فقه نقصد عند الحديث عن نظرية المعرفة.
بعض الأصدقاء يسعون للوصول إلى فقههم الأمثل. لكن من أجل إرساء فقه عصري لابدّ أن نذهب أولاً وراء فلسفته ومن ثم معرفته النظرية.
هناك بحث آخر أيضاً، وهو أنه لدينا الآن فقه، فلنرَ كيف هو من حيث المعرفي. نحن هنا لسنا وراء استنتاج الفقهاء عن عمل يفكرون فيه، بل نحن وراء فحص نتائج عملهم الذي هو بين أيدينا. لا يهمني الشيء الذي كان يبحث عنه أينشتاين فيما وراء عقله، بل الفيزياء التي أنتجها أينشتاين وكيف كانت من حيث النظرية المعرفية؟ كيف هو فقه آية الله الخوئي؟
هذا، عمل الفيلسوف ويحتاج إلى مهارات فلسفية وموضوعه عبارة عن معرفة نقلية للفقه إجمالاً. برأيي أنّ شكل العمل هذا صحيح. فالشكل الأول غير ممكن في الأساس. فأولئك الذين يتّبعون المسار الأول سوف ينتجون شيئاً في الحالة المثالية، والذي سيكون بدوره جزءاً من الفقه. يعني أولا هل ما أنتجوه هو فقه؟ هل هو عصري؟ هل للفقه العصري معنى أم أنه متناقض؟
أنا شخصياً ليس لديّ تصورٌ واضح عن الفقه العصري وهذا تناقض. فالفقه يسعى لكشف الاحكام التي جاء بها الرسول “صلى الله عليه وآله”. فالرسول “صلى الله عليه وآله” قد جلب الدين ومعناه أن تعالوا لنعيش بهذه الطريقة وقد دعانا إلى العيش بهذه الطريقة.
من المفترض أن نعرف طريقة العيش هذه. هنا يوجد العديد من الآراء. فواحد يقول أنّ طريقة العيش في الأساس يمكن أن تتعرّض للإنقلاب والتفكك، ونحن اليوم لدينا طريقة عيش لا علاقة لها بالماضي ولا يمكن الجمع بينهما. هل يمكن امتلاك حياة كلاسيكية في العالم الحديث؟ هذه مشكلة ومسألة يجري العمل على حلّها. برأيي أنه أولاً لا يوجد تمزّق، وثانياً فإن طرق العيش ليست حكراً على الحياة العصرية.
لذلك يمكن أيضاً التوجه نحو الفقه وأن نكشف اقتراح الرسول ونعيش على أساسه. لذلك فإنني أسعى وراء نظرية الفقه ونظرية المعرفة الفقهية باعتبارها علم ومعرفة؛ وليس كظاهرة نفسية أو ظاهرة اجتماعية أو مؤسسة اجتماعية.
يمكن دراسة الفقه من جوانب مختلفة، ونحن نعمل فقط على جانبه المعرفي وليس لنا علاقة بتأثيره وتأثّره بالظواهر الاجتماعية. لا علاقة لنا بعلم الإجتماع الفقهي. مرادنا من الفقه هو الفقه الموجود؛ وليس الفقه المثالي. لذلك سنسعى وراء نظرية المعرفة الوصفية لفقه الإمامية الحالي.
بما أن المنهج الوصفي له سمات تاريخية فعلينا أن نتوجه إلى النصوص والمصادر. لكن من الواضح أننا لسنا مؤرخين ونقوم بعمل فلسفي على خلفية تاريخية. بطبيعة الحال وبسبب هذا الإتصال التاريخي لن نمتلك حرية فيلسوف. وبالطبع فإن موضوعنا هو الفقه الحالي وإذا كان لدينا إشارات إلى الماضي، فهو لأجل معرفة هذا الفقه الأصولي الحالي بعد الشيخ.
برأيي، الآخوند لا يرقى إلى مستوى الشيخ
برأيي لقد أرسى الفقه نموذجاً أصولياً جديداً، أعتقد أنه ثورة في الأصول. برأيي فإن الآخوند لا يرقى إلى مرتبة الشيخ. فأساس العمل أرساه الشيخ وآخرون مثل الآخوند قاموا بالعمل عليه. فالشيخ فيلسوف سقراطي وهو جذّاب بالنسبة لي. ففقه وأصوله جدليٌّ تماماً، حيث يمكنك مقارنة الرسائل والمكاسب برسائل أفلاطون التي تضم حوارات ومناقشات سقراط. فليس للمناقشات نتيجة نهائية أبداً.
بعض المراهقين في الفقه الذين استخدموا عبارات نابية بحق الشيخ، وجدوا حقّاً أن الشيخ فلسفي في الأساس، وهذه نقطة قوة تحسب له؛ لأن فلسفة الشيخ ليست سينوية، بل سقراطية. فالشيخ عملاق لا مثيل له، وإذا كان الآخرون بإمكانهم رؤية آفاق أبعد، فلأنهم واقفون على أكتاف الشيخ. هذا لا يعني موافقتنا مع الشيخ، فالحديث عن عظمته.
برأيي أن هذا النظام المعرفي النفسي خاطيء ويجب وضعه جانباً. لكن وكما أنه لا يمكن إلغاء أرسطو وأفلاطون من الفلسفة، فإنه لا يمكن إلغاء الشيخ أيضاً من الفقه والأصول، وبرأيي أنا كطالب في الحوزة فلا علاقة بينه وبين الآخوند أو وحيد البهبهاني. فمدرسة الخوئي التي هي ذروة حوزة النجف، هي نتاج الشيخ. لذلك فإنني سأبدأ من الآثار الفقهية والأصولية للسيد الخوئي و أعود إلى الوراء.
لذلك فإن بحثنا له جانب تحليلي وجانب تاريخي. وأتناول الخلفية المعرفية و Epistemologic إلى مراجعة الماهية، إمكانية ووقوع المعرفة الفقهية في مجال تاريخ الفقه الحالي.
إذا أردنا أن يكون لدينا فرع فلسفي للفقه فسيكون لدينا قسمين أساسيين هما ميتافيزيقيا الفقه ونظرية المعرفة الفقهية. لكننا سنتطرق إلى نظرية المعرفة الفقهية، لكن في ميتافيزيقيا الفقه يمكن التطرق إلى طبيعة الفقه، هل هو قانون أم أخلاق، طبيعة الحكم مع الأقسام الموجودة في الفقه، طبيعة المكلف ونطاقه و.. ما إلى ذلك.
مباحثنا المعرفية، متأخرة عن أنطولوجيا الفقه
الشيء الذي أطلق عليه “كواين” الالتزام الوجودي. عندما لا أقبل بوجود شيء، فلا أستطيع الحديث عن طريقة معرفته ولا معنى له في الأساس. لذا لدينا في الأساس التزامات ومعتقدات وجودية (بغض النظر عن صدقها أو عدم صدقها)، عندها يتبادر سؤال حول كيفية معرفتها. والفقه هكذا أيضاً، أولاً تقبل بأنّ هناك حكم إلهي، ثم يُطرح سؤال كيف نعرفه الآن.
هل الفقه قانون أم أخلاق؟ أم أنه فريد ولا يتنزّل إلى أيّ منهما وهو أساس لكليهما. إنّ البعض مثل الغزالي قد خفّض الفقه إلى الدنيا. هذه هي الصورة بين الفلاسفة المسلمين، بما في ذلك الفارابي في الفقه والنبوة. فقد كان يعتبر الفقه قانوناً والنبيّ مشرّعاً لتنظيم النّظم الإجتماعية؛ وليس لتوضيح حقائق الوجود.
الخلاف الأساسي بين التفكيكيين هو أن عمل النبي هو توضيح للحقائق.نحن بحاجة إلى معلّم وشهادة. على أيّ حال فإن وجهة النظر حتى من قبل الغزالي الأشعري حول الفقه هي هذه، حيث ينزّله إلى القانون ويهينه.
برأيي الفقه أساس الدين. أنا لا أقول الفقه، الفقه أصغر. العمل مهم. ففي المجتمع الإسلامي يجب على الفقهاء الجلوس في الصدارة والمتكلمون خدّام الفقهاء. فالفقهاء هم من يحددون الجهة الأساسية للمجتمع، والمتكلمون هم حرّاس وحماة المجتمع الإسلامي من الناحية النظرية. من الواضح أننا لا نملك المعرفة بالأخلاق الدينية.
كُتُبنا الأخلاقية حاشية على “أخلاق” أرسطو. الشيء الأكثر أهمية هو الاعتدال ، هذه هي الآيات والروايات. لم نحاول التوجّه نحو المصادر الأصيلة واستنبطنا بالتفقّه لنعرف ما هي القيمة الأساسية.
ما هو الحكم؟ تقسيمات الاحكام مهمة للغاية؛ خاصة التقسيم الجديد المتمثل (بالحكومي وغير الحكومي). موضوع معرفة الحكم مهم للغاية، وهو مؤثر على نظرية المعرفة الفقهية. من هو المكلّف؟ هذا الجسد؟ السيد المرتضى يقول هذا الجسد؟ ليس لديه نظرة ثنائية ونظرته أقرب إلى الإحيائيين المعاصرين.
هذه لمحة عن المباحث الميتافيزيقية للفقه والتي لن نتطرق إليها.
۱- ماهية المعرفة الفقهية
– كشف التعاليم العملية للإسلام
– کشف الحكم الشرعي
– تعیین الموقف العملي
۲- إمكان المعرفة الفقهية
۳- وقوع المعرفة الفقهية
ما هو المعنى؟
تناقشان الواقعية realisim والإسمانية Nominalism أن الكلي هل هو حقيقة مشتركة أم اسم مشترك؟ بما في ذلك الفقه الذي معناه كلي وكذلك اسمه، وهل هو حقيقة مشتركة بين الفقه الحنبلي والشافعي والإمامي، أم أنه اسم مشترك؟
بين الواقعية والجوهرية علاقة وثيقة لا تنفصم. يعني إذا كنّا واقعيين ونعتقد بأنّ الكلي حقيقة مشتركة بين أفراده، فيجب أن نقول أنه جوهرها، والبرتقال لا يمكن أن لا يكون إلّا برتقالاً. يبدو أن الملّا صدرا بحركته الجوهرية يتجه نحو الميول الإسمانية وليس الواقعية. نحن لسنا إسمانيين لنتمكن من كتابة كل رطب ويابس ونسمّيه فقهاً ونظن أن كل شيء انتهى.
ما هي حقيقة الفقه؟
السؤال الآن ما هي حقيقة الفقه؟ كيف يمكن معرفته؟ كذلك الفقه الشيعي. كشف التعاليم العملية للدين الإسلامي من جنس حقيقة الفقه. إذاً الكشف أولاً وليس الجعل. ليس من المفترض أن يكون الفقيه مشرّعاً، بل من المفترض أنه كاشف. لذلك فإن عمل الفقيه ينتهي بكشف العبارة المؤدية إلى الحكم. تفسير الآية هو الخطوة الأولى، ومع تفسير معنى الآية لا ينتهي العمل. بحث العموم و الإطلاق و…يعني العبور من الجملة إلى الإفادة. هذه علاقات بين المقترحات وليس الجمل.
بالطبع وللأسف لم يتم هذا الفصل بشكل صحيح في فقه الإمامية ويُعتقد أنّ موطن هذه الأبحاث هي الجمل. الجملة لها هوية لغوية، ونحن نمرّ من خلال آلية معقدة حتى نصل إلى معناها، والآن حان وقت التحليل والمقارنة.
المجمل والمبيّن في مسير العبور من الجملة إلى المعنى؛ وليس على مستوى المعاني. في حين أن المطلق والمقيّد على مستوى المعنى. هذه هي الفكرة النهائية من تحليل المقترحات والوصول إلى النتيجة، فناتج عمل الفقيه يصبح العقائد والأعمال. هذه المباحث تراثنا الذهبي.
اليوم إن كان هناك قطعة خشب عمرها أكثر من ألف عام تصبح قيّمة. فإذا كان لدينا الآن مثل هذه العلوم بهذا القِدَم فهل يكفي تسميتها بالكنز؟ هذه الفكرة والمنتج النهائي تصبح حكماً.
سؤال: هل العبور من الجملة إلى المقترح غير العبور من المراد الإستعمالي إلى المراد الجدّي؟
طالقاني: مقصودي من الفكرة النهائية، العلاقات بين المفاهيم الجدّية. مهمّة المفسّر العبور من الجملة إلى المعنى ووظيفة الفقيه المقارنة بين المعاني، سواء أدت إلى تعاليم عملية أم تعاليم نظرية.
لدينا ثلاثة أنواع التعددية:
التعددية في الواقعية
أنّ هذه الوردة لها ثلاثة جوانب وكل شخص يرى جانب واحد.
التعددية في الصدق
أن تقول بأن الإفتراضات المتعاكسة والمتناقضة صادقة. وهذا يتطلب أن لا نعتبر الصدق مطابقاً للواقع ونقول بنوع من النسبية في الصدق. فالصدق ومطابقة الواقع متواطئان. لا معنى أن يكون هذا صادقاً أكثر وذلك أقل.
التعددية في المعرفة؛ إذا اعتبرنا المعرفة اعتقادًا مشروعًا، فهناك نسبية في التبرير، ومن الواضح أن التبرير أمر نسبي. يكون اعتقاد مبرر بالنسبة لي وغير مبرر لك. فقد حصلت على اعتقادي من دليل موثوق وأنت من مصدر غير موثوق. إذاً وصل اعتقادي إلى مستوى المعرفة، واعتقادك لم يصل إليها. معتقدات صادقة ومعتقدات كاذبة. والامر هكذا في تاريخ كل علم.
سؤال: هل عنصر الكشف في تعريف جنس الفقه لا يستبعد بعض مصاديقه مثل أهل الرأي؟
طالقاني: لستُ أخصائياً في الفقه، لكن كثيراً ما يكون الرأي بمعنى كشف الحكم مع الرأي وليس التشريع. الإحتمال الآخر هو أنّ له أساس تفويضي بأن يُسلّم هذا الحكم إلى المجتهدين فهو الكاشف عن الحكم الإلهي في اللوح المحفوظ. لذلك لا يمكن أن يكون هذا الرأي معنىً مزوراً وكاشفاً عن حكم الله في اللوح المحفوظ.
سؤال: ما أسموه مصادر معرفة الفقه كانت أدلّة الفقه، وبين مصادر الفقه وأدلة الفقه اختلاف. مع الأخذ بعين الإعتبار هذا الإختلاف، فإن للإنسداديين مناقشة في أداة المعرفة وليس في مصادر المعرفة ولذلك فهم شكّاكون. لأنّ المعرفة اليقينية لا تعتبر الحكم ممكناً؛ وليس معرفة الحكم.
طالقاني: يبدو أنه في أدبيات الفقهاء، ما هو دليل هو مصدر المعرفة الفقهية. مصادر الفقه هي مصادر الحكم نفسه وأدلة الفقه مصادر معرفة الحكم. سواء في حال قبلنا المعرفة اليقينية والعلم، سيكون هناك بحث في إذا كانت المعرفة العلمية والظن معرفة أيضاً أم لا.
ماهية المعرفية الفقهية
– الفقه هو العلم بالأحکام الفرعیه الشرعیه عن أدلته التفصیلیه
– والحکم إما واقعی وإما ظاهري
– والعلم بالأحکام الواقعية إما وجداني وإما جعلي تعبّدي
– و أدله الأحکام الظاهریة هو الأصول العملیة
في الأساس هذه النظرة بأن المعرفة تعني العلم والقطع قد ترسّخت منذ زمن الشيخ. الأحكام الذاتية للقطع برأيي غير مقبولة. القطع مقتضاه اليقين بالمعنى الأعم الذي ليس فيه الصدق وليس لديه قيمة معرفية. اليقين بالمعنى الأخص هو صدق وطريق إلى الواقع ولا علاقة له بالقطع بالمعنى الأعم. وكما قال آية الله الخوئي فإن لدينا علم وجداني وعلم جعلي تعبّدي.
العلم الوجداني نادر، والحكم الواقعي قليل. يبقى العلم التعبّدي بالحكم الظاهري. عندها تصبح الأصول العملية هي دليل الحكم الظاهري! أنا لا أفهم هذا. فالأصول العملية هي نفسها أحكام ظاهرية وهي تطبيق لها ولا معنى أن نقول أنها دليل أو مصدر للحكم الظاهري.
كما يذكر تعاريف أخرى للفقه ؛ مثل العلم الذي يتكفل بتحديد المهمة العملية في كل حالة. في سنتنا لا يعتبرون التقليد معرفة. يقولون أن العلم نفس الإعتقاد الجازم، والتقليد ولو كان صادقاً فليس بعلم. بينما هو علم في نظرية المعرفة المعاصرة. معظم علومنا ومعرفتنا بالعديد من العلوم هي عن طريق التقليد. أصل علمنا بشهادة اهل الفن هو التقليد. والنتيجة هي أن القطع النفسي لا يمكن أن يكون مفيداً في نظرية المعرفة.
سؤال: هل سبق لك في الفقه أن اتّبعت منهجاً وصفياً وقائماً على الفقه أو معياراً قائماً على رأي الفقهاء؟ القطع نظرية صدق أو نظرية تبرير؟ هل ترى الواقع في كشف الحكم طبقة واحدة أم عدة طبقات؟
طالقاني: إنّ ما تم عرضه هو الأجواء العامة السائدة على الفقه بعد الشيخ، وبالطبع يمكن أن يكون هناك اختلاف في التفاصيل بين الأشخاص، لكنّ العمومية هي حاكمية القطع. وبالطبع، من الواضح أنّ لديّ نقد ولا أريد مجرد الوصف، وليس من المفترض أن يكون لدي قراءة معاصرة للفقه المعاصر. نعم أعرض أيضاً إشكالاتي وآرائي.
إنّ استنتاجي أنّ المعرفة والعلم بحسب رأي الشيخ نفس القطع. والشيخ يستخدم العلم والقطع بدل بعضهما وفي الأساس فإن القطع نفس العلم بحسب رأي الشيخ.
على الرغم من أن الشيخ ليس لديه أي معرفة بصدرا، إلا أن وجهة النظر الذاتية هذه كانت وجهة نظر مألوفة. بطبيعة الحال أنا لا أوافق ذلك. نحن نعلم أنّ صدرا لم يكن قائلاً باتّحاد العاقل والمعقول، الذي هو اتحاد العالم والمعلوم، اتحاد الحاس والمحسوس، الشيخ من جهة يقول أن الطريقية ذاتية للقطع ومن جهة أخرى يقول بأن القطع يقبل الخطأ. جمع هذه معاً هو أن يكون له نظرة ذاتية مثل صدرا والذي معلوم بالذات منشأ لي ومن الممكن أن يكون مختلفاً عن المعلوم بالعرض.
سؤال: يبدو أنكم يُسندون خواص ومعاني القطع النوعي والقطع الشخصي، وكذلك الحجية الأصولية والحجية اللغوية بالآخر. وهذه الأسانيد المدمّجة والفوضویة وال ليست مدّعى الأصوليين. بل مدّعى الأصوليين الحجة الذاتية للقطع اللغوي من أجل القطع الشخصي، ولا يربطون ذلك بالصدق ولا بالتبرير.ويعتبرون الصدق مرتبط بالقطع النوعي والحجية الأصولية.
طالقاني: ماذا يعني القطع النوعي؟ المشكلة لا تُحل ايضاً. هل إذا حصل القطع للجميع، فما علاقة القطع النفسي بالمعرفة؟ في الأساس مباحث مثل العقلاء والنوع وأمثالها لا معنى لها اليوم مع وجود الأنثربولوجيا.
سؤال: العقلاء يعني زرارة. يعني الناس المعاصرون للمعصوم. سلوك نابع من الإنسانية وعقلهم، وليس من كونهم متشرعين وشريعتهم.
طالقاني: كيف تريد أن تعرف من هم العقلاء؟ ماذا كانت سيرتهم؟ بغض النظر عن هذا، ما زلت أعتقد أن الأمر النفسي لا علاقة له بالمعرفة.
إنّ ما ذكرناه حتى الآن طريقية وكاشفية القطع. هناك موضوع آخر مطروح هو وجوب المتابعة. الموضوع الآخر هو المحركية الواضحة في كلام الآخوند. هذه المواضيع وثيقة الصلة بميتافيزيقيا الحكم نفسه. هناك بحث أيضاً هو الحجيّة والمعذّرية وهي الفلسفة الأخلاقية وترتبط بفلسفة العمل.