خاص الاجتهاد: حاورنا الأستاذ الباحث الشيخ محمد تقي أكبر نجاد مدير مؤسسة الفقاهة والحضارة ومن الناشطين في مجال التجديد والتطور في الحوزة العلمية، في موضوع ” حدود الحريات الفردية في التصرّفات المالية “. إنه يعتقد ركوب السيارات الفارهة حرام لأنه من مصاديق الكماليات والإسراف ويسبب الكبر.
قد اعترف الاسلام بحرية الناس في تصرفاتهم المالية وذاك من خلال وضع قواعد كـ ” الناس مسلّطون على أموالهم” ؛ ومن جانب آخر قد حرّم بعض العناوين كالإسراف والتبذير والتجمل ولباس الشهرة وبهذا قد أبدى مدى إهتمامه بالمجتمع ومصيره. أليس هذا تردد الاقتصاد الإسلامي بين النزعة الإنسانية (الإنسانويّة) والإشتراكية؟
كما يبدو بما أن أفكارنا قد تعودت علی الفقه الفردي، فلا نحرز تقدما في المسائل الإجتماعية. من السهل أن نتصور في المجال الأسري ولاية الأب على أفراد الأسرة وحيلولته دون بعض تصرفاتهم إثر هذه الولاية، بينما في المجال الإجتماعي قد يستعصي علينا فهم مفهوم الولاية وحينئذ تفرض بعض التساؤلات نفسها. يمكن تحليل أصل المسألة بعدة أساليب.
نعتقد بأن من الواضح إمكان إصدار الحكم بالنسبة للإسراف والتبذير ويقتصر النزاع في إطار بعض المصاديق فحسب. لأن الله تعالى يقول: إن الله لا يحب المسرفين. يعتبر الله المبذرين إخوان الشياطين و هذا يدلّ علي الحرمة.
كما أن الروايات تتخذ موقفا صعباً أمام الإسراف حيث تستنبط منها الحرمة. من جانب لا قيمة للأحكام مادامت تبقى في إطار المفاهيم الكلية.
مييز المصداق ذو حدين؛ تارة له جانب فردي فقط، على سبيل المثال إذا أردتُ أن أجد مصاديق الإسراف أو مصاديق آية أو رواية في إطار الحياة الشخصية، فيدخل الإلزام في ملكي، مع أن الملك يعود لي إلا أن الحكم يقول: لا تستحق أن تسرف وعليك أن تحسن التصرف مع أموالك. أو يقول لي: صحيح أن هذه النقود لك ولكن لا يجوز لك الربا بها كما لا يجوز أن تشتري الكلب مثلاً بها.
فللشبهة الأولى أجوبة واضحة، لكن أريد أن أتكلم عن ورود الأصل، فتقيدت تصرفاتي الملكية ببعض القيود والضوابط ذات طابع فقهي والمخالفة معها يستحق العقاب.
وفي المجال الفردي يتعين تمييز المصاديق على عاتق الشخص بنفسه؛ فلا يمكن لأحد أن يميز مصاديق الإسراف في حياة أحد آخر.
ما هي مصاديق الإسراف حين الإستحمام مثلاً؟ أو ما هي مصاديق الإسراف في الملابس أو الأطعمة؟ كل هذا يتمحور حول تمييز الشخص.
وفي المجال الإجتماعي أيضاً يتمتع الولي الفقيه بنفس السلطة التي يحظي بها الشخص؛ ذلك أن هذا المجال لا ينتمي لشخص خاص. فمن هنا نحن نعتقد بأن الوقف العام للمنافع العامة يتوقف على قبول الولي الالهي حيث لا يتحقق دون قبوله. ربما يقف أحدا مسجدا في مكان غير مناسب فلا يمكن أن نبني المسجد حيثما نريد كما لا يمكن لنا إنشاء الملعب أينما نحب.
لعل أحدا يريد بناء ملعب في مكان غير مناسب كتقاطع مزدحم؛ ربما بناء المسجد في مكان ما يسفر عن النزاع و التفرقة لأجل وجود مسجد آخر في ذاك الحي. فمن هذا المنطلق نرى أن الحاكم كلمته نافذة في الشؤون الاجتماعية بأسرها كما نحن في المجال الفردي.
سأضرب لكم مثالا: في الأحكام الثانوية( حالة الإضطرار) وفي حالة الحرج كل شخص بنفسه يميز الحالات الحرجة، فهو الذي يحدد إذا كان في الحالة الحرجة أم لا حيث يجوز له إفطار الصوم أم لا؛ أيجوز له الصلاة جالسا أم لا ونحوها. ولكن في المجال الاجتماعي مَن الذي يحدد الحالات الحرجة؟ على سبيل المثال مَن الذي يحدد أن الناس قد وقعوا في حالة حرجة.
فلذلك قد رفع عنا حكم وجوب الصراع ضد الطواغيت فنحن مضطرون إلي إقامة العلاقات مع أميركا؟ بالطبع تمييز هذه الحالات ليس بيد آحاد المجتمع.
فكل مفهوم يتخذ طابعاً اجتماعياً يقع تمييزه على الحاكم. فكذلك الاسراف في التصرفات المالية؛ ما إن يتخذ الاسراف طابعا اجتماعيا حتى تتدخل الحكومة ويميز الحاكم مصاديقه وهذا مما لا غبار عليه، فالذين ينكرونه يثيرون تعجبي جداً.
لأن عندنا حكماً فقهياً عاماً يصرح بحرمة الإسراف، فالإسراف إذا خرج من النطاق الفردي وأصبح عاماً فالمسؤول عن منعه هو الذي يتولى الشؤون العامة.
لكن الآن نتساءل ما علاقة هذا البحث بقاعدة ” الناس مسلطون على أموالهم ” وما شابهها. برأيي هذا السؤال ضعيف جدا. عندما تصل إلينا بعض الأسئلة يظهر أن من ألقي ذاك السؤال له قدر قليل من البصيرة الدينية. هذه القضية لا تتعلق بهذه المباحث بل يدلّ على منع التصرف في مال الغير؛ بمعني أنه لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال الآخرين إلا بإذنهم.
ولا تتكلم القاعدة عن نوع تصرف الشخص في ماله لأننا نرى ذات الشارع الذي قد سنّ هذه القاعدة وضع قواعد مختلفة لاستعمالها. لا يحق لك أن تستعمل حاسوبك لعمل إجرامي؛ كما لا يجوز أن تعطيه لمن يقصد التجسس في أمور الآخرين.
تصوروا شخصا يمتلك بيتا ذا طابقين. أحد الطابقين مشغول دون الآخر. لا يجوز للمالك أن يترك أحد الطابقين شاغرا في حين أن شخصا آخر لا يمتلك بيتا ولا نقوداً يستأجر بها البيت لنفسه.
قد ورد في الرواية إذا لم يعط المالك بيته للشخص الآخر ليسكن فيه فيحرمه الله تعالى من الجنة ويستشهد الله الملائكة ويقول بما أن هذا الشخص حرم عبدي من بيته فأحرمه من جنتي.
لا يقسم الله تعالى بالجنة لأجل أمر مكروه ولا يستشهد بشاهد ليقول إنني حرمته من الجنة بل يقول لا تستحق أن تحرم الآخرين مما تمتلك. قد ورد هذا المضمون كثيراً في الروايات ولا يقتصر على مورد واحد. لا يجوز لأحد أن يقول هنا بيتي فلا أعطيه للآخرين.
لنرى الآن أن ما هو المبرر الكلامي لهذه المسئلة؟ إذا أردت أن أقول باختصار: الشارع قد تصرف في هذا. فالشارع قد أصدر هذه الرواية لأجل زاوية أخري وهذه المباحث تتعلق بكيفية إستخدام الملك. تختلف الزاويتان ومقام البيان لهما.
وكيف توجد العلاقة بين هذه المسئلة وبين الاشتراكية والنزعة الانسية؟ نرى في العالم أنهم يعترفون بقضية تقديم حق الجمع على حق الفرد وبذلك يتصرفون في ملك الغير. مثلا يبنون الشوارع ويهدمون البيوت الآخرين وعندما نسألهم عن المبرر والسبب يجيبون: لأن هذا الشخص قد قبل أن يعيش في المجتمع ويتمتع بفوائد الحياة الاجتماعية فعليه أن يدفع تكاليف هذه الحياة فعندهم ايضا ضوابط للدخول في اطار الملكية الفردية وهذا ما نراه حتى في النظم الرأسمالية إلا أنهم لا يرون تناقضاً بين هذا التدخل وبين مبادئهم الرأسمالية والملكية الشخصية.
يعتبرون الشخص مالكاً بالأصل الأولي ولكن عندما يتعارض الحق الفردي مع الحق الجماعي يقدّمون حق الاجتماع كما نرى في الدين أيضاً. فلا نقبل من شخص أن يقول قد ولدت هنا وعندي ذكريات كثيرة هنا فأريد أن أعيش في نفس هذا المكان ولا أسمح لأحد أن يتصرف فيه؛ بل نعوّض حقه بشكل آخر.
أظن أن مثل هذه الأسئلة التي تشيع في حوزاتنا العلمية تنشأ من ضعفنا في الأسلوب الاجتهادي الذي قد جعلنا غير متفوقين.
لماذا في الغرب لا يشعرون بالتنافي مع الفكرة الراسمالية؟ فنحن ايضاً نتمسك بكل إجابة يقدمونها في الغرب للتخلي عن التنافي.
إضافة إلى أننا مزوّدون بمبدأ آخر دونهم يستمدّ من رؤیتنا الکونیة وذلك هو أننا لا نعتبر أنفسنا مالكين الحقيقيين بل نعتقد بأن الله هو مالك كل شئ.
عندما كنا اطفالاً كنا نصنع بيوتاً لانفسنا في بيت أبينا ونمنع عن دخول الآخرين فيؤدي إلى النزاع دائماً لاننا كنّا نعتبر أنفسنا مالكين لتلك البيوت في حين أن هذه الملكية متوقفة على إذن الأب. لأننا صنعنا البيوت في ملكه.
فنظرة الله إلى العالم بنفس الطريق؛ يقول: أنا قد خلقت هذا العالم لتربية جميع عبادي؛ فإذا كان لك بيتان فسيحان وليس لي بيت لا يمكنك أن تقول للآخر: لا أسمح لك الإقامة فيه؛ بل أنا أستطيع أن أقول لك أعط هذا البيت لعبدي الآخر.
على سبيل المثال إذا اشترى والد بيتاً ذا طابقين لابنه الأكبر ليعيش فيه وبعد مدة تزوّج ابنه الأصغر فالأب يستطيع أن يقول لابنه الاكبر: إسمح لأخيك الأصغر ليسكن في أحد الطابقين.
فمفهوم الملكية في النظرة التوحيدية يختلف عما يوجد في الغرب. إذن نواجه صعوبة أقل في تبرير مثل هذه التصرفات. واللافت للانتباه أن الغربيين أيضاً يعارضون الإسراف حتى في الإطار الفردي فيغرّمون من يستهلك الكهرباء كثيراً.
باعتقادي ركوب السيارات الفارهة التي قد دخلت في شوارعنا منذ مدة حرام لأنه من مصاديق الكماليات والاسراف ويسبب الكبر.
عندما ندخل المجتمع فلا يعتدّ بالاطار الفردي. لا يستطيع احد يقول “هنا ملكي وأحب أن أحرقه” فلا يسمحون له بذلك أينما كان من العالم لأنه قد يتسرب إلى البيوت المجاورة.
في العصر الحالي قد تحول كل المجالات إلى مجالات شخصية – اجتماعية. فلاجل هذا كل نظام حتى النزعة الإنسية يعتبر نفسه ذا سلطة تمنع بها الشخص عن بعض التصرفات. فيتدخل في حياته الفردية ويضع له بعض القيود فيمكنه أن يحول دون الإسراف في حياته الفردية بتلك القيود فيغرّمه.
على سبيل المثال يقول له: إذا استهلكت الماء هكذا تُعارض حقوق الآخرين وهذا يتسرب ويشيع في المجتمع كالفيروس وينتهي إلى شحة المياه.
ما يقودنا إلى إلقاء مثل هذه الاسئلة هو اننا نري مفهوم الملكية الشخصية في فضاء الفراغ. في حين ان مفهوم الملكية في حياتنا الحالية يختلف عما قد تصور السائل.
كما قلنا كل ملكية شخصية قد اتخذت طابعاً اجتماعياً فلا عبرة للشخص في المجال الاجتماعي. أما غير هذه التحليلات التي لها طابع مادي فهناك تحليل آخر وهو أن العالم ملك الله. الله يقول أنا اعطيتك المال لتستفيده ولا تستحق أن تسرف وتطغى. أعطيتك الطعام لتأكله ولا أسمح للشّره والنهم. إذا نظرنا إلى المسئلة هكذا فلا نواجه مشكلة ولا نسئ الفهم.
أيمكن إلزام المسلمين على تجنب الكماليات والنزعة الاستهلاكية؟ أو لا يمكن إلزامهم بل يمكن لنا أن نقدم لهم النصائح فقط من النظرة الشرعية؟
كلما نتقدم يتزايد شعوري بأن هذه الأسئلة التي يتم القاؤها في الحوزات العلمية تنشأ من الضعف في العملية الاجتهادية لنا. يمكن الاجابة عن هذا السؤال بطرق مختلفة كالمسئلة السابقة من حيث الوقوع ومن حيث التحليل. في ناحية الوقوع يمكن أن نقول أن هذه القضية قد تحققت فعلاً فيجوز النهي عن كل منكر.
لا يقتصر النهي عن المنكر على النصيحة فقط بل يتعدي إلى التعزير فيمكن تنفيذ التعزير لكل معصية. العادة السرية معصية شخصية وليست كالزنا ترتبط بشخص آخر إلا أن أمير المؤمنين علي “عليه السلام” عزر الذي ارتكب هذه المعصية كما أنه “عليه السلام” جلّد الذي شرب الخمر في بيته.
يدخل الشارع المجالات الشخصية في مواضع متعددة وذلك أن في الفكرة الدينية يلاحظ الله وحقه قبل أن يلاحظ العبد. لا إله في النظرة الإنسية علی الإطلاق والمحور هو الانسان فقط. الله الذي قد خلق كل شئ لا يسمح لنا بأن نقوم بمثل هذه التصرفات.
والذي يعتقد بجوازها عليه أن يقيّم الدليل. فالله تعالی يستحق أن يحدد كيفية التصرف في الأموال وهو السبب للقوانين التي قد وضعت في الدين لأجل مكافحة الجرائم.
ألا يرتبط الاحتكار بالملك الشخصي؟ ألا تشمله قضية الناس مسلطون؟ كما نري في مسئلة الخمس حيث الله يقول خمس مالك لي. أنا أعطيتك المال فإذا زاد عن حاجتك خمسه لي . بل کان یستحق أن یقول کله لی. فالحكومة الاسلامية تستطيع أن تمنع عن الكماليات وبناء القصر.
قد ورد أن النبي ص قال: من يلبس الملابس الفاخرة لابد له من الكبر. السكن في القصر ينتهي إلی الكبر. انا لا أخاف من هذا القول أنّ ركوب السيارات التي قد دخلت في البلاد حرام لأنها مصداق التكبّر والكماليات.
من يملك السيارة الفخمة والبيت الفاخر والحذاء الفاخر لا ينظر إلی الآخرين بعين الاعتبار شيئا فشيئاً. ربما يستبعد البعض أن اعتقد بهذا خاصة لما احاول لتطوير الحوزات العلمية.
لهذه الرواية خاتمة تقول: الذي يصبح متكبرا لابد له من النار يعني العقوبة وهذا بمعني أن ارتداء الملابس الفاخرة حرام. بالطبع يختلف مفهوم التفاخر من مجتمع لآخر حسب قدرة افراد المجتمع المالية ولكن اصل القضية مما لا ريب فيه.
نحن نوجه إشكالا للحكومة وهو انه ليست مراقبة وإشراف في مجال الهندسة. اذا كان رجل ثري يبني البيت وسط المدينة ويلفت الانظار وتحول إلی أمل بعد للآخرین ویغلق طريق الآخرين للحصول علی الانسانية ویصاب الشخص بالتکبر.
هل ترفض سماحتكم سلطة الانسان علی أمواله تماماً؟ حسب ما تفضلت ما مدی حق الانسان في التمتع بماله؟
أنا لا ارفض سيطرة الانسان علی أمواله إلا أن هذه السلطة محددة ومقيدة. فالله تعالي قد أرسل الدين ليعين الحدود في حياتنا. إذا كان كل شئ جائزا لنا لنأكل كل شئ ونتصرف كيفما نشاء لا نتجنب شيئاً إلاّ أن يدركنا ضررٌ بيّن.
يقول امير المومنين ع : لم يكن الناس يفهمون بعقولهم ما يضرهم وما لا يضرهم فجاء الدين ليساعدهم. قد وضع الشارع قيودا لنا ولكننا نظن أن كل موضع قد تقيد من جانب الله تعالی يحوي منافع بالتأكيد. يقول الشارع لا تأكل السمك إذا لم يكن له الفلس؛ لا تأكل الطيور إذا كان مخلبها كذلك. فنحن أحرار ونسلك مسيرتنا في الحياة ونتوقف عند كل قيد سنّه الله تعالی.
ألا يسبب تجنب الحياة الفارهة علی الرغم من القدرة المالية، النفاق والرياء في المجتمع الاسلامي؟ ألا تقودنا حرمة ركوب السيارات الفخمة إلی التزوير؟
هذا ليس تعريف النفاق ویختلف عنه؛ نحن لا نقول إن الشخص يجب عليه أن يعيش كالفقراء وهو ثريّ وهذا ما لا يستحسنه الدين أيضاً. هناك رواية من الامام الصادق ع تفيد بأن الله إذا وسع في رزقكم يحب أن يري أثره في حياتكم.
يمكن أن تختلف قدرتي المالية عن الآخرين فسيارتي تختلف عن السيارة التي يركبون. ما هو المهم عندنا هو روح الإهتمام بالكماليات. لانه يقضي علی التوحيد ويخرج الشخص عن إطار العبودية.
رؤيتي الفقهية هی أن رعاية الفقراء ليس مستحباً للاثرياء بل هي واجبة عليهم. هذا ما تدل عليه الآية : “وفي أموالهم حق للسائل والمحروم”.
وحسب تفسير المعصوم هذا يختلف عن الخمس والزكاة. تقول الرواية إذا نام أحد في مدينة جائعاً فكلّ أهل المدينة ملعونون. قد ورد مثل هذه الرواية حول الجيران ايضاً. اعتبروا الله كوالد يحب كل أولاده.إذا كان ملك الاب بحوزة أحدهم الذي يتمتع بالقدرة المالية فيطلب الوالد منه أن يراعي أخاه الذي اشتد عليه المعاش.
علاقة الله بالعبد أقوي من علاقة الاب بولده. الله تعالی يحب كل عباده ويريد أن يربّي جميعهم. والارض وما فيها له تماماً كما يقول: “جعل لكم ما في الارض جميعاً” ولكن لننتبه أن لكم بمعني كلكم. هناك رواية تفيد بأن شيعتنا لا يصبحون أغنياء جداً.
نحن قد ضيقنا إطار الفقه ونقتصر علی دفع الخمس والزكاة فحسب وبعد ذلك نعتبر مساعدة الفقراء مستحباً؛ إلا أنه يختلف عما نواجهه في الآيات والروايات.
أليس هذا الضابط مفهوماً مطاطياً؟ لأن مفهوم روح الاهتمام بالكماليات يختلف من أحد لآخر؛ يمكن أن نتصور سلوكاً واحداً يعتبره أحد مصداق الاهتمام بالكماليات ولا يكون هكذا عند شخص آخر. يستعمل كثير من هذه المفاهيم في الفقه مثل مكانة الانسان والعرف.
هذا ما يجب مناقشته كموضوع مستقل. إذا أردنا أن نختصر فنقول في العناوين المتعلقة بالشرع، المناط والضابط هو عرف المتشرعين والمهتمين بالدين لا غيرهم. علی سبيل المثال عندما نتحدث عن افطار الصوم في حالة الحرج، مَن الذي يحدد الحَرَج؟
بالطبع لا نعطي أهمية لكلام الطبيب الذي لا يصوم ولا يعتقد به، بل نتبع الطبيب الذي یعرف مدی أهمية الصوم في الدين وفي القرآن.
ألا يجب اعادة النظر في مفهوم الكماليات والزهد واعتبار مفهومه الحالي غير صحيح نظرا إلی بعض ما نقل عن حياة المعصومين ع كرغبة النبي في كتف الشاة والاكثار من تقديم الاطعمة للناس من جانب الامام الحسين ع؛ خاتمه الثمين في يوم عاشوراء ورغبة الامام الصادق ع في أكل الفالوذج مع الزعفران؟
الزهد معناه واضح ولا يحتاج إلی إعادة النظر. الزهد هو الكف عن الحرام الالهي كما فسّر في الرواية. علی الانسان أن لا يطمع في النعم الإلهية بدرجة لا يستطيع تركها عند الأمر والنهي الالهيين. يمكن اندلاع حرب في المستقبل فعلينا عدم التعلق بانفسنا حيث يمنعنا عن المشاركة في الجهاد.
ولاجل ذلك نقول: أكثر الناس ورعاً وزهداً هو الذي يتجنب المعاصي. يعني لا أحد يفسر الزهد بان لا نأكل الفالوذج؛ هذا تفسير خاطئ للزهد. الأكل والشرب لا يخالف الزهد بل الله تعالی يقول كلوا واشربوا ولا تسرفوا؛ مايخالف الزهد هو التعلق بالنعم والمنع عن العبودية. هذا هو الدرجة السفلی للزهد الخاصة بالأناس العاديين.
فلا بأس للذي يتمتع بقدرة مالية أكثر أن يأكل طعاماً أفضل ويرتدي ملابس أجود. ولا يتوقع منه أن يستهلك قليلاً بالتاكيد. ولكنكم انتبهوا أن هذه النقاط في مستواه الأول مقتصراً علی ما يجب علی الانسان.
وتارة مفهوم الزهد بمعني أن لا يسرف الشخص فيما يناسبه من المستوي المالي والعيش ولا يتجاوز الحريم الإلهي. بالطبع للزهد درجات مختلفة وأعلی درجاته للمعصومين ع حيث كانوا يأكلون أقل مما يمكن؛ وتارة نوع الطعام الذي كانوا يأكلونه أقل من العادة.
الجدير بالانتباه هو أن الروايات لا تفيد بأن النبي ص كان يكثر من أكل الكتف بل النبي ص كان يحبه فقط. نقل أنه أتوا بشيء يشبه الشوكولاتة عند النبي فذاقه النبي ص ولكن لم يستمر في الأكل. فسالوه لماذا لم تأكل يا رسول الله؟ فأجاب: كانت نفسي تحبه وأردت أن لا تتعود عليه.
ما هو الشائع مرتبته الواجبة التي فسر الزهد بها في الروايات. وإذا أراد أحد أن يسلك درجاته الأخری عليه أن يحاول أكثر. مثلا لو أراد شخص ثري أن يعيش حياة عرفانية ويحصل علی معنوية قویة، عليه أن يلبس ملابس أكثر بساطة ويقوم بانفاق اكثر من المال ولا يبتعد مستوی معيشته عن الناس بكثير ولكن لا يجب عليه أن يراعي هذه الأشياء.
ما رأيكم لتقديم طريق لترشيد الاستهلاك من خلال الفقه الحكومي؟
خلق الانسان مختاراً ولاينبغي إدارته بالقوة والإرغام بل يجب أن يسير باختياره. لنقم بالتثقيف بدل الإكراه. يوجد في مجتمعنا ضعف النفس وهو ما يؤدي بالناس إلی الاهتمام بالكماليات تعويضاً لذاك الضعف بدل أن يصححه بالعمل والجهد.
علی الحكومة أن تتزود بالسلطة والإكراه وهذا ما يقبله الغربيون أيضا. تزود الحكومة بالقوة يضمن التقدم فلا باس في قضية الحجاب أن تمارس الحكومة بعض الاجراءات الأمنية. ولكن في الوهلة الأولی علينا التركيز علی معرفة المشكل.
يعني باعتقادكم التثقيف یشکل جزءاً من مسيرتنا الفقهية؟
نعم بالضبط؛ علی الحكومة أن تقوم بالتثقيف كما يجب علينا بصفتنا رجال الدين. بل يمكن أن نقول عمل الأنبياء يقتصر في التثقيف فقط ولم يكونوا يمارسون القوة في البداية. الثقافة برنامج الحضارة وطريق الوصول اليها.
علينا المحاولة في طريق التثقيف أولاً؛ خلال مئتي سنة تم استهانة شعبنا علی يد ملوك القاجار والبهلوية. قام الروس بإذلال نصف بلادنا كما قام الانجليزيون في نصفها الآخر. من جانب آخر شعبنا شعب يتصف بالكمالية يعني يحب أن يصل إلی الهدف بسرعة. هذا هوية شعبنا. هذا الشعب يريد أن يشبه الأوروبيين في وقت قصير.
بدل أن يعمل كما يعملون يتبعهم في الملابس والمظهر وهذا يعني الإهتمام بالكماليات. علينا أن نعرف هذه المشاكل ونعلن لشعبنا أن عليكم العمل الأكثر لو تطمح لدنياك.
علينا أن ننمّي روح العمل في المجتمع وهذا يحتاج إلی محاولة ثقافية. نری في المجتمع أن الشخص يقبل أن يقترض ويدفع الأقساط خلال سنوات من أجل أن يقيم حفلة عرس فاخرة لبنته. هذا ينشأ من الحقارة.
ليس من الطبيعي هذه الإحصائيات التي تنتشر حول الجراحة التجميلية حيث أن شعبنا حامل الرقم القياسي في هذا المجال. لماذا يصّر شعبنا علی شراء مواد التجميل أو إنشاء بناية فاخرة جيوبهم فارغة؟ هذا مرض يجب علاجه. بالطبع يمكن للحكومة المساعدة في حل القضية بممارسة القوة كحل بديل.
علی سبيل المثال إذا أرادت الحكومة الحيلولة دون الإسراف عليها أن يمنع عن دخول السيارات الغالية والفارهة أو يجب أن نقيد دخولها بقيود وقوانين أكثر.
وبدل ذلك نستخدم سيارات أرخص ذات جودة عالية وصديقة للبيئة. لو نقصد إصلاح مظهر الناس وزيّهم علينا التثقيف أولا بجانب منع استيراد الملابس غير الاسلامية علی يد الحكومة.
باعتقادي شعبنا يتأثر من الاجراءات الثقافية بكثير. لو أنفقنا ريالاً واحداً في مجال الثقافة سنحصد أكثر باضعاف. إذا واجهوا الحق ونتكلم معهم بشكل صحيح يتماشون؛ إلا أنه يجب التمتع بالقوة والإكراه بجانب تطوير الثقافة.