تكليف الكفار بالفروع

تكليف الكفار بالفروع مقالة من سماحة الشيخ محمد العبيدان القطيفي و من ثمرات الموضوع حرمة التسبيب في صدور الحرام من الكفار، وتتجلى مثل هذه الثمرات في البلدان الغربية التي يكثر فيها عيش الكفار.

موقع الاجتهاد: المشهور بين الخاصة والعامة أن الكفار مكلفون بالفروع كتكليفهم بالأصول. بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه ونسب الخلاف إلى أبي حنيفة من العامة والمحدث الكاشاني وصاحب الحدائق وبعض المتأخرين من الخاصة. و قد ذكرت عدة ثمرات للقول بكون الكفار مكلفين بالفروع كجواز توكل المسلم عن الكافر في إجراء المعاملات الربوية، وأخذ الفائدة له، والشهادة على وقوعها، وفقاً للقول بعدم ثبوت تكليفهم بالفروع، و كحرمة التسبيب في صدور الحرام من الكفار، وفقاً للقول بثبوت تكليفهم بالفروع، وتتجلى مثل هذه الثمرات في البلدان الغربية التي يكثر فيها عيش الكفار.

بقلم سماحة الشيخ محمد العبيدان القطيفي

المشهور بين الخاصة والعامة أن الكفار مكلفون بالفروع كتكليفهم بالأصول. بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه .ونسب الخلاف إلى أبي حنيفة من العامة والمحدث الكاشاني وصاحب الحدائق وبعض المتأخرين من الخاصة ولا بأس قبل بيان ما هو الحق من نقل بعض كلمات الأعلام فنقول:

قال في الخلاف: مسالة97: أرتد الإنسان ثم حال عليه الحول ……وأيضا جميع الآيات المتناولة لوجوب الزكاة تتناول الكافر والمسلم فمن خصها فعليه الدلالة .[1] وتعرض للمسألة في النهاية [2]، والمبسوط[3]، أيضاً.

وقال في الشرايع: والكافر تجب عليه الزكاة لكن لا يصح منه أداؤها[4].
وقال في المعتبر: تجب الزكاة على الكافر إن لم يصح منه أدائها إما الوجوب فلعموم الأمر …الخ…[5].
وقال في التذكرة: أما الكافر فان الزكاة وان وجبت عليه عندنا لأنه مخاطب بالفروع …الخ…[6].
وبالجملة المشهور بيننا بل المجمع عليه بين قدماء الأصحاب كون الكفار مكلفين بالفروع .

وقد بدأ الخلاف مع ظهور المدرسة الإخبارية[7]، فبدأ ذلك من قبل الأمين الاسترابادي(ره)، كما جاء في الفوائد المدنية، إذ قال:
ومن بعده ألتـزم بذلك الفيض الكاشاني في غير واحد من كتبه، فقد ذكر في الوافي:
وكذا كان هذا هو مختار صاحب الحدائق(ره) في كتابيه الحدائق والدرر، فقد ذكر في الحدائق:

وجاء في الدرر:

ولم يكن لهذا القول وجود في الحركة الأصولية حتى توقف في ذلك المحقق السبزواري(ره)، كما في ذخيرة المعاد.
ولم يجدد القول بهذا القول حتى عصر بعض الأعاظم(ره)، إذ أحيى القول بعدم ثبوت تكليف الكفار في الفروع، وتبعه على ذلك غير واحد من تلامذته.

تحرير محل النـزاع:

وعلى أي حال، فيقع الكلام في تحرير محل النـزاع وتحديد محله بين القائلين بثبوت التكليف للكفار بالفرع، والقائلين بعدمه، فهل هو واقع بينهم في مطلق الأحكام الفرعية من دون فرق بين كونها أحكاماً فرعية عقلية يستقل العقل بها، فيحكم بالمنع عنها، أو يحكم بوجوب إيجادها، أو كانت أحكاماً فرعية شرعية، مما حكم به الشرع ابتداءً، أو أنه يختص محل النـزاع بخصوص الأحكام الفرعية الشرعية الصادرة ابتداءً من الشارع المقدس، من دون أن يكون للشرع مدخلية فيها، وبالتالي لا يكون محل النـزاع شاملاً للأحكام الفرعية العقلية؟

لا ريب في أن القائلين بثبوت التكليف للكفار بالكفار، كتكليفهم بالأصول لا يفرقون في ذلك بين كون الأحكام الموجودة أحكاماً فرعية عقلية، أم كانت أحكاماً فرعية شرعية، فالتكاليف ثابتة عليهم في كليهما.
ويظهر من إطلاق كلمات القائلين بعدم ثبوت التكليف للكفار في الفروع، عدم الفرق بين النوعين من الأحكام الفرعية، فلا يتوجه للكافر خطاب ولا تكليف في كليهما.

ووفقاً لما تقدم، يلزم أن يكون محل النـزاع بينهما في الثبوت وعدمه مطلقاً، لا أنه يجري في مورد دون آخر، كما لا يخفى.
إلا أن صاحب العناوين(قده)، أشار إلى اختصاص محل النـزاع بخصوص الأحكام الفرعية الشرعية الابتدائية، دون الأحكام الفرعية العقلية التي يستقل العقل بالحكم فيها[8].

ومقتضى كلامه(ره) التـزام القائلين بعدم ثبوت تكليف الكفار بالفروع بثبوتها عليهم في ما يستقل العقل بقبحه، فكل حكم عقلي فرعي يستقل العقل بالحكم فيه، لا يفرق في ثبوت الحكم به بين كونه مسلماً، وكونه كافراً، وكأن ذلك لكون الأحكام العقلية لا تقبل التخصيص أو التخصص، مضافاً إلى خضوع ذلك لمبدأ الحسن والقبح العقليـين، وهما لا يفرقان بين المسلم والكافر، فلاحظ.

وهذا الذي ذكرناه جزم به بعض الأعاظم(ره)، إذ خص محل النـزاع أيضاً بخصوص الأحكام الفرعية الشرعية الابتدائية، دون الأحكام الفرعية العقلية، فقال: أن محل الكلام في تكليف الكفار بالفروع إنما هي في الأحكام المختصة بالإسلام، وأما المستقلات العقلية التي يشترك فيها جميع أرباب الشرائع كحرمة القتل، وقبح الظلم، وأكل مال الناس عدواناً، فلا إشكال كما لا كلام في تكليفهم بها[9].

ووفقاً لما ذكره(ره) سوف يكون الكافر مؤاخذاً بما يستقل العقل بالحكم بقبحه، والمنع عنه، كما يؤاخذ بكل ما حكم الشارع بحسنه، وإلزامه به، ولا يؤاخذ بما كان مصدر ثبوته الشرع ابتداءً، فلاحظ.

وما أفيد من تخصيص دائرة محل النـزاع هو الصحيح، بحيث لا يكون شاملاً لما يستقل العقل بالحكم به، ويختص ذلك بما كان الحكم فيه من الشرع ابتداءً، ووجهه أن ما يحكم به العقل لا يتوقف التصديق به والقبول على التصديق بالرسول، وبالمرسل، وصدق الرسالة وما شابه، وإنما حجته هي الحجة الباطنة المشار إليها في غير واحد من الأدلة، فلاحظ.

وكيف كان فتحيق الحال في المسألة يستدعي التعرض لأدلة الطرفين وتمحيصها للخلوص إلى نتيجة تامة .فنقول ومنه نستمد التسديد والتوفيق للصواب :-

أدلة المانعين:

استدل المانعون من ثبوت التكليف للكفار بالفروع، واختصاص ما توجه لهم من خطاب بخصوص الأصول، بأمور:

الأول: التمسك بالكتاب:

وهو قوله تعالى:- (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين)[10]. لدلالة الآية على اختصاص حرمة الزنا بخصوص المسلمين، مما يعني عدم توجه خطاب الفروع للكفار، توضيح ذلك: إن مقتضى ما دل على عدم جواز نكاح المسلمة للمشرك، والمسلم للمشرك، يوجب أن يكون المقصود من النكاح الوارد في الآية الشريفة أمراً آخر غير العقد، وهو الوطء الخارجي، فتكون الآية مشيرة إلى ما هو المتعارف خارجاً بمقتضى قانون السنخية من أن الزاني لا يجد من يزني بها إلا زانية مثله، أو مشركة، فإن الطيور على أشكالها تقع، والجنس إلى الجنس يميل، وإلا فالمؤمنة لا تطاوعه على ذلك أبداً، وكذا الحال في الزانية، ثم قال تعالى:- (وحرم ذلك على المؤمنين)فخص سبحانه حرمة الزنا بالمؤمن دون الكافر، فيثبت اختصاص التكليف بالمؤمن دون الكافر[11].

وقد منع القول باختصاص حرمة الزنا بخصوص المسلمين، لوجهين:

الأول: دلالة جملة من الآيات القرآنية على حرمة الزنا على الكافر كحرمته على المسلم، فلاحظ قوله تعالى:- (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً)، فإن سياقه يكشف عن كون الخطاب مع المشركين. وكذلك ذكر في وصف عباد الرحمان في سياق الخطاب مع الكفار:- (والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً)، وكذلك قوله تعالى:- (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن)، فإن القدر المتيقن من الفواحش هو الزنا.

الثاني: النصوص الكثيرة والتي تضمنت الإشارة إلى مفاسد الزنا، تكشف عن كون حرمته عامة شاملة لجميع الناس، ولا تختص حرمته بخصوص المسلمين فقط، ففي صحيحة الفضيل عن أبي جعفر(ع) قال: قال النبي(ص): في الزنا خمس خصال، يذهب بماءا لوجه، ويورث الفقر، وينقص العمر، ويسخط الرحمان، ويخخلد في النار، نعوذ بالله من النار.

وقد ورد التشديد في أمر الزنا، ففي معتبرة عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله(ع) قال يعقوب لابنه: لا تزن، إن الطائر لو زنا لتناثر ريشه.
وجاء في معتبرة حنان بن سدير عن أبي عبد الله(ع) قال: سألته عن يهودي فجر بمسلمة، قال: يقتل. لدلالتها على حرمة الزنا على اليهودي، ولا أقل في مورد كون المزني بها امرأة مسلمة، فحكمه(ع) بلزوم قتله يكشف عن حرمة ذلك عليه، وإلا فلماذا يقتل لو لم يكن محرماً عليه[12].

والإنصاف عدم صلوح النقض بالآيتين الأولى والثانية، ضرورة أن الرجوع لسياقهما[13] يكشف عن كون الحديث فيهما كان مع المسلمين، خصوصاً الثانية منهما، فإنها بصدد الحديث عن صفات عباد الرحمان، ومن الواضح أن هذا أجنبي تماماً عما نحن فيه.
نعم يمكن القبول بالآية الثالثة، وإن كان في النفس من ذلك، فتأمل.

وأما ما ذكر من النصوص في الجواب، فلا ريب في كون أولهما أجنبي عن المدعى، ضرورة أنه ليس في مقام بيان شمولية حرمة الزنا للناس جميعاً، وإنما هو بصدد بيان الآثار الناجمة عن الزنا، من دون تعرض منه لكون الزنا محرماً على جميع الناس، أو على خصوص المسلمين، فلاحظ.
ومثل ذلك الثاني منهما، لأنه بصدد الحديث عن الآثار المترتبة على الزنا، والتشديد على خطورة فعله، وليس بصدد الحديث عن بيان توجه الحكم بحرمته لجميع الناس، ليكون شاملاً للكافر.

وأما الثالث، فإن التقريب المذكور وإن كان له وجه، إلا أنه يمكن البناء على الحكم بقتله لما في فعله من انتهاك لحرمة المؤمنين، وتعدي على حرماتهم، فتأمل. على أنه يمكن القول بكونه أجنبياً عن مقامنا، ضرورة أن بحثنا في الكافر والمشرك، والموضوع في النص المذكور هو اليهودي، وهو صاحب كتاب وشريعة، فلعل ما صدر منه(ع) من حكم بلزوم قتله كونه موافقاً لما جاء في شريعته، فلاحظ.

ولا يخفى أن تمامية دلالة الآية الشريفة على مدعى المستدل تعتمد على كون المقصود بالنكاح الوارد فيها هو الوطء الخارجي، وليس العقد، وهذا يعني أن في كلمة النكاح الواردة فيها احتمالان:

الأول: ما يظهر من غير واحد من المفسرين، كالسيد العلامة الطباطبائي(ره) في تفسيره القيم الميزان[14]،

وحاصله: أن يكون المقصود منه هو العقد، وعندها سوف يكون المستفاد منها حكماً تشريعياً تحريمياً يفيد عدم صحة زواج الزناة المسلمين إلا من أمثالهم، أو من المشركين، فالزاني والزانية المسلمان لا يتزوجان إلا من مثلهما، أو من مشركة ومشرك، وتخصيص الزناة بالمسلمين، مستفاد من المقابلة بالمشرك أو المشركة في الآية. ووفقاً لهذا الاحتمال يكون المقصود من المؤمنين في ذيل الآية هم المسلمين الذين لا يفعلون الزنا، أو غير المشهورين به.

ويشهد لهذا الاحتمال جملة من النصوص، بينها ما هو معتبر السند، تضمنت أن المقصود من النكاح الوارد فيها، هو العقد، ففي صحيحة زرارة قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن قول الله عز وجل:- (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة)، قال: هن نساء مشهورات بالزنا، ورجال مشهورون بالزنا شهروا وعرفوا به، والناس اليوم بذلك المنـزل فمن أقيم عليه حد الزنا، أو شهر بالزنا، لم ينبغ لأحد أن يناكحه حتى يعرف منه التوبة[15].

وقد رواها شيخنا الكليني بسند أشتمل على سهل بن زياد، وشيء من الاختلاف في المتن الذي لا يوجب اختلافاً في المؤدى، فلاحظ.
وفي خبر أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن قول الله عز وجل:- (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة)، فقال: كن نسوة مشهورات بالزنا، ورجال مشهورون بالزنا، قد عرفوا بذلك، والناس اليوم بتلك المنـزلة، فمن أقيم عليه حد الزنا أو شهر به لم ينبغ لأحد أن يناكحه حتى يعرف منه التوبة.

وخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر(ع) في قوله عز وجل:- (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة) قال: هم رجال ونساء كانوا على عهد رسول الله(ص) مشهورين بالزنا، فنهى الله عز وجل عن أولئك الرجال والنساء، والناس اليوم على تلك المنـزلة، من شهر شيئاً من ذلك أو أقيم عليه الحد فلا تزوجوه حتى تعرف توبته.

وفي صحيحة محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن الرضا(ع)-في حديث-قال: لا ينبغي لك أن تتزوج إلا مؤمنة أو مسلمة، فإن الله عز وجل يقول:- (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين).

وجاء في نوادر أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري عن الحلبي عن أبي عبد الله(ع): إنما كان يكره النبي(ص) نسوة من أهل مكة كن في الجاهلية يعلن بالزنا، فأنزل الله:- (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة)، وهي المؤجرات المعلنات بالزنا، منهن حنتمة والرباب وسارة….. فنهى الله أن ينكح امرأة مستعلنة بالزنا، أو ينكح رجل مستعلن بالزنا قد عرف ذلك منه، وحتى يعرف منه التوبة.

[1] الخلاف:ج ص:
[2] النهاية ص:
[3] المبسوط ج ص
[4] الشرايع ج1 ص
[5] المعتبر ص
[6] التذكرة ج ص
[7] عوائد الأيام العائدة رقم 30.
[8] العناوين ج 2 ص 715.
[9] مستند العروة ج ص
[10] سورة النور الآية رقم 3.
[11] مستند العروة ج 1 ص 125-126.
[12] بحوث في شرح المناسك ج 5 ص 300-301.
[13] أما الآية الأولى، فقد وردت في سورة الإسراء في الآية رقم 33، وأما الآية الثانية فهي إحدى آيات سورة الفرقان، ورقمها هو 68، فلاحظ.
[14] الميزان في تفسير القرآن ج 15 ص 79.
[15] وسائل الشيعة ب من أبواب المصاهرة ح

الاحتمال الثاني: أن يكون المقصود من النكاح الوارد ذكره في الآية الشريفة، هو الوطء الخارجي، وعليه سوف يكون المقطع الأول من الآية يفيد مجرد الإخبار عن أمر خارجي، وهو أن الزاني لا يجد عادة من يزني بها إلا الزانية أو المشركة، وكذلك الزانية لا تجد من يزني بها إلا الزاني أو المشرك، وقد أختاره بعض الأعاظم(ره) كما عرفت في موسوعته الفقهية، كما أختاره في تفسيره أيضاً[1].

وقد ذكر بعض الأعاظم(ره) أن المانع من المصير إلى الاحتمال الأول، مع أنه يوافق ظاهر الآية الشريفة، وجود محاذير تمنع منه:
الأول: ما تضمنته الآية الشريفة من استثناء نكاح الزاني من المشركة، ونكاح الزانية من المشرك، ومن المعلوم أن الزواج في هذين الموردين باطل بإجماع المسلمين، فلا يصح عقد الزاني المسلم من المشركة، كما لا يصح عقد الزانية المسلمة من المشرك.

الثاني:إن الالتزام بكون المقصود من الآية الشريفة هو الاحتمال الأول يستوجب جعلها واحدة من آيات الأحكام، وبالتالي يلزم أن يشترط في صحة عقد النكاح أن لا يكون الزوج زانياً، مع أنه لا قائل به من الفقهاء على الإطلاق، نعم وقع الخلاف بينهم في أنه هل يعتبر أن لا تكون الزوجة زانية أم لا.
الثالث: إن الالتـزام بكون الآية من آيات الأحكام، يستوجب القول بجواز تزويج الرجل الزاني من المرأة الزانية، مع أن مقتضى القول بعدم الجواز عدم الفرق بين كون الرجل زانياً وعدمه، فالمرأة الزانية لا يجوز الزواج منها، سواء كان الزوج زانياً أم لا، وهذا يصلح أن يكون قرينة صارفة للفظ عن ظاهر لمنع كون الآية الشريفة في مقام التشريع، فلاحظ.

وقد دفع ثاني وثالث المحاذير، بوجود من ألتـزم بذلك من الفقهاء، كصاحب الحدائق(ره)، لاعتباره كون الزوج ألا يكون مشهوراً بالزنا[2]، كما أن الالتـزام بجواز نكاح المشهورة بالزنا بالمشهور بالزنا، فلا إجماع محصل على خلافه.

ولما كان المحذور الأول لا يمكن رفع اليد عنه، بني على الاحتمال الثاني في الآية الشريفة، وإن كان الاحتمال الأول موافقاً لظاهرها، فلاحظ.
وقد أورد على القائلين بالمحتمل الثاني، كبعض الأعاظم(ره)، بأن ذلك يستلزم أموراً:
منها: رفع اليد عن عدد غير قليل من النصوص الواردة في شأن الآية المباركة، والواردة من طريقي الفريقين.

ودعوى بعض الأعاظم(ره) ردها إلى علمها، مما يصعب البناء عليه، لأن من الصعب جداً البناء على أن هذه النصوص كلها مكذوبة، أو بحكم المكذوبة.
ومنها: إن الاحتمال الثاني لا ينسجم مع تفسير ذيل الآية الشريفة، وهو قوله تعالى:- (وحرم ذلك على المؤمنين)، ذلك أن فيه احتمالين:

الأول: أن يكون المقصود منه هو الحرمة الشرعية للزنا، وهو مختار غير واحد من المفسرين، كابن عباس وغيره.
ووفقاً لهذا الاحتمال سوف تكون الآية مختصة بالمسلمين دون غيرهم، كما عليه بعض الأعاظم(ره).
ولا يخفى أن الالتـزام بهذا التفسير يستوجب فقدان الارتباط بين صدر الآية وذيلها، لأن الزاني والزانية المذكورين في الآية، لا يخلو حالهما إما أن لا يكونا من المسلمين، أو يكونا منهم.

فإن كان الأول، فإن الآية الشريفة بصدد حكاية أمر خارجي يفيد أن الزاني لا يزني عادة إلا بزانية أو مشركة، والزانية لا تزني عادة إلا مع زانٍ أو مشرك، وهذا لا ارتباط به بتحريم ذلك على المؤمنين.

أما لو كان الثاني، وألتـزم بأن المعني بالمؤمنين في ذيل الآية الشريفة هم خصوص المؤمنين حقاً واعتقاداً وعملاً، في مقابل الزناة من المسلمين غيرا لملتـزمين بالأحكام الإسلامية.

وهذا وإن أمكن إيجاد الربط فيه بين الصدر والذيل-كما عن بعض الأعاظم(ره)-ليكون المقصود من ذيل الآية تحريم ذلك على المؤمنين حقاً، فيجتنبون الزنا لأنه محرم عليهم. إلا أنه تأويل بعيد، يحتاج تقديراً لا يدل عليه الكلام، مضافاً إلى أن التعليل فيه غير واضح الوجه، فإن حرمة الزنا تشمل جميع المسلمين، فلا وجه لتعليل امتناع قسم منهم عنه، وهو المؤمنون حقاً، بأنه محرم في الإسلام.

ويمكن الجواب عما ذكر، بالالتزام بالمحتمل الأول من المحتملين، ويقرب الارتباط بين الصدر والذيل، فلا يرد محذور عدم الارتباط بالبيان التالي:
إن الحديث لما كان عن أمر خارجي، فربما أوهم ذلك المشروعية والجواز للمسلمين، بحيث يدعى عدم ظهور الآية في حصر الزواج بخصوص من كان مسانخاً ومشابهاً، لدى ورد النهي والتحريم على المؤمنين، ويشهد لذلك ما جاء في سبب نزولها، فإنه يدل دلالة واضحة على رغبية المسلمين في الزواج منهن، ولذا ورد التحريم عن ذلك، فلاحظ.

وأما الاستيحاش من رفع اليد عن النصوص التي ذكرت، فلا موجب له، لما عرفت من أنها ضعيفة الأسناد عدا صحيحة زرارة، وفي دلالتها مجال للتأمل، لتضمنها التعبير بكلمة: لم ينبغ، وهي محل خلاف بين الأصحاب في ظهورها في المنع، أم في المرجوحية، فلاحظ.

الثاني: أن يكون المقصود من التحريم الوارد في الآية الشريفة، الحرمة الخارجية بمعنى الامتناع الذاتي الشخصي، وليس المنع الشرعي، فالمؤمن حقاً لا يمارسا لزنا، ومن مارسه لا يكون مؤمناً حقاً.
وقد ذكر أنه المناسب للنصوص، لتضمنها: أن من يزني يسلب منه الإيمان حين ارتكابه لهذه الفاحشة.

وهذا التفسير يستوجب أن يكون منشأ التحريم هو المؤمنون أنفسهم، فهم الذين حرموا ذلك على أنفسهم، مع أن المستفاد من الآية أن مصدر التحريم هو الله سبحانه وتعالى، لقوله:- (وحرم)بصيغة المبني للمفعول، مما يعني أن التحريم ليس خارجياً، وإنما هو تحريم شرعي.
إلا أن التأمل في الآية الشريفة، وملاحظة صيغتها البنائية، إذ أن قوله تعالى:- (حرم) مبني للمفعول، فيكون المقصود أن الله تعالى حرم ذلك على المؤمنين، لا أن المؤمنين حرموا ذلك على أنفسهم.

ومقتضى ما تقدم، أنه لا مانع من الالتـزام بالتفسير الثاني للآية الشريفة، خصوصاً وقد عرفت أن لا محذور فيها، وإن كانت خلاف ظاهر الآية المباركة.

إلا أن الحق، هو الالتـزام بالتفسير الأول لها، وأن يكون المقصود من النكاح الوارد فيها هو العقد، وليس الوطء الخارجي، لأن المانع عن ذلك كما عرفت هو خصوص المحذور الأول، وهو مشروعية جواز المسلم أو المسلمة، من المشركة أو المشرك، والجواب عن هذا المحذور تتضح بمعرفة أن حكم تحريم مثل هذا النكاح، هل كان من الأحكام التي شرعت في صدر الإسلام، أم أنها من الأحكام المشرعة المتأخرة بعد الهجرة النبوية، وأن الكفار كانوا يتزوجون من المسلمات كما كان المسلمون يتزوجون من الكافرات، إلى نزل المنع عن ذلك؟ الصحيح هو الثاني، وعليه جملة من الشواهد.

ووفقاً لما تقدم سوف يقرر أن الظاهر من الآية الشريفة وهو جواز زواج المسلم الزاني من المشركة والزانية، والمسلمة من المشرك والزاني، وثبوت ذلك في وقت نزول الآية الشريفة، ليس مما يقطع بخلافه، نعم لا إشكال في عدم جوازه بعد ذلك. وهذا يعني الالتـزام بثبوت النسخ حينئذٍ.

الثاني: ما جاء في كلمات صاحب هداية المسترشدين(ره) بصورة موجزة، وفصله بعض الأعلام(ره)، وهو وجه عقلي، ومانع ثبوتي، لو تم لما كنا بحاجة إلى البحث عن مقام الإثبات، بل سوف يلتـزم عندها بلزوم رفع اليد عما استدل به المشهور لإثبات التكليف لهم، أو يعمد إلى تأويلها، وعلى أي حال، فحاصل الوجه المذكور هو:

أن التكليف لما كان باعتبار جعل الداعي نحو العمل، ومن الواضح أن من لا يعترف بمولوية الآمر وينكرها أو لا يعترف بوجود الآمر أو صدور الأمر منه، لا يكون جعل الحكم في حقه مؤثراً في ترتيب الأثر المرغوب، وهو إمكان الدعوة، إذ لا يمكن أن يكون الحكم داعياً في حق من لا يؤمن بوجود الحاكم، أو بصدوره منه.

وهذا المعنى ثابت حتى على رأي من يقول أن حقيقة الحكم هيج عل الفعل في عهدة المكلف، إذ هو لا يلتـزم بذلك بنحو لا يختلف التكليف عن الوضع، بل يرى أن التكليف ذلك، ولكن بداعي التحريك، فمع عدم قابلية المجعول للتحريك يمتنع جعله لا محالة.

وبالجملة، فتكليف الكافر نظير تكليف العاجز في عدم ترتب الغرض منه، وهو إمكان الدعوة، وعليه فيكون ممتنعاً كما يمتنع تكليف العاجز[3].
وقد ذكر صاحب الحاشية له أجوبة ثلاثة، نقتصر على ذكر واحد منه، وحاصله:

إن التقريب المذكور أخص من المدعى، ضرورة أن جريانه ينحصر في خصوص من كان جاهلاً قاطعاً إما بعدم وجود آمر، أو قاطعاً بعدم ثبوت حق له في الأمر، أو قاطعاً بعدم صدور أمر منه. وهذا يعن أن الإنسان لو كان يحتمل وجود من يحق له الأمر، أو يحتمل صدور الأمر منه، فلا ريب في إلزام العقل إياه بلزوم الفحص والبحث، لمعقولية التكليف في حقه. ويشهد لما تقدم شمولية التكليف للجاهل البسيط، فتدبر.

الثالث: الاستناد إلى السيرة المنعقدة على عدم ثبوت التكليف للكفار بالفروع، وقد قربت ببيانين:

الأول: ما جاء في كلمات صاحب الحدائق(ره)، من نفي ثبوت صدور أمر من النبي محمد(ص) لأحد من الكفار عندما دخل الإسلام بالغسل من الجنابة، مع أنه قلما ينفك أحد منهم منها في تلك الأزمنة، ولو صدر منه مثل ذلك لصار أمراً معلوماً ومتداولاً[4].
وأجاب عنه العلامة المراغي(ره)، بأن الظاهر أن الاغتسال بعد الإسلام كان من الأمور المعتادة الواضحة، كما يكشف عنه طريقتنا في زماننا هذا، مضافاً إلى كفاية الأمر العام في ذلك، فلا يحتاج إلى الأمر بالخصوص[5].

مضافاً إلى إمكانية التمسك بأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، وإلا لم يثبت حجر على حجر، فلم يحدثنا التاريخ ولا النصوص على انه (ص) قد اخذ خمس الموؤنة من أحد وهكذا.
على أن المنقول أنهم كانوا يغتسلون من الجنابة، وهو من بقايا ملة إبراهيم وإسماعيل[6]واقرهم النبي (ص) على ذلك. كما أن المعروف أنهم كانوا يعمدون إلى الإتيان بغسل متى دخلوا فيا لإسلام، فلاحظ.

الثاني: ما جاء في كلمات بعض الأعاظم(ره)، من أن سيرة المسلمين قاطبة خلفاً عن سلف قائمة على عدم مؤاخذة الكفار حتى الذمي منهم بشيء من الأحكام، فلا يؤمرون بالصلاة ولا بالصيام، ولا بالحج، كما لا ينهون عن شرب الخمر، أو القمار، أو الإفطار في شهر رمضان، ولا تجرى عليهم الحدود إلا في ما دل عليه دليل بالخصوص، مع أنهم لو كانوا مكلفين بالفروع لوجب ذلك، ولو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر[7].

وأجيب عنه، بأنه يكفي القائل بثبوت تكليفهم بالفروع وجود هذه السيرة ليلتـزم بعدم وجوب أمرهم بالمعروف ونهيم عن المنكر، فيكون نظير ما ثبت في شأن المخالفين لنا في الفروع التي هي موضع خلاف بين المسلمين، مع أنه لا إشكال في ثبوت تكليفهم بها، إلا أنه لا يجب أمرهم بالمعروف ولا نهيهم عن المنكر بالنسبة إليها، فلاحظ.

الرابع: صحيحة زرارة قال قلت لأبي جعفر(ع): اخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق فقال: إن الله بعث محمداً(ص) إلى الناس أجمعين رسولا وحجة لله على خلقه في أرضه فمن آمن بالله وبمحمد رسول الله واتبعه وصدقه فان معرفة الإمام منا واجبة عليه ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتبعه ولم يصدقه ويعرف حقهما فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله وبرسوله ويعرف حقهما …الخ …[8].

وأول من استند إليها في إثبات عدم ثبوت التكليف للكفار بالفروع هو الأمين الاستربادي(ره) في الفوائد المدنية، فقد ذكر: أن حكمة الله تعالى اقتضت أن يكون تعلق التكاليف بالناس على التدريج بأن يكلفوا أولاً بالإقرار بالشهادتين، ثم بعد حدوث الإقرار عنهم يكلفون بسائر ما جاء به النبي، ثم ذكر الرواية[9].
ومن بعده استند إليها في إثبات المدعى الفيض الكاشاني(ره)، فقال معقباً عليها: إن فيه دلالة على أن الكفار ليسوا مكلفين بشرائع الإسلام، كما هو الحق خلافاً لما اشتهر بين متأخري أصحابنا[10].

وقرب الاستدلال بها في الحدائق بما حاصله: إن معرفة سائر الفروع متفرعة على معرفة الإمام للتلقي منه، وما دامت معرفته غير واجبة فالمتفرع عليه كذلك. فهي دالة على توقف التكليف على الإقرار بالشهادتين[11]. وقريب منه جاء في كلمات بعض الأعاظم(ره)، حيث ذكر أن الكافر وفقاً لما جاء في الصحيحة أنه يؤمر في البداية بالإسلام، ومن بعده يؤمر بالولاية، فإذا لم يكن مكلفاً حال كفره بالولاية، والتي هي أعظم الفروع وأهمها، وإنما يكون أمره بها بعدما يتحقق منه الإسلام، فما ظنك بسائر الأحكام[12].

ولا يخفى أن دلالة الصحيحة على عدم ثبوت تكليفهم إنما هو بالأولوية، لأنه إذا لم تجب عليهم معرفة الإمام، بعد كفرهم بالله سبحانه ورسوله، فمن باب أولى لا تجب عليهم بقية الفروع.

والمستفاد من كلمات غير واحد من الأصحاب[13] أن تمامية الاستدلال بالصحيحة تتوقف على أن يكون تأخر معرفة الإمام(ع) زماناً عن معرفة الله سبحانه، والنبي الأكرم(ص)، مأخوذة بنحو الترتب في الطلب والوجوب، فلا يأتي الأمر بمعرفة الإمام إلا بعد تحقق معرفة الله تعالى والنبي(ص)، فتكون معرفة الإمام مشروطة بمعرفة الله سبحانه ومعرفة النبي(ص)، أما لو كان الترتيب الوارد فيها ترتيب في الإتيان بالمطلوب، فيكون الترتيب ترتيباً طبيعياً بين المعارف، بحيث تكون معرفة الإمام(ع) واجبة في عرض معرفة الله تعالى ورسوله(ص)، إلا أن متعلق الوجوب منها هي المعرفة المسبوقة بالإيمان بالله وبرسوله(ص)، لا ما تكون حال الكفر بهما، ولا الأعم من ذلك، فلا دلالة للصحيحة على المدعى أصلاً.

والصحيحة وإن كانت في المعنى الأول، وهو كون الترتب بنحو الترتب في الطلب والوجوب، إلا أنه لابد من رفع اليد عنه، وحمله على المحتمل الثاني، لتكون واردة في ترتيب الإتيان بالمطلوب، فتكون نظير ما ورد في نصوص أوقات الفرائض، كما في معتبرة عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله(ع) قال: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر جميعاً، إلا أن هذه قبل هذه. فإنها تفيد وجوب الصلاتين معاً بمجرد تحقق الزوال، إلا أن أداء صلاة العصر مقيد بأداء صلاة الظهر، لا أن صلاة العصر لا تجب إلا بعد الإتيان بصلاة الظهر.

والداعي لرفع اليد عن ظهور الصحيحة في الاحتمال الأول، أمران:

الأول: قوله(ع) بعد المقطع المستدل به على المدعى: ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولك يتبعه ولم يصدقه ويعرف حقهما، فكيف تجب عليه معرفة الإمام، وهو لا يؤمن بالله وبرسوله ويعرف حقهما. فهو(ع) قد أحال من خلال الاستفهام الاستنكاري على وضوح وجه الترتيب بين الإيمان بالله ورسوله ومعرفة الإمام.
ومن المعلوم أن ما هو واضح ويحكم به العقل بداهة ليس إلا استحالة كون متعلق الوجوب هو معرفة الإمام قبل الإيمان بالله وبرسوله، بأن يجب عليه معرفة الإمام في حال كفره بالله وبرسوله، أو يكون متعلقه معرفة الإمام الأعم من كونها قبل الإيمان بالله وبرسوله أو بعده، فإن هذا غير معقول، لأن من لا يؤمن بالله وبرسوله كيف يتسنى له الإيمان بالإمام المنصوب من قبلهما، فيكون الاستفهام الاستنكاري في محله.

الثاني: ما جاء في كلمات المحقق الهمداني(قده)، من أن وجوب معرفة الله تعالى ومن هو منصوب من قبله سبحانه في تبليغ أحكامه ووجوب إطاعته في ما يأمر وينهى، من المستقلات العقلية التي لا تقبل التخصيص، ومن المعلوم أن موضوع الوجوب بنظر العقل هو نفس المكلف، وهذا يستوجب عدم التفريق بين وجوب معرفة النبي ووجوب معرفة الإمام، ليكون الأول عاما ثابتاً في حق عامة الناس بما فيهم الكفار، والثاني خاصاً بالمؤمنين بالله تعالى وبرسوله(ص)، نعم يفرق بينهما من جهة أن متعلق الوجوب في معرفة الإمام معرفته المسبوقة بالإيمان بالله وبرسوله، كما أن معرفة النبي هي معرفته المسبوقة بالإيمان بالله سبحانه[14].
هذا ولو أبي عن القبول بما ذكر جواباً عن دلالة الصحيحة، فسوف تكون معارضة لما دل على ثبوت تكليفهم بالفروع، من الآيات الشريفة، والنصوص الدالة على ذلك.

ومن المعلوم أن معارضة خبر الآحاد للكتاب توجب سقوطه عن دائرة الحجية، ما لم يمكن الجمع العرفي بينهما، وعليه، فإما أن تأول صحيحة زرارة لتكون دالة على ما حكيناه عن غير واحد من الأصحاب، أو تطرح، فتدبر.

الخامس: وهو إن عدم الدليل دليل العدم، أي دليل على كونهم غير مكلفين[15].

وجوابه واضح، لأن أدلة المشهور واضحة الدلالة على ثبوت التكليف عليهم، فلا معنى للقول بعدم الدليل ليكون دليلاً على العدم.
فتحصل تمامية ما عليه المشهور، وأنه لا مجال للقبول بالقول الثاني، فلاحظ.

[1] مباني العروة الوثقى ج ص ، البيان في تفسير القرآن ص 362، مستند العروة ج ص .
[2] الحدائق الناضرة ج 23 ص 501.
[3] المرتقى إلى الفقه الأرقى كتاب الحج ج 1 ص 173.
[4] الحدائق الناضرة ج 3 ص 420.
[5] العناوين ج 2 ص 720.
[6] وسائل الشيعة ب14 من الجنابة
[7] مستند العروة ج ص
[8] الكافي ج1ص بمعرفة الإمام والرد إليه من كتاب الحجة .
[9] الفوائد المدنية ص 226.
[10] الوافي ج 2 ص 82.
[11] الحدائق الناضرة ج 3 ص 40.
[12] مستند العروة ج ص
[13] العناوين ج 2 ص 718، عوائد الأيام ص 289.
[14] مصباح الفقيه ج 3 ص 272.
[15] الحدائق ج3 ص .مستند العروة ص ,فقه العترة ص .

أدلة المشهور:

واستدل المشهور على ثبوت التكليف لهم بأمور:

1-الإجماع المدعى من غير واحد على ثبوت التكليف للكفار بالفروع كتكليفهم بالأصول.

وقد أجيب عن هذا الإجماع بجوابين:

الأول: بمنع تحقق صغراه في المقام، ضرورة أنه قد تحققت المخالفة من كل من الأمين الأسترابادي، والفيض الكاشاني، والمحدث البحراني(ره).

الثاني: بمنع تحقق كبراه، إذ تقرر في محله أن الإجماع الذي يكون حجة ويصلح الاستناد إليه، هو ما يكون الدليل منحصراً فيه كما عرفت، وليس المقام كذلك، لوجود ما يصلح للدليلية، مما يعني كونه مدركياً، فلاحظ.

على أننا لو رفعنا اليد عما تقدم، فإن المقرر في الأصول أن الحجية لخصوص الإجماع المحصل، فلا دليل على حجية الإجماع المنقول بخبر الواحد، ومقامنا من هذا القبيل، فإنه من الإجماعات المنقولة، فلا حجية لها[1].

وما أفاده(قده) جواباً عن الكبرى في محله. إلا أن ما جاء عنه في الصغرى غريب جداً، ضرورة أن المقرر في محله من الأصول أن المخالفة المانعة من الحجية للإجماع هي المخالفة الصادرة من الرعيل الأول من الفقهاء، وليست مطلق المخالفة، فضلاً عما لو كانت المخالفة من الفقهاء المتأخرين، كما هو في المقام، وقد اتضح ذلك خلال عرض أقوال المسألة.

والحاصل، الظاهر أن المنع من تحقق الصغرى في المقام، في غير محله، بل البناء على تحققه متعين، فلاحظ.

نعم لو شكك في تحققها لا من جهة وجود المخالفة، وإنما لعدم عنونة المسألة في بعض كلمات الأصحاب، وخلوها منها، كان لذلك وجه، فتأمل.

2و3-الاستناد إلى الآيات القرآنية، وهي صنفان:

الأول: الآيات التي تضمنت بيان جملة من الأحكام الشرعية الابتدائية الثابتة من الشرع الشريف، وقد كان لسانها مطلقاً، يشمل الكافر كشموله للمسلم، فمن تلك الآيات قوله تعالى:- (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم ان صلاتك سكن لهم)وهو شامل للمسلم والكافر.

وقوله تعالى :- (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم)ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين المسلم والكافر. ومثله الروايات التي ورد فيها التصريح بلفظ(الناس).

وقوله تعالى:- (ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون)، إذ أن الظاهر منها هو حرمة التطفيف مطلقاً دون اختصاص للمسلم دون الكافر.
وقوله تعالى:- (السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)، فإنها تدل بمقتضى إطلاقها على حرمة السرقة، ووجوب القطع من دون فرق بين المسلم والكافر.

نعم التمسك بقوله تعالى:- (ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً) في غير محله، إذ الظاهر عدم كونها في مقام التأسيس الشرعي، وإنما هي في مقام الإمضاء لما عليه العقل من حسن الرعاية بالوالدين، وبالتالي يكون المستفاد منها متوافقاً مع ما يدل عليه الحكم العقلي، فلا تصلح أن تكون من أدلة المقام، فلاحظ.

وقد منع بعض الأعاظم(ره) وجود عموم لهذه النصوص، لأن الخطاب في كثير من الآيات القرآنية الأخرى مختص بالمؤمنين، فلاحظ قوله تعالى: -(أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة)، وقوله تعالى: -(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام)، وقوله تعالى: -(إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً).

وبالجملة، لو كان في بعضها عموم، مثل قوله تعالى:- (ولله على الناس حج البيت)، فإن بإزائه هذه الآيات الخاصة[2].
ولا يذهب عليك أن ما ذكره(ره) من الآيات المتضمنة للتعبير بكلمة(يا أيها الذين آمنوا) لا ينحصر في خصوص ما ذكر، بل هناك آيات أخرى، كقوله تعالى:- (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)، وقوله تعالى:- (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم)، وقوله تعالى:- (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة)، وغير ذلك من الآيات الشريفة، التي يجدها القارئ للقرآن الكريم.

أقول: يوجد احتمالان في موجب منعه لثبوت العموم في الآيات المذكورة، ذكرت في كلامين لعلمين من أعلام تلامذته:

الأول: أن يكون المنع من ثبوته، بمعنى المنع من انعقاده، ووجوده، ضرورة أن العموم لا ينعقد للفظ من الألفاظ ويكون له ظهور فيه إلا بعد الفحص عن المخصص، فإذا لم يكن في البين مخصص، كان موجباً لانعقاد العموم، ومن ثمّ الحكم بحجيته فيه.

ومقامنا من هذا القبيل، فإن المورد يدخل تحت دائرة حمل العام على الخاص، والمطلق على المقيد، فلا يكون للفظ انعقاد في العموم، ومقتضى حمل العام على الخاص، والمطلق على المقيد، يقتضي البناء على رفع اليد عن ظهور الآيات العامة، أو المطلقة فيما ظهرت فيه، وحملها على خصوص المؤمنين، بمقتضى الجمع والتوفيق بينهما، فلاحظ.

الثاني: إن المورد من صغريات الدوران بين رفع اليد عن العموم الثابت لبعض الآيات الشريفة، وبالتالي تخصيص موضوعها بالمسلم دون الكافر، وبين رفع اليد عن ظهور ما ورد مختصاً بالمؤمنين، كوجوب الصوم، ليلتـزم بوجوبه على الكافرين كوجوبه على المسلمين، ويكون الموجب لتخصيص الخطاب فيها بالمسلمين من باب التشريف ونحوه، وليس تخصيصاً للحكم بالمؤمنين.

والحاصل، إن الأمر يدور بين رفع اليد عن إطلاق الآيات العامة بالنسبة لغير المؤمن، وبين الالتـزام بعموم الحكم في الآيات الخاصة ليشمل الكافر أيضاً، وإن لم يكن هذا الدليل الثاني في حد ذاته مقتضياً العموم.

ولا يخفى أن ترجيح أحدهما على الآخر خلاف الظاهر، فإذا لم يكن دليل على الأمر الثاني كان ذلك بنفسه موجباً لعدم تمامية الاستدلال بالأدلة الأولى على تكليف الكفار بالفروع.

ولا يذهب عليك أن هذا المحتمل الثاني في بيان مقصوده(ره) يبتني على القيام بعملية التصرف في مدلول الآيات الشريفة، بحيث يكون أحدها موجباً للتصرف في ظهور الآخر، فإما أن تكون آيات العموم والإطلاق موجبة للتصرف في آيات الخصوص، فتحمل على العموم، وذكر المؤمنين لا موضوعية وخصوصية له إلا من باب التشريف ليس إلا. وإما أن تكون آيات الخصوص موجبة للتصرف في آيات العموم، وبالتالي تكون مانعة من حجية الظهور في العموم، كما لا يخفى.

والإنصاف، أن المحتملين يعودان إلى معنى واحد، وهو يفيد حمل المطلق على المقيد، وبالتالي منع انعقاد العموم والإطلاق، ليس إلا، وإن لم يكن مجال لحمله لإباء نصوص العموم قبول ذلك، كان مقتضى ذلك التوقف في المدلول، فلاحظ.

وعلى أي حال، إن ما أفاده(قده) من منع للعموم، يلاحظ عليه:

أولاً: أما دعوى حمل المطلق على المقيد فجوابها: إن الملاك المبرر لذلك هو وجود التنافي بينهما إما من خلال كون أحدهما سلباً والآخر إيجابا او كون التنافي متمثلاً في وحدة الحكم وحدة شخصية في طرف المطلق وإلا فلا. فلو كان الحكم في المطلق انحلالياً فلا يعرف ظهور الدليل المقيد في عدم ثبوت الحكم للمطلق. نعم يرى انه مأخوذ في لسان المطلق لاهتمام المولى أو لأنه آكد واهم من سائر الحصص. وبهذا يتضح ان تخصيص المسلمين في هذه الآيات لإحدى هاتين النكتتين او لان الغرض من التكليف هو البعث وهو غير متحقق الا فيهم. فلا موجب لحمل المطلق على المقيد.

ثانياً:-يمكن الجواب عن كل آية آية على حدة فنقول:

أما آية الصيام فجوابها: هو رفع الاستيحاش والاستثقال وتطمين نفوس المؤمنين وبيان انه كان عند الأمم السابقة مع بيان تضمنه للخير لهم وهو التقوى وهذه النكتة التي استدعت تقييد الخطاب بالمسلمين لا بالواقع وهذا التقييد غير دال على الاختصاص.

واما آية الصلاة فجوابها: إنها ليست في مقام التشريع بل في مقام بيان وظيفة المؤمنين في السفر وحين الخوف من العدو بالنسبة للصلاة فلاحظ التعليل الوارد في مجموعة من الآيات السابقة عليها.

وأجاب بعض الأعلام(قده) عن قوله تعالى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم …الخ…)بما حاصله: إن في الآية قرينة داخلية دالة على الاختصاص بالمسلمين وهي قوله تعالى(تطهرهم وتزكيهم)، والكافر لا يتطهر ولا يزكى بذلك. بل حتى قوله تعالى (وصل عليهم ان صلاتك..)، قرينة على الاختصاص[3].

ومع أن ما ذكر جواباً مصادرة واضحة، فإنه يرد عليه: بأن دعوى اختصاص التطهر والتزكية بالمسلم عهدتها على مدعيها، بل لا دليل عليها.
ثانياً: ان ما ذكره –لو سلم-يتم بناءً على اخذ النسبة بنحو الملكة والعدم لا بنحو السلب والإيجاب والظاهر هو الثاني لا الأول.

الثاني: الآيات الواردة في موارد خاصة، والدالة على ثبوت التكليف للكفار، كثبوته للمسلمين:

كقوله تعالى:- (ماسلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين)وتقريب الاستدلال بها:

إن هذه الآيات محاورة بين أهل النار وأهل اليمين وبيان سبب دخولهم لها من خلال عدم إتيانهم بالصلاة وترك أداء الزكاة وهؤلاء الكفار لو لم يكونوا مكلفين بها لما استحقوا دخول النار.

ومنها: قوله تعالى:- (ويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون)وتقريب الاستدلال بها: إن الآية صريحة في ثبوت الويل للمشركين بسبب تركهم الزكاة، وهذا دليل على وجوبها عليهم.

ومنها: قوله تعالى: – (قل تعالوا أتل عليكم ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا بالله شيئاً وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من ملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن)، وقد قربت دلالتها على المدعى بمقطعين منها:
الأول: قوله تعالى:- (وبالوالدين إحساناً) على أساس دلالتها على وجوب بر الوالدين، ولا أقل من حرمة إيذائهما، وهو حكم ثابت على مطلق العنصر البشري من دون فرق بين المسلم، والكافر.

الثاني: قوله تعالى:- (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن).

وقد عرفت عدم تمامية الاستناد للمقطع الأول من الآية الشريفة، فإنه من صغريات المستقلات العقلية، نعم الظاهر تمامية الاستدلال بالمقطع الثاني، فلاحظ.

وأجيب عن الآيتين الأوليتين بما حاصله: بان المراد أننا لم نكن من المسلمين حتى ندخل في جماعتهم فنكون من المصلين ومن المطعمين للمسكين بإيتاء الزكاة[4].

وفيه: ان حمل الآيتين على ذلك خلاف الظاهر جداً. بل ان المستفاد من الآية الثانية هو حديثها عن المشركين المتصفين بصفتين: عدم أداء الزكاة وإنكار المعاد. وكأن سبب استحقاقهم الويل هو ذلك لا بلحاظ رجوعه للإسلام.

ودعوى بعض الأعلام(قده) عدم إمكان حمل الآية على الزكاة التي هي من فروع الدين لان السورة مكية والزكاة شرعت في السنة الثانية من الهجرة[5].

مدفوعة بالتدريج في تشريع الأحكام فيمكن ان تكون الزكاة قد شرعت بمعناها واحكامها الكلية في مكة وبقية جزئياتها من نصاب وما شابه كان في المدينة.

ومثله الحديث بالنسبة للآيات الاولى حيث ان الخطاب فيها بين المؤمنين وهم أصحاب اليمين وبين المجرمين المتصور فيهم الاستقرار في النار.

وقد أجيب عن الآيات الثانية بثلاثة أجوبة يهم منها اثنان:

الأول: لما انكر المشركون ما هو أهم من وجوب الزكاة-على فرض التسليم بوجوبها في حقهم_حق لهم ان يتوعدوا على ذلك لا على إنكارهم وجوب الزكاة[6].

وفيه: ان هذا خلاف الظاهر قطعا حيث ان الآيات صريحة في الحديث مع المشركين المستحقين للويل نتيجة عدم إيتائهم الزكاة وإنكارهم المعاد.

الثاني: ان من المحتمل ان لم يكن ظاهراً في ان المكلف بالزكاة يصير مشركاً بعدم إخراجها ويكون كافراً بالآخرة فلا دلالة للآية في إرادة خصوص المسلم او الأعم منه ومن الكافر فتكون مجملة وأجنبية عما نحن فيه وبهذا الاحتمال يسقط الاستدلال بها[7].

وفيه: إن الآيات في مقام الحديث عن المشركين-وهذا قرينة داخلية على إرادة غير المسلم-بل توجد قرينة أخرى وهي إنكار المعاد على انه قسيم لعدم الإخراج لا أنه نتيجة لعدم الإخراج. وبه يرتفع الإجمال ويكون الاستدلال بالآيات سالم عن الإشكال.

4-الاستناد إلى جملة من النصوص الظاهرة في عمومية التكاليف للكفار وشمولها لهم كشمولها للمسلمين:

منها: ما دل على وجوب الخمس والزكاة عليهم لكونها من الأحكام الوضعية وذلك من اجل الأدلة الدالة على اشتراك المال بين الفقير والمالك في الزكاة وبين الإمام والسادة والمالك في الخمس، فلو كان دليل التكليف قاصراً إلا أن دليل الوضع سالم من ذلك.
وأجيب عنه بما حاصله: إن الادلة لا إطلاق فيها، بل هي واردة لبيان تعيين المقدار الواجب خمساً او زكاة لا بيان من تجب عليه الزكاة والخمس. مضافا لصحيحة زرارة-المتقدمة-الدالة على ان الكافر لا يكلف بالولاية الا بعد الإسلام مع أنها من أهم فروع الدين فكيف ببقيتها[8].

وقد تضمن كلامه(ره) دعاوى ثلاث:

الأولى: منع وجود إطلاق في النصوص؟
الثانية: إن أقصى ما تدل عليه النصوص المذكورة، هو بيان المقدار الذي يلزم فقط.
الثالثة: معارضة ما ذكر لصحيحة زرارة المانعة من ثبوت تكليف الكفار بالولاية ما لم يلتـزم بالشهادتين، فمن باب أولى أنه ما لم يلتـزم بهما، لا يكون مكلفاً بالفروع، ما دام لم يلتـزم بالولاية.

وفيه: إن دعوى أما الدعوى الثالثة، فقد تقدمت الإجابة عنها عند استعراض أدلة المانعين من ثبوت التكليف، فليراجع.
وأما الدعويان الأخريان، فيدفعهما الظهور المستفاد من نفس النصوص، فلاحظ: إن الله عز وجل فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم ولو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم انهم لم يؤتوا من قبل فريضة الله عز وجل …الخ…)[9]وغيرها من النصوص.

ومنها: رواية البزنطي قال ذكرنا له الكوفة وما وضع عليها من الخراج وما سار فيها أهل بيته. فقال: من اسلم طوعاً تركت أرضه في يده واخذ منه العشر مما سقت السماء والأنهار ونصف العشر مما كان بالرشا فيما عمروه منها وما لم يعمروه منها أخذه الإمام فقبله ممن يعمره، وكان للمسلمين وعلى المتقبلين في حصصهم العشر ونصف العشر وليس في اقل من خمسة أوساق شيء من الزكاة، وما اخذ السيف فذلك إلى الإمام يقبله بالذي يرى كما صنع رسول الله(ص) بخيبر قبل سوادها وبياضها يعني أرضها ونخلها والناس يقولون لا تصلح قبالة الأرض والنخل وقد قبل رسول الله(ص) خيبر وعلى المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر ونصف العشر في حصصهم، وقال: إن أهل الطائف اسلموا وجعلوا عليهم العشر ونصف العشر في حصصهم وان مكة دخلها رسول الله(ص) عنوة وكانوا إسراء في يده فاعتقهم وقال اذهبوا فانتم الطلقاء[10]. وتقريب الاستدلال:

إن الرواية تشير إلى أمرين :
1-إلزام الكفار بالجزية 2-مصالحته (ص) إياهم بالزكاة وهو العشر أو نصفه في الأرض والنخل، وهذا دليل

واضح على ثبوت الزكاة عليهم فعلى الأقل يدل على ثبوت الحكم الوضعي، بل يدل على تكليفهم بالفروع.
وقد أجيب عنها بما حاصله:

أولا: إن الرواية ضعيفة بعلي بن أشيم فانه لم يوثق ولم يمدح.
ثانياً: لعل المتقبل معه (ص) من المسلمين، فلا ظهور لها في الكافر.
ثالثاً: بعد التسليم بكون الطرف كافرا إلا أن مفاد الرواية أن وجوب العشر للشرط في مقتضى العقد، وهو أجنبي عن تعلق الزكاة[11].
ويجاب عنه فنقول: أما الأول وان كان ما ذكر حق، إلا انه توجد رواية بنفس المضمون صحيحة السند[12].

وعن الثاني: إنه مجرد دعوى عهدتها على مدعيها.
وعن الثالث: بان ما أفاده(ره) وارد في خصوص الرواية، أما بالنسبة للصحيحة فانه صريح على أنه زكاة لا انه واجب شرطي في ضمن العقد.

نعم إن من المظنون قويا هو اتحاد الخبرين، فيشكل تصحيح الرواية الثانية وان اندفع إشكال المستشكل من جهة الشرط إلا أن إشكاله السندي باق على حاله، فتأمل جيداً.

6-قاعدة الجب، المستفادة من قوله(ص): الإسلام يجب ما قبله[13]. وتقريب دلالتها على المدعى أن يقال: إن مقتضى الالتـزام باختصاص الأحكام الفرعية بخصوص المؤمنين، فلا تشمل الكفار، يستوجب دلالتها على جب خصوص الكفر والشرك الحاصلين قبل تحقق الإسلام من المكلف، فلا تكون جابة لشيء آخر، لأن الفرض أنه لا يتوجه للكافر شيء آخر سوى الإسلام.

مع أن هذا خلاف ما عليه الأصحاب من الاستدلال بها على جب جملة من الأحكام الفرعية، كترك الصلاة، والصوم، والزكاة، وأمثال ذلك. فيتحصل ظهورها في الاشتراك، فلاحظ.

7-ما يمكن أن يقال: من أنه لو لم يلتـزم بثبوت التكليف للكفار بالفروع، لزم أن يكون الكافر القاتل للنبي(ص) والمعين له من الكفار متساويـين في العقاب، لأن المفروض أنهما غير مكلفين، مع أن الضرورة العقلية قائمة على خلاف ذلك جزماً، ولا ريب في أن منشأ هذه الضرورة العقلية يعود لكون الكافر معاقباً بالفروع كمعاقبته بالأصول[14].

إن قلت: إنه لا توجد ملازمة بين نفي التساوي بينهما في العقاب من جهة حكم العقل، وبين كون الكفار مكلفين بالفروع، إذ يمكن أن يكون منشأ استحقاق القاتل عقوبة أشد تعود لقبح القتل مطلقاً حتى عند الكفار.

قلت: إن ما ذكر وإن كان صحيحاً، إلا أن مجئ الإسلام صار سبباً ناسخاً لجميع الشرائع السابقة، فلا دين غيره حتى يكون التفاوت لأجل مخالفة ذلك الدين دون الإسلام، فلا ينافي عدم كونه مكلفاً في شرعنا الذي هو محلا لخلاف في هذا المقام، فلاحظ.

وقد تأمل العلامة المراغي(ره) في تمامية الدليل المذكور، لوجهين:

الأول: إن الفرض المذكور فيه وهو مسألة القتل خارجة عن محل النـزاع كما عرفت ذلك فيما تقدم، إذ قد اتضح فيما سبق التفصيل بين ما كان من المستقلات العقلية، وبين ما كان مستفاداً من الشرع ابتداءً، ولا يختلف اثنان في كون قبح القتل مما يستقل العقل بالحكم بقبحه.

الثاني: إن النسخ المتصور للإسلام لما سبقه من الشرائع لا يتصور فيما استقل العقل بقبحه، بل هو باقٍ على حكم الشرائع السابقة، وهذا يعني أنه محكوم عليه بالقبح في تلك الشرائع، كما يحكم عليه بالقبح في هذه الشريعة أيضاً[15].

8-الاستناد للملازمة بين ثبوت الأحكام الوضعية والتكليفية، فثبوت الأحكام الوضعية في حق الكافر، يستوجب ثبوت الأحكام التكليفية عليه، توضيح ذلك:

لا ريب في ثبوت الأحكام الوضعية في حق الكافر، كثبوته في حق المسلم، فكما أن المسلم يثبت في حقه الزوجية، والملكية، والنجاسة، والطهارة، وكذا تثبت في حقه الحقوق، من حق الجناية، وحق الرهانة، وما شابه ذلك، فإنها ثابتة في حق الكافر أيضاً.

ومقتضى الالتـزام بثبوت الأحكام الوضعية في حق الكافر، يستوجب الالتـزام بثبوت الأحكام التكليفية في حقه أيضاً، وجه الملازمة يعود إلى أن جملة من الأحكام الوضعية تتقوم بجملة من الأحكام التكليفية المناسبة له، ولا يمكن تجريده عنها، وإلا أصبح لغواً، بل نحواً من التناقض في الاعتبار، فالملكية مثلاً من مقتضياتها عدم جواز تصرف الغير في الشيء بدون إذن مالكه، سواء كان ذلك الغير كافراً أم كان مسلماً، وكذلك الزوجية من مقتضياتها عدم جواز استمتاع غيره بها، وهكذا. ووفقاً لما تقدم يلزم القائل بثبوت الأحكام الوضعية على الكافر القول بثبوت الأحكام التكليفية المرتبطة بها عليه أيضاً، ومتى بنى على ذلك، لزمه القول بثبوت مطلق الأحكام التكليفية عليه، إذ لا فرق بينها وبين بقية الأحكام التكليفية، فلاحظ[16].

فتحصل إلى هنا تمامية ما عليه المشهور من تكليف الكفار بالفروع. فالمسألة بحمد الله واضحة وكانت عند الأعلام من القدماء مفروغاً عنها ولذا أرسلها في مستند الشيعة إرسال المسلمات لا كما ادعى بعض الأعلام من انه لعدم الدليل عليها[17].

تنبيهان:

الأول: قد يقال ان من المستهجن ان يخاطب الله عز وجل من كان كافراً بالتوحيد وبالرسالة بالأمور الجزئية.
وجوابه: إن الأحكام الشرعية لما كانت مجعولة بنحو القضايا الحقيقة على عناوينها الكلية الواجدة للمصالح والمفاسد المقتضية لها فلا استهجان في ذلك حيث ان الخطاب غير موجه لخصوص الكافر او المسلم بل هو متوجه للطبيعة العامة.

الثاني: لا يخفى عليك ان من الخطأ الخلط بين مسألتي القبول والتكليف كما عن صاحب المدارك وتابعه بعض الأعاظم (قده) بتقريب: إنه مادام لا يقبل منه العمل لو أداها فكيف يصح تكليفه به[18].

وهذا جوابه إن كفره وقع بسوء اختياره والامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار وأما إن كان راجعاً لفقد بعض الأمور فهي أيضا اختيارية فالجواب هو الجواب.

ودعوى صحته ثبوتاً لا إثباتا لعدم كشف الملاك المصحح للعقاب [19]. مدفوعة بمناسبة الحكم والموضوع على أساس أن التكاليف الإلهية مجعولة من قبله تعالى على طبق المصالح والمفاسد والحكم فيكون الملاك في الجميع واحداً فتأمل جيداً.

ثمرة المسألة:

هذا وقد ذكرت عدة ثمرات للقول بكون الكفار مكلفين بالفروع، خلافاً لشيخنا التبريزي(ره)[20]، فإنه قائل بعدم ثبوت ثمرة فقهية لها، فمن تلك الثمرات الثابتة، جواز توكل المسلم عن الكافر في إجراء المعاملات الربوية، وأخذ الفائدة له، والشهادة على وقوعها، وفقاً للقول بعدم ثبوت تكليفهم بالفروع، بخلاف ما لو بني على مختار المشهور، فإنه لا يجوز شيء مما ذكر.

وكذا في حرمة التسبيب في صدور الحرام منه، فلو بني على كونهم مكلفين بالفروع، فيحرم للمسلم التسبيب في صدور ما هو محرم على المسلم من ذلك الكافر، وهذا بخلاف ما لو قيل بعدم ثبوت تكليفهم بذلك، فإنه لا يحرم شيء من ذلك، وهكذا.

وتتجلى هذه الثمرات في البلدان الغربية التي يكثر فيها عيش الكفار، فيستفيد من هذا المطلب المسلمون الذين يعيشون في بلاد الغربة هناك، فلاحظ.

———————————————————————–
[1] القواعد الفقهية للشيخ اللنكراني ج 1 ص 323-324.
[2] المستند في شرح العروة ج 23 ص 119-120.
[3] المرتقى في الفقه الارقى ص221.
[4] فقه العترة ص .
[5] الميزان في تفسير القران ج ص .
[6]المرتقى في الفقه الارقى ص222.
[7] المرتقى في الفقه الارقى ص222.
[8] فقه العترة ص .
[9] وسائل الشيعة ج9ب1ح2.
[10] وسائل الشيعة ب4 من زكاة الغلاة ح1 ص .
[11] فقه العترة في زكاة الفطرة ص .
[12] وسئل الشيعة ج15ب72 من جهاد العدوح2
[13] مستدرك الوسائل ب 15 من أبواب أحكام شهر رمضان ح 2، ب 9 من أبواب القصاص في النفس ح 3.
[14] العناوين ج 2 ص 715.
[15] العناوين ج 2 ص 715.
[16] بحوث في شرح مناسك الحج ج 5 ص 294-295(بتصرف).
[17] المرتقى في الفقه الارقى ص223.
[18] مدارك الأحكام ج ص .فقه العترة ص .
[19] فقه العترة ص .
[20] التهذيب في مناسك العمرة والحج ج 1 ص 13.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky