التعليم الدينى ودوره فى محاربة التطرف

تقرير عن ورشة عمل بعنوان “التعليم الدينى ودوره فى محاربة التطرف” في عمان

العنف الدينى لازم المجتمعات الإسلامية على إمتداد التاريخ الإسلامى وحتى يومنا هذا، والخوارج، هم أول من عرفوا بالتطرف أو «ِالعنف الدينى العدواني» الذى يستبيح الدم وهو ما يطلق عليه اليوم الإرهاب.. والعنف الدينى كظاهرة يعود سببها الرئيسى الى غياب مبدأ القبول بالآخر فى الثقافة العربية، رغم أن القبول بالآخر مسألة بديهية تقرها الأديان والقيم الأخلاقية والحضارية، ناهيك عن إنها قيم قديمة قدم الإنسان والتاريخ والحضارة..

موقع الاجتهاد: فى هذا السياق، استضافت العاصمة الأردنية عمان على مدى ثلاثة أيام، ورشة عمل بعنوان “ نحو استراتيجية عربية شاملة لمحاربة التطرف والتعليم الدينى ودوره فى محاربة التطرف”. الورشة نظمتها مكتبة الاسكندرية بالتعاون مع مركز القدس للدراسات السياسية، بمشاركة اكثر من ٤٠ شخصية عربية يمثلون كيانات فكرية وتربوية فى دولهم ..حيث أشاد عريب الرنتاوى (مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية) بالتعاون المثمر والفعال بين مكتبة الإسكندرية، والمركز، خاصة فى وضع استراتيجية لمجابهة التطرف من خلال اللقاءات التى تم تنظيمها على المستويين المحلى والإقليمي، لاسيما فى ظل ظروف بالغة الصعوبة، تفتقر فيها أمتنا العربية إلى قيم التسامح، وقبول الآخر.

الدكتور خالد عزب (رئيس قطاع المشروعات والخدمات المركزية بمكتبة الإسكندرية)، قدم تحليلا أشار فيه للعلاقة الوثيقة بين التعليم والتطرف، فتحليله مؤداه أن عجز التعليم الحكومى عن تلبية احتياجات الشباب والتواصل معهم، نتيجة اعتماده على أسلوب التلقين بدلا من التحليل النقدى هو السبب الأساسى وراء ظهور تيار تعليمى متطرف مواز للتعليم الرسمى للدولة. وأوضح طبيعة الأزمة ووصفها بأنها تمثل خطرا حقيقيا على الشباب العربي، الأمر الذى يتطلب من مؤسساتنا المحلية، والإقليمية، حتمية التدخل السريع لحمايتهم من الوقوع فريسة فى يد التنظيمات المتطرفة.

وانطلاقا من هذا الوصف وضرورة التدخل السريع لحماية الشباب، أكد د.عزب على الدور التنويرى الذى تقوم به المكتبة على عدة مستويات، منها عقد دورات الثقافة الإسلامية لتلبية متطلبات الأجيال الشابة من المعرفة الاسلامية الصحيحة. وهذه الدورات صممت لتكون عاكسة لوسطية الإسلام والثقافة الإسلامية. وتتضمن الدورة ٢٢ محاضرة، منها محاضرات فى الفقه العمرانى وأصول الفقة وعلوم القران الكريم والحديث واللغة العربية.

والدورات وكما يؤكد د. عزب لاقت نجاحا كبيرا وتم تنظيمها للشباب فى عدة مدن، منها القاهرة والإسكندرية وأسيوط.index

العلاقة بين التعليم الدينى والتطرف

ورشة العمل تضمنت ثلاث جلسات أساسية، استعرض المتحدثون خلالها العلاقة بين التعليم الدينى وظاهرة التطرف فى أربع دول عربية هى الأردن، ومصر، والمغرب، وتونس.

الجلسة الأولى الحالة الأردنية

تناولت الجلسة الأولى الحالة الأردنية، وقدم د.عامر الحافى (أستاذ مشارك فى مقارنة الأديان بجامعة آل البيت، ونائب مدير المعهد الملكى للدراسات الدينية بالأردن) قراءة نقدية للتعليم الدينى فى الجامعات الأردنية، ربط فيها بين تسييس الإصلاح الدينى وظاهرة التطرف، كما تناول العلاقة بين الإصلاحين الدينى والسياسى خاصةً فيما يتعلق بقضية «التعددية» مؤكدا أن الحديث عن التعددية فى التعليم الدينى لا يمكن أن يتم بدون وجود نظام سياسى ديمقراطى يؤمن بقيمة المواطنة.

ومن الأردن أيضا، تطرق الدكتور نارت خاقون (باحث فى الفكر الإسلامي، وأستاذ النقد الأدبى فى جامعة آل البيت بالأردن) إلى خصوصية التعليم الدينى الأردني، مشيرا الى نشأته فى ظل غياب مؤسسات دينية عريقة كالأزهر الشريف فى مصر – على سبيل المثال – الأمر الذى أدى إلى وجود مشكلات فى البنية الداخلية للتعليم الدينى الأردني. ليس هذا فقط، فثمة اتجاه نحو تسطيح المناهج التعليمية، وعدم تقديمها بشكل معمق. كل هذا – كما يعتقد خاقون – جعل الشخص الذى يتصدر مجابهة الخطاب الدينى المتطرف غير مطلع وغير ملم بأصول الدين، بل وبمكونات الخطاب الدينى نفسه.. ووصف التطرف الذى يشهده العالم العربى اليوم، بأنه «تطرف نفسى وليس معرفيا»، لأنه يستند إلى تشكيك فى عقيدة وفكر الطرف الآخر.

الجلسة الثانية الحالة المصرية

الحالة المصرية كانت محور الجلسة الثانية، وتحدث فيها الشيخ أحمد تركى (مدير عام مراكز التدريب فى وزارة الأوقاف، وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية) عن ظهور فكرة «الجماعة» التى خلقت حالة من الانتماء إليها دون العقيدة. ووفقا لتحليله، تعمد المتطرفون الى الانتماء الى المؤسسة الدينية بهدف الحصول على مظلة تكسبهم الشرعية، أما تكوينهم الفكري،والنفسى فاستند الى «الجماعة» التى شككتهم فى كل شيء باستثناء ما تدعو إليه.

«الخطاب الدينى لابد أن يكون خطابا ثقافيا بحيث يتم تطويعه حسب ظروف كل عصر»..هكذا يضع الشيخ تركى الحل، فالخطاب الثقافى ضرورة للتغلب على التطرف، بيد أن ثمة مشكلة يضع يده عليها، وتتخلص فى أن المؤسسات الدينية تعانى من أزمة غياب الثقافة وأصبحت عاجزة عن مواكبة تطورات العصر، وأهم هذه التطورات هى متطلبات الشباب مما يجعلهم أكثر عرضة للإنضمام للتنظيمات المتطرفة التى اتخذت من مواقع التواصل الاجتماعى أداة للتواصل معهم وتجنيدهم مثل تنظيم «داعش». وطالب الشيخ تركى المؤسسات الدينية بضرورة تطوير نفسها ومجابهة التنظيمات الارهابية باستخدام نفس السلاح.. وهو التعليم، لماذا؟، لأنه أخطر شئ يهدد التطرف،

وكما تضمن بحث الشيخ تركى توجيه انتقادات للمؤسسة الدينية لعجزها عن مواكبة تطورات العصر، طالبها فى ختام كلمته بضرورة إيجاد مشروع حضارى لتنقية التراث ومرجعيته وإخراج منهج جديد يحافظ على الثوابت ويتناغم مع معطيات العصر ومداخل الشباب الفكرية.

وسطية الأزهر..

وفى إطار الجلسة ذاتها، تحدث الشيخ سعود محمد (باحث فى المنهج الأزهرى والدعوة والثقافة الإسلامية، وإمام فى وزارة الأوقاف) عن التعليم الدينى فى الأزهر الشريف، وأكد على وسطيته ، وحرصه الدائم على تطوير مناهجه من خلال التنقيح المستمر له. كما وصفه بأنه يتسم بالحوار والتحليل بدلا من التلقين، ويغرس فى الطلاب مبدأ أن الدين ليس شكليا بل معاملة يقوم على القيم السامية والتسامح. ومن الوصف الى الرأي، يعتقد الشيخ محمد أن التعليم الدينى المعتدل يسهم فى صياغة شخصية متزنة، ومن ثمَّ يحقق وحدة البلاد ونهضتها، وعلى العكس من ذلك فتطويع النصوص الدينية، وتحريفها يؤدى إلى العزلة،والكراهية، ورفض الآخر ، وبالتالى فالتعليم الدينى سلاح ذو حدين قد يسهم فى تطوير المجتمعات من ناحية، ومن ناحية أخرى قد يفتح المجال لانتاج عقول متطرفة.

الجلسة الثالثة الحلول التونسية والمغربية

أما الجلسة الثالثة والأخيرة، فقد تضمنت الحالتين التونسية والمغربية. وبالنسبة للحالة التونسية التى تصدت لها الدكتورة بدرة قعلول (رئيسة المركز الدولى للدراسات الإستراتيجية الأمنية والعسكرية بتونس)، فقد دخلت مباشرة الى القضية وحددتها بتدريس العلوم الدينية حيث يعتبر الطالب محور العملية التربوية. وعليه، فإن الحل يستوجب العمل بعدة طرق، منها: التخلى عن التلقين، والتراكم المعرفي، والسير فى اتجاه يدفع إلى «تكوين عقول مفكرة بدلا من حشو الأدمغة بالمعلومات، والعمل على اختيار مقاربات تربوية ومنهجية تمكن من تطوير قدرات المتعلمين الفكرية، وتنمية ملكاتهم الشخصية، وتساعدهم على الترشد الذاتي، واكتساب مهارات التحليل، والنقد، والحوار، وبناء المواقف، وتقبل الرأى المخالف، وهو ما ينمى فيهم روح المبادرة، والمسئولية، ويؤهلهم للانخراط الإيجابى فى محيطهم الاجتماعي.

وأما الورقة المغربية، فقد أشار فيها الدكتور محمد بلكبير (رئيس مركز الدراسات والأبحاث فى الرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب) إلى أن مجابهة التطرف تتطلب تغيير صورة القائد – الزعيم – الديني، وإبراز دوره القيادى لاسيما فى عمليات تغيير السلوك. و قدم بلكبير منهجا تفكيكيا لخطاب التطرف يقوم على القراءة النقدية للفكر التطرفي، مع التشديد على تخليص فكر الشخص المرشح للتجنيد من الأخطاء والأوهام، حتى يكون قادرا على تفعيل تفكيره، وتحريكه فى إطار حوار نقدى مع ذاته، وبحيث يصبح مدركا لخطورة الأفكار التدميرية التى تمارس عليه قهرا وتستعبده.

ومع انتهاء الجلسات الثلاث لورشة العمل، ومشاركة كل هذه العقول المستنيرة والحوار الذى اتسم بالموضوعية والوضوح والشفافية فقد نجحت الورشة فى رصد وحصر مشكلة التعليم الدينى، وتقديم الحلول للتصدى للفكر المتطرف الذى التصق به، كل هذا جعلنى اتساءل” لماذا طالما نملك هذا الفكر المتحضر المستنير، نتعرض لكل هذه العمليات الإرهابية؟

فكل بلد عربى تقريبا يعيش مواجهة مع جهة إرهابية، وقد أجمع المشاركون على أن التطرف ظاهرة معقدة تتداخل فيها عوامل سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وأمنية، كما حددوا الداء ويكمن بصراحة فى ضعف المؤسسات الدينية الرسمية، وارتباطها بالسلطة..

وهنا قرر المتحدثون والمشاركون أن الحل الأمثل للخروج من الأزمة يتطلب ضرورة إعادة النظر فى استقلاليتها – أى المؤسسات الدينية الرسمية – وحياديتها. هذا أولا، على أن تكون الخطوة التالية مباشرة هى التواصل مع الشباب من خلال تدريب الأئمة، ورجال الدين. وفى النهاية اعتبروا أن الإصلاح السياسى وبناء نظام سياسى ديمقراطى يعزز من قيمة المواطنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky