حسن علي علي أكبريان

في ورشة فلسفة علم الأصول.. المحاضر: النزعة العقلية لاتحظى بمكانة في الفقه الشيعي

الاجتهاد: وفقا للاجتهاد قام عضو الهيئة العلمية ومدير قسم فلسفة الفقه والحقوق بمعهد العلوم والثقافة الإسلامية حجة الإسلام الشيخ الدكتور حسنعلي علي أكبريان قام قبل فترة بدراسة أساسيات علم الأصول وذلك في مكتب الإعلام الإسلامي في الدورة الثانية من سلسلة ورش تعليمية وبحثية تخصصية بعنوان فلسفة علم الأصول التي عقدت بإشراف لجنة الفقه التطبيقي لمعهد الإسلام الحضاري وبالتعاون من مركز الآخوند الخراساني للدراسات العليا.

وفي ما يلي نقدم لكم تقريراً عن هذه الورشة:

أفاد الأستاذ علي أکبریان في مستهل کلامه بأنّ : لنأخذ بعین الإعتبار أن فلسفة العلم لایتحدث مما هو موجود فحسب، بل یتحدث مما یجب أن یکون أیضاً، مشیرا إلی أن دراسة إلزامات علم الأصول تندرج في فلسفة علم الأصول. هناک مناقشات فی أنه أتعتبر فلسفة العلم علما وصفیا فقط أو علما معیاریا أو تتصف بکلیهما.

اذا اعتقدنا بأن فلسفة العلم علم ثانوي یراقب العلم من خارجه، فمن الممکن أخذ هذه الفرضیة أن فلسفة العلم تصف العلم وفي نفس الوقت تضطلع بتقدیم المعاییر. بمعنی أن تتناول ما إذا کان العلم قد حقق أهدافه المرغوبة فیها أم لا. هذا هو نقد العلم.

ثم یقدم اقتراحات یقود العلم إلی تحقیق الأهداف المطلوبة. نقوم علی فرضیة مسبقة أن هذه المقترحات بالنسبة لإلزامات علم الأصول یعتبر عمل من خارج العلم لا من داخله فهو بحث فلسفی تتضمنه فلسفة علم الأصول.

معیار تطور علم الأصول ماهیته الآلیة لعلم الفقه

لأجل أن نوضّح نمط تنمیة علم الأصول فلا بد علینا أن نعرف ماهیة هذا العلم وبالتالی نقدم الأسلوب والنمط. یعدّ علم الأصول آلة لعلم الفقه فهو یندرج فی خانة العلوم الآلیة ومن الضروری أن تتم دراسة إلزاماته من هذا المنظار.

فمتی یتطلب الفقهُ الأصول وتعزیز وجهته الأصولیة فعلینا العمل علی تنمیة علم الأصول وتطوره. هناک أسلوب یتمثل فی أن نتناول علم الفقه، لنری أنه علم یلبّی حاجاته ومسائله أم لا؟ هل توصّل علم الفقه إلی تحقیق أهدافه المخطَّطة أم لا؟

أینما لم یتمکن الفقه من الوصول إلی أهدافه، لابد أن یتم تنمیته فی ذلک الجانب وعلم الأصول آلة لهذه التنمیة. فلابد من توسیع علم الأصول بجانب علم الفقه وفی نفس الإتجاه.

الأسلوب الثاني هو أن ننظر إلی ما یُتوقّع من الدین فی العصر الحالی دون النظر إلی تعریف الفقه وموضوعه ومسائله، خاصة بعد الثورة الإسلامیة والمدعیات التی تفضل بها الامام الخمینی أثناء الثورة ویجب أن یقدم الإجابة المناسب لها.

یجب تجزأة هذه المسائل والتوقعات ودرجها ضمن مسائل العلوم الإسلامیة کعلم الکلام والأخلاق والفقه. بعد القیام بهذا التصنیف سنری أن هناک مسائل لا یندرج فی علم من العلوم الإسلامیة، منها:

التوقعات المتعلقة بإقامة الحکومة الإسلامیة وإدارة المجتمع.

یجب إدارة المجتمع الاسلامی علی إساس الدین. التقنین و إدارة الجامعة لها أسلوب. أیّ علم علیه أن یلقن الفقیه کیف یقوم بالتقنین بآلیات یمتلکها فی إدارة الحکومة؟ التقنین له ضوابط ومعاییر.

علی سبیل المثال عندما یرفض مجلس صیانة الدستور قرارا ویرسل الی مجمع تشخیص مصلحة النظام، علی أی أساس یدرس المجلس هذا القرار و یصدر الحکم؟ أهناک آلیات لهذه الدراسة ومَن المسئول عن تدوینها فی حال عدم وجودها؟ لا توجد هذه الضوابط فی المواضیع الفقهیة.

فأین تدوّن هذه المعاییر المتعلقة بفقه الحکومة والاحکام الشرعیة الخاصة بإدارة الحکومة؟ لا تندرج هذه المسائل فی علم معین، فماذا یجب أن نفعل؟

المسألة الثانیة هی الأنظمة؛ کنظام الأسرة و النظام الإقتصادی و…. . لا یوجد علم یخص الانظمة. فعلینا أن نؤلف لها علما جدیدا أو نبحث عن علم قریب منها ونناقشها ضمن ذاک العلم.

المسئول عن دراسة هاتین المسألتین هو علم الفقه. لذلک ینبغی علینا أن نوسع علم الفقه حتی یشمل هذه المسائل. فعلم الفقه علم بشری قابل للتوسیع. الطریق الوحید للاجابة عن الاسئلة هو توسیع علم الفقه. احداث التغییرات فی موضوع علم الفقه واهدافه واغراضه یجعلنا نتمکن من الإجابة عن التساؤلات.

تبیین الأصول العملیة أفضی إلی إهمال الفقهاء کشف الأحکام الواقعیة

ینبغی أن یتجه الفقه الحالی إلی نقطة یستطیع کشف الأحکام الواقعیة. ما نشاهده طوال تاریخ علم الفقه نری أن الفقهاء بعد تفریع المسائل إستخدموا أسالیب وآلیات للوصول إلی الحکم الواقعی. فقد تم تنقیح الاصول العملیة فی بعض العصور کعصر الوحید البهبهانی والشیخ الانصاری.

الأصول العملیة تعرف بأنها أصول توضّح الواجب العملی للمکلف لا الحکم الواقعی. عندما تبیّنت الاصول العملیة شاعت استخدامها حیث انهم وجدوها أسلوبا یسیرا للحصول علی الواجب الشرعی للمکلف. ما إن لم یحصلوا علی دلیل شرعی وبذلوا کل جهدهم ویأسوا من العثور علی الحکم الواقعی، حتی أقبلوا علی الاصول العملیة وقاموا بحل المسألة من خلال البرائة والإحتیاط.

إذن أصبح یشیع کثیر من الأحکام القائمة علی الإحتیاط فی الرسائل العملیة. فالاحکام الظاهریة أغنی الفقهاء عن الاحکام الواقعیة حیث حصل لهم الیأس المبکر من الدلیل الاجتهادی فی المسائل. هذا ما قاد الفقه إلی تعیین الحکم الظاهری بدلاً عن الحکم الواقعی.

فبعد تأسیس الحکومة الاسلامیة، وجدنا أنه لا یمکن إدارة المجتمع بالادلة الفقاهتیة حیث لا یمکّننا من تدوین الانظمة الاقتصادیة والثقافیة والإجابة عن التساؤلات التی تسود المجتمع. هذا لا یعنی الإساءة إلی الاصول العملیة وتنقیصها، بل نعتقد بأنها بنیة کبیرة یفقدها العامة، لأنهم یعتقدون بالتصویب ولا یمیزون الحکم الظاهري من الحکم الواقعي.

الحصول علی الحکم الواقعي هو الهدف الوحید للفقه الحالي

ما نقصد مما قلنا هو أن الاصول العملیة حرّمنا من التوصل الی الحکم الواقعی فی حین یجب علینا التوجه إلی کشف الحکم الواقعی. هذا الکشف یتطلب آلیات لم یتم تناولها فی أصول الفقه، إذن من الضروری تنمیة علم الاصول من هذه الناحیة.

فنذکر هنا عددا من الآلیات الاصولیة.

إحدی المسائل هی معرفة الرکائز العقلائیة والمتشرعة لزمن التشریع و النصوص. لا یمکننا ان نصدر حکما کلیا یفید بأن رکائز العقلاء فی زماننا هذا یتطابق مع الارتکازات فی زمن المعصومین (ع)، کیف یمکن کشف هذا التطابق؟ هذا ما یحتاج الی آلیة أصولیة فی حین أنه لم یتم مناقشتها فی علم الاصول غیر ما نری قلیلا فی کلمات الشهید الصدر.

القرائن المتوفرة للروایات قلیلة لدینا فیجب اعادتها. علی سبیل المثال السبب الرئیس للخلاف الذی نشب بین السید المرتضی والشخ الطوسی هو مسئلة القرائن حیث یعتقد السید المرتضی بأن الاخبار محفوفة بالقرائن القطعیة، فی حین أن الشیخ الطوسی لا یقبل ذلک فبالتالی یتبنّی حجیة الاخبار الظنیة ویعتبر أخبار الاحاد ظنیة. بینما قد تبددت تلک القرائن فی زماننا هذا تماما.

الاصول الاربعمائة قد فقدت القرائن التی کانت ترافقها سابقا، فیجب اعادة القرائن وهذا ما یتولی مسئولیته علم الاصول.

حسن علي علي أكبريان فلسفة علم الأصول

النزعة العقلیة لا تحظی بمکانة فی الفقه الشیعی

میّزتنا النزعة العقلیة من الأشاعرة فی زمن ما، إلا أن ظهور الأخباریة واتهامهم الفقه بالنزعة السنیة جعل الفقه الشیعی یخلو من إستخدام العقل حیث مازلنا متأثرین بالأخباریة فی الفقه.

ما مکانة الحسن والقبح العقلیین فی الفقه الشیعی؟ قد اعتقد بعض الفقهاء أنه لا توجد مسألة فی الفقه تستند الی الادلة العقلیة تماما ویخلو من الدلیل النقلی.

نحن معتقدون بالعقل فی الکلام فحسب دون الفقه. یجب توسیع آلیات هذه المباحث وفی نفس الوقت یجب أن نتجنب الوقوع فی مستنقع الاستحسان والقیاس …… کأهل السنة الذین یتلقون الانتقادات منا طوال ألف سنة.

بعد فترة الاخباریین أُلقیت هذه المباحث فی علم الاصول واجیب عن النقوض والاشکالات التی تم توجیهها من جانب الاخباریین إلا أن الفقه لم ینفصل عما تلوّن به فی فترة الاخباریة فمازلنا نری فقهنا متأثرا بالنزعة الاخباریة.

نفتقر إلی آلیات فی علم الاصول فی الامور الخاصة بإدارة المجتمع کالتقنین. أیّ أحکام ولائیة کانت توجد فی عصر النبی وکم بالمئة من أحکام النبی (ص) و امیر المؤمنین (ع) الولائیة قد استخرج من التاریخ والنصوص؟ یجب أن نتعرف علی هذه الاحکام ثم نعمل علی تدوین معاییرها وم بادئها فی علم الاصول.

عند دراسة الروایات یناقش العلماء السند والدلالة وجهة صدور الروایة. عند دراسة الجهة ما یرکّز علیه الجمیع هو التقیة. هل الجهة مقتصرة علی التقیة فحسب؟ ألا یمکن أن تکون الروایة قائمة علی تطبیق ولایة المعصوم؟

أ یوجد أحد من العلماء یتطرق إلی هذه الجهة لحل تعارض الروایات ویقول إن جهة صدور هذه الروایة هی تطبیق الولایة؟ نواجه هذه الامور فی الفقه نادرا فیجب أن نعطی اهتماماً أکثر بها.

یقول فضیلة آیة الله حائری: تطبیق الولایة فی زمن المعصومین یجب أن یقاس نظرا إلی زمانهم ویتم استنباط الحکم الشرعی علی ذاک الاساس. ثم نستمد بعض المعاییر من تطبیق ولایة المعصومین فی زمانهم فنقول علی ذلک یجب ان یدیر الولی الفقیه المجتمع ویطبق ولایته مستندا إلی هذه الضوابط والمعاییر. هذا ما یجب تبیینها فی أصول الفقه الحکومی.

تطور أصول الفقه تماشیاً مع الفقه المقارن

من النقاط اللافته للانتباه هی أن أصول الفقه یجب أن یوسّع نظرا إلی الفقه المقارن. الفقه المقارن لا یتمتع بأصول الفقه عندنا. کان الفقه المقارن ممیزا فی زمن الشیخ الطوسی والسید المرتضی. ولکن الیوم لا نمتلک الفقه المقارن بما ینبغی إما بمعنی مقارنة الفقه الشیعی والسنی وإما مقارنة الفقه بالقانون.

بالطبع لیس لنا اصول الفقه للفقه المقارن. وذلک أن فقهنا المقارن لیس قویا إذا ما قورن بالفقه السنی. ذلک أن أصوله لم تتبین بعد.

هناک أهداف مختلفة للفقه المقارن. تارة نهدف إلی تعزیز الفقه الشیعی مقابل الفقه السنی. تارة نعمل علی تنمیة المواضیع فی الفقه الشیعی. ثالثة نسعی التوسیع فی ناحیة الأدلة. وتارة نرید إزالة الشبهات وأخری ننوی تدوین القانون للمجتمع الاسلامی. الاسالیب مختلفة فی هذه المواضع فتحتاج إلی أصول الفقه الذی نفتقر إلیه حالیا فیجب الالتفات به أکثر.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky