الاجتهاد: يتكوّن كتاب أصول المقتل الحسيني الذي كتب في 336 صفحة من سبعة فصول؛ إذ خصص لكلّ واحد من أقدم المقاتل الحسينيّة القديمة الكوفية (الأصبغ بن نباتة، جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي، عمّار بن معاوية الدهني، فضيل بن الزبير الأسدي، أبي مخنف لوط بن يحيىٰ الأزدي الغامدي، هشام بن محمّد الكلبي، نصر بن مزاحم المنقري) فصلاً مستقلاً،
ويتكوّن كلّ فصل من مبحثين أساسيين: يتضمّن أحدهما ترجمة وافية لصاحب المقتل، ويشتمل الآخر علىٰ تحقيق وتنقيب فيما يخصّ كتابه في المقتل، وقد بدأ كلّ فصل بتقديم مقتضب وخاتمة بأهم النتائج التي توصّل إليها الكاتب حول المقتل وصاحبه.
تُعتبر كتابة المقاتل من أقدم أنواع الكتابة التاريخيّة، وقد ظهر هذا النوع من الكتب إلىٰ جانب كُتب السِّيَر والمغازي والفتوح في مرحلة مبكرة من مراحل كتابة التاريخ الإسلامي، سبقت ظهور كتب التاريخ العام.
وموضوع كُتب المقاتل هو عبارة عن رموز وشخصيات بارزة في المجتمع الإسلامي تعرَّضت إلىٰ القتل، حيث يحاول المؤرِّخ أن يبذل ما بوسعه لرصد جميع ما يرتبط بتفاصيل حادثة القتل وملابساتها ومقدّماتها وإرهاصاتها وتداعياتها وردود الأفعال المباشرة لها، بالإضافة إلىٰ تسليط الضوء علىٰ شخصيّة القتيل وأبعادها وتحديد القاتل المباشر وغيره.
وبهذا البيان يتّضح للقارئ الكريم أنّ هذه الكُتب ليست مقصورة علىٰ رواية مقتل الإمام الحسين عليه السلام، «فثَمَّة مؤلفون كثيرون كتبوا في مقتل عليّ، مقتل زيد، مقتل عثمان، مقتل حجر بن عدي، وغير ذلك، ويجد الباحث أسماء عشرات من كتب المقتل في موضوعات مختلفة»[1].
ولكن لا ريب في أنّ أكثر تلك الكُتب قد كُتبت في مقتل الإمام الحسين عليه السلام.
ألهت بني تغلب عن كلِّ مكرمة
قصيدةٌ قالها عمرو بن كلثوم
وقد أحصىٰ الشيخ آغا بُزُرْك الطهراني في موسوعته القيمة الذريعة إلىٰ تصانيف الشيعة عشـرات الكتب في المقتل الحسينيّ، كُتبت بلغات مختلفة: كالعربيّة، والفارسيّة، والأُرديّة، وغيرها، وهي تنتمي إلىٰ عصور مختلفة ومؤلِّفين من طبقات مختلفة ومستويات متفاوتة.
وقد امتاز المقتل الحسينيّ بميزة أُخرىٰ ألا وهي المواظبة علىٰ قراءته في كلّ عام صبيحة اليوم العاشر من محرَّم في شتّىٰ المجتمعات الشيعيّة، ولم تنقطع هذه العادة إلّا في بعض الظروف الاستثنائية؛ ومن هنا وبمرور الأيام تطوّر معنىٰ كلمة المقتل حتّىٰ صارت تدلّ بنفسها ـ وبلا إضافة ـ علىٰ مدلولِ شهادة الإمام الحسين عليه السلام، فإذا قلتَ: قرأتُ المقتلَ، انصرف الذهن إلىٰ مقتل الإمام الحسين عليه السلام، فصار المقتل اصطلاحاً في الكتاب الذي يروي أحداث ووقائع شهادة الإمام الحسين عليه السلام[2].
قال ابن طاووس: «فإن قيل: فعَلامَ تُجدّدون قراءة المقتل والحزن كلَّ عام؟ فأقول: لأنّ قراءته هو عرض قصّة القتل علىٰ عدل الله جلّ جلاله ليأخذ بثأره كما وعد من العدل»[3].
وقد جرت العادة أن يبدأ الحديث عن المقتل الحسينيّ من وفاة معاوية منتصف رجب عام 60هـ؛ إذ من هنا تبدأ المواجهة الفعليّة بين الحسين عليه السلام ويزيد، ثمَّ تصل المواجهة أوجها بحدوث المعركة الخالدة في مطلع سنة 61هـ أي: في العاشر من المحرّم كما هو معلوم، ويستمرّ أكثر أرباب المقاتل بعرض ما جرىٰ بعد الواقعة من تداعيات وردود أفعال مباشرة، كأحداث الدفن والسبي والآيات الكونيّة التي حدثت بعد مقتل الحسين عليه السلام.
وقد يذهب بعض المؤرِّخين إلىٰ أبعد من ذلك في الحديث عن الإرهاصات والمقدّمات، كالحديث عن صلح الإمام الحسن عليه السلام بوصفه مقدّمة لثورة الحسين عليه السلام، أو الحديث عن الإخبارات الغَيبيّة التي تنبّأت بمقتله عليه السلام، كما أنّه قد يُفرط البعض أيضاً في الحديث عمّا تلا الواقعة من تداعيات وردود أفعال، كالحديث عن معركة عين الوردة، أو قيام المختار، وما شاكل ذلك.
وفي الواقع أنّنا لو نظرنا إلىٰ إرهاصات واقعة الطفّ ومقدّماتها بهذا المنظار فإنّنا لا ننتهي إلىٰ نقطة محدّدة في التاريخ، فالتاريخ بشكل عام ـ أو تاريخ المعصومين عليهم السلام علىٰ الأقل ـ هو عبارة عن حلقات متواصلة يرتبط بعضها بالبعض الآخر، كما أنّ لواقعة الطف ردود أفعال وتداعيات مستمرّة إلىٰ قيام الساعة، ولعل ما نكتبه الآن هو من تلك التداعيات وردود الأفعال.
إذا اتّضح هذا نقول: إنّ هناك مجموعة من المقاتل التي كُتبت بعد وقعة الطف يمكن اعتبارها الأُصول التاريخيّة الأُولىٰ والمنابع الأساسية لتاريخ وقعة كربلاء.
والضابطة في كون الكتاب أصلاً تاريخيّاً لهذه الواقعة، هو أن يحتوي علىٰ مادّة تاريخيّة مأخوذة مباشرة من أفواه الرواة، ولم تسجّل في كتاب آخر غير هذا الكتاب، وهذا ما ينطبق علىٰ مجموعة من المقاتل الحسينيّة القديمة، وفي مقدّمتها المقاتل السبعة التالية:
1ـ مقتل الأصبغ بن نباتة الكوفي ت بعد 101هـ.
2ـ مقتل جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي الكوفي ت128هـ.
3ـ مقتل عمّار بن معاوية الدهني الكوفي ت133هـ.
4ـ مقتل فضيل بن الزبير الأسدي الكوفي ت بين عامي122ـ 148هـ.
5ـ مقتل أبي مخنف لوط بن يحيىٰ الأزدي الغامدي الكوفي ت157هـ.
6ـ مقتل هشام بن محمّد الكلبي الكوفي ت204 ـ 206هـ.
7ـ مقتل نصر بن مزاحم المنقري الكوفي ت212هـ.
ولا ريب في أنّ أُصول المقاتل لا تنحصر بهذا العدد، وإنّما قصـرنا البحث في هذا الكتاب علىٰ هذه المقاتل دون غيرها لوجود ثلاثة قواسم مشتركة تربط فيما بينها، وهي:
1ـ إنّ هذه المقاتل هي أقدم المقاتل الحسينيّة علىٰ الإطلاق، حيث كُتبت بأجمعها بين عامي 100هـ ـ 212هـ.
2ـ إنّ أصحاب هذه المقاتل جميعهم من أهل الكوفة.
3ـ إنّ أصحاب هذه المقاتل جميعهم من المحسوبين علىٰ التشيُّع بمعناه الخاص أو العام.
وبملاحظة هذه القواسم المشتركة يمكننا القول وبقوّة: إنّ حركة التأليف والتصنيف حول واقعة الطفّ كانت في بداياتها حركة كوفيّة شيعيّة، وأنّ شيعة الكوفة هم رادة هذا المجال والسبّاقون إليه.
هيكليّة الكتاب
يتكوّن الكتاب الذي بين أيدينا من سبعة فصول؛ إذ خصصنا لكلّ واحد من هذه المقاتل فصلاً مستقلاً، ويتكوّن كلّ فصل من مبحثين أساسيين: يتضمّن أحدهما ترجمة وافية لصاحب المقتل، ويشتمل الآخر علىٰ ما توصّلنا إليه من تحقيق وتنقيب فيما يخصّ كتابه في المقتل، وقد بدأنا كلّ فصل بتقديم مقتضب وختمناه بخاتمة بأهم النتائج التي توصّلنا إليها حول المقتل وصاحبه.
هذه هي هيكليّة الكتاب الأساسية، وقد مهّدنا لذلك بمدخل تمهيدي يشتمل علىٰ المبحثين التاليين:
المبحث الأول: تأخّر تدوين أخبار كربلاء إلىٰ مطلع القرن الثاني الهجري.
المبحث الثاني: نظرة عامّة حول مدينة الكوفة.
وفي ختام هذه المقدّمة، نسأل الله سبحانه وتعالىٰ أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وما توفيقي إلّا بالله عليه توكّلت وإليه أُنيب.
فهرس محتويات كتاب أصول المقتل الحسيني
تحميل كتاب أصول المقتل الحسيني
3.17MB