الغدير وعاشوراء

بين الغدير وعاشوراء/ فيصل الكاظمي

الاجتهاد:  توفقت صباح اليوم السبت للوقوف على قبر العلامة الشيخ عبد الحسين الأميني رحمه الله والذي يُعرف بصاحب كتاب الغدير

؛ تلك الموسوعة العلمية الأدبية العقدية المتميزة ، والتي كتب الكثيرون عن معاناته وجهوده المضنية والعقبات التي واجهته والصعوبات التي تناولته ، في التأليف والبحث عن المصادر ، وكيف أنه تغمده الله بواسع رحمته صبر واحتسب وأصرّ وكتب، حتى وفق واي توفيق وقد غادر هذه الدنيا بأثر جليل وذِكر جميل .

وقد نال (كتاب الغدير) مايستحقه ولاتزال الاشادات به مستمرة والعطاءات منه مثمرة . وقد ذاع صيته وانتشرت معرفته ، ونوّه به وبمؤلفه في المحافل العلمية والمؤتمرات الثقافية .

ومما لفت نظري في سني الهجرة بين سوريا ولبنان، أن بعض ضباط الحدود كانوا يسألوننا بحكم زينا الديني الشيعي : هل عندكم كتاب الغدير ؟ فكنت أتعجب من ذلك ، وكيف عرفوا بالكتاب واسم مؤلفه ! ثم علمت بعدها أن هؤلاء من محبي أهل البيت (ع) الذين يولون الثقافة العقدية والدراسات الكلامية اهتماما بالغا وتواصلا سابغا .

وعلى ذكر سوريا فإنها كانت من تلك الدول التي تلقى منها العلامة الأميني دعوة لزيارتها ، بعد انتشار كتابه الغدير ، أسوة ببلدان ودول أخرى .

وكان للعلامة الأميني بدمشق استقبال حافل وحضور متميز ، ثم حوارات وندوات حول الكتاب وحقائق كانت دفينة ومعلومات بالأدلة مكينة .

ثم أن شيعة حلب وإدلب أدلوا بدلوهم فدعوه لزيارتهم ، فتوجه الى شمالي سوريا ، وانتقل بين المناطق والمحافل والتجمعات واللقاءات .

وفي أثناء تلك الرحلة في حلب طرح استفهام وتساؤل للعلّامة حول سبب هذه المآتم التي يقيمها أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وسر هذا البكاء على الإمام الحسين (ع) ؛ وهو سيد السادات وفي أعلى درجات الجنات !؟ .

فكان جوابه قدس الله نفسه الزكية مذهلا للسائلين ومفاجئا للسامعين ، حينما قال : أننا نستن بسنة رسول الله (ص) في ذلك ، فقيل : كيف وقد قتل شهيد كربلا (ع) بعد جده المصطفى (ص) بنصف قرن من السنين !؟

فأوضح العلامة الاميني لهم أن النبي (ص) هو أول من بكاه ، نعم وقبل مقتله بما الله اليه أوحاه ، من أسرار المستقبل القادم ووقائع الزمن المتقادم ، ثم أثبت ذلك بأدلة من مصادر المسلمين العامة وصحاحهم !!!

ثم أن العلامة الأميني لم يكتف برد سؤال السائل وتوضيح الأمر للغافل والجاهل ، بل عاد ليثبت ذلك موثقا في كتاب رائع ، ذكر فيه المصادر وأكد فيه المآثر ، وأن المآتم بدأت بالنبي الخاتم (ص) وهو الأثر الموسوم ب(سيرتنا وسنتنا) أثبت فيه ان النبي (ص) أقام ٢٢ مأتما على سبطه وريحانته الحسين الشهيد (ع) .

وكما ذكرنا فإن مصادر الكتاب كلها واحاديثه أجمعها ، جاءت من مصادر مدرسة الخلفاء .

فانظر الى هذا التوفيق بتحويل جواب سؤال عابر الى بحث علمي باهر ، وكتاب تاريخي زاهر ، وهكذا ترك لنا هذا الحبر المعطاء (موسوعة الغدير) في علي ، و(سيرتنا وسنتنا) في الحسين عليهما السلام ، في ربط بين الغدير وعاشوراء . فلله دره وعلى محمد (ص) وأله المظلومين أجره .

ولعل من الجدير هنا ذكره ؛ أنه قد قيل للعلامة السيد عبد الحسين شرف الدين (ق.س) : لماذا هذا الاهتمام البالغ منكم بعاشوراء ؟!

فأجاب رحمه الله: نخشى ان تُنسى عاشوراء كما نسي الغدير !!!

اللهم أحينا محيا محمد وآل محمد وأمتنا ممات محمد وآل محمد صلواتك عليهم وعليهم .

 

فيصل الكاظمي
بغداد
١٥ ذو الحجة ١٤٤٤
٢٣ حزيران ٢٠٢٤

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky