الاجتهاد: بعض العلامات غير المعتبرة في رؤية الهلال: هناك بعض العلامات التي ورد بعضها في النصوص، وبعضها يمشي عليها الناس. في حين أنها جميعا ليست بحجة نشير إلى المهم منها هنا :
أولا : رؤية الهلال في النهار. إما قبل الزوال أو بعده. ومنهم من يقول : إن رؤيته قبله علامة الشهر المنتهى، ورؤيته بعد الزوال علامة الشهر الجديد .
إلا أن إعراض الفقهاء تماما عن الأخذ بالنصوص الواردة بهذا الخصوص تسقطها عن الحجية .
مضافا إلى أن هذا الأمر غير محتمل عادة ، فإن الهلال الضئيل الذي يكون في أول الشهر أو في آخره ، لا يمكن أن يرى في النهار. لضعف ضوئه تجاه ضوء الشمس أولا ، ولعدم ملاءمة موقعه لذلك أصلا .
وأسوأ من ذلك اعتباره للشهر السابق . فإن في ذلك إسقاط لفترة المحاق التي لا بدّ منها .
ثانيا : اعتبار شهر رمضان تاما دائما ليس فيه نقصان .
وهذا أيضا ليس بحجة ، لأن عددا من الروايات تؤكد على أن شهر رمضان كباقي الأشهر قابل للزيادة والنقصان . مضافا إلى إجماع الفقهاء على ذلك .
ثالثا : التطويق في الهلال ، حيث اعتبره السيد الأستاذ دليلا لليلة الثانية . وقد سبق أن ناقشناه .
رابعا : أن يكون له ظل بحيث يرى الإنسان ظل رأسه فيه . فيكون دليلا على الليلة الثانية . وهذا وارد في نفس الصحيحة التي دلت على التطويق إلا أن السيد الأستاذ لم يفت به .
والصحيح عدم الحجية أيضا لعدم تمييز الظلّ الخفيف بهذا المقدار ، إن كان له وجود . ولعمري إن الهلال في الليلتين الثالثة والرابعة لا يكون له إلا ظل خفيف جدّا فكيف بالليلة الثانية . إذن فهذه علامة غالبية وليست دائمة .
خامسا : تأخر الهلال في الأفق مدة طويلة . وقد وردت رواية صحيحة في نفي حجيته .
والاعتبار أيضا يدلنا على ذلك . لأن الهلال المولود قبل فترة طويلة ، لا محالة يبقى في الأفق طويلا . ولا يتعين أنه مولود قبل أربع وعشرين ساعة ليكون هو ابن الليلة السابقة .
نعم ، لو حصل لنا العلم أو الاطمئنان من ذلك . كان ذلك حجة لا محالة .
سادسا : زيادة النور في الهلال . والمناقشة فيه هو نفس ما قلناه في الصورة السابقة إلا أن يحصل العلم أو الاطمئنان .
سابعا : إذا انقطعت رؤية الهلال من المشرق في نهاية الشهر عند شروق الشمس أو قريبا منه . فهو علامة على وجوده مغربا – أي في مغرب ذلك اليوم نفسه – فيكون دليلا على أول الشهر الجديد .
وقد وردت في ذلك رواية غير معتبرة . وهو بحسب الاعتبار غير صحيح ، لأنه لم يأخذ فترة المحاق التي لا تبقى فقط لعدة ساعات بل تبقى أكثر من أربع وعشرين ساعة .
نعم ، إذا فقدناه ليومين متتاليين في المشرق ، فهو لا بد أن يظهر في المغرب . لأن المحاق لا يزيد على يومين على أيّ حال .
إلا أن هذا الأمر إن حصل فيه العلم أو الاطمئنان فهو الحجة . وإلا فالاعتبار قد لا يساعد عليه . لأن وجود الهلال في الأفق ، مهما كان أكيدا ، إلا أنه قد لا يكون بالحجم القابل للرؤية . ومن هنا لا يكفي ذلك لإثبات أول الشهر .
ثامنا : مما يحتمل الاعتماد عليه : حساب المنجمين أو الفلكيين وقد عرفنا حاله .
تاسعا : أن نعد خمسة أيام من السنة الماضية . فلو كان أول الشهر في السنة السابقة هو يوم السبت مثلا . كان أول الشهر هذه السنة هو يوم الأربعاء .
وقد وردت في ذلك بعض الروايات :
منها : ما عن عمران الزعفراني [1] : قال : قلت لأبي عبد اللَّه : إن السماء تطبق علينا بالعراق اليومين والثلاثة ، فأيّ يوم نصوم ؟ . قال : انظروا اليوم الذي صمت من السنة الماضية فعدّ منه خمسة أيام وصم اليوم الخامس .
وهو دال على العدد يبدأ من نفس اليوم ، وهو السبت في المثال .
ويصوم اليوم الخامس وهو الأربعاء .
وفي رواية أخرى : أن العد يكون في سائر السنين خمسة خمسة .
وفي السنة الكبيسة ستة أيام .
ولكن إسناد هذه الروايات غير معتبر ، مضافا إلى إجماع الفقهاء في الإعراض عنها . فلا يمكن العمل بمضمونها فقهيا .
عاشرا: في بعض الروايات غير المعتبرة [2] : قال الصادق عليه السلام : إذا صح هلال رجب فعد تسعة وخمسين يوما وصم يوم الستين.
وهو قائم على افتراض أن الشهرين رجب وشعبان أحدهما ناقص والآخر تام ليكون العدد 59 يوما . وهو أمر غير أكيد كما هو واضح.
والمهم هو عدم اعتبار السند .
فهذه عشر علامات غير معتبرة لا حاجة إلى الزيادة عليها . وينبغي هنا أن نختم حديثنا عن الهلال . والحمد للَّه رب العالمين .
المصدر: المجلد الثاني من كتاب ماوراء الفقه لآية الله الشهيد السيد محمد الصدر “ره”