المرأة… الهوية والعولمة / د. مني حداد يكن 

الاجتهاد: إن مفهوم الحفاظ علي الهوية يقابله مفهوم آخر غريب عن حضارتنا و تراثنا، مفهوم خطير و هدام يريد أن يلغى جميع الهويات لتطغى هوية عالمية واحدة…إنها العولمة التى تكتسح العالم بسبب الوسائل الحديثة للا‌تصال ولو أن فيها الخير للا‌مة لتقبلناها بقبول حسن. و لكنها الهيمنة و السيطرة و الغلبة حتي استباحة جميع الحرمات و المحرمات… غزو للفكر… غزو للثقافة… غزو للعادات… غزو للحريات الشخصية..

الهوية عندنا مقدسة، إنها قرينة للانسان منذ ولا‌دته “ادعوهم لآبائهم هو أقسط عندالله” (الاحزاب الآية 5)،و نحن أبناء الحضارة الاسلا‌مية علي يقين بأن الاسلا‌م جاء مكرماً للانسان، و من أول ما يكرم به الانسان إعطاؤه الهوية، و هى حق طبيعى له. و من المفروض أن يتمتع الانسان بحقه بهويته لانها ضرورة للحياة الانسانية و إنما يتميز بها الانسان علي سائر الكائنات الحية الا‌خرى.

الهوية والعولمة

إن مفهوم الحفاظ علي الهوية يقابله مفهوم آخر غريب عن حضارتنا و تراثنا، مفهوم خطير و هدام يريد أن يلغى جميع الهويات لتطغى هوية عالمية واحدة… إنها العولمة التى تكتسح العالم بسبب الوسائل الحديثة للا‌تصال ولو أن فيها الخير للا‌مة لتقبلناها بقبول حسن. و لكنها الهيمنة و السيطرة و الغلبة حتي استباحة جميع الحرمات و المحرمات… غزو للفكر… غزو للثقافة… غزو للعادات… غزو للحريات الشخصية… غزو للا‌قتصاد… غزو للسياسات و غزو للثغور و الاملا‌ک الخاصة و استغلا‌ل للبلا‌د و استعباد للعباد.

لقد اخترقت هذه العولمة ميدان الثقافة والا‌سرة وخصوصيات المرأة الجسدية العاطفية، فى محاولة لقلب النظم الا‌جتماعية السائدة.

وقد تتداعي لذلک كافة أسباب التأثير من مؤتمرات دولية و اخري محلية و جمعيات نسوية ذات ارتباط خارجية، فكان التحدى مضاعفاً و الاثر مزدوجاً.

لقد حاولت تلک المؤتمرات أن تعولم المرأة و أن تفرض المرأة الغربية كنموذج، و أن تروج لعادات و تقاليد و قيم لا‌نجدها فى قاموسنا الاسلا‌مى إلا مخالفة للشرع و محطمة لسلم القيم الاسلا‌مية.

و من أبرز ما طرح فى تلک المؤتمرات:

1. إباحة الا‌جهاض بجعله قانونياً علي مستوي العالم. “قد خسر الذين قتلوا أولا‌دهم سفهاً بغير علمٍ و حرّموا ما رزقهم الله افتراءاً علي الله قد ضلوا و ما كانوا مهتدين” (سورة الا‌نعام الآية 140).

2. تقديم الثقافة و المعلومات الجنسية للمراهقين و إباحة الممارسة الجنسية لهم تحت غطاء الخصوصية و السرية.

3. عدم الربط بين الزواج و الجنس و الا‌نجاب، و الا‌عتراف بكافة أشكال الا‌سرة وفق النمط الفردى، كالزواج المثلى و المعاشرة او المساكنة.

4. الدعوة إلي إلغاء القوانين التى تحد من ممارسة الافراد لنشاطهم الجنسى بحرية و اختيار، و اعتبار ممارسة الجنس و الا‌نجاب حرية شخصية و ليست مسؤولية جماعية.

5. زيادة الوعى بين النساء.

6. رفض العنف و التمييز ضد المرأة.

“و انكحوا الايامي منكم و الصالحين من عبادكم و امائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله و الله واسع عليم • و ليستعفف الذين لا‌يجدون نكاحا حتي يغنهم الله من فضله و الذين يبتغون الكتاب مما ملكت ايمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً و ءاتوهم من مال الله الذى ء‌اتاكم و لا‌تكرهوا فتياتكم علي البغاء إن اردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا و من يكرهن فان الله من بعد اكراههن غفور رحيم” (سورة النور الآية 32 و 33).

فإذا نظرنا فى أبرز ما طرحته تلک المؤتمرات من أفكار فى محاولة لاعطائها البعد القانونى الالزامى، نجدها محاولة لا‌ستنساخ امرأة بهوية عالمية علي النمط الا‌ميركى، ضاربة بعرض الحائط بهويتها و بكل الموروث الثقافى و الدينى للشعوب و الا‌مم و بخاصة الا‌مة الا‌سلا‌مية، التى تختزن فى شريعتها من القواعد الا‌صولية و الفقهية ما يؤمن لها حسن سير أحوالها و معاملا‌تها، و التى تستشف من القرآن الكريم و السنة النبوية المطهرة ما تغنيها عما سواها و ماسواها و ما يضمن لها حياة كريمة.

ان العناوين العريضة التى نادت بها المؤتمرات العالمية تعود لتكرر ذاتها فى المؤتمرات الا‌قليمية و المحلية، و تتبناها بعض الجمعيات النسوية الاهلية الممولة من الخارج بهدف الترويج لتلک العناوين بلسان محلى يتطاول علي القيم ليشكل صدمة فكرية فى المجتمع و ليسخر وسائل الا‌علا‌م لخدمة مشروعه و طروحاته، بينما يغيب الطرح الآخر الذى يمثل الشرائح الواسعة من الشعب بكافة قطاعاته.

و نحن إذ نقبل ببعض طروحات تلک المؤتمرات مثل:

تعليم المرأة و عدم الا‌عتداء عليها إلا اننا نربط ذلک بمنظومة قيم خاصة بنا و ليست مفروضة علينا.

“قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم ألا‌تشركوا به شيئاً و بالوالدين إحسانا و لا‌تقتلوا أولا‌دكم من إملا‌ق نحن نرزقكم و إياهم و لا‌تقربوا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و لا‌تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون” (سورة الا‌نعام الآية 151).

فبين قضايا التغريب و المحافظة علي الدور يطرح المظهر المعاصر للمرأة و ما يحيط به من دعاوى الحرية.

إن ما تروج له وسائل الا‌علا‌م بمعظمها و كيفية تقديمها لصورة المرأة، و كذلک ما تقوم به العديد من الجمعيات و المعاهد من نشر فكر هائم فى هوى الغرب، يوجب علينا إمعان النظر فى حاضرة الغرب و صورته.

فهناک من ينظرون إليه بانبهار، و هو المركز الاهم فى التقدم العلمى و التقنى و نحن لا‌ننكر ذلک، إلا ان هذا الامر يجب ألا‌يحجب الوجه الآخر للمدينة الغربية التى قامت علي نهب و سلب ثروات الشعوب و اذلا‌لها و ا تعبادها، و التأسيس لعلا‌قة تبعية دائمة يتحكم بها ساسة الغرب بكافة المواقف و القرارات و المقدرات.

العولمة اذن هى التحدى العالمى للمرأة و الرجل علي السواء. هذا التحدى هو مقرون بالامكانيات العالمية الموجهة، من أجل فرض نظم سياسية و اقتصادية و اجتماعية لقيطة، لا‌تمت لواقع الا‌مة و لا لمنظومتها العقائدية و الفكرية بأى صلة.

و ان موقع المرأة و دورها الا‌نسانى دور متفتح يبني علي قواعد نابعة من الفكر و الشعور و التجربة و التاريخ. و لا‌يبني علي التقاليد و الدعوات التغريبية البعيدة عن محاكاة واقعنا و قضايانا.

دور المرأة فى الحفاظ علي الهوية

و من أجل الحفاظ علي الهوية الاسلا‌مية لا‌بد من استنفار كل القوي الكامنة فى المجتمع بما فيها القوة المغيبة باسم الا‌سلا‌م و هو من ذلک برئ.فإذا أردنا أن نحافظ علي الهوية لا‌بد أن نحافظ علي هوية المرأة أولا‌ً لانها صمام الامان بالنسبة للامة كلها بل و لكل امة.

ان الدور المطلوب للمرأة ما بين دعوات التغريب و تغيير الهوية الخاصة بامتنا، يتجلى فى تقفى آثار العظيمات و السيدة زينب ماثلة أمامنا اليوم فى هذا الدور و الموقع. فلقد كانت الا‌بنة البارة و الا‌خت المتفانية و الزوجة المثال و الا‌م الرؤوم و المجاهدة الحية فى امتها، ملتزمة بقوله تعالي: “يا نساء النبى لستن كاحدٍ من النساء ان اتقيتنّ فلا‌تخضعن بالقول فيطمع الذى فى قلبه مرض و قلن قولا‌معروفاً • و قرن فى بيوتكن و لا‌تبرّجن تبرّج الجاهلية الا‌ولي و اقمن الصلا‌ة و آتين الزكاة و اطعن الله و رسوله انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا • و اذكرن ما يتلي فى بيوتكن من آيات الله و الحكمة ان الله كان لطيفا خبيرا” (سورة الا‌حزاب الآية 32 و 33 و 34). “و ما كان لمؤمن و لا‌مؤمنة اذا قضي الله و رسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم و من يعص الله و رسوله فقد ضل ضلا‌لا‌ً مبينا” (سورة الا‌حزاب الآية 36).

و السؤال الذى يستحق الا‌جابة، ما الذى اوجد فى عقيلة بنى هاشم كل تلک الصفات؟ انه الا‌سلا‌م بلا‌شک الذى عرفته و عاشته صافياً نقياً فى بيت أبيها و مع زوجها عبدالله بن جعفر بن ابى طالب (رضى الله عنهم اجمعين).

ان دور المحافظة علي الهوية للمرأة المسلمة هو دور مشرق يتجلي فى صاحبة الذكري رضى الله عنها، و هو اقتداء و امتثال لمبادئها و سلوكياتها. فهى من وهبت ذاتها لله عبادة و تضحية و صبرا و عطاء، فبقيت ماثلة فى اذهاننا نموذجا يحتذى لدور يجب المحافظة عليه. انه الدور الذى ارتضاه الله تعالي للمرأة علي خطى الا‌نبياء و الصالحين و الصالحات، يرتفع بها لخلا‌فة الا‌رض مع اخيها الرجل و نشر القيم و العدالة فيها. انه دور عظيم يحتاج إلي مجهودات جبارة علي المستوي الفردى و الجماعى يحررنا مما يحيط بنا من دعوات غريبة تنخر عمق المجتمع، و من تقاليد بالية تعيث بها فساداً فيحصحص الحق و يعود الدور فينا إلي اصالته.

“و المؤمنون و المؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يقيمون الصلا‌ة و يؤتون الزكاة و يطيعون الله و رسوله اولئک يرحمهم الله ان الله عزيز حكيم” (سورة التوبة الآية 71). “ان المسلمين و المسلمات و المؤمنين و المؤمنات و القانتين و القانتات و الصادقين و الصادقات و الصابرين و الصابرات و الخاشعين و الخاشعات و المتصدقين و المتصدقات و الصائمين و الصائمات و الحافظين فروجهم و الحافظات و الذاكرين الله كثيرا و الذاكرات اعد الله لهم مغفرة و اجرا عظيما” (الا‌حزاب الآية 35).

ان مواجهة التحدى يجب ان تكون علي المستوي الشمولى العام، لانه يستهدف الا‌مة من خلا‌ل المرأة كما قلنا. فلا‌يمكن ترک المرأة المسلمة لوحدها بل يجب ان يعضدها اخوانها، و علي المؤسسات الرسمية ان تتنبه لذلک و أن تأخذ دورها فى المواجهة لا‌ن إسقاط المرأة من الداخل يعنى اسقاط المجتمع و الدولة.

ان المواجهة الفعالة لتحديات العولمة هى فى التشديد علي الا‌نتماء. فالمرأة العادية لا‌تستطيع ان تواجه، بل سيجرفها التيار. اما المرأة المنتمية و التى تستمد قوتها من بعدها الا‌يمانى فهى اقدر علي المواجهة، و طالما ان هذه المواجهة تتجه إلي الجانب الفكرى لتبيضه (علي شكل تبييض الا‌موال) فان مقوّمات المواجهة تستوجب شحذ الفكر و اعمال العقل و المزيد من العلم و التعلم، لا‌ن المرأة المتعلمة العاملة اقدر علي المواجهة الفكرية و علي الا‌مساک بزمام اسرتها و تدريبها علي الثبات و تحريضها علي المواجهة. و لا‌ننسي الدور الكبير للجمعيات و الروابط النسائية الفاعلة التى تخوض تجارب منفردة حينا و مجتمعة حينا آخر.

و الخطب الذى يطال المرأة جلل، و لكن كلما اقتربت المرأة من حقيقة الاسلا‌م تجلت فيها الشخصية الفذة المستعصية علي الكفر و الفسوق و الفجور. و كم شهد تاريخنا الا‌سلا‌مى من نساء بقين ثابتات علي الحق رغم ما تعرضن له من عذاب و تنكيل. و حرى بنا أن نواجه و نسير علي خطي نساء أهل البيت و الصحابيات الجليلا‌ت.

تربية المرأة

أول الاسباب التى تحتاجها المرأة فى مسيرة حفاظها علي هويتها و هوية امتها، التربية بكل أبعادها.

فالتربية هى التى تنشئ القيم و تصوغ العقل و تبنى الفكر و هى معاناة و جهد، لانها لا‌تتحقق و لا‌تتأتي إلا نتيجة صراع مستمر بين دعاة الرحمن و دعاة الشيطان

علينا بتربية المرأة المسلمة من خلا‌ل القرآن و السنة و معرفة علوم العصر و واقعه، كما علينا تربيتها علي مستوي الوعى السياسى و الا‌قتصادى و الثقافى لتعيش عصرها و تعرف كيف تتحرک فيه. كما علينا تربيتها بدنياً و نفسياً و عقلياً و روحياً من اصول ثابتة لا‌تخضع لتغريب او انحراف.

فبالتربية نهيئ استعدادات المرأة للمقاومة مقاومة الزحف الهادر للعولمة التى تريد تدمير الضعفاء كما نشحن الا‌ستعداد للتحدى و نحيى فيها روح الا‌نتماء و نضعها علي طريق الا‌نبياء و المرسلين. بالتربية نهيئ المرأة لعملية التغيير و الحفاظ علي هويتها بدءاً من ذاتها و داخلها.

إن الدور الحضارى للمرأة المسلمة وفق آيات الله يمتد علي كافة حقول الحياة الا‌قتصادية و العلمية و السياسية و الجهادية فضلا‌ً عن دورها الاصيل فى إنشاء الجيل المسلم كزوجة و ام.

فهى العماد الاساس فى عملية التربية و بناء الا‌سرة. و هى القدوة و المثال لجيل تبنيه بجهدها و سهرها و بذاتها التى تقدمها قرباناً من أجل أن تري فلذات كبدها أو أبنائها فى التربية أو حتي طلا‌بها محلقين فى مستقبلهم و غدهم من أجل أن تصنع منهم من تفخر بهم و من تميزهم بين الناس علماً و خلقاً و سلوكاً.

و تربيتها للا‌جيال بالممارسة أهم من تربيتها لهم بالتلقين، و هذا مرهون و لا‌شک بالمستوي التربوى الذى تتميز به تلک الا‌م و تلک المربية، و الخوف كل الخوف أن تكون من القاصرين فى عملية الا‌داء التربوى فينتج عنها تربية خاطئة لان فاقد الشىء لا‌يعطيه.

فالمعركة مستمرة بين ادعياء الحق و ادعياء الباطل، قد تمر علينا جولا‌ت نخسرها، و لكن فى نهاية المعركة سينتصر الاسلا‌م بنا أو بغيرنا. و شرفنا الكبير و أملنا العظيم أن ينتصر بنا والله غالب علي أمره و لكن أكثر الناس لا‌يعلمون.

المصدر: شبكة الامامين الحسنين (ع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky