الإمام-الرضا

المأمون ومحنة الرضا (عليه السلام) بولاية العهد / المحقق عادل عبد الرحمن البدري

الاجتهاد: لقي الرضا (عليه السلام) في عصره من الغموم و الهموم التي كانت تلاحقه وتحصره و تؤذي قلبه، فشحنته بالآلام و الأحزان التي ما انفكّت تلازمه في كل موقف ومشهد يواجهه مع دولة بني العباس، وأصعب موقف عرض له (عليه السلام) هو مطالبة المأمون له بأن يكون وليّ عهده والقائم بأمر الدولة في حياته ومن بعده موته.

و هنا حصلت بلية له (عليه السلام) من جهتين:

الجهة الأولى: هي السلطة العبّاسيّة و أتباعها،

والجهة الثانية: هي جهّال أصحابه وشیعته إضافة إلى جهل الأمة ورجالها الذين لم يفهموا صعوبة الموقف الذي ابتلي به الإمام الرضا (عليه السلام)، ولم يكونوا يفهمون رؤية الرضا (عليه السلام) للأمور و موازنته للأحداث التي كان يوازن بها الأمور التي ابتلي بها.

فلم تكن تناسب سیاسته (عليه السلام) إدراك أفراد الأمة ووعيهم السياسي للأحداث، و حتى الأصحاب و الأتباع لم تكن لهم المعرفة والدراية الكافية لكي يتفهّموا هذا القرار الصعب الذي أجبر عليه الرضا(عليه السلام) في التعامل مع السلطة العباسية،

فالرضا (عليه السلام) يضع نصب عينيه أحادیث وسيرة آبائه المعصومين (عليهم السلام) في التعامل مع الحكام الظلمة، فلم یکن یأذن لأصحابه وأتباعه أن يضعوا أيديهم بأيدي الطغاة والجبابرة حتى أنّ الحسن بن الحسن الأنباري قال: كتبت اليه – أي الرضا (عليه السلام)- أربع عشرة سنة أستأذنه في عمل السلطان، فلما كان في آخر كتاب كتبته إليه أذكر: أنّي أخاف على خبط عنقي، وأنّ السلطان يقول لي: إنّك رافضيّ ولسنا نشكّ في أنك تركت العمل للسلطان للرفض.

فكتب إلى أبو الحسن (عليه السلام): قد فهمت كتابك وما ذكرت من الخوف على نفسك، فإن كنت تعلم أنّك إذا ولّيت عملت في عملك بما أمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم تصيّر أعوانك و كتّابك أهل ملّتك، فإذا صار إليك شيء واسیت به فقراء المؤمنين حتّى تكون واحداً منهم، كان ذا بذا و إلا فلا (1).

فالرضا (عليه السلام) كان يمارس كفاحاً سلبيّاً لردع الطغاة و إيقافهم عند حدودهم، و هذا الأسلوب يسمى في العصر الحديث بالعصيان المدني الذي تمارسه الجماعة المعارضة في البلدان المتقدمة.

والعصيان المدني: هو الابتعاد عن الإدارة الحكومية و تركها لوحدها تواجه مصيرها. و كان أصحابه و أتباعه (عليه السلام) يتناقلون مواقفه و أحاديثه في هذا الأمر، إلا أن الرضا (عليه السلام) قد ابتلي بولاية مفروضة عليه حينما أجبره المأمون على أن يكون وليّ عهده و القائم بأمره و أمر الدولة في حياة المأمون و بعد وفاته.

و قد أخبر الريّان عنه (عليه السلام) ذلك الأمر بقوله : قلت: یا بن رسول الله، إن الناس يقولون: إنك قبلت ولاية العهد مع إظهارك الزهد في الدنيا؟ فقال (عليه السلام) : قد علم الله کراهتي لذلك، فلما خيّرت بین قبول ذلك، و بين القتل، اخترت القبول على القتل.

ويحهم أما علموا أن يوسف (عليه السلام) كان نبيّاً رسولًا، فلما دفعته الضرورة إلى تولّي خزائن العزيز، قال له: قالَ اجْعَلْنِي عَلى‌ خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ. (2)، ودفعتني الضرورة إلى قبول ذلك على إكراه و إجبار بعد الإشراف على الهلاك، على أنّي ما دخلت في هذا الأمر إلا دخول خارج منه، فإلى الله المشتکی، و هو المستعان.(3).

كيف تعامل الإمام الرضا (ع) مع السّلطة؟! .. السيّد علي فضل الله

وقد قبل الرضا (عليه السلام) ولاية العهد للمأمون بعد أن تهدّده بالقتل و ألحّ عليه مرة بعد أُخرى، في كلّها یأبی عليه حتى أشرف من تأبّيه على الهلاك. فقال  (عليه السلام): اللهم إنك قد نهيتني عن الإلقاء بيدي إلى التهلكة، وقد أشرفت من قبل عبد الله المأمون على القتل متى لا أقبل ولاية عهده، و قد أُكرهت و اضطررت كما اضطرّ يوسف و دانیال (عليهما السلام).

إذ قبل كل واحد منهما الولاية من طاغية زمانه، اللهم لا عهد إلا عهدك، ولا ولاية إلا من قبلك، فوفّقني لإقامة دينك، و إحياء سنة نبيك، فإنك أنت المولى والنصير ونعم المولى أنت و نعم النصير.

ثم قبل بعد ذلك ولاية العهد من المأمون و هو باكٍ حزين على أن لا يولّي أحداً، و لا يعزل أحداً، و لا يغيّر رسماً و لا سنّة، و أن يكون في الأمر مشيراً من بعيد، فأخذ المأمون له البيعة على الناس الخاصّ منهم و العامّ (4).

و يتحدث الريّان بن الصلت عن هذه البيعة بالقول: «أكثر الناس في بيعة الرضا (عليه السلام) من القوّاد و العامّة، و من لايحبّ ذلك فقالوا: إنّ هذا من تدبير الفضل بن سهل ذي الرئاستين، فبلغ المأمون ذلك فبعث إليّ في جوف الليل فصرت إليه فقال: یا ریّان، بلغني أنّ الناس يقولون: إن بيعة الرضا (عليه السلام) كانت من تدبير الفضل بن سهل، فقلت : يا أمير المؤمنين، يقولون هذا، قال: ويحك يا ريّان، أيجسر أحد أن يجيء إلى خليفة قد استقامت له الرعيّة و القوّاد، و استوت له الخلافة فيقول له: ادفع الخلافة من يدك إلى غيرك؟ أيجوز هذا في العقل؟!

قلت له : لا والله، يا أمير المؤمنين ما يجسر على هذا أحد، قال : لا، والله، ما كان كما يقولون، ولكن سأُخبرك بسبب ذلك: أنه لمّا كتب إليّ محمد أخي يأمرني بالقدوم عليه فأبيت عليه، عقد لعليّ بن عیسی بن ماهان وأمره أن يقيّدني بقيد و يجعل الجامعة في عنقي فورد عليّ بذلك الخبر، وبعثت هرثمة بن أعين إلى سجستان وکرمان و ما والاهما فأفسد عليّ أمري، و انهزم هرثمة و خرج صاحب السرير و غلب على كور خراسان من ناحيته، فورد عليّ هذا كله في أسبوع.

فلما ورد عليّ ذلك لم يكن لي قوة بذلك، و لا كان لي مال أتقوّى به، و رأيت من قوّادي و رجالي الفشل و الجبن فأردت أن ألحق بملك کابل، فقلت في نفسي: ملك کابلٍ رجل كافر و يبذل محمّد له الأموال فيدفعني إلى يده، فلم أجد وجهاً أفضل من أن أتوب إلى الله عز وجل من ذنوبي، و أستعين به على هذه الأمور، و أستجير بالله عزوجل فأمرت بهذا البيت – و أشار إلى بيت تکنس – و صببت عليّ الماء، و لبست ثوبين أبيضين و صلّيت أربع رکعات قرأت فيها من القرآن ما حضرني، و دعوت الله عزوجل واستجرت به، و عاهدته عهداً وثيقاً بنيّة صادقة: إن أفضى الله بهذا الأمر إليّ و كفاني عاديته، و هذه الأمور الغليظة، أن أضع هذا الأمر في موضعه الذي وضعه الله عز وجل فيه.

ثم قوي فيه قلبي فبعثت طاهراً إلى علي بن عیسی بن ماهان فكان من أمره ما كان، و رددت هرثمة إلى رافع بن أعين فظفر به و قتله، و بعثت إلى صاحب السرير فهادنته وبذلت له شيئا حتى رجع، فلم يزل أمري يقوي حتى كان من أمر محمد ما كان، و أفضى الله إليّ بهذا الأمر و استوى لي، فلمّا وافى الله عز وجل لى بما عاهدته عليه أحببت أن أفي لله تعالى ما عاهدته، فلم أر أحدا أحق بهذا الأمر من أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فوضعتها فيه فلم يقبلها إلّا على ما قد علمت، فهذا كان سببها» (5)

و جاء في خبر أبي الصلت الهروي: «بأن المأمون قال للرضا (عليه السلام): يا بن رسول الله، قد عرفت فضلك و علمك و زهدك و ورعك و عبادتك، و أراك أحق بالخلافة مني، فقال الرضا (عليه السلام): العبودية لله عز وجل، و أفتخر بالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شرّ الدنيا، و بالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم، و بالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند الله.

فقال المأمون: إني قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة وأجعلها لك و أبايعك. فقال الرضا (عليه السلام): إن كانت هذه الخلافة جعلها الله لك فلا يجوز لك أن تخلع لباساً ألبسکه الله و تجعله لغيرك، و إن كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك، فقال المأمون : لا بد من قبول هذا الأمر، فقال الرضا (عليه السلام): الست أفعل طائعاً أبداً.

فمازال يجهد به أيامًا حتى يئس من قبوله، فقال المأمون له: فإن لم تقبل الخلافة ولم تحبّ مبايعتي فكن لي وليّ عهدي لتكون لك الخلافة من بعدي، فقال الرضا(عليه السلام): و الله لقد حدّثني أبي عن آبائه عن أمير المؤمنین (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): أني أخرج من الدنيا قبلك مقتولًا بالسمّ مظلوماً تبكي علىّ ملائكة السماء و ملائكة الأرض، و أُدفن في أرض غربة إلى جنب هارون الرشيد، فبكى المأمون ثم قال له : يا بن رسول الله، و من الذي يقتلك أو يقدر على الإساءة إليك و أنا حيّ؟ فقال الرضا(عليه السلام): أما إنّي لو أشاء أن أقول: من الذي يقتلني لقلت، فقال المأمون: يا بن رسول الله، إنما تريد بقولك هذا التخفيف عن نفسك، و دفع هذا الأمر عنك، ليقول الناس: إنك زاهد في الدنيا. فقال الرضا (عليه السلام): و الله ما كذبت منذ خلقني ربي عز وجل، و ما زهدت في الدنيا للدنيا، و إني لأعلم ما تريد، فقال المأمون : وما أريد؟ قال (عليه السلام): الأمان على الصدق.

قال المأمون : لك الأمان، قال : تريد بذلك أن يقول الناس: إنّ علي بن موسى لم يزهد في الدنيا، بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعاً في الخلافة، فغضب المأمون ثم قال : إنك تتلقّاني أبداً بما أكرهه، و قد أمنت سطوتي، فبالله أقسم لئن قبلت ولاية العهد و إلا أجبرتك على ذلك، فإن فعلت و إلا ضربت عنقك.

فقال الرضا (عليه السلام): قد نهاني الله عز وجل أن ألقي بيدي إلى التهلكة، فإن كان الأمر على هذا، فافعل ما بدا لك، و أنا أقبل ذلك، على أنّي لا أُولّي أحداً و لا أعزل أحداً، ولا أنقض رسماً ولا سنّة، و أكون في الأمر من بعيد مشيراً. فرضي منه بذلك، و جعله ولي عهده كراهة منه (عليه السلام) لذلك» (6).

وهكذا كانت ولاية عهد الرضا (عليه السلام) بالتهديد و الإكراه، إلا أنه (عليه السلام) كان يعرف أن أوزار السلطة العبّاسية ثقيلة، و أنّ الأساس الذي بنيت عليه، سواء في تقاليد الدولة العباسية أو رسوماتها السياسية، أم في اختيارها الرجالات الدولة، كان أساساً غير صحيح ولا يستند على ضوابط شرعيّة، لذا آثر الإمام الرضا (عليه السلام) أن يكون مشيرا لهم عن بعد، وعلى قدر الضرورة التي تتطلّبها مصالح المسلمين، لأنه (عليه السلام) يعرف أن البناء السياسي والأساسي لهم على مدى سنين الحكم و إدارة شؤون الدولة كان قائماً على باطل.

و كان الرضا (عليه السلام) يعلم بأنّ المأمون يخادع الأمة و يناور من أجل كسب الوقت لتعزيز سلطته. و يرى بعض الباحثين بأنّ المأمون كان يهدف من هذه الولاية إلى:

١- نزع سلاح المعارضة من يد الإمام الرضا (عليه السلام)، و من يد العلويين باعتبار أن سيّدهم هو ولي العهد، و أن يكون الإمام الرضا (عليه السلام) دائما إلى جانبه تحت المراقبة.

۲- إسقاط الصورة المثالية الموجودة لدى الناس عن أهل البيت (عليهم السلام)، و إقناع الناس أن أهل البيت (عليهم السلام) إنما يزهدون في الدنيا، لأنهم لم يحصلوا عليها، أما إذا حصلوا عليها فإنهم يقبضون عليها، و أيضا إشعار الناس أن الأوضاع بقيت فاسدة، مع أن الإمام الرضا (عليه السلام) و هو كبير البيت العلوي في سدة الحكم.

٣- الاستقواء بالإمام الرضا (عليه السلام) داخلياً، ذلك أن المأمون كان يعيش في دائرة ضعف في بداية الأمر، و ذلك أنه كان ابن أمة فارسية، و كان صغير السنّ، و قد قتل أخاه لتوّه فكان يحتاج إلى ظهر يستند إليه، ولم يكن هناك خير من الإمام الرضا (عليه السلام) (7).

كل هذه العوامل و غيرها من العوامل التي كانت تزدحم في ذهن المأمون جعلته يتشبّث و يعوّل على هذه الولاية الصوريّة التي كان يعتبرها ملاذه الأخير وخلاصه من الشدائد التي كانت تعصف بالدولة العباسية و به شخصيّا.

و هذه الملابسات والظروف التي اكتنفت أمر البيعة و الولاية حققت بعض الأثر الإيجابي للشيعة، لأن دوافع المأمون غير النزيهة لم تخف على الإمام الرضا (عليه السلام)، كما لم تخف عليه متطلّبات الظرف الذي كان يعيشه صلوات الله عليه، و قد اُكره على قبول ولاية العهد، ولكنه فوّت الفرص الذهبية التي كان يطمع المأمون بتحقيقها من خلال إكراهه على قبول ولاية العهد، فاغتنم الإمام الرضا (عليه السلام) هذا الظرف الذهبي الذي جاءت به ولاية العهد على الوجه الأكمل، بهدف نشر معالم الإسلام الحق و تثبيت دعائم أطروحة أهل البيت (عليه السلام) متحدّياً كل الخطوط الفكرية و المذهبية المنحرفة آنذاك (8).

و ذهب الشيخ محمد باقر المجلسي في تحليل قوله (عليه السلام) لمحمد بن عرفة، حين سأله عن سبب قبوله (عليه السلام) ولاية العهد حين قال للرضا (عليه السلام): ما حملك على الدخول في ولاية العهد؟ فقال الرضا (عليه السلام): ما حمل جدّي أمير المؤمنين (عليه السلام) على الدخول في الشوری – إلى القول – : لئلا ييأس الناس من خلافتنا، و يعلموا بإقرار المخالف أن لنا في هذا الأمر نصيباً.

و يحتمل أن يكون التشبيه في أصل الاشتمال على المصالح الخفيّة، (9)

منها: إظهار علم من أعلام الإمامة في الحياة السياسية و العامة للمسلمين، لأن الأئمة المعصومین (عليهم السلام) كانوا مبعدين عن الأمة، و عاشوا في ظل الحياة السياسية منسيّين، و لم تتح الفرصة الكافية للأمة من الاحتكاك المباشر بهم و بالتالي تكتسب الأمة من فيض علومهم و هداهم، فكانت الأمّة لا تعرف عن قادتها الحقيقيين،

و هنا تجربة جديدة أتاحت فيها الظروف في أن تنهل الأمة من علم من أعلام النبوة، لأنّ أجهزة الدولة العباسية كانت مجبرة للإعلان عن شخصية ولي العهد و التعريف بخصائصه، فلا يمكنها من تغييب معالم شخصية كبيرة و ذات خطر حسب اعتقادهم عن ذهن المسلمين، فلذلك وقفت جموع المسلمين و غيرهم على صورة الإمام المعصوم و معالم شخصيته العظيمة بشكل علني و مباشر، وكما ظهرت في المجالس و الاحتجاجات (10) وبعض المناظرات التي كانت تعقدها الحكومة العباسية، و التي كانت في ظاهرها التعريف بشخص الرضا (عليه السلام)،

و في الحقيقة أن الهدف كان الإيقاع بالإمام و التهوین به، فظهرت مقدرة الرضا (عليه السلام) و علميّته الفائقة و سعة اطلاعه، و بالنتيجة تعززت و برزت شخصية الرضا (عليه السلام) وارث النبوة و كإمام معصوم و حجة فرضته الشريعة على العباد في الأرض.

وقد أتاح المأمون من حيث لا يشعر فرصة ذهبية لظهور علم الإمام (عليه السلام) وبروزه إلى الساحة الاجتماعية وتحدّيه لكلّ العلماء الذين جمعهم لتضعيف الإمام (عليه السلام) وتسقيطه من خلال المواجهة العلمية التي جمع من أجلها علماء الفرق والأديان (11).

وهذه المناظرات واللقاءات التي عقدت هيّأت وضعًا ومناخًا مساعداً للثقافة والعقائد الشيعية، والتي لولاها ما كانت تظهر الثقافة والعقائد الإمامية إلا في هذه اللقاءات والمناقشات التي كانت تحتدم بين الرضا (عليه السلام) وأصحاب الأديان والأفكار والفلسفات المختلفة و المتباينة.

وكان من أثر هذا الوضع أن انتشرت علوم الأئمة (عليه السلام) وأخبارهم في جميع ممالك المسلمين، وتمكّن علماء أهل السنة والجماعة من رواية حدیثهم وفضائلهم من مصدر من مصادرهم و هو الإمام الرضا (عليه السلام)، وبذلك ساعد هذا الوضع والمناخ الجديد على دخول أحاديث وأخبار الشيعة في كتب أهل السنة والجماعة، ومن ثم تحقق إنجاز علمي وثقافي كبير، لأن فترة التسلط الأموي والعباسي أبعدت الثقافة الشيعية وعلماءهم من المجتمع الإسلامي ولم تأذن لعامة العلماء والمحدثین من رواية حديثهم و أخبارهم قبل ذلك.

وقد أكد الأستاذ علي حسين رستم في بحث التقية عند أهل السنة، تقنية الحسن البصري في روايته عن علي (عليه السلام)، إذ روى حديث علي (عليه السلام) ولكنه لم يسنده إليه بل رفعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) تقيّة من ظلم الأمويين (12).

وكان الحسن البصري إذا أراد أن يحدّث في زمن بني أُمية عن علي (عليه السلام) قال: قال أبو زينب؛ تقيّة منهم (13).

ومن هذا قال محمد بن الحسن بن أبي خالد شینولة لأبي جعفر الثاني محمد الجواد ( عليه وعلى آبائه التحية والسلام): «إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام)، وكانت التقنية شديدة فكتموا كتبهم فلم ترو عنهم، فلمّا ماتوا صارت الكتب إلينا، فقال الجواد (عليه السلام): حدثوا بها فإنها حقّ»(14).

فهنا نلحظ الخشية والخوف من انتشار أخبارهم و أحاديثهم (عليهم السلام) مدة ليست بالقصيرة.

وقد أشار الرضا (عليه السلام) إلى هذا الوضع بقوله (عليه السلام): «الحمد لله الذي حفظ منّا ما ضيّع الناس ورفع منّا ما وضعوه، حتى لقد لعنّا على منابر الكفر ثمانين عاماً، وكتمت فضائلنا، وبذلت الأموال في الكذب علينا، والله تعالى يأبى لنا إلا أن يعلي ذكرنا، ويبيّن فضلنا، والله ما هذا بنا، وإنّما هو برسول الله (صلى الله عليه وآله) وقرابتنا منه، حتى صار أمرنا وما نروي عنه أنه سيكون بعدنا من أعظم آياته و دلالات نبوته»(15).

 

الهوامش

1- الفروع من الكافي ۱۱۱:5 ، ح 4
2- يوسف : 55.
3- عيون أخبار الرضا ۲: ۱۲۹: بحار الأنوار 49: ۱۳۰.
4- بحار الأنوار ۱۳۱:49؛ عيون أخبار الرضا ۱: ۱۹.
5- عيون أخبار الرضا ۲: ۱۵۱؛ بحار الأنوار 49: ۱۳۷.
6- علل الشرائع للصدوق ص ۲۳۷ باب ۱۷۳.
7- محمد فوزي، رجال حول أهل البيت ۲: ۱۷۲.
8- أعلام الهداية: الإمام علي بن موسى الرضا ، المجمع العالمي لأهل البيت قم ص ۱۸.
9- بحار الأنوار 49 : 160.
10- ينظر تفاصيل هذه الاحتجاجات و المجالس في بحار الأنوار ۱۰: ۲۹۹ – ۳۵۱.
11- أعلام الهداية، الامام علي بن موسي الرضا المجمع العالمي لأهل البيت قم ، ص 236.
12- ثامر هاشم العميدي، واقع التقيّة عند المذاهب و الفرق الإسلامية من غير الشيعة الإمامية ص 143.
12- بحار الأنوار 46:4۲
13- نفس المصدر ۲: 167.
14- عيون أخبار الرضا ۲: 164 ح 26.

 

المصدر: كتاب الإمام الرضا عليه السلام، بين نصوص الرسالة وسلطة الرأي والقبيلة / للمؤلف: عادل عبد الرحمن البدري

تحميل الكتاب

الإمام الرضا عليه السلام، بين نصوص الرسالة وسلطة الرأي والقبيلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky