الفقه والدفاع عن الأمة: رؤى حوزوية حول 'المحارب' وحفظ كيان المسلمين

الفقه والدفاع عن الأمة: رؤى حوزوية حول ‘المحارب’ وحفظ كيان المسلمين

خاص الاجتهاد:  أمام التهديدات التي تستهدف قائد الثورة الإسلامية المعظم، إن إعادة قراءة الفقه السياسي الشيعي بشكل علمي، ليس فقط حاجة إستراتيجية، بل هو تكليف ديني وعقلاني وحضاري؛ فقهٌ يستطيع، مدعومًا بالعقل والنص والتجارب التاريخية، أن يوفر إجابات منضبطة تجاه أي مساس بمقام ولي أمر المسلمين.

وأكد أساتذة الحوزة في تحليلاتهم، مع تحذيرهم من محاولات التسطيح لمكانة القيادة في الحرب الإدراكية، على ضرورة تطوير الأدبيات الفقهية، والاستفادة من القدرات القانونية الدولية، والتضافر بين المذاهب، ودخول مؤسسة الفقاهة بذكاء إلى مجالات الإعلام والأمن والعلاقات العالمية.

ويعتقدون أن الدفاع عن رأس النظام ليس مسؤولية الأجهزة الأمنية فحسب، بل هو شأن فقهي وجماهيري، وبدون إعادة تنظيم موقع الفقه في مجال العمل العام والسياسي، لا يمكن أن نتوقع استعادة الفتاوى لتأثيرها التاريخي.

حسب تقرير “الاجتهاد”، انعقد الملتقى العلمي التخصصي “قدرات الفقه في الدفاع عن ولي أمر المسلمين والمجتمع الإسلامي” بحضور نخبة من أساتذة الحوزة والجامعة والباحثين في العلوم الإسلامية، وذلك في قاعة الشهيد بهشتي بجامعة باقر العلوم (عليه السلام). خلال هذا الملتقى، استعرض الأساتذة حسن علي أكبريان، سعيد ضيائي فر، ذبيح الله نعيميان، إبراهيم موسى زاده، قاسم شبان نيا، علي محمدي، السيد إحسان رفيعي علوي، محمد جواد أرسطا، السيد سجاد إيزدهي، محمود حكمت نيا، ورضا إسلامي، الدور الذي لا غنى عنه للفقه الشيعي في صون الحكم الإسلامي والتصدي للتحديات العالمية.

وقام الأساتذة في هذا الملتقى بتوضيح الأبعاد الفقهية والقانونية والحضارية للدفاع عن ولاية الفقيه، مشددين على حتمية إعادة النظر في إمكانيات الفقه الشيعي في مواجهة التهديدات العالمية والحروب الهجينة، كما لفتوا الانتباه إلى فتاوى المراجع العظام بوصفها دعامة راسخة لحفظ هوية الأمة الإسلامية وقوتها

* صرح الأستاذ حسنعلي أكبريان، في إعادة قراءة لفتاوى المراجع العظام، بأن التهديد الموجه ضد قائد الثورة يندرج ضمن المحاربة، ويُعتبر عملًا يمسّ هوية الأمة الإسلامية.

* أشار الأستاذ ضيائي فر إلى ضرورة العقلانية في الفقه عند مواجهة القضايا العالمية، وإلى الاعتماد على الحجة العقلية للإقناع على الصعيد الدولي.

* بيّن الأستاذ ذبيح الله نعيميان أن الدفاع عن ولي الأمر ليس مجرد منفعة، بل هو عين المنفعة وضرورة لحفظ المجتمع الإسلامي.

* أكد الأستاذ إبراهيم موسى زاده على منهجية الفقه في دعم الولاية، واصفًا إياها بالركن الأساسي للمجتمع الإسلامي.

* حلّل الأستاذ قاسم شبان نيا التهديدات الموجهة للقيادة في سياق الحرب المختلطة ومواجهة نظام الهيمنة، وشدد على أهمية العمل الوقائي.

* اعتبر الأستاذ سيد إحسان رفيعي علوي أن الفقه الشيعي يمتلك القدرة على التفاعل الذكي مع القانون الدولي، ودعا إلى مواءمة الخطاب الديني مع المجتمع.

* قدم الأستاذ محمد جواد أرستا، من منظور حضاري، توليد العلم الديني وإحياء التراث الفكري الإسلامي كاستراتيجية لمجابهة نظام الهيمنة.

* اعتبر الأستاذ محمود حكمت نيا حصانة ولي الفقيه ركنًا قانونيًا وفقهيًا، ووصف التهديد ضده بأنه تهديد لقلب الأمة الإسلامية.

* أشار الأستاذ رضا إسلامي، مستندًا إلى الدلائل الفقهية، إلى أن الدفاع عن القيادة واجب شرعي وعام.

* يرى الأستاذ سيد سجاد إيزدهي أنه إذا وصل التهديد إلى مرحلة التنفيذ العملي، فيجب تأمين المجتمع وقيادته بأساليب ردعية وحتى إجراءات حاسمة ذات طبيعة استباقية.

* يؤكد الأستاذ أحمد رهدار أيضًا على وجوب تهيئة البيئات الاجتماعية والإعلامية والثقافية والدولية لتحقيق الفتوى الدينية والامتثال لها.

قدم هذا المؤتمر الفقه الشيعي كمرتكز قوي للحفاظ على كيان الإسلام وعزّة الأمة الإسلامية في مواجهة التحديات المستجدة. وما يُعرض عليكم هو أجزاء من عروض الأساتذة المشاركين في هذا المؤتمر.

مراجعة أدبيات الفقهاء بشأن جريمة المحاربة

قام حجة الإسلام والمسلمين حسن علي أكبريان بدراسة متأنية لبيانات آية الله العظمى مكارم الشيرازي وآية الله العظمى نوري الهمداني، وخلص إلى أن هذه البيانات ليست مجرد فتاوى، بل هي أحكام مبنية على الفتاوى. ويؤكد هذا الاستنتاج على طابعها العملي والمصداقي، ولذلك فإنها حكم.

فيما يتعلق بمسألة ما إذا كان للمراجع العظام الحق في إصدار أحكام، أوضح أكبريان أنه في حال كون ولاية الفقيه في المجتمع بالفعل، فإن هذه الولاية تمنع فعلية ولايات الآخرين. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بقضايا حضارية أوسع، فإن الفقهاء الآخرين لديهم أيضًا “بسط يد” وصلاحية موسعة. وتنتمي المسألة التي تناولها آية الله مكارم الشيرازي وآية الله نوري الهمداني إلى هذا الباب.

وأضاف أستاذ الحوزة العلمية أنه عندما تكون حياة القائد (الذي يتمتع بالولاية المطلقة) في خطر، فإن أيدي الآخرين لا تكون مكتوفة عن الدفاع. لا يوجد تزاحم هنا، لأن المسألة تتعلق بالدفاع، وهذا أمر عقلائي.

وأشار أكبريان إلى أن ترامب أصدر تهديدًا ضمنيًا بينما أصدر الكيان الصهيوني الغاصب تهديدًا مباشرًا. لفت الانتباه إلى أن آية الله مكارم الشيرازي في بيانه الأولي استخدم عبارة “كل شخص أو نظام”، وهو استخدام دقيق للغاية. هذا التعبير يشمل “المحارب” كفرد حقيقي وكيان اعتباري، ويعد استخدام “المحارب” لكيان اعتباري أدبًا جديدًا في الفقه.

واستطرد حجة الإسلام والمسلمين أكبريان موضحًا أن آية الله مكارم الشيرازي تابع قائلاً: من يهدد القيادة والمرجعية أو (لا سمح الله) يعتدي عليها بهدف الإضرار بالأمة الإسلامية وحاكميتها، فإنه يحكم عليه بالمحارب.” وأشار أكبريان إلى أن هذا التعريف لم يستخدم مصطلحي “تجرید سلاح” و”إخافة المؤمنين” المستخدمين عادة في تعريف المحارب. بدلاً من ذلك، استخدم آية الله العظمى مكارم عبارة “الضرر بالحاكمية الإسلامية”، مما أوجد أدبًا حضاريًا جديدًا.

وأشار أكبريان إلى أن آية الله مكارم الشيرازي استخدم مصطلحي “المرجعية” و”القيادة” بشكل منفصل. وتساءل: هل تهديد المرجعية، دون تهديد القيادة، يستتبع هذا الحكم؟ وأجاب أن هذا لم يكن بقصد إنشاء عنوانين منفصلين، بل كان للتأكيد على مرجعية آية الله الخامنئي. وهذا يخرج هذا التحرك عن كونه مجرد فعل حكومي. فالحكومات ملتزمة بمعاهدات تمنعها من تهديد الرؤساء، لكن عندما يُذكر مصطلح “المرجعية”، فإن الأمر يخرج عن نطاق الحكومات ويصبح حركة شعبية.

وشدد أستاذ الحوزة العلمية في قم على أن مصطلح “في حكم المحارب” يستخدم بكثرة في الأدبيات الفقهية. على سبيل المثال، يُقال عن السارق إنه “في حكم المحارب” على الرغم من أنه لا يقوم بـ “إخافة المؤمنين” أو “تجرید سلاح”. ولكن نظرًا لاستخدام هذا التعبير في الروايات، يستخدمه الفقهاء أيضًا. وأضاف أنه مع الأخذ في الاعتبار أن الكيان الصهيوني قد نفذ 12 يومًا من القصف، فإن “تجرید سلاح” ينطبق هنا، وكذلك “إخافة المؤمنين” عندما تكون النية قتل قائد المجتمع.

وأوضح أكبريان أن بعض الفقهاء ذكروا أن مصطلح “المحارب” ينطبق على “دار الإسلام”، بينما يُعتبر من هم خارج “دار الإسلام” “كافرًا حربيًا”، وبالتالي فإن “المحارب” مصطلح خاص بـ “دار الإسلام”. كما أضاف أنه في “تجرید سلاح” لإخافة المؤمنين، إذا لم يكن الشخص “من أهله” (أي ليس لديه القدرة على التنفيذ الفعلي)، فإنه لا يُعتبر محاربًا. ومع ذلك، فإن الكيان الصهيوني هو “إرهاب دولة” كبير.

واختتم أستاذ الحوزة العلمية قائلاً إن آية الله مكارم الشيرازي ذكر في بيانه: “يحرم أي تعاون أو تقوية له من قبل المسلمين أو الحكومات الإسلامية.” في المقابل، ذكر آية الله نوري الهمداني: “كل من يساعد في هذه الجريمة يقع تحت نفس الحكم.” في بيان آية الله مكارم الشيرازي، استخدم مصطلح “حرام” للمعين والمساعد للمحارب، وفي هذه الحالة يُعزر من باب الفعل الحرام. أما في بيان آية الله نوري الهمداني، فقد ذكر أن له “نفس الحكم”، وهذا يشير إلى تشديد العقوبة، لأن جوهر المسألة هو “حكم” وليس “فتوى”، وبما أنه حكم، فقد تم تشديد عقوبة المعين.

وأوضح حجة الإسلام أكبريان أن آية الله مكارم الشيرازي أضاف في بيانه: “من الضروري لعموم المسلمين في جميع أنحاء العالم أن يجعلوا هؤلاء الأعداء يندمون على أقوالهم وأخطائهم.” تُشير هذه العبارة إلى رؤية حضارية أوسع. أما بالنسبة لعبارة “وإن تحملوا مشقة أو خسارة، فلهم أجر المجاهد في سبيل الله”، فهي مستمدة من الروايات الشريفة.

وتابع أكبريان قائلًا إن آية الله نوري الهمداني قد صرح بأن: “إهانة مقام مرجعية الشيعة وشخص آية الله الخامنئي ‘دامت بركاته’ تُعتبر إهانة لأصل الإسلام.” وأوضح أن هذه العبارة أتت بسبب ظرف خارجي محدد، إذ أن إهانة المرجعية والقيادة بشكل عام لا تُعد إهانة للإسلام. ولكن بالنظر إلى أن هوية الإسلام والعالم الإسلامي في الواقع متقومة بآية الله الخامنئي، فقد صدر هذا الحكم.

وأشار أستاذ الحوزة إلى أن مراجع التقليد العظام استخدموا تعبير “المحارب” لأنه مصطلح قرآني لا يقتصر على الشيعة، وهو أداة تُحدث قبولًا عالميًا في المجتمع الإسلامي. ونوّه إلى أن كون الكيان الصهيوني محاربًا ومهدور الدم لم يتوقف على تهديد القائد الأعلى للثورة، فقد هاجموا الناس لمدة 12 يومًا وهم كفار حربيون. إن هذا الإجراء من قبل مراجع التقليد كان بمثابة تأكيد مركّز على هذه الحقيقة.

ضرورة العقلانية الفقهية في مواجهة المسائل العالمية؛ بالاستناد إلى الدليل العقلي للإقناع الدولي

أستاذ مساعد في المعهد العالي للعلوم والثقافة الإسلامية، الأستاذ سعيد ضيائي‌فر: إن المسألة التي نواجهها اليوم هي أحد المصاديق الفقهية المهمة ذات الأبعاد الدولية والعالمية. ومن هنا، فإن معالجتها تستلزم ملاحظات تتجاوز النطاق المحلي والإقليمي؛ لأن الأدبيات والمنطق الذي نستخدمه في تبيين الفقه يمكن أن يلعب دوراً في قبول الرأي العام العالمي له أو رفضه. وكلما كانت لغتنا واستدلالنا أكثر قدرة على الإقناع العام، ازداد مجال تأثيره ونفوذه على المستوى الدولي.

 من بين مآخذ الاستنباط الفقهي، يمتلك الدليل العقلي طاقة فريدة؛ لأنه قادر على إرساء أرضية لوجود منطق مشترك بين الفقه الإسلامي وسائر النظم القانونية والفكرية. إن الاستناد إلى البراهين العقلية والعقلائية لا يعزز فقط المتانة الباطنية للمباحث الفقهية، بل يُتيح كذلك فرصة الحوار والتفاعل مع المفكرين، والنخب الفكرية، والهيئات الحقوقية، وحتى بعض الدول.

لهذا السبب، فإن اتخاذ النهج العقلاني في التعامل مع القضايا السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، وغيرها من الميادين، يُعدُّ ضرورة إستراتيجية في الفقه المعاصر. ومن البديهي أن طريقة دخول الفقيه إلى هذه الساحات، ونوع المنهج واللغة التي يوظفها، يلعب دورًا حاسمًا في مدى الأثر الاجتماعي والحضاري للفقه 

مسألة «الدفاع عن وليّ الأمر» ليست أمراً مبنياً على المصلحة، بل هي عين المصلحة

مدير معهد الإمام الرضا (ع) للدراسات الحوزوية العليا، الأستاذ حجة الإسلام والمسلمين ذبيح‌الله نعیمیان: إنّ الله تعالى يقول في كتابه الكريم: “فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ”، وهذه الآية تحمل في طياتها إشارات مهمة.

وقال نعيميان: يؤكد قائد الثورة المعظم، فيما يخص الجهاد وخاصة الجهاد الابتدائي، على أننا لا نمتلك في الإسلام توسعاً إقليمياً أو نزعة استعمارية. فالجهاد الابتدائي لا ينبع من منظور الهيمنة، بل يسعى إلى إزالة العوائق. مضيفاً: إن حدود القتال، والفترة الزمنية المحددة للجهاد، وكيفية إبرام الهدنة، كلها تندرج ضمن إطار المصلحة التي يقررها ولي الأمر. وحيثما نلحظ اعتداءً، فإن واجبنا هو الدفاع. ثم إن الفقه يحتوي على ثروة معرفية هائلة في مجال الدفاع والجهاد، إلا أنه لم يُعالج بالقدر الكافي نظراً لقلة انخراطنا في الحروب خلال القرن الأخير.

وبيّن حجة الإسلام والمسلمين نعیمیان أن قضية الدفاع ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتشخيص المصلحة، وقال: إن موازنة المصالح والمفاسد، وتقدير المصلحة والمفسدة، قابلة للبحث في ثلاثة مجالات: تزاحم المصالح مع المصالح، وتزاحم المفاسد مع المفاسد، وتزاحم المصالح مع المفاسد.

وأفاد: في المصادر الفارسية، غالباً ما يتم الاستفادة من تصنيفات فقه موازنة المقاصد عند الحديث عن المصلحة. ويمكن النظر إلى مسألة المصلحة من زاوية جديدة. فتدخل المصلحة في الحكم قد يكون جزءاً من المتعلق، أو كل المتعلق، أو شرطاً، أو مانعاً للحكم. وقد اعتبرت المصلحة في الغالب كمتعلق للحكم. وقد ورد في بعض المفاهيم أن الدفاع عن ولي الأمر هو مصلحة بحد ذاته، وليس له مصلحة إضافية؛ أي أن الدفاع عن ولي الأمر أو المجتمع الإسلامي لا يحتاج إلى مصلحة، بل هو المصلحة عينها.

يمكن تحليل ما صدر عن مراجع التقليد العظام بخصوص التهديد الذي وُجّه ضد قائد الثورة المعظم، من حيث كونه حكماً أو فتوى. ففي المذهب الشيعي، هناك تمايز بين الحكم الولائي والفتوى. الفتوى ذات طبيعة أبدية وشاملة. وفي أمر جلل كحفظ المجتمع الإسلامي، لا بد من الفتوى.

وبيّن، أن المرجعية كانت ولائية قبل قيام نظام الجمهورية الإسلامية، ولم تكن مهام المراجع مقتصرة على إصدار الفتاوى وحسب، مضيفاً: لا يمكن أن يتولى ولايتان إدارة المجتمع، لأن التعدد لا يستقيم، والمراجع يصدرون الفتوى وهي ليست بحكم.

وفي إجابته على سؤال حول ما إذا كان الدفاع عن المجتمع الإسلامي مصلحة بذاته أم يحوي مصلحة، قال سماحة حجة الإسلام والمسلمين نعیمیان: إن تشخيص المصداق يكون في بعض الأحيان بيد الآحاد، ولكن في أحيان أخرى يتطلب تشخيص مستويات مختلفة. وفي تشخيص المصداق الذي يكون بيد الآحاد، تحتاج المصاديق الجزئية إلى وضع ضوابط ودراسة حالات التزاحم. على سبيل المثال، بخصوص حضور القائد في ساحة الحرب، يمكن القول إنه في بعض الأحيان لا تكون المصلحة في حضوره للحفاظ على حياته، ولكن في أحيان أخرى، يكون حضوره ضرورياً للحفاظ على معنويات الأمل، حتى وإن كانت حياته معرضة للخطر. هنا، يحدث تزاحم بين مصلحتين: أيهما أولى، الحفاظ على حياة القائد أم الحفاظ على أمل المجتمع؟ عندما يتبدل معيارنا النظري، تتغير النتيجة تبعاً لذلك.

لزوم النظرة المنهجية في الفقه لتأصيل الدفاع عن الولي الفقيه

عضو الهيئة العلمية بكلية القانون والعلوم السياسية، جامعة طهران، الأستاذ الدكتور إبراهيم موسى زاده: تُعد القضية التي نتباحثها اليوم من أقدم وأعرق الموضوعات في الاجتهاد الفقهي الإسلامي. هذه المسألة، علاوة على عراقتها، قد حظيت بعناية الفقهاء منذ أمد بعيد، نظراً لسعة آيات الذكر الحكيم المتعلقة ببابي الجهاد والدفاع. ومن ثم، فإن المراجع الشرعية في شأن حماية الكيان الإسلامي، والدفاع عن الولي، والحاكم، والإمام في المجتمع الإسلامي، وافرة ومتشبعة بالمضامين.

مع أن آلية الدفاع قد شهدت تحولات عبر العصور (من الصراعات التقليدية بالأسلحة البيضاء إلى الحروب المعاصرة باستخدام المقذوفات، والطائرات المسيرة، والفضاء السيبراني، والحروب المعرفية والهجينة)، إلا أن جوهر مبدأ الدفاع يظل راسخاً في المباحث الفقهية. وتشهد الأدلة الشرعية من قرآن كريم، وسنة نبوية، وإجماع، وعقل، وفطرة سليمة، جميعها صراحةً واتساعاً على مشروعية وإلزامية فعل الدفاع.

إن ما يستدعي التأكيد هو حتمية تبني منظور منهجي وتنظيمي في تناول قضية الدفاع، ولا سيما في حماية كيان ولي أمر المجتمع الإسلامي. فإذا ما تم تناول هذا الموضوع بأسلوب منهجي وبناء، فسيمكننا، استناداً إلى الامكانات الكامنة في الفقه، توفير حلول ناجعة للقضايا الراهنة. وهذا يتأكد بشكل خاص نظراً لوفرة مصادرنا الفقهية في هذا الصدد، وكون فقهنا فقه كشفي، مما يزيل الحاجة إلى التمسك بالأصول العملية، ويجنبنا الارتباك في مرحلة الاستنباط.

من المنظور الفقهي، يجب التأكيد على أنه لا يوجد فرق بين الإمام، والولي، والحاكم في المجتمع الإسلامي؛ فهذه مجرد تسميات مختلفة لحقيقة واحدة. إن الولاية، بوصفها ركنًا أساسيًا للمجتمع الإسلامي، هي العنصر الجوهري الذي لا يمكن للمجتمع الإسلامي أن يتحقق بدونه. وعلى الرغم من وجود دول متعددة في العالم الإسلامي، إلا أن معظمها إسلامي بالاسم فقط، ويفتقر إلى نظام تشريع إسلامي وإلى ولاية إسلامية حقيقية. ونتيجة لذلك، فإن تهديد، أو هجوم، أو اعتداء على ولي المجتمع الإسلامي، يعادل إضعاف أو تدمير أساس المجتمع الإسلامي، لأن الولي والمجتمع الإسلامي لا ينفصلان عن بعضهما البعض. ومن هنا، يُعتبر الدفاع عن الولي دفاعًا عن أساس ووجود المجتمع الإسلامي.

مكانة الولاية في المنظومة الدفاعية للفقه الإسلامي

في الكتب الفقهية التقليدية، يُذكر عادةً أن الجهاد الدفاعي يصبح واجبًا عندما تتعرض الأراضي الإسلامية للهجوم. هذه الرؤية تُعد نظرة “جُزُرية” لمسألة الدفاع. في حين أنه إذا كان الهجوم موجهًا مباشرةً إلى رأس المجتمع الإسلامي، أي الولي والحاكم الشرعي، فإن تهديدًا أخطر بكثير قد وقع. ذلك لأنه قد تهاجر فئة من المجتمع الإسلامي أو يحدث فيها تمدد وانكماش ديموغرافي، ولكن ما دام ركن الولاية محفوظًا، فإن بنية المجتمع الإسلامي تظل قائمة. وعلى العكس من ذلك، إذا أُزيل الولي، ينهار أساس المجتمع؛ وبالتالي، فإن الدفاع عنه يكون في حكم الدفاع عن أصل الإسلام.

من منظور القانون العام، تتشكل الدول على ثلاثة أركان أساسية: الإقليم، والسكان، والسيادة. في حين أن التغير في السكان أو الإقليم لا يؤدي بالضرورة إلى زوال كيان الدولة، فإن غياب السيادة والحاكمية يعني فعليًا انحلال الدولة. في المجتمع الإسلامي، يسري هذا المبدأ أيضًا: فالولاية هي عامل الوحدة، والاستمرارية، وتحقق المجتمع الإسلامي.

التعاليم الفقهية المكملة في الأبواب الأخرى لدعم الدفاع
علاوة على ذلك، توجد العديد من التعاليم الفقهية في أبواب أخرى من الفقه، مثل الخمس، والحج، والصلاة، والقصاص، والحدود، والتي يمكن أن تشكل، مجتمعة، الأسس النظرية لدفاع منهجي في ظل ظروف الحرب الهجينة اليوم. مبادئ مثل “المقابلة بالمثل” (فَمَنِ اعتَدىٰ عَلَیْکُمْ فَاعْتَدُوا عَلَیْهِ بِمِثْلِ ما اعتَدىٰ عَلَیْکُمْ)، و”نفي السبيل” (وَلَن یَجعلَ اللهُ للکافِرینَ علی المؤمنینَ سبیلاً)، و”منع الاستضعاف”، و”مكافحة الظلم”، و”إزالة الاستكبار”، و”حماية المستضعفين”، كلها تؤكد على ضرورة هذا الدفاع.

إن بعض هذه المفاهيم قد لا تكون قد وردت صراحة في الأبواب التقليدية للجهاد الفقهي، ولكن يمكن العثور على شواهد كافية لها في نصوص فقهية أخرى، وفي الآيات القرآنية والروايات. إن مبادئ مثل “التناصر” (المعاونة المتبادلة)، و”المسؤولية الجماعية في الدفاع عن الأرض الإسلامية”، و”مشروعية الدفاع” كلها تؤكد على أنه من الممكن، بضم هذه المبادئ إلى بعضها البعض، استخلاص مجموعة منظمة ومتكاملة من التعاليم الدفاعية.

ما ذُكر هو جزء من التعاليم الفقهية التي طُرحت في إطار الفقه الجواهري وفي طبقات مختلفة من الفقه الإسلامي. هذه التعاليم تمثل طاقات كامنة توجد في أبواب متنوعة من الفقه، ولكنها لم تُجمع وتُدوّن بشكل متناسق حتى الآن. يبدو أن هذه الطاقات هي من أهم السندات التي يمكن الاعتماد عليها في الظروف الراهنة للدفاع عن المجتمع الإسلامي ومكانة الولي الفقيه.

مقارنة بين الدفاع والجهاد الابتدائي من منظور فقهي

في هذا السياق، يتمتع موضوع “الدفاع” نفسه بخصائص مميزة مقارنة بـ”الجهاد الابتدائي”. فالدفاع، خاصة إذا تم بشكل فردي وفي إطار منهجي، يتميز بمزايا تجعله أكثر استجابة في كثير من الحالات من الجهاد الابتدائي.

الجهاد الابتدائي، بحسب رأي الفقهاء، يتطلب إذن الإمام، وحضور الحاكم الشرعي، وتحقق شروط خاصة؛ بينما الدفاع لا يخضع لمثل هذه الشروط. أهم خاصية للدفاع هي أنه لا يحتاج إلى إصدار حكم أو فتوى، ويعتبر أمرًا عقليًا وفطريًا؛ بحيث يكون لأي شخص، في أي زمان ومكان، ودون الحاجة إلى إذن من الإمام أو نائبه الخاص أو العام، الحق في الدفاع عن نفسه إذا واجه اعتداءً.

من الميزات البارزة الأخرى للدفاع تقدمه على سائر الواجبات الدينية، كما ورد في كلام الفقهاء. هذا المبدأ قابل للتعميم على الظروف الراهنة أيضًا؛ بمعنى أنه إذا تعارض الدفاع مع واجبات أخرى، فإن الأولوية تكون للدفاع.

بعض الفقهاء لم يعتبروا البلوغ شرطًا للدفاع. وفي حين أن الجهاد الابتدائي يعتبر واجبًا كفائيًا ومقتصرًا على من يجاور الكفار، فإن الدفاع يعتبر واجبًا عينيًا على جميع المسلمين. فعلى سبيل المثال، لو أيقن مسلم يقيم في بلد كأمريكا أو في الديار غير الإسلامية بضرورة نصرة ولي المجتمع، لكان لزامًا عليه أداء هذا الواجب عبر إزالة المسببات التي مست ولي المجتمع بالعدوان.

هذا الجمع من المرتكزات يكشف عن الامكانات الجليلة والأصيلة المتوافرة في الفقه الإسلامي حول قضية الدفاع. وحتى لو صدر هذا الوجوب في قالب فتوى، فبإمكانه أن يبيّن سنده الشرعي ويُعزز هذا المسار. وفي نهاية المطاف، يتعين التشديد على أن جميع هذه الإمكانات موجودة في الفقه الإسلامي، ولا تتطلب سوى إعادة ترتيب وتصنيف دقيق؛ دون أن يُفهم هذا العمل على أنه تلفيق أو تجديد لا يستند إلى أصل. 

على من ينطبق عنوان المحارب في الحرب الهجينة؟

سماحة حجة الإسلام والمسلمين قاسم شبان نيا: أننا نعيش في خضم حرب هجينة تتضافر فيها الأبعاد العسكرية، والتقنية، والتكنولوجية، والمعرفية. وأكد على أن دور ضباط الحرب الناعمة في هذه الحرب المعرفية يفوق أحيانًا دور القادة العسكريين.

وأشار سماحته إلى أن الفقه الجواهري يمتلك المرونة الكافية لمعالجة هذه المسألة بمنهجيات حديثة، سائلًا: على من ينطبق وصف المحارب في سياق الحرب الهجينة؟. واستطرد موضحًا أن مهدور دموية الكيان الصهيوني أمرٌ بيّن لا يحتاج إلى مزيد بحث، نظرًا لتعدد مصاديقه. واستدل بآيات كريمة من سورة الممتحنة (الآيتان 8 و 9) التي تشير إلى الاحتلال وإخراج الناس من ديارهم، مؤكدًا أن ذلك ينطوي على حكم شرعي. وأضاف أن ما يرتكبونه من ظلم واضطهاد بحق المسلمين والشعب الفلسطيني يندرج تحت وصف مهدور الدم و المحارب.

وتابع عضو الهيئة العلمية في مؤسسة الإمام الخميني (قده) للتعليم والبحث العلمي حديثه بالقول إن ترامب يمثل مظهر الظلم والتسلط، بينما يمثل قائد الثورة المعظم مظهر المواجهة مع نظام الهيمنة. وأوضح أن المستكبر الذي يصدر أمر اغتيال الشهيد سليماني بشكل مباشر ويتحقق استشهاده، ينطبق عليه وصف المحارب. وكذلك من يصدر أمرًا مباشرًا بالهجوم على المنشآت النووية ولا يبدي ندمًا على ذلك.
وأردف سماحته قائلًا: لو اعتبرنا هذه المسألة حربًا بين إيران وإسرائيل، فإننا نكون قد قلّلنا من مستوى الحرب. إنها صراع وتواجه بين نظام الهيمنة و النظام المناهض للهيمنة الذي اتخذ اليوم شكلًا جديدًا من المواجهة. لهذا السبب، يمكن بحث هذه القضايا بما يتجاوز تهديد قائد الثورة المعظم، لأن كونهم محاربين و مهدوري الدم لا يقتصر على تهديد سماحته.

وأشار شبان نيا إلى أن التدبر في الآيات القرآنية والمباحث الفقهية المتعلقة بمواجهة الطاغوت يمكن أن يكون مساعدًا في هذه المسألة، موضحًا: يجب الانتباه إلى الفرق بين القصاص والدفاع. في القصاص، لا بد أن يكون هناك فعل إجرامي قد وقع لتقوم بجبرانه؛ أما مسألة الدفاع فمختلفة. عندما نرى العدو في حالة مواجهة وعدوان، يجب علينا أن نحصّن أنفسنا (نواجه)، وهذا لا يكون فقط بالعتاد الحربي والاستعداد العسكري، لأنه في الحرب المعرفية توجد استعدادات أخرى ضرورية.

وأضاف: عندما يؤدي مرجع ديني دورًا في تقوية الجبهة المناهضة للاستكبار ونظام الهيمنة، ويكون تعرّضه للخطر أمرًا ذا أهمية، فإن هذا الحكم يجد مصداقيته. ولا فرق في ذلك بين أن يكون قائد مجتمع، أو مرجعًا للتقليد، أو فردًا عاديًا. واليوم، قائد الثورة المعظم هو حامل لواء هذا الميدان.

وبيّن عضو الهيئة العلمية في مؤسسة الإمام الخميني (قده) للتعليم والبحث العلمي أن الفقهاء لديهم آراء متباينة حول شمولية عنوان المحارب. فبعضهم يرى أن عنوان المحارب خاص، وينبغي استخدام مصطلح مهدور الدم في حالات أخرى. بينما يرى بعض الفقهاء أن الكفار بصورة عامة محاربون، حتى لو لم يكونوا منخرطين في حرب فعلية.

وأوضح سماحته: عندما يكون تهديد قائد المجتمع الإسلامي بهدف إذلال الأمة الإسلامية وإظهار قوة العدو الظاهرية، يجب دراسة الأحكام الفقهية المتعلقة بمواجهة هذا الإذلال؛ لأن هذا الأمر له أهميته ومحوريته.

حفظ كيان المسلمين واجب مطلق
أفاد حجة الإسلام والمسلمين علي محمدي، أحد أساتذة الحوزة العلمية، في هذا اللقاء بأن حفظ النفس، والمال، والعرض واجب؛ إلا أن حفظ كيان المسلمين واجب مطلق؛ أي أنه يتقدم في الأولوية عند التزاحم مع حفظ النفس والمال.

وأشار سماحته إلى أن الإمام الخميني (قدس سره) أرسى قدرات خاصة من الفقه في الدفاع عن المجتمع الإسلامي، موضحًا: لدينا في الإسلام أحكام ثابتة ومتغيرة، وقد قدم كل من المرحوم النائيني، والصدر، والعلامة الطباطبائي تعريفات مختلفة لها. فعلى سبيل المثال، يرى العلامة الطباطبائي أن الأحكام الثابتة والمتغيرة ترتبط باحتياجات الإنسان؛ فالأحكام المتعلقة بعلاقات الإنسان مع الآخرين هي ثابتة، بينما الأحكام المتعلقة بعلاقة الإنسان بالطبيعة هي متغيرة تبعًا للتغيرات التي تطرأ على هذه العلاقة.

وتابع أستاذ الحوزة العلمية: الإمام الخميني (قدس سره) من المفكرين القلائل الذين لا يوجد في منظومتهم الفكرية فصل بين الأحكام المتغيرة والثابتة، ولديه نظرة مختلفة لهذا الأمر. فهو القائل بـالخطابات القانونية. ففي الأحكام القانونية، لا يُنظر إلى المكلف والظروف الخاصة بشكل مباشر، بل كالمشرِّع الذي يأخذ في الاعتبار المصالح والمفاسد والظروف الكلية، وتكون الاستثناءات والملحقات في مقام التطبيق. جميع الأحكام لها قيود عند التنفيذ، ومرجع تشخيص هذه القيود هم الحكام، وقاعدة لا ضرر هي إحدى أدوات الحكام التشخيصية في هذا المجال.

وأوضح أن من وجهة نظر الإمام الخميني (قدس سره)، يجب أن تكون جميع الأحكام الشرعية في اتجاه الحركة الأصلية للنظام الإسلامي، وألا يكون هناك تعارض أو تزاحم بينها. فالإمام الخميني (قدس سره) يقول في منشور الأخوة، وهو رده على رسالة السيد الأنصاري: “في الحكومة الإسلامية، يجب أن يظل باب الاجتهاد مفتوحًا دائمًا، وطبيعة الثورة والنظام تقتضي دائمًا أن تُعرض الآراء الاجتهادية-الفقهية في المجالات المختلفة، وإن كانت متعارضة مع بعضها البعض، بحرية، ولا أحد يملك القدرة أو الحق في منع ذلك.”

وتابع حجة الإسلام محمدي: الإمام الخميني (قدس سره) يضيف في هذه الرسالة أن المهم هو الفهم الصحيح للحكومة والمجتمع، والذي بناءً عليه يستطيع النظام الإسلامي وضع الخطط لصالح المسلمين، وهذا يتطلب وحدة المنهج والعمل. وهنا، لا يكفي الاجتهاد بالمعنى المصطلح في الحوزات العلمية؛ بل إن الفرد، حتى لو كان الأعلم في العلوم المعهودة في الحوزات، ولكن لم يستطع تشخيص مصلحة المجتمع، أو لم يستطع تمييز الأفراد الصالحين والنافعين من غير الصالحين، وبشكل عام كان يفتقر إلى الرؤية الصحيحة والقدرة على اتخاذ القرار في المجالين الاجتماعي والسياسي، فإن هذا الفرد ليس مجتهدًا في المسائل الاجتماعية والحكومية، ولا يمكنه تولي زمام قيادة المجتمع.

وأكد سماحته أن في تقرير الإمام الخميني (قدس سره)، تتكون قدرة الفقه على الدفاع عن المجتمع الإسلامي وكيانه كقدرة قصوى، وهذا يساهم في جعل توجهه كليًا وشاملًا. هذه الرؤية تمنحنا مرونة أكبر في مواجهة الأحداث، مع الأخذ في الاعتبار الظروف المتغيرة.

وذكّر أستاذ الحوزة العلمية بأن وظيفة ولي الأمر في المجتمع هي تحقيق أهداف الدين الباطنية (التوحيد) في إطار ظاهره، وكلما تعارض الظاهر مع الباطن، فإن الحاكم يملك أدوات لتقييد الظاهر.

وصرّح بأن الدفاع عن المجتمع وولي أمره يجب أن يكون منهجيًا ومترابطًا، مضيفًا: معظم البلدان الإسلامية اليوم تحمل هوية إسلامية شكلية فقط، وعدد محدود من الدول هي التي تدافع عن القضية الفلسطينية.

ثم إن المقابلة بالمثل، والتصدي للعدوان، ونفي السبيل، وغيرها تشكل منظومة متكاملة، تهدف، استنادًا إلى الآيات والروايات، إلى مكافحة الظلم والاستكبار، ودعم المستضعفين، والمقابلة بالمثل، ونفي الهيمنة، ونفي السبيل، والهدف الأساسي من كل ذلك هو صيانة أصل الإسلام.

وأضاف أستاذ الحوزة أن الدفاع يتمتع بقدرات تفوق الجهاد الابتدائي؛ فعلى سبيل المثال، الجهاد الابتدائي يتوقف على إذن الإمام وشرط الولاية؛ أما الدفاع فليس له قيد أو شرط، ولا يحتاج إلى حكم أو فتوى؛ لأنه أمر عقلي. كما أن الدفاع يتقدم على الواجبات الأخرى، بمعنى أنه إذا تزاحمت واجبات أخرى مع الدفاع في موقف معين، فإن الدفاع يتقدم على جميع الواجبات الأخرى.

وبيّن سماحته: إذا كان الجهاد الابتدائي جهادًا كفائيًا لأولئك الذين يقطنون بجوار الكفار، فإن الجهاد الدفاعي هو واجب على عموم المسلمين، ولا يفرق فيه كون المسلم بعيدًا عن الأراضي المحتلة أو قريبًا منها، بل واجبه أن يدافع عن ولي الأمر في المجتمع عن طريق إزالة العوامل التي تتعرض له بالسوء.

 

الفقه في سياق عالمي: من الصمود أمام التهديد إلى التفاعل مع القانون الدولي

رئيس جامعة باقر العلوم (ع)، الأستاذ الدكتور السيد إحسان رفيعي علوي: التهديدات التي يصدرها بعض المسؤولين الغربيين، بما في ذلك الرئيس الأمريكي، ضد قائد الثورة المعظم، لا تشكل تهديدًا لشخص بعينه فحسب، بل هي تهديد لوجود الأمة الإسلامية والكيان السياسي الشرعي القائم على مبدأ ولاية الفقيه؛ وهو كيان يستمد شرعيته من المبادئ العقلية والشرعية، ومن قبول الشعب.

لطالما امتلك الفقه الشيعي، عبر تاريخه، قدرات نظرية وتطبيقية عظيمة في سبيل الدفاع عن حياض الإسلام والأمة الإسلامية. واليوم، يتوجب على فقهائنا، من خلال فهم عميق للمتغيرات الدولية والقواعد القانونية الكونية، تقديم حلول رشيدة ومؤثرة لمجابهة التهديدات المستجدة والتفاعل الحصيف مع المنظومات الدولية.

وفي إطار القانون الدولي أيضًا، يتم التسليم بوجود قواعد آمرة، كقاعدة حظر تهديد كبار الشخصيات الرسمية للدول؛ فحتى رئيس دولة كالمغرب، ذو الخلفية العسكرية، يتمتع بالحصانة الدولية وفقًا للمبادئ الخمسة لميثاق الأمم المتحدة. ويثار هنا تساؤل جوهري: إذا كانت هذه القاعدة القانونية راسخة، فكيف يمكن تبرير تهديد زعيم نظام ذي شرعية، ولا سيما من قبل قوة عالمية؟

يجب تحليل العلاقة بين القانون الدولي والدفاع عن القيم الإسلامية بشكل صحيح. قد يتساءل البعض: كيف يمكن للجمهورية الإسلامية أن ترفع شعار “الموت لأمريكا” لسنوات، والآن يقوم الرئيس الأمريكي بتهديد قائد الثورة صراحة؟ هل هذا دليل ضعف أم تعارض؟ الجواب هو أن هذه المسألة يجب أن تدفعنا إلى إعادة قراءة أعمق للعلاقة بين المقاومة والحكمة في النظام الإسلامي.

إن الفقه يمتلك القدرة على الصمود في وجه التهديدات، كما يوفر إمكانية التفاعل الذكي مع القواعد الدولية. وبناءً على ذلك، فإن الفقه السياسي الشيعي ليس فقط نابعًا من الداخل، بل يمتلك أيضًا القدرة على التواجد في الساحات العالمية والدفاع عن الأمة.

أحد التحديات الملحة والمهمة اليوم هو الحاجة الماسة للمجتمع للحصول على إجابات واضحة ومُبرهنة للتساؤلات الجديدة التي تظهر في الفضاء السيبراني. لتحقيق ذلك، يجب مواءمة لغة الدين مع لغة المجتمع، ومن ثم ترسيخ الرسالة الدينية على المستوى العام بالاعتماد على المعرفة الجماعية.

إن إنتاج محتوى ديني عالي الجودة وفي الوقت المناسب يتطلب حضورًا نشطًا ومنظمًا للحوزة العلمية في مجال الدعوة الإلكترونية. وذلك لأن النقل الصحيح للمفاهيم الدينية إلى عامة الناس هو أحد أهم سبل حماية الهوية الإسلامية وتعزيز ارتباط الناس بالولي الفقيه.

وإذا استطاع الفقه الشيعي، مواكبةً للتطورات الحديثة، أن يوسع نظامه المفاهيمي ويتخذ خطوات استراتيجية بفهم عميق للوضع الراهن، فلن يقتصر دوره على الدفاع عن الولي الفقيه فحسب، بل سيلعب أيضًا دورًا محوريًا في تعزيز مكانة الإسلام العالمية.

إعطاء الأولوية لإنتاج الفكر الديني وإحياء التراث الفكري الإسلامي: استراتيجية أساسية لمواجهة نظام الهيمنة

عضو الهيئة العلمية بجامعة طهران، الأستاذ محمد جواد ارسطا: بناءً على الأسس الفقهية، تُعد التهديدات الصريحة الموجهة ضد قائد الثورة الإسلامية من المصاديق الواضحة للمحاربة، ويجب التعامل معها بحزم وجدية. إن ما يحدث اليوم في مواجهة النظام الإسلامي ليس مجرد نزاع سياسي أو عسكري محدود؛ بل يجب تحليله كامتداد تاريخي للحروب الصليبية. فمنذ بداية القرن العشرين، سعت القوى الغربية، عبر مخطط منظم، إلى تفكيك الإمبراطورية العثمانية الإسلامية، وبعد ذلك، وبإيجاد دول صغيرة وغير مستقرة، زعزعوا الاستقرار السياسي للعالم الإسلامي. لم يؤد هذا المسار إلى انهيار وحدة العالم الإسلامي فحسب، بل مهد أيضًا للنزاعات الداخلية من خلال خلق بيئات للخلافات العرقية والدينية والحدودية.

إن تشكيل الكيان الصهيوني في قلب الدول الإسلامية كان نتاجًا غير شرعي وجزءًا من نفس البرنامج طويل الأمد الذي وُضع بهدف السيطرة على الأمة الإسلامية، ولا يزال مستمرًا. لقد انخرط الكيان الصهيوني منذ البداية في نزاع مع العالم الإسلامي، وقد تم تنفيذ سياساته التوسعية والعدوانية بدعم من القوى الاستكبارية.

إن العداء الذي يكنّه الغرب والصهيونية لإيران لا يقتصر على نظام الجمهورية الإسلامية؛ فحتى لو كانت إيران دولة إسلامية بلا بُنية حكم دينية، لظل هذا العداء قائمًا. والسبب في ذلك هو أن جوهر الهوية الإسلامية يتعارض مع مصالح المستعمرين والصهاينة. لقد أوضحت الآية الكريمة في القرآن الكريم: “وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنْکَ الْیَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ” هذه الحقيقة للأبد. فحتى في زمن الحروب الصليبية، لم تكن هناك جمهورية إسلامية، لكن العداء للإسلام كان موجودًا، واليوم يستمر نفس المسار، ولكن بأدوات وأساليب حديثة.

حتى لو تحقق يومًا سلام مستدام وطويل الأمد بين الجمهورية الإسلامية وأعدائها، فلا يجب الغفلة عن الماهية العدائية والاستعمارية لنظام الهيمنة. فالغربيون والصهاينة لا يسعون للسيطرة على المجتمعات الإسلامية بالأدوات العسكرية فحسب، بل يسعون لذلك أيضًا من خلال الاختراق الثقافي، ونشر نمط الحياة الغربي، والحداثة، والهجمات الحضارية.

لقد أكد قائد الثورة الإسلامية مرارًا أننا نواجه “نمط الحياة الغربي”؛ وهو نمط يهدف إلى السيطرة الكاملة على عقول وسلوكيات المجتمعات. وهذا النوع من الاختراق، وإن كان ناعمًا وغير محسوس، إلا أنه أكثر خطورة بكثير من الهجمات العسكرية، ويجب مواجهته بمقاربة حضارية واستراتيجية.

نقد اقتصار الفقه على معالجة المسائل المستحدثة
إذا اقتصرت نظرتنا إلى الفقه على إطار إدارة الحكم الإسلامي فقط، ولم نُولِ اهتمامًا للمواجهة الحضارية مع الغرب، فلن نتمكن من تحقيق النجاح في التصدي للهجمات الثقافية والفكرية للعدو. يجب علينا أن نسعى إلى بناء “حضارة إسلامية حديثة”، وأن نعيد تعريف الفقه كنظرية شاملة لإدارة حياة الإنسان “من المهد إلى اللحد”.

إن الأنشطة الفقهية المتفرقة والمحدودة في مجال المسائل المستحدثة، على الرغم من قيمتها، ليست كافية بمفردها لمواجهة التحديات الكبرى الراهنة. يجب ألا نسمح للعدو بأن يطرح علينا المشكلات، ونظل نحن في موقف دفاعي نسعى فقط لحل مشكلاته.

اليوم، في العديد من التخصصات الجامعية، يفخر الباحث بأن تكون مصادره الأساسية غربية، وكلما زاد استناده إلى الآراء الغربية، اعتبر أكثر علمية. هذا بينما أصبحنا، بدلًا من البحث في تراثنا الفكري، معتمدين على المنتجات الغربية، وهذا الاعتماد بحد ذاته هو أحد عوامل ضعفنا الفكري والثقافي.

يجب أن نخرج من حالة “العلم التابع” ونصل إلى مرحلة “العلم الرائد”. لا ينبغي لنا أن ننتظر حتى يصمم العدو لنا المشكلات؛ بل يجب أن نكون نحن من يطرح المشكلات ويصوغ النظريات. إن قدرة الفقه الشيعي على تقديم نماذج حضارية متكاملة عالية جدًا، بشرط أن يُطبق هذا الفقه في ميدان العمل كنظرية لإدارة المجتمع والاستجابة للمتطلبات الحضارية.

من الضروري إحداث تحول جذري في الجهاز العلمي والبحثي للبلاد؛ فمن أجل المواجهة الحقيقية مع نظام الهيمنة، يجب إعطاء الأولوية لإنتاج العلم الديني وإحياء التراث الفكري والاجتهادي للإسلام. ففقهنا ليس مجرد نظام قانوني، بل يجب أن يُعاد اكتشافه وإحياؤه بصفته “نظرية شاملة لإدارة شؤون البشر في العالم المعاصر. 

حصانة الولي الفقيه: الإطار الفقهي والقانوني لمواجهة التهديدات ضد السيادة الإسلامية

 عضو الهيئة العلمية في معهد الثقافة والفكر الإسلامي، الأستاذ محمود حكمت نيا: في منطق القانون والفقه الإسلامي، لا يحق لأي شخص أن يهدد حق حياة الآخر؛ هذا المبدأ لا يقبل الشك ولا يحتاج إلى إعادة إثبات، فما بالك إذا كان هذا التهديد موجهًا إلى ولي أمر المسلمين الذي يتمتع بحصانة مضاعفة.

في الأنظمة القانونية المعتبرة، وكذلك في القانون الإنساني الدولي، يتمتع الشخصيات الدينية بحصانة خاصة في النزاعات المسلحة، ويُراعى بجدية مبدأ التمييز بين العسكريين وغير العسكريين في شأنهم؛ لأنهم في الأساس لا يشاركون في الحرب ولا ينبغي أن يكونوا هدفًا للعمليات العسكرية أو التهديدات الأمنية.

في النظام الإسلامي، لا يُعد الولي الفقيه مجرد قائد سياسي، بل هو رمز الهوية الدينية، الأخلاقية، الاجتماعية، والسياسية للمجتمع الإسلامي. إن الاعتداء على مقام ولاية الفقيه ليس تهديدًا لشخص فحسب، بل هو تهديد لبنية الهوية وكيان النظام الإسلامي. ولا يمكن تفسير مثل هذا التهديد في إطار حرية التعبير؛ بل على العكس، يُعد هذا الاعتداء من المصاديق الواضحة للخروج عن دائرة حرية التعبير والدخول في مجال الجريمة السياسية والأمنية.

عند مواجهة مثل هذه التهديدات، يجب تطوير الخطاب الفقهي والقانوني. فالتهديد ضد ولي أمر المسلمين يُعد تهديدًا مضاعفًا لحق الحياة؛ لأن الولي الفقيه ليس مجرد فرد، بل هو الركن الأساسي للنظام السياسي الإسلامي والعنصر المكون لهوية الأمة المسلمة، خاصة في المنظومة الشيعية.

في الفقه الشيعي، لا يُعد المرجع التقليدي مجرد فقيه، بل هو عنصر يهدف إلى تنظيم الجوانب الأخلاقية والدينية في المجتمع. وإذا تولى هذا المرجع مسؤولية القيادة السياسية للمجتمع أيضًا، فإنه يتحول إلى رمز للاستقلال السياسي والسلامة الإقليمية للبلاد. ومن هنا، فإن حصانته ليست منطقية فحسب، بل هي فقهية وقانونية، وأي اعتداء عليه بأي شكل من الأشكال، سواء كان تهديدًا أو إهانة أو عملًا فعليًا، هو محرم ومدان.

مسؤولية النظام الإسلامي في حماية مكانة القيادة
إن دعم الولي الفقيه لا يقتصر على الحماية الجسدية، بل يجب تعزيزه على مستويات مختلفة: القانونية، والثقافية، والسياسية، والدولية. فحماية ولي الأمر تتطلب تدابير خاصة، وفي مواجهة الأعداء الذين يهددون علنًا بإزالة قائد الثورة الإسلامية، يجب أن تكون ردود الفعل متناسبة مع مستوى التهديد.

في النظام القانوني الحالي، تُنفذ الأحكام القضائية عبر الجهاز القضائي للدولة. ولكن إذا كان التهديد على مستوى إزالة الركن الأساسي للنظام وتدمير البنية التحتية للمجتمع الإسلامي، فإن هذه المسألة لم تعد تقع ضمن نطاق القضاء فحسب، بل تدخل في مجال التدبير السياسي والأمني.

إن التهديدات الصريحة من شخصيات مثل دونالد ترامب، الذي أعلن علنًا أنه سيقتل قائد الجمهورية الإسلامية إذا أمكن، ليست من قبيل التهديدات العادية، ولا يمكن التعامل معها باللغة القانونية التقليدية. في مثل هذه الحالات، يكون مبدأ التمييز بين المدنيين والعسكريين، أو بين الدولة والشعب، قد انتهك بالفعل من قبل المهدد، وبذلك يخرج المهدد نفسه من دائرة المبادئ الدولية. لذلك، فإن الرد المتبادل يمكن أيضًا أن يتجاوز الإطار القانوني البحت ويدخل في إطار أدبيات المقاومة والعداوة المشروعة.

إن فقهنا يمتلك القدرة على توفير أطر للمواجهة في حالات التهديد ضد الحاكم الإسلامي. وعلى الرغم من أن المحاكمة الغيابية ممكنة في الساحة الدولية، فإن تنفيذ الحكم يعتمد على إمكانية وقدرة الدولة العملية على تحقيقه. وهنا يجب على الفقه أن يقدم إجابة حول كيفية التعامل مع مرتكبي مثل هذه التهديدات.

من المنظور الفقهي والأخلاقي، مكانة الولي الفقيه كروح الأمة الإسلامية، والتعرض له يعني تهديد قلب الأمة. لذلك، حتى لو جاء التهديد في شكل إهانة أو عمل إعلامي، فإنه لا يزال ضمن حدود الحرمة ولا يمكن قبوله بأي مبرر.

الدفاع عن الولي الفقيه: مسؤولية شاملة
إن هذه التهديدات ليست مجرد مسألة تخص المؤسسات الأمنية أو القضائية، بل هي واجب عام على جميع المسلمين والمواطنين الموالين للنظام الإسلامي. ففي الفقه الشيعي، يُعد الدفاع عن حرمة الولي الفقيه واجبًا شرعيًا وشاملًا.

يجب توظيف جميع القدرات من المنظور الفقهي والقانوني والإعلامي والثقافي والسياسي للدفاع عن ولي أمر المسلمين، وعدم السماح للعدو بأن يتلاعب بأمن وهُوية الأمة الإسلامية بتجاوزه الخطوط الحمراء. ولحماية قائدها، يجب على النظام الإسلامي تفعيل لغة القوة والتدبير في آن واحد، سواء على الساحة الدولية أو ضمن هياكله الداخلية.

سعة الفقه الشيعي في دعم الولي الفقيه ومواجهة التهديدات ضد قيادة النظام الإسلامي
عضو الهيئة العلمية بجامعة الأديان والمذاهب، الأستاذ رضا إسلامي: يمتلك الفقه الشيعي قدرات واسعة وغير مستغلة لدعم القيادة والحكم الإسلامي. عند مواجهة تهديدات الأعداء ضد الولي الفقيه، يمكن الاستفادة من مجموعة من الأدلة الفقهية التي لم تحظَ بالاهتمام الكافي. لسوء الحظ، أدت الهيمنة الثقيلة للفقه الفردي إلى عدم تسليط الضوء بما يكفي على قضايا مثل واجب الناس تجاه الولي الفقيه أو كيفية المواجهة الفقهية للتهديدات ضد إمام الأمة في المصادر الفقهية، بينما تحتوي مصادرنا الغنية على قدرات واضحة في هذا الصدد يجب استخراجها وتوضيحها. إن الحاجة إلى إعادة قراءة شاملة وجديدة للفقه فيما يتعلق بالحاكم الإسلامي كبيرة جدًا.

الفئة الأولى من الأدلة الفقهية تستند إلى مبادئ “معارضة الإسلام والخروج على الإمام العادل”. هذه الأدلة تعتبر معارضة الحكم الإسلامي بمثابة الخروج من الدين، وتوضح أن مواجهة الفقيه الجامع للشرائط، الذي هو نائب الإمام المعصوم (ع) في عصر الغيبة، تُعد سلوكًا معارضًا لأصل الإسلام.

الفئة الثانية من الأدلة تقع تحت باب “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”. في هذا الجزء، يتم التأكيد على أن تحقيق النظام الإسلامي هو أعلى مصداق للمعروف؛ لأنه يؤدي إلى تحقيق المعروفات الأخرى ودفع المنكرات. ولهذا السبب، فإن أي معارضة لهذا النظام وقيادته تُعد منكرًا أكبر وأكثر جذرية من المنكرات الأخرى.

الأدلة المتعلقة بـ “ولاية الفقيه” و “وجوب طاعة الفقيه الجامع للشرائط” لها أيضًا أهمية خاصة. ووفقًا للمبادئ السائدة في الفقه السياسي، فإن الفقيه المؤهل في عصر الغيبة يتصدر المجتمع بصفته خليفة للإمام المعصوم (ع). وكما صرح آية الله المؤمن، فإن الفقيه الجامع للشرائط، بعد المعصومين (ع)، هو الأجدر بالتصرف في شؤون المسلمين، وهذا الأولوية تضاعف مسؤولية الأمة الإسلامية في دعمه والدفاع عنه.

هناك أيضًا أدلة تدل على الحقوق المتبادلة بين الإمام والأمة. فالفقه الشيعي عرف علاقة متبادلة بين الإمام والأمة؛ فكما أن الحاكم الشرعي مكلف بحماية حياة الناس وممتلكاتهم، فإن الناس أيضًا مكلفون بحماية حياة إمامهم وقائدهم من الأخطار.

تهديد القيادة: تهديد للنظام الإسلامي بأكمله
يشمل النظام الإسلامي نظام الأحكام الشرعية وكذلك نظام إدارة شؤون المسلمين، وعلى رأسه يقع الولي الفقيه. إذا تعرض هذا الرأس لهجوم الأعداء، فإن النظام الإسلامي برمته يكون قد استُهدف. لذلك، يُعد تهديد القيادة تهديدًا لأصل النظام الإسلامي.

التهديدات سواء كانت ظاهرة أو خفية ضد الولي الفقيه تندرج ضمن الأدلة الفقهية. إذا تجاوز العدو مرحلة الحرب العسكرية وسعى، في إطار الحرب الناعمة، إلى كسر هيبة القيادة في أعين الناس وإضعاف عظمتها، فإن هذا السلوك يظل مشمولاً بنفس الأدلة الفقهية. يعود السبب في ذلك إلى أن فلسفة الحكم هنا تكمن في الحفاظ على شوكة الحاكم الإسلامي ومنع أي وهن أو ضعف في مكانته.

حرمة نقض حكم الحاكم ووجوب احترام الولي الفقيه
من الأدلة المهمة الأخرى، “حرمة نقض حكم الحاكم”. بناءً على الأسس الفقهية، لا يجوز مخالفة الحكم الصادر عن الحاكم الجامع للشرائط، حتى لو كان هناك استياء شخصي. الشارع المقدس لا يقبل تدخل الآخرين في هذا المجال. فلسفة هذا الحكم هي الدفاع عن عظمة الولاية وخلق السلطة اللازمة لإدارة المجتمع.

كما وردت في المصادر الفقهية أدلة على “حرمة الحرب مع الحاكم الإسلامي”، التي تنص على أن قتال الحاكم الشرعي يُعد ذنبًا لا يُغتفر وشنيعًا للغاية، وله آثار وخيمة على الفرد في الدنيا والآخرة. لذلك، لا يمكن اعتبار الإجراءات المتخذة ضد القيادة مجرد معارضة سياسية أو رأي شخصي.

أدلة وجوب احترام المؤمن: تطبيقها على الولي الفقيه

لقد نصت الأدلة الفقهية على وجوب احترام المؤمن وصون كرامته ومكانته. وبما أن الولي الفقيه هو زعيم المؤمنين في المجتمع الإسلامي، فإن هذه الأدلة تنطبق عليه بأسمى صورها.

أدلة “النصب” والعداوة مع الشيعة
تُعد أدلة “النصب” والعداوة مع الشيعة ذات أهمية أيضًا. ففي الفقه الشيعي، يُعرّف الناصبي بأنه الشخص الذي يُظهر عداوة صريحة تجاه الشيعة، وتُفرض عليه عقوبات شديدة. إذا كان التهديد الموجه إلى الولي الفقيه يأتي بصفته إمام الشيعة، ومن منطلق عداوة سياسية أو عسكرية، فقد يندرج هذا السلوك ضمن مصاديق النصب، وإن كان الفقهاء يتحفظون في هذا التطبيق.

من الأمثلة الواضحة على هذه المسألة، تهديدات الجماعات التكفيرية ضد قادة الشيعة، التي أظهرت عمليًا عداءها لمقام الولاية. هذا يدل على أن الأدلة الفقهية لمواجهة التهديدات ضد القائد الإسلامي ليست مجرد نقاش نظري، بل هي قابلة للتحقق بشكل كامل في الواقع العملي.

إن الدفاع عن الولي الفقيه ودعم قيادة النظام الإسلامي ليس مجرد واجب سياسي أو أخلاقي، بل هو متجذر في المبادئ الفقهية الراسخة. يجب على المجتمع الإسلامي أن يتصرف بمسؤولية وذكاء في مواجهة التهديدات، معتمدًا على هذه القدرات الفقهية.

وجوب المبادرة بالدفاع عن رأس المجتمع
عضو الهيئة العلمية في معهد الثقافة والفكر الإسلامي، الأستاذ حجة الإسلام والمسلمين السيد سجاد إيزدهي: إن تهديد الولي الفقيه في النظام الإسلامي ليس مجرد تهديد لشخص أو لمنصب سياسي، بل هو تهديد للهوية الدينية وتماسك الأمة الإسلامية. ولذلك، فإنه في منظومة الفقه السياسي الشيعي، يُعد مصداقًا واضحًا للمحاربة مع الله ورسوله.

في ساحة القتال، العدو الذي يهدد بعمليات عسكرية، حكمه الأولي هو القتل. هذه القاعدة متأصلة في الفقه، ويُلاحظ سوابقها التاريخية في سيرة الأئمة الأطهار (عليهم السلام). إذا كان العدو في ساحة الحرب ويهدد بتدمير هيكل النظام الإسلامي أو رأسه، فإن الحكم الشرعي يقضي بالمواجهة الفورية ودفع التهديد، حتى لو تطلب ذلك عملاً استباقيًا.

العقلانية في الأحكام الأمنية وضرورة العمل الاستباقي
يمكن استخلاص العديد من الأحكام الأمنية بناءً على العقلانية. ففي المسائل المتعلقة بأمن المجتمع الإسلامي، يحكم العقل أيضًا، بشكل مستقل عن الشرع، بضرورة الدفاع عن رأس السلطة والحفاظ عليه. ولذلك، في كثير من الحالات، يكون تنفيذ إجراء استباقي للحفاظ على الأمن ومنع سقوط النظام، ليس فقط جائزًا، بل واجبًا.

في منطق الفقه السياسي الشيعي، الهدف من الحرب والقتال هو الانتصار، وفقدان القائد يعادل الهزيمة. يؤكد كل من العقل والنقل على ضرورة الحفاظ على خيط المسبحة الذي يربط هيكل المجتمع، لأنه إذا أصيب الحاكم الشرعي بضرر، فسوف ينهار النظام وتتحقق الهزيمة.

الأساليب المعتادة للعدو في الحروب الهجينة
في الحروب الأخيرة، ولا سيما في حرب الـ 12 يومًا، سعى أعداء الثورة الإسلامية إلى إزالة القادة لكسر هيكل القيادة. وكما حدث في حرب داعش، تم إحباط التهديد على الحدود من خلال إجراءات استباقية ودقيقة، على الرغم من التهديدات الواسعة النطاق.

من القضايا الفقهية الهامة هي التناسب بين الجريمة والعقوبة. قد يكون هناك تهديد سطحي، مثل إلقاء حذاء، ولكن عندما يكون التهديد هدامًا ومدمرًا للبنية الأساسية، فإن مفهوم التناسب لا ينطبق بنفس المستوى. في هذه الحالات، يجب إزالة التهديد بالكامل، حتى لو أدى ذلك إلى إجراءات ردع صارمة أو مواجهة حاسمة.

اليوم، على الرغم من أن الوضع قد يبدو هادئًا ظاهريًا وأن التهديد الفعلي قد توقف، فإن المراقبة المستمرة والدائمة لأمن قائد المجتمع الإسلامي واجبة. في مثل هذه الظروف، يقع على عاتق الفقه الشيعي واجب توضيح قواعده ومبادئه المتعلقة بالدفاع عن الولي الفقيه.

في يوم عاشوراء، كان الإمام الحسين (ع) آخر من استشهد؛ لأنه لو استشهد الإمام قبل أصحابه، لما بقي أي أثر لجبهة الحق. هذا المنطق سارٍ أيضًا في الفقه السياسي، أي أن بقاء هيكل النظام يعتمد على بقاء رأسه.

إن الحفاظ على مكانة من يؤمن أمن وتماسك المجتمع الإسلامي ليس مجرد واجب أخلاقي وسياسي، بل هو وجوب شرعي وفقهي. فبناءً على آيات القرآن الكريم، فإن من يحارب الله ورسوله، أو يعرض المجتمع للخطر، يستحق حكم القتل. وبما أن الولي الفقيه في عصر الغيبة هو الخليفة الشرعي للإمام المعصوم (ع)، فإن تهديده يشبه تهديد رأس المجتمع الإيماني.

قاعدة “الأولوية” في الفقه
في الفقه، يُعتبر المُهدد الذي يستهدف إزاحة رأس المجتمع الإسلامي، حتى لو لم يكن في ساحة قتال تقليدية، مشمولًا بحكم “الحربي” (عدو محارب)؛ وذلك لمشاركته في مقر عمليات العدو وفي عملية التهديد. لذلك، يجب التعامل معه بحزم قاطع.

من المنظور الفقهي، لا يقتصر مفهوم “الجندي” على العسكري الرسمي فحسب، بل يشمل أي فرد يتحمل مسؤولية كفائية في مواجهة تهديد العدو. إذا دخل العدو المعركة، فإن كل مسلم قادر على الدفاع مُكلّف بأداء واجبه في تطبيق حكم الحرب.

الدفاع الأولي يعني إزالة التهديد لكي لا يجد أحد فرصة للتهديد. أما إذا وصل التهديد إلى مرحلة العمليات الفعلية، فيجب ضمان أمن المجتمع وقيادته عبر أساليب رادعة، وحتى إجراءات قاطعة ذات طابع استباقي. في مثل هذه الحالات، لا يُجيز الفقه الشيعي قتل المُهدد فحسب، بل يراه ضروريًا وواجبًا، لأن بقاء المجتمع الإسلامي مرهون بسلامة رأس السلطة.

الفتوى والسلطة الدينية: ضرورة التأهب الاجتماعي والإعلامي لتحقيق الأحكام الفقهية
عضو الهيئة العلمية بجامعة باقر العلوم (ع)، الأستاذ أحمد رهدار: قبل التهديد الرسمي الذي وجهه دونالد ترامب لقائد الثورة الإسلامية، صدرت فتوى عن السيد قرة داغي دعمًا لفلسطين، مما يدل على القدرة العالية للفقه على الانخراط في الدفاع عن الهوية الإسلامية وقادة المجتمعات الدينية.

هذه الفتاوى لا تخص شخصية معينة فحسب، بل تستند إلى مكانة قيادة المجتمع الديني، مما يجعلها قادرة على اكتساب أساس عالمي. يمكن للحوزات العلمية الاستفادة من القدرات العابرة للمذاهب؛ فالتواصل مع هيئات مثل الفاتيكان وتفعيل دور بعض الأساقفة والقادة الأرثوذكس المسيحيين لإصدار فتاوى أو بيانات دعمًا لقادة المجتمعات الدينية يُعد مثالًا على هذه القدرات.

في الماضي، كانت فتوى مرجع ديني كفيلة بتحريك المجتمع، لكن الهياكل الاجتماعية وعلاقات القوة قد تغيرت الآن بحيث لم يعد الفقه وحده قادرًا على إحداث تأثير واسع النطاق. ففي عصر الميرزا الشيرازي، كانت فتوى واحدة كافية، أما اليوم، فمن الضروري تهيئة الأرضية الاجتماعية، الإعلامية، الثقافية، والدولية لتحقيق الفتوى الدينية والامتثال لها.

الوضع الحالي لتأثير الفتاوى في المجتمع
في بعض الأحيان، يجد الفقيه نفسه في وضع لا تُنفذ فيه فتواه بالكامل بسبب عدم وجود الاستعداد اللازم على مستوى المجتمع. على سبيل المثال، قد لا تلقى الفتوى المتعلقة بحرمة الربا في النظام المصرفي استجابة مناسبة في المجتمع، لأن الهياكل الاقتصادية القائمة قد جعلت العمل الفردي والاجتماعي بهذه الأحكام أمرًا صعبًا.

يجب على مؤسسة الفقاهة أن تولي اهتماماً لهذه الحقيقة: إن الخلفية الأساسية لتأثير الفقه على مستوى المجتمع هي إيجاد الاستعداد الاجتماعي وإعادة بناء الثقة العامة. وهذا الاستعداد لا يتحقق بمجرد تكرار إصدار الفتاوى، بل يتطلب دخول مؤسسة الفقاهة إلى مجالات الإعلام، والثقافة العامة، وحتى التفاعلات الدولية.

لا تزال المرجعية الدينية تُعدّ أعلى رأسمال اجتماعي وديني في المجتمع الإسلامي. تتمتع فتاوى المراجع العظام بقدرة تأثير هائلة، ولكن لا ينبغي توقع أن يتحقق هذا التأثير بشكل تلقائي. يجب على الأقسام المختلفة في مؤسسة الفقاهة، من خلال تصميمات استراتيجية، تهيئة الظروف لقبول هذه الفتاوى وتنفيذها على مستوى المجتمع. 

الدفاع عن ولي الأمر ذو أبعاد عالمية

آية الله قايني: بعض الأحكام ذات طبيعة شخصية، بينما تتمتع أخرى بصبغة عامة ذات امتداد واسع ووجاهة دولية. ومسألة الدفاع عن ولي أمر المسلمين تُعد من جملة الأحكام التي تتسم ببعد عالمي، مما يستلزم منا مراعاة جملة من الاعتبارات؛ فمثلاً، ينبغي لنا انتقاء خطاب ومنهج منطقي ذي تأثير أوسع في الأوساط البشرية والعالمية، وقادر على استقطاب تأييد سائر الأمم.

وأوضح، أن الأدلة الفقهية تنقسم إلى قسمين رئيسين: الأدلة النقلية والأدلة العقلية، مضيفاً: لو انصبّ تركيزنا على الأدلة العقلية، لأمكننا توسيع رقعة تأثير عملنا والتوصل إلى قواسم منطقية مشتركة مع العديد من المفكرين في شتى المجتمعات، في حين أن التركيز في الحوزة العلمية ينحو أكثر نحو الأدلة النقلية، أي الآيات القرآنية الكريمة والروايات الشريفة.

وصرح أستاذ الحوزة العلمية بقم المقدسة: إن الإمام الخميني (قدس سره الشريف) قد شدد، في غير مسائل العبادات، على منهج النظرة العقلية؛ فعلى سبيل المثال، في تحليله لمفهوم الأنفال، أكد على الجانب الحقوقي للإمام والأئمة (عليهم السلام) وتناولها من زاوية عقلانية، مع أن لدينا نصوصاً من الآيات والروايات تتناول الأنفال أيضاً.

وفي إطار تحليله للدليل العقلي على وجوب الدفاع عن ولي الأمر، قال: إن عقل كل إنسان يحكم بضرورة الدفاع عن الحقوق والملكية التي يمتلكها، وهذا الأمر فطري، ولا يقتصر على بني البشر فحسب. فالإنسان، بحكم العقل والفطرة، ينهض بالدفاع عن هذه الحقوق.

وتابع آية الله قايني: إن وجود رئيس مؤهل يُعد حاجة ماسة لجميع المجتمعات، وكل مجتمع يرى في رئيسه الصلاحية، يُلقي على عاتقه واجب الدفاع عنه. وهذا المفهوم لا يختص بالمجتمع الإسلامي؛ لأن العقل يحكم به، وإذا ما عزم أحد على تهديد هذا الحق، فإن واجب الدفاع يقع على عاتق كل إنسان.

وبيّن، أن الفقيه، استناداً إلى قاعدة الملازمة المعروفة (كُلُّ ما حَكَمَ بِهِ العقل حَكَمَ بِهِ الشَّرع)، بوسعه استخلاص نتيجة فقهية من حكم عقلي، وقال: لو استعرضنا جميع المجتمعات البشرية عبر التاريخ، لوجدنا أن جميع الأفراد يدافعون عن حقوقهم، وإن حق كل إنسان يكمن في عدم وقوع الفتنة والقتل والسلب.

وأشار أستاذ الحوزة العلمية بقم المقدسة، إلى أنه في سيرة العقلاء، إذا ما تعرضت هذه الأمور للتهديد، فإنهم يتخذون الإجراءات المناسبة بمجرد ظهور مقدمات الخطر، وفيما يتعلق بسيرة العقلاء، الرأي المشهور هو أنه إذا ثبتت هذه السيرة في زمن المعصوم وكانت محل تأييده، فإنها تكون حجة. أما في السيرة العامة للعقلاء، فإنه يمكن اعتبارها حجة حتى لو لم يثبت أنها كانت في زمن المعصوم.

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

Clicky