الاجتهاد: صدر عن مركز العميد للبحوث والدراسات التابع لقسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة, كتاب (الفقه السياسي عند الإمام علي عليه السلام) للدكتور ناصر هادي الحلو.
كتاب الفقه السياسي عند الإمام علي (ع) لناصر هادي ناصر الحلو، هي جزء من متطلبات نيل درجة الدكتوراه في الفقه الاسلامي وأصوله بإشراف الاستاذ المساعد الدكتور عباس علي كاشف الغطاء وزارة التعليم العالي والبحث العلمي جامعة الكوفة-كلية الفقه.
يقع الكتاب في (300 صفحة) ويتضمن ثلاثة فصول رئيسية, وفصل تمهيدي, وكذلك عشرات المباحث والمطالب والفروع المتعلقة بفصول الكتاب ..
ينطلق الباحث (الدكتور ناصر الحلو) في كتابه, من فرضية مفادها أن للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) رؤية مميزة في بيان الأحكام السياسية الشرعية, تتسم بالشمولية والعمق والتطبيق العملي لتلك الأحكام من جهة , وإمكانية الإفادة من هذه الرؤية لمعالجة إشكاليات الأحكام السياسية في واقعنا المعاصر من جهةٍ أخرى .
احتوى الفصل التمهيدي على مباحث ثلاثة , تطرق الأول منها على التعريف بمفهوم الفقه السياسي , أما المبحث الثاني : فيعرض مفهوم الإمامة وبعض مقارباتها الدلالية, وأما المبحث الثالث : فقد تحدث عن الإمام علي (عليه السلام) بوصفه مصدراً تشريعياً.
أما الفصل الأول : فقد تناول المعارضة السياسية عند الإمام علي (عليه السلام) , وقد حوى تمهيداً ومباحث خمسة , عالج الأول منها الحقيقة اللغوية والاصطلاحية للمعارضة السياسية , في حين عرض الثاني منها النظرة التاريخية للمعارضة السياسية , أما الثالث : فقد عرض مشروعية المعارضة السياسية , وجاء الرابع لبيان حدود دائرة المعارضة السياسية , في حين بيَّن المبحث الخامس مستويات المعارضة السياسية وموجباتها.
وأما الفصل الثاني: فقد سلط الضوء على فقه الحكم عند الإمام علي (عليه السلام) , وكانت مباحثه أربعة, أولها: تناول مفهوم الحكم وما يتعلق بالحاكم, وأما الثاني: فكان في مصادر التشريع عند الإمام علي (عليه السلام) , والثالث: كان في بيان سياسة الحقوق والواجبات بين الحاكم والمحكوم , في حين كان المبحث الرابع مختصاً في سياسة الحكم في دولة الإمام علي (عليه السلام).
وانفرد الفصل الثالث: بالتعرف على فقه السلم والدفاع عند الإمام علي (عليه السلام) , وقد تضمن مباحث ثلاثة. جاء الأول منها للحديث عن فقه السلم. أما الثاني فقد كان في فقه الدفاع. وثالثها : تناول الحروب التي خاضها الإمام علي (علي السلام) إبان قيادته للدولة الإسلامية , من حيث الأسباب والنتائج والأحكام الشرعية المستنبطة من لدن الفقهاء والعلماء على أساس ما أنتجه الإمام (عليه السلام) في تلك الحروب.
لقد لاحظنا من قراءتنا للكتاب, أنّ الباحث (الدكتور ناصر الحلو) قدم البذرة الأولى باتجاه محاولة الخوض في موضوعة الفقه السياسي الذي لا يختلف اثنان على أهمية كونه يتناول القضايا الحساسة التي تمس حياة الفرد والمجتمع المسلم, وعلاقة ذلك المجتمع بالآخر.
حيث أنَّ المتتبع المستقرئ لمحتوى المكتبة الفقهية الإسلامية , يمكنه أن يؤشر ظاهرة تواضع المنتج المعرفي في حقل الفقه السياسي إذا ما قيس بأقسام الفقه الأخرى.
ومن هنا فإن فكرة تتبع واستقراء ما أنتجه وأسسه الإمام علي (عليه السلام) من أحكام شرعية في الحقل السياسي , ليس أمراً يسيراً لما تتطلبه هذه الدراسة من ملاحقة للأسس النظرية والقيمية التي شكَّلت بمجموعها فلسفة هذه الأحكام من جهة, ومتابعة الجوانب الموضوعية والفعلية في سياسة ذلك الحكم وتحليلها من جهة ثانية.
لقد حاول الباحث (وقد أجاد) في بناء معطى تصوري ينفع في مجال المقارنة بين حكومة الإمام علي (عليه السلام) والتي طُبعت بلمسته , فاكتسب نوع الحكم فرادته وتميزه السياسي والحقوقي , وبين نماذج الحكم القديمة والحديثة , وحتى تلك الحكومات التي تتخذ الإسلام شعاراً بينما هي في الجوهر على أقصى البعد والتنائي.
لقد استطاع الباحث (الدكتور ناصر الحلو) أن يحصر مضامين بحثه في الجوانب السياسية المحضة وما يتعلق بالمعارضة السياسية , وما يُعنى بقضايا الحكم , وأحكام الحرب والسلم , مستفيداً من فكر الإمام علي (عليه السلام) الذي أثرى مكتبة الفقه السياسي بما أنتجه من أحكام شرعية مستوحاة من جوهر الشريعة الإسلامية.
المقدمة
الحمد لذي الذي تجلى للقلوب بالعظمة، واحتجب عن الابصار بالعزة، واقتدر على الأشياء بالقدرة، وصلى الله تعالى على رسوله الصادق الأمين، وأهل بيته مصابيح الهدى وسبل النجاة، وعلى صحبه المنتجبين الأخيار. وبعد….
فان الفقه الاسلامي لا يقتصر على تناول الأحكام الشرعية الخاصة بتنظيم علاقة الإنسان بالله تعالى، والمرتبطة بالصلاة والصيام وسائر العبادات الأخرى كما قد يبدو الى أذهان بعضهم، بل يتسع ليشمل نواحي الحياة عامة سواء على مستوى الجانب الفردي أم السياسي أم الاجتماعي وما سوى ذلك، اذ يأمر الباري جل وعلا بأعمال ونشاطات لا يمكن أن يؤتي بها دون تنظيم. ومن تلكم الأعمال ما يتعلق بالمعارضة السياسية أو اقامة العدل أو الدفاع وما یعنی بسائر شؤون الحكم الأخرى.
والفقه الذي يختص بدراسة هذه الأحكام اصطلح على تسميته من لدن العلماء بالفقه السياسي.
ولعل المتتبع المستقرئ لمحتوى المكتبة الفقهية الاسلامية يمكنه أن يؤشر الى ظاهرة تواضع المنتج المعرفي في حقل الفقه السياسي اذ ما قيس بأقسام الفقه الأخرى.
ويبدو أن العامل الاختصاص بشؤون الحكم والحاكمين دور رئيس وراء ذلك التواضع على مستوى الكم. بيد أن ذلك لا يعني – بطبيعة الحال – انعدام شذرات متفرقة في هذا المنتج، وربما اصطفت – أحيانة – للكون بعض الدراسات التخصصية التي لا ترتقي الى مستوى طموح الباحثين والدارسين.
من أجل ذلك كانت البذرة الأولى للاتجاه بمحاولة الخوض في موضوعة الفقه السياسي الذي لا يختلف اثنان على أهميته كونه يتناول القضايا الحساسة التي تمس حياة الفرد والمجتمع المسلم، وعلاقة ذلك المجتمع بالآخر.
من هنا كانت فكرة تتبع واستقراء ما أنتجه وأسسه الامام علي (ع) من أحكام شرعية في الحقل السياسي، وبالرغم من أن ذلك ليس أمرا يسيرة لما تتطلبه هذه الدراسة من ملاحقة للأسس النظرية والقيمية التي شكلت بمجموعها فلسفة هذه الأحكام من جهة، ومتابعة وتحليل الجوانب الموضوعية والفعلية في سياسة ذلك الحكم من جهة ثانية هذا وبالرغم من تعدد وتنوع الدراسات التي كتبت بشأن الامام علي (ع) بشكل عام، وعن حكمه بشكل خاص، والتي قد خلص بعضهم منها إلى استنتاجات مهمة ورصينة على صعيد البحث العلمي.
وكان الدافع الذي حفزني للكتابة في هذا الاطار مركبة من أسباب عدة، أهمها: الأول: ما تمثله حيوية الموضوع، اذ لم تستنفذ كل الكتب والدراسات التي كتبت بخصوصه من حيويته، بل تكاد لم تنتقص من حيويته، لا سيما وأن الجدل والاختلاف وتناقض التفسيرات والمقاربات ظاهرة بارزة في تلك البحوث والدراسات، وهو ما يعطي دافعة أكبر للباحث من أجل النظر في هذه الاختلافات ومناقشة بعضهم.
الثاني: محاولة بناء معطي تصوري ينفع في مجال المقارنة بين حكومة الإمام علي (ع) والتي طبعت بلمسته، فكانت نوع حكم اكتسب فرادته وتميزه السياسي والحقوقي، وبين نماذج الحكم القديمة والحديثة، وحتى تلك الحكومات التي تتخذ الاسلام شعار بينما هي في الجوهر على أقصى البعد والتنائي.
الثالث: كون الامام علي (ع) هو المثل الأعلى للاسلام – بعد الرسول الأكرم (ع ) – بجميع مقوماته ومكوناته، ولم يؤثر عن غيره من خلفاء المسلمين مثلما أوثر عنه في بيان أحكام الاسلام، وفلسفة تشريعاته، سيما وان فترة قيادته للدولة الاسلامية قد شهدت أنواع شتى من الفتن الداخلية كانت تمثل سببا رئيسة في افراز العديد من الأحكام الشرعية في المجال السياسي، وبالتالي فقد أثرى الامام علي (ع) مكتبة الفقه السياسي بما أنتجه من أحكام شرعية مستوحاة من جوهر الشريعة الإسلامية، وما أسسه الرسول الأكرم (ص).
الرابع: وثمة سبب ذاتي يتمثل في حرصي على تتبع معاني نصوص الامام علي ( ع) أينما وجدت سواء ما تضمنه منها كتاب نهج البلاغة أم في غيره.
من أجل ذلك وجب التعرف على هذه الأحكام والاقتداء بها.
ولسعة الأحكام السياسية الشرعية، وقدرتها لأحتواء ومعالجة سائر شؤون الحياة الانسانية، فقد تخصص البحث بتناول الجوانب السياسية المحضة ومنها ما يتعلق بالمعارضة السياسية، وما يعنى بقضايا الحكم، وأحكام الحرب والسلم، تاركا ما يتعلق منها بشؤون الاقتصاد والاجتماع والمال الى دراسات تخصصية أخرى.
فرضية البحث:
ينطلق البحث من فرضية مفادها أن للامام علي بن أبي طالب (ع) رؤية مميزة في بيان الأحكام السياسية الشرعية، تتسم بالشمولية والعمق والتطبيق العملي لتلك الأحكام من جهة، وامكانية الاستفادة من هذه الرؤية لمعالجة اشكاليات الأحكام السياسية في واقعنا المعاصر من جهة أخرى… .
تقوم هيكلية البحث على تقسيم مضامينه الى فصول ثلاثة، سبقتها مقدمة وفصل تمهيدي، وأعقبتها خاتمة تضم أبرز ما توصل اليه الباحث من خلاصة. فالفصل التمهيدي يحتوي على مباحث ثلاثة، تطرق الأول منها الى التعريف بمفهوم الفقه السياسي، أما المبحث الثاني: فيعرض الى مفهوم الإمامة وبعض مقارباتها الدلالية، وأما المبحث الثالث: فقد تحدث عن الامام علي (ع) بوصفه مصدر تشريعية.
ومن ثم خاتمة تضم – كما أشرنا سابقا – الى خلاصة وجملة من الاستنتاجات، وأخيرا قائمة بأهم مصادر البحث.
وختاما أود أن أشير إلى أن هذه الدراسة لا تدعي الريادة والكمال اذ الكمال الله تعالى وحده، وحسبها شرف المحاولة، والانتماء الى أعظم شخصية اسلامية بعد النبي (ع)، فقد تقلب الباحث بين عشرات المصادر تحت أنظار ورعاية الامام (ع) لأشهر مضت أملا في أن تكون لبنة صالحة لدراسات أشمل وأوسع.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
الباحث
فهرس المحتويات:
للتحمیل: