الاجتهاد: صدرت في الآونة الأخيرة مقالة لکاتب غير ملم بتاريخ الاسلام الصحيح يقطن منطقة سيستان وبلوجستان في شأن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت عنوان «اسطورة شهادة فاطمة الزهراء (عليها السلام)». وبعد أن ذکر في هذه المقالة مناقب و فضائل لسيدة نساء العالمين (عليها السلام)، سعى لانکار استشهادها ونفي ما جرى عليها من المصائب الکثيرة.
و بما أنّ هذه المقالة تحمل تحريفاً واضحاً لتاريخ الاسلام، کان لزوماً علينا فضح هذا التحريف وبيان بعض الحقائق التاريخية التي تثبت أنّ شهادة فاطمة الزهراء (عليها السلام)حقيقة تاريخية لا يعتريها الريب والشک، ولولا أنّهم بدأوا بطرح هذه المسألة، لما کنّا مستعدين لمتابعة هذا البحث في مثل هذه الظروف مستعدين لمتابعة هذا البحث.
والنقاط التي نثيرها في هذا البحث کالتالي:
1 ـ عصمة الزهراء(عليها السلام) في کلام النّبي الأکرم(صلى الله عليه وآله وسلم).
2 ـ مکانة دار الزهراء (عليها السلام) في القران والسنّة.
3 ـ هتک حرمة دار الزهراء (عليها السلام) بعد رحيل أبيها الکريم(صلى الله عليه وآله وسلم).
وببيان هذه النقاط الثلاث نأمل أن يذعن کاتب هذه المقالة لهذه الحقائق التاريخية ويندم على ما خطّه قلمه، ويسعى إلى جبران ما صدر منه.
وجدير بالذکر أنّ جميع مطالب هذا الکراس استخرجت من المنابع والمصادر المعروفة لأهل السنّة.
1 ـ عصمة الزهراء (عليها السلام) في کلام النّبي الأکرم(صلى الله عليه وآله وسلم)
کانت فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) تتمتع بمکانة عالية عند الله وعند أبيه(صلى الله عليه وآله وسلم)، والاحاديث النبوية الشريفة في حقّها تحکي عن عصمتها وطهارتها من الرجس والذنوب کلّها، إذ يقول: «فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني».(1)
ومن الواضح أنّ غضب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) موجب لأذاه ومن يسبب الأذى لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقع مصداقاً لقوله تعالى: (والّذينَ يُؤذُون رَسولَ اللهِ لَهُم عَذابٌ أَلِيمٌ).(2)
وأي دليل أقوى على عصمته(عليها السلام) أن رضاها رضى الله عزّوجلّ، وغضبها غضب الله عزّوحلّ کما ورد في النبويّ الشريف:
«يا فاطمة إنّ الله يغضبُ لِغضبک ويَرضى لرضاک»(3)
وهذا المقام الرفيع، هو الذي دعى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يلقبها بسيّدة نساء العالمين إذ يقول في حقّها:
«يا فاطمة! ألا ترضين أن تکوني سيّدة نساء العاليمن، وسيّدة نساءِ هذه الاُمّة وسيّدة نساء المؤمنين».(4)
2 ـ مکانة دار الزهراء (عليها السلام) في القران والسنّة
ذکر المحدّثون، عندما نزلت الآية الشريفة: (في بُيُوت أَذنَ اللهُ أنْ تُرفعَ ويُذکر فيها اسمه).(5) قرأ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)هذه الآية في المسجد فقام إليه رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول الله؟ قال(صلى الله عليه وآله وسلم): «بيوت الأنبياء».
فقام أبو بکر فقال: يا رسول الله أهذا البيت منها ـ مشيراً إلى بيت علي وفاطمة (عليهما السلام) ـ. قال(صلى الله عليه وآله وسلم): «نعم من أفاضلها!».(6) وبقي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) تسعة أشهر بعد نزول هذه الآية ينادي عند مروره من جانب بيت فاطمة(عليها السلام) ـ وعلي(عليه السلام) ـ وهو ذاهب إلى صلاة الصبح:
(إنّما يُريد اللهُ لِيذهب عنکُم الرِّجس أهل البيت ويُطهّرکُم تَطهيراً).(7)(8) هذه التي هي مهبط وحي ومنبع النور الإلهي، وقد أمر الله أن ترفع ويذکر اسمه… أجل هذه الدار التي تضمّ أصحاب الکساء وقد ذکرها الله عزّوجلّ بتبجيل واجلال، يجب أن تکون محلّ تقدير واحترام المسلمين قاطبة.
ولکن لنرى کم روعيت حرمة هذه الدار بعد رحيل النّبي الأکرم(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ وکيف تجرؤوا على هتک حرمتها،؟ وقد اعترفوا بذلک بصراحة، ومن هم اُولئک الهتاکون، وما کانت بغيتهم؟
3 ـ هتک حرمة دار الزهراء (عليها السلام) بعد رحيل والدها الکريم(صلى الله عليه وآله وسلم)
أجل، بعد الوصايا العديدة والمؤکّدة، نرى – ومع الأسف – أن البعض قد تجرأ على هتک حرمة هذه الدار، وليست هذه المسألة بالتي يمکن انکارها اطلاقاً.
ونحن نورد نصوصاً في هذه المسألة من کتب ومصادر أهل السنّة ليتّضح أنّ مسألة هتک حرمة بيت الزهراء (عليها السلام)
والاحداث التي تعقبت هذا الحادث إنّما هي حقيقة تاريخيّة مسلّمة وليست بالاسطورة بحال!! وبالرغم من أن عصر الخلفاء شهد رقابة شديدة بالنسبة للفضائل والمناقب، ولکن بما أن (حقيقة الشيء هي المحافظة له) هذه الحقيقة التاريخيّة حُفظت بصورة حيّة في طيات الکتب التاريخ والمصادر الحديثية، وعلى هذا فنحن نأخذ بنظر الاعتبار في نقلنا التاريخي من الوثائق والمصادر المعتبرة ترتيبها الزماني منذ القرون الاولى، وحتى المؤرخون والکتاب في العصر الحاضر:
1 ـ ابن أبي شيبة وکتابه «المنصّف»
نقل أبو بکر بن ابي شيبة (159 ـ 235) مؤلف کتاب «المصنّف» بسنده الصحيح: «إنّه حين بويع لأبي بکر بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) کان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم.
فلما بلغ عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال: يا بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) والله ما أحد أحبَّ إلينا من أبيک وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيک منک، وأيم الله ما ذاک بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندک أن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت!
قال: فلما خرج عمر جاؤوها، فقالت: تعلمون أنّ عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليُحرقنّ عليکم البيت، وأيم الله ليمضين لما حلف عليه!».(9)
2 ـ البلاذري في کتابه «انساب الاشراف»
نقل احمد بن يحيى جابر البغدادي البلاذري (المتوفي 270) ـ الکاتب الشهير وصاحب التاريخ الکبير ـ هذه الواقعة التاريخية في کتابه «انساب الاشراف»:
«إن أبا بکر أرسل إلى علي يريد البيعة فلم يبايع، فجاء عمر ومعه فتيلة! فتلقته فاطمة على الباب.
فقالت فاطمة: يابن الخطاب، أتراک محرقاً عليّ بابي؟ قال نعم، وذلک أقوى فيما جاء به أبوک…!»(10).
3 ـ ابن قتيبة في کتابه «الإمامة والسياسة»
کتب المؤرّخ الشهير عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (212 ـ 276) ـ من اساطين الادب في حوزة التاريخ الاسلامي، ومؤلف کتاب «تأويل مختلف الحديث» و«ادب الکاتب» و… ـ في کتاب «الامامة والسياسة»:
«إن أبا بکر رضي الله عنه تفقد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند علي کرم الله وجهه فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لاحرقنّها على من فيها، فقيل له: يا أبا حفص إنّ فها فاطمة فقال: وإن!!».(11)
ثم کتب ابن قتيبة بعد هذه القضيّة المؤلمة يقول: «ثمّ قام عمر فمشى معه جماعة حتّى أتوا فاطمة فدقّوا الباب فلّما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها يا أبتاه يا رسول الله ماذا لقينا بعدک من ابن الخطاب، وابن أبي قحافة فلما سمع القوم صوتها وبکائها انصرفوا.
وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا عليّاً فمضوا به إلى أبي بکر فقالوا له بايع: فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟ فقالوا: إذاً والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقک…!».(12)
لا ريب أن هذا الجانب من التاريخ يصعب على کثير من الناس قبوله والتصديق به، ولذا تردد بعض في نسبة الکتاب إلى ابن قتيبة، والحال أنّ استاذ التاريخ ابن أبي الحيد اعتبر الکتاب المزبور من آثار ابن قتيبة، وقد تکرر نقله لهذه المطالب منه، ولکن مع الأسف اصيبت عاقبة هذا الکتاب بالتحريف وحذف قسماً منه عند الطبع والحال أن نفس هذه المطالب قد وردت في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد.
وهذا «الزرکلي» في «الاعلام» وقد عدّ هذا الکتاب من آثار ابن قتيبة ثم أضاف: أنّ لبعض العلماء نظراً في نسبة هذا الکتاب، أي أنّهم نسبوا الشک والتريد إلى الآخرين لا إلى أنفسهم،(13) وکذلک اعتبر اليان سرکيس(14) هذا الکتاب من آثار ابن قتيبة.
4 ـ الطبري وتاريخه
يروي محمّد ابن جرير الطبري (المتوفي 310) في تاريخه قضيّة هتک حرمة دار الوحي بهذه الصورة: «أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين، فقال: والله لاحرقنّ عليکم أو لتخرجنّ إلى البيعة، فخرج عليه الزبير مصلتاً بالسيف فعثر فسقط السيف من يده، فوثبوا عليه فأخذوه».(15)
يحکي لنا هذا الجانب من التاريخ أن البيعة أيضاً اُخذت من الناس بالقهر والقوة والتهديد، فما قيمة مثل هذه البيعة؟، على القارىء أن يحکم بنفسه.
5 ـ ابن عبد ربه في کتابه «العقد الفريد»
کتب شهاب الدين احمد المعروف بـ «ابن عبد ربه الاندلسي» مؤلف کتاب «العقد الفريد» (المتوفي 463 هـ) في کتابه بحثاً مفصّلاً حول تاريخ السقيفة أورده تحت عنوان «الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بکر وقال»: «فأمّا على والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بکر، عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة وقال له: إن أبوا فقاتلهم، فاقبل بقبس من نار أن يُضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة فقالت: يا ابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا!! قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الاُمّة!».(16)
إلى هنا ختمنا بحثنا حول تصميمهم على هتک حرمة بيت فاطمة(عليها السلام)، والآن نتابع البحث الثاني الذي يتحدث عن عزمهم العملي لما يريدون.
لا ينبغي أن يتوهّم أنّ نيّتهم لم تکن سوى تخويف علي(عليه السلام)واصحابه وارغامهم على البيعة، من دون العزم على ترجمة هذا التهديد على أرض الواقع العملي. وعندما نتابع البحث يتبيّن لنا أنّهم أقدموا على جريمة نکراء!
بدأ الغارة !
إلى هنا کان الحديث عمّا ورد في المصادر التاريخية عن سوء نيّة الخليفة وأعوانه في هذه الواقعة، ولکن البعض لم يرغبوا أو لم يحالفهم الحظ في تصوير الفاجعة کما هي، أي الهجوم على البيت و… ولکنّهم ازاحوا الستار قليلاً عن وجه الحقيقة، ونشير هنا إلى الوثائق التي تشير إلى تلک الغارة الشنيعة (وفي هذا القسم أيضاً ننقل الحوادث التاريخية التي واکبت الغارة من مصادرها بالترتيب الزماني).
6 ـ ابو عبيد في کتابه «الاموال»
نقل أبو عبيد قاسم بن سلام (المتوفي 224) في کتابه المسمى بـ «الاموال» الذي يعتبر مورد اعتماد فقهاء الاسلام:
عن عبد الرحمن بن عوف قال: دخلت على أبي بکر في مرضه عائداً… فقال بعد کلام طويل: «أجل إنّي لا آسى عن شيء من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهنّ وددت أنّي ترکتهن، وثلاث ترکتهنّ وددت أنّي فعلتهنّ ـ إلى أن قال ـ: فأمّا الثلاث التي فعلتهنّ وددت إنّى ترکتهنّ.. ـ منها ـ:
«فوددت أنّي لم أکشف بيت فاطمة وترکته وأن أغلق على الحرب».(17)
عندما يصل أبو عبيد إلى هذا الکلام يقول بدل جملة: «لم أکشف بيت فاطمة وترکته» ثمّ يقول: کذا وکذا ويضيف بأنّه لا يرغب في التصريح!
ومع ذلک فکلما سعى «أبو عبيد» إلى طمس الحقيقة بسبب التعصب المذهبي أو لسبب آخر، فان المحققين لکتاب «الاموال» يذکرون في هامش الکتاب أن الجمل المحذوفة وردت في کتاب «ميزان الاعتدال» بالنحو المذکور آنفاً ومضافاً إلى ذلک فان «الطبراني» في معجمه و«ابن عبد ربه» في «العقد الفريد» وآخرين قد ذکروا تلک الجمل المحذوفة. (فتدبر)
7 ـ الطبراني والمعجم الکبير
نقل ابو القاسم سليمان بن احمد الطبراني (260 ـ 360) ـ الذي يقول في حقّه الذهبي في «ميزان الاعتدال»: الحافظ
الثبت المُعَمَّر(18) ـ في کتاب «المعجم الکبير» ـ والذي طبع کراراً ـ کلاماً حول أبي بکر وخطبه ووفاته: ودّ ابو بکر عند موته اموراً:
«ثلاث فعلتهنّ وددت أنّي ترکته. ثلاث ترکتهنّ وددت أنّي فعلته . أمّا الثلاث اللائي وددت أني لم أفعلهنّ . فوددت إنّي لم أکن أکشف بيت فاطمة وترکته …».(19)
هذه الکلمات تکشف لنا بوضوح أن تهديدات عمر قد تحققت عملياً، ولو کان هذا أمراً بسيطاً لما تأسف عليه الخليفة في آخر عمره.
8 ـ ابن عبد ربه و«العقد الفريد»
نقل ابن عبد ربه الاندلسي مؤلف کتاب «العقد الفريد» (المتوفي 463 هـ) في کتابه عن عبد الرحمن بن عوف: «دخلت على أبي بکر في مرضه الذي توفي فيه… قال: أمّا الثلاث التي فعلتهنّ وددت أني ترکتهن ـ منها ـ:
وددت أنّي لم أکشف بيت فاطمة عن شىء و ان کانوا اغلقوه على الحرب ووددت انّى لم أکن حرقت الفجاءة السّلمي… ووددت أنّي يوم سقيفة بني ساعدة قَدْ رَميْتُ الأمر في عنق اَحَدِ رجلين – يريد عمر وأبا عبيدة».(20)
9 ـ کلام النظّام في کتابه «الوافي بالوفيات»
نقل ابراهيم بن سيار نظام المعتزلي (160 ـ 231) ـ الذي عرف بالنظّام لروعة کلامه في نظمه ونثره ـ ما وقع بعد حضورهم في دار فاطمة(عليها السلام)في کتب متعددة وقال: «إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها».(21) ويا لها من مصيبة فادحة!
10 ـ المبرد في کتاب «الکامل»
کتب محمّد بن يزيد بن عبد الأکبر البغدادي (210 ـ 285) الاديب والکاتب الشهير وصاحب المؤلفات القيمة، في کتابه «الکامل» عن عبد الرحمن بن عوف قضيّة تمنيات الخليفة: «وددت أنّي لم أکشف بيت فاطمة وترکته ولو أغلق على الحرب».(22)
11 ـ المسعودي و«مروج الذهب»
کتب المسعودي (المتوفي 325) في «مروج الذهب»: «لمّا احتُضِرَ ـ أي أبو بکر ـ قال: أجل إنّي لا آسى عن شيء من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهنّ وددت أنّي ترکتهن ـ منها ـ وددت أنّي لم أکن فتشت بيت فاطمة وذکر في ذلک کلاماً کثيراً».(23)
إنّ المسعودي رغم أنّه يميل عاطفياً إلى أهل البيت(عليهم السلام)ولکنه احترز هنا عن تقرير کلام الخليفة واکتفى بالکناية: ولکنّ الله يعلم وکذلک يعلم عباده بذلک.
12 ـ ابن أبي دارم في کتاب «ميزان الاعتدال»
نقل «احمد بن محمّد» المعروف بـ «ابن أبي دارم» المحدّث الکوفي (المتوفي 357) إذ يقول محمّد بن أحمد بن حماد الکوفي في مدحه «کان مستقيم الأمر، عامة دهره»، نظراً إلى مکانته هذه يقول، قُرأ هذا الحديث في محضره: «إنّ عمر رفس فاطمة حتى اسقطت بمحسن!».(24) أجل! ما عشت اراک الدهر عجباً!
13 ـ عبد الفتاح عبد المقصود في کتابه «الإمام علي»
نقل الغارة على دار الوحي في موردين ونحن نکتفي بواحد منهما، قال عمر: «والذي نفس عمر بيده، ليخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها»! قالت له طائفة خافت الله، ورعت الرسول في عقبه: يا أبا حفص، إنّ فيها فاطمة….»! فصاح لا يبالي «وإن…»
واقترب وقرع الباب، ثم ضربه واقتحمه.. وبدا له علي.. ورنّ حينذاک صوت فاطمة عند مدخل الدار… فان هي إلاّ طنين استغاثة …(25) الاستغاثة ممن؟ ومن أيّ شيء؟!
14 – کتاب مقاتل بن عطية
نختم هذا البحث بحديث آخر من کتاب «مقاتل ابن عطية» في کتاب الامامة والسياسة (رغم أنّ ما لم يقل أکثر مما قال).
کتب في هذا الکتاب: «إن أبا بکر بعد أخذ البيعة لنفسه من الناس بالارهاب والسيف والقوة أرسل عمر، وقنفذاً وجماعة إلى دار علي وفاطمة(عليهم السلام) وجمع عمر الحطب على دار فاطمة واحرق باب الدار…».(26) فلم يکن هذا مجرّد تهديد وارهاب!
النتيجة:
هل يصحّ أن يقال مع کلّ هذه الوثائق التاريخية الصريحة المأخوذة بصورة عامة من کتب أهل السنّة المشهورة أنّ استشهاد فاطمة الزهراء کان «اسطورة»؟
اين الإنصاف؟
ومن البديهي أنّ کلّ من يقرأ هذا البحث الموجز والذي يقوم على اساس الوثائق والمصادر المعتبرة سوف يدرک جيداً ما حصل من شدة الفتنة بعد رحيل الرسول الاعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) وما ارتکب من أعمال من أجل نيل الحکومة والخلافة وهذه هي الحجّة التامة الدامغة على جميع من يتحرک في فهم الاحداث التاريخية من موقع العقل والانصاف وبعيد عن التعصب والعناد لاننا لا نکتب شيئاً سوى ما ورد في المصادر المعتمدة المعروفة، ولو فرض فرضاً غير مقبول، المناقشة في بعضها ففي الباقي غنى وکفاية والله الهادي إلى سواء السبيل.
والسّـلام
جمادى الثانية 1422
الهوامش
1. فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ج 7، ص 63; ونقل البخاري أيضاً هذا الحديث في باب مناقب فاطمة، ج 4، ص 219; وأخرجه المغازي في أواخر، ج 8، ص 110.
2 . سورة التوبة، الآية 61.
3 . مستدرک الحاکم، ج3، ص154; مجمع الزوائد، ج9، ص203; وأورد الحاکم في کتابه المستدرک احاديث جامعة لشرائط الصحة التي يرى البخاري ومسلم لزوم توفرها في صحة الحديث.
4 . مستدرک الحاکم، ج3، ص156.
5 . سورة النور، الآية 36.
6 . الدر المنثور، ج 5، ص 50; تفسير سورة النور، روح المعاني، ج 18، ص 174.
7 . سورة الاحزاب، الآية 33.
8 . الدر المنثور، ج 5، ص 199.
9 . المصنّف ابن أبي شبية، ج 8، ص 572.
10 . انساب الاشراف، ج1، ص586 مطبعة دار المعارف، القاهرة.
11 . الإمامة والسياسة، ص12، طبعة المکتبة التجارية الکبرى، بمصر.
12 . الامامة والسياسة، ص13.
13 . الاعلام، ج 4، ص 137.
14 . معجم المطبوعات العربية، ج1، ص212.
15 . تاريخ الطبري، ج2، ص443، طبع بيروت.
16 . العقد الفريد، ج 4، ص 259، طبع مکتبة دارالکتب العربى، بيروت.
17 . الاموال، الهامش 4، طبع ونشر کليات الازهرية، الاموال، ص144، طبع بيروت وکذلک ابن عبد ربه في العقد الفريد، ج4، ص93، نقله کما سنشير اليه.
18 . ميزان الاعتدال، ج2، ص195.
19 . المعجم الکبير الطبراني، ج1، ص62، رقم الحديث 34، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي.
20 . العقد الفريد، ج 4، ص 268، طبع مکتبة دارالکتب العربى، بيروت.
21 . الوافي بالوفيات، ج6، ص17، الرقم 2444; الملل النحل للشهرستاني، ج1، ص57، مطبعة دار المعرفة، بيروت، وراجع ترجمة النظّام في کتاب «بحوث الملل والنحل» ج3، ص248 ـ 255.
22 . شرح نهج البلاغة، ج2، ص46 و 47، طبع مصر.
23 . مروج الذهب، ج3، ص301، طبع دار الاندلس، بيروت
24 . ميزان الاعتدال، ج 1، ص 139.
25 . عبد الفتاح عبد المقصود، علي بن أبي طالب ،ج4، ص276 ـ 277.
26 . کتاب الامامة والخلافة،ص160، ص161، تأليف مقاتل بن عطية طبع مع مقدمة الدکتور حامد داود استاذ جامعة عين الشمس بالقاهرة، طبع بيروت، ومؤسسة البلاغ.
المصدر: موقع مكتب سماحته على النت