الاجتهاد: في إطار سلسلة البحوث الفقهية التي يقدّمها سماحة العلامة الفقيه آية الله الشيخ يوسف السبيتي العاملي للحوزة العلمية، يتناول في هذا البحث موضوعًا دقيقًا وحيويًا يمسّ بنية الأسرة واستقرارها، وهو الطلاق وحق الحضانة.
يبحث الأستاذ في هذا العمل مسألة مبغوضية الطلاق في الشريعة وآثاره الاجتماعية والنفسية، ثم يعالج بتأنٍ علمي وفقهي مسألة حق الحضانة ومدتها بين الأم والأب، مستعرضًا الآراء الفقهية المتعددة ومقاصد الشريعة في حفظ مصلحة الطفل والوالدين معًا.
ويطرح العلامة السبيتي رأيه الشريف في ضوء النصوص والأدلة، مؤكدًا على أهمية الموازنة بين الحقّ والرحمة، والحكم والمصلحة، بما يصون كرامة الأسرة ويحقق العدالة التي أرادها الإسلام في نظام العلاقات الزوجية.
هذا البحث يأتي ضمن سلسلة علمية يقدّمها سماحته تعزيزًا للبحث الفقهي الأصيل وتفعيلًا للاجتهاد المعاصر في قضايا الإنسان والمجتمع.
مدة الحضانة بين الأم والأب
اختلف الفقهاء (أعلى الله مقامهم) في هذه المسألة على أقوال:
الأول: ذهب إلى أن الأم أحق بولدها – ذكر أو أنثى- طوال مدة الرضاع، أعني حولين كاملين، سواء أرضعته هي بنفسها أم بغيرها، فلا يجوز للأب أن يأخذه في هذه المدة، فإذا انقضت مدة الرضاع، فالأب أحق في هذه المدة بالولد بعد ذلك إلى سن التخيير (12 – 13 سنة تقريبًا). بحسب تميّز الولد ونضوجه في هذا الأمر، وعندئذ فالصبي هو الذي يختار من يشاء منهما.
الثاني: الأم أحق بحضانة الولد الذكر إلى سنتين والأنثى إلى سبع سنين، وبعدها فالأب أحق بهما إلى مرحلة التخيير.
الثالث: الأم أحق بحضانة الولد ذكر أو أنثى إلى سبع سنين، وبعد ذلك فالأب أحق بهما، إلى مرحلة التخيير.
وفي الأقوال الثلاثة، لا بد من الإحتفاظ بحق الرؤية لمن لم يكن الولد بحضانته، وتختلف مدة الرؤية باختلاف الموارد وتحديدها يرجع إلى نظر الحاكم الشرعي بحسب طبيعة الزمان والمكان والأحوال والأشخاص.
هذه الأقوال مشهورة بين العلماء، مع وجود أقوال أخرى لم يعمل بها الأصحاب.
ولكن بعد التأمل والتحقيق في المسألة – وهذا ما يحتاج الى بحث مفصل وطويل لا يتسع المقام لذكره هنا (راجع كتابنا الطلاق بين الفراق والوفاق)- وبعد وجود التفاوت في الروايات في المقام، فلا بد من ضم بعضها إلى الأخرى، والجمع بينها بمقتضى حالها والنظر إلى مواردها المختلفة في كل قضية وحالة شخصية كما هو الواضح المعلوم لمن عرف حيثيات المجتمع في الأسر وأحوالها، ولعل هذا ما رمى إليه الشارع الأقدس في اختلاف الروايات.
ولذلك نرى بأن الحاكم الشرعي قد يحكم بحق حضانة الأم لولدها إلى حين البلوغ ما لم تتزوج، كما تشير إليه بعض الرويات كرواية المنقري: – (عن علي بن إبراهيم عن علي بن محمد القاساني، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عمن ذكره قال: سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يطلق امرأته وبينهما ولد أيهما أحق بالولد ؟ قال: المرأة أحق بالولد ما لم تتزوج).
فإن الأقرب عندي هو مراعاة مصلحة الطفل في حمايته ورعايته والاهتمام به، كل بحسبه، وهذا يختلف بإختلاف طبيعة الأم والأب والولد، من جهة الدين والأخلاق والتربية والسلوك، فلا بد من دراسة القضية بنحو جامع يُراعى فيه مصلحة الولد، سواء أكان ذلك في بدنه، أم في دينه وعقيدته، أم في سلوكه وثقافته، أم في البيئة الصالحة التي ينمو بها ويكبر فيها على الخير والحق والصلاح والهدى.
والخلاصة: ان حضانة الولد من حق الأم والأب معًا، فكما أنه لا يجوز حرمان الأم من ولدها، كذلك الحال لا يجوز حرمان الأب من ولده، والحال أنه كما أن للأم مشاعرها المقدرة في أمومتها، فإن للأب في أبوّته مشاعره المقدرة أيضًا ولا يُضار أحدهما بالآخر.
ولكن مع هذا، فإننا قد نحكم بأحقية الأم لولدها في مدة الحضانة وما بعدها، فيما لو كان الأب مهملًا، لا مباليًا بولده، أو كان ممن لا وقت لديه لرعاية ولده والاهتمام بمدة الحضانة لأي سبب كان، أو كان الأب ذا سلوك فاسد مما يلحق بالضرر الكبير على الولد إذا كان في كنف أبيه، وهكذا الحكم بالنسبة إلى الأم فقد لا يثبت لها حق الحضانة فيما لو كانت غير مؤهلة لذلك.
قراءة وتحميل كامل البحث:
 الاجتهاد موقع فقهي
الاجتهاد موقع فقهي
				 
		 
						
					 
						
					