الاجتهاد: ما قرأت ترجمة أحد من العلماء إلا ووجدته ضمن قائمة اساتيذه إلا ما ندر، فمن لم يحضر تحت منبره في فلسفة الأسفار والمنظومة، تجده جلس في حلقته ليأخذ أصول الكفاية، ومن لم يأخذ الفلسفة والأصول منه تجده تتلمذ عليه في فقه المكاسب.
تصدى لتدريس الفلسفة والسطوح لأكثر من أربعين سنة، وصف بأستاذ الفلسفة والحكمة الأوحد في النجف وبأستاذ الكفاية الأول، اما الفقه فقد نقل عنه قوله: إن لم ادرس الفقه أموت.
فهو من أبرز الأستاذة وامهر الشراح وحسبك أن من تلاميذه السيد الشهيد محمد باقر الصدر والسيد الشهيد محمد الصدر والسيد المغيب موسى الصدر والشيخ الشهيد مرتضى البروجردي والشيخ الآصفي والتسخيري والسيد فضل الله والجلالي وعبد العزيز الطباطبائي والسيد محمد مهدي الخرسان والمدرس الأفغاني و…. والقائمة تطول حتى قال بعض العلماء: قد استفاد جميع فقهاء النجف المتأخرين من مائدة البحث الاصولي والفقهي للشيخ صدرا.
مٌنع من تدريس الفلسفة في الحلقات العامة فاقتصر في تدريسها على الخواص في حلقات خاصة وتفرغ للفقه والأصول، وقيل بأنه امتثل لمنع السيد حسين البروجردي للفلسفة بينما لم يمتثل العلامة الطباطبائي لهذا المنع.
ويروى: (وبعد شروع الدرس، لبس السيّد جلال اليزدي الكفن وجيّش العلماءَ ضدّ الشيخ البادكوبي ودرسِه (وكان مناوئاً للفلسفة)، فاضطرّ الشيخ البادكوبي إلى تعطيل الدرس). ولم اعرف من هذا السيد جلال اليزدي رغم البحث عنه فليت هناك من ينورنا عنه ؟! وقيل إن التحريم جاء من السيد اقا إبراهيم الاصطهباناتي وهناك أقوال أخرى.
عاش في بيت مساحته 35 متراً فإذا زاره الضيوف صعد بهم الى السطح. وقد ذكر لي أحد الإخوة الكرام ممن هو على إطلاع ( وقد درس عنده السيد مهدي الخرسان ثم نهره والده او حرم عليه فامتنع ،وبيته بجنب بيت س مهدي الخرسان، ما سكن فيه احد إلا واشترى بيتا) .
ورغم البحث والتنقيب عنه في المعاجم وكتب التراجم فمن المؤسف إن التفاصيل عنه شحيحة ونادرة فلا تجد سوى نتف متناثرة هنا وهناك بينما مقامه أن يعقد له فصل أو يكتب عنه كتاب فقد كان من أبرز أساتذة الفلسفة، وسمي صدرا تشبيها له بالملا صدرا الشيرازي.
يقول عنه السيد محمد الصدر: (حضرت عند الشيخ صدرا البادكوبي (قدس الله روحه) كان من فضلاء الحوزة، وشيبة صالحة وصديقاً لسلفي الصالح من الأسرة وغير الأسرة، توفي رحمه الله، على كلِّ حالٍ، من بادكوبة التي هي كانت في حينه تحت السيطرة السوفيتية, الآن باكو يسمونها, محل الشاهد فالشيخ صدرا البادكوبي من الفضلاء, وكان يدرس بالفارسيَّة طبعاً, وأنا كنت أحضر وأفهم, وكان دائماً يصبح عصبياً ليس على الطلاب, وإنَّما من سوء فهم العبارة, كان يصبح عصبياً, حقَّه).
ويقول السيد الجلالي: ( هذا الشيخ من أجلة الأعلام حضرت عليه قسماً من المكاسب ورأيت فيه من الإقبال على تلاميذه ما يقل مثله … وكنت أسأله عما يشكل علي من الأسفار وكان يشرحها ).
ويقول السيد عبد العزيز الطباطبائي: (وقرأت المنظومة على الحكيم الماهر الشيخ صدر البادكوبي ….. والشيء المشهود في سلوكه المغبوط عليه هو خلقه الرفيع وتواضعه الى جانب عال من الورع والتقوى …).
ويقول السيد القبانجي: (وهو من شيبة الحوزة العلمية وفضلائها ومدرسيها في النجف الأشرف، وكان شيخاً جليلاً في علمه الفقهي، متضلعاً في الفلسفة إلا أنه كان له طبع الانزواء ببعض الشيء، والتواضع في التظاهر في العلم، ولذا كان يقتصر على ما دون مستواه من الدروس الحوزوية، فيُدرس الكفاية والمكاسب والأسفار ونحوها، ولا يختار أن يُدرس الدروس العليا المسماة بدرس الخارج.
وكان المرحوم السيد محمد باقر الصدر أحد تلامذته، يحضر مع جماعة قليلة من الفضلاء عند هذا الشيخ الجليل في درس الأسفار من الفلسفة، وهو درس يقلّ فيه المتضلعون من الحوزة العلمية، وربما فشل العديد منهم في دراسة مبادئه فضلاً عن التعمق فيه، فأعرضوا عنه).
تتلمذ على يديه السيد محمد باقر الصدر في الفلسفة، واختلف في مدة التلمذة وكيفيتها:
(عندما صدر كتاب (فلسفتنا) تساءل بعض الفضلاء في الحوزة: «هل درس محمّد باقر الصدر الفلسفة كي يؤلّف في الفلسفة ؟ » ، فأجابهم الشيخ صدرا البادكوبي وكان حاضراً في المجلس : « لقد حضر عندي محمّد باقر الصدر ودرس ( الأسفار ) خمس سنوات » ، ففوجئ معظم الحاضرين بهذا النبأ).
وقيل إن السيد الخوئي أشار على السيد الصدر بدراسة الفلسفة :
( أشار عليه أستاذه السيّد الخوئي أن يدرس الفلسفة الإسلاميّة بالشكل المتعارف في الحوزة ، وطلب من الشيخ صدر الدين البادكوبه أن يعقد للسيّد الصدر حلقة خاصّة يدرّسه فيها كتاب ( الأسفار الأربعة ) لصدر الدين الشيرازي المعروف ب ( ملّا صدرا ) ، فاستجاب الشيخ البادكوبي بفعل ارتباط السيّد الصدر بخاله الشيخ محمّد رضا آل ياسين المرجع آنذاك ) .
(عندها باع السيّد الصدر وأخوه السيّد إسماعيل كتاب (الحدائق الناضرة ) في الفقه ليشتريا بثمنه كتاب _ الحكمة المتعالية _ المعروف ب ( الأسفار )، الأمر الذي أثار حفيظة بعض رجال النجف الأشرف، إذ هل يبيع أحدٌ من طلّاب الفقه يطمح أن يكون فقيهاً كتاب ( الحدائق ) ليشتري به كتاب فلسفة !).
وقيل: ( إنّ السيّد الصدر وجمعاً من تلامذة السيّد الخوئي طلبوا من الشيخ صدرا البادكوبي تدريسهم ( الأسفار ) . وبعد ضغوطات معيّنة، نزل عند رغبتهم).
اما كيفية الدراسة فقد قيل: (اشترط عليَّ أن لا يتابعني في التدريس الرتيب لهذا الكتاب، بل طلب منّي أن يقرأ عليَّ كلَّ يوم صفحات من هذا الكتاب، ويسألني عمّا أشكل عليه فقبلت، وأنهى دراسته للكتاب بسرعة على هذا الشكل) .
ويقال: إنّ الملاحظة الأساسيّة التي كان يبديها السيّد الصدر على أسلوب أستاذه البادكوبي هي أنّ الشيخ كان يقوم ببيان وتفسير الأفكار والآراء الواردة في ( الأسفار ) من دون أن يمارس تقويمها ونقدها.
وقال عنه السيد كلانتر والذي هو أحد طلابه:
(وكثيراً ما كان شيخنا الأستاذ آية الله الشيخ صدرا البادكوبي دام ظله، يمثل لنا في أن المصلحة تارة تكون في نفس الإنشاء بالأمر الصادر من القائد الحربي الروسي أيام نيقولا عندما أمر جيشه، وكانوا ثلاثمائة جندي ألقوا أنفسهم في بحر (بادكوبة) عندما يأتي عامل إيران السلطان ناصر الدين شاه القاجاري بدعوة رسمية صادرة من بلاط الإمبراطوري الروسي لزيارة روسيا، فلما جاء الملك الجاري ذكره أمر القائد جيشه بإلقاء أنفسهم في البحر حتى ماتوا فألقوا حالاً، فدهش الملك ومن كان في صحبته بإلقاء الجيش أنفسهم في البحر ليس فيه مصلحة ترجع إلى الملقى، بل المصلحة راجعة إلى نفس الإنشاء، وهو الإلقاء في البحر، حيث أراد القائد إظهار عظمة إمبراطور روسيا ليتنازل عامل إيران عن المرتبة التي طالما كانت روسيا تريده، فتنازل حالاً).
ترك الشيخ صدرا البادكوبي حواشي على الأسفار وشرحا للكفاية، وكتب مقدمة لحل الطلاسم للشيخ محمد جواد الجزائري والتي رد فيها على طلاسم إيليا ابي ماضي نقتبس منها: ( فإن الفكر والنظر والبحث البحت إذا لم تنتم للكشف والشهود ولم يتنور القلب بالعلم الموهبي الوجداني وبعين اليقين، فجميعها ظلمات بعضها فوق بعض … .. والفرق بين الطلسم والحل هو ، أي الطلسم حصر واقتصر نظره الى عالم الطبيعة ، والحل نظر الى كلا العالمين الإلهي والطبيعي. الطلسم ذو عين واحدة والحل ذو عينين).