الاجتهاد: يتفق الباحثون والناشطون في مجال الدولية الإسلامية بشكل أو بآخر على النجاح الواسع والتأثير المؤثر لآية اللّٰه الشيخ محمد علي التسخيري، ومع ذلك، لم تتم مناقشة أسباب هذا المستوى من النجاح وسر هذا الحجم من التوفيق.
كان لي معه العديد من الرحلات وشاركت معه في الكثير من المؤتمرات، وكانت هذه الرفقة فرصة لي لمراقبة شخصيته عن كثب وعن قرب، والتطلع بكل شوق في خطاباته ومواقفه وآرائه وأفكاره وأولوياته وشغفه وعواطفه وأخلاقه وعزمه وجديته وعمله الجاد، وخاصة سياسته التفاعلية والتقريبية.
بمناسبة الذكرى الأولى لوفاة هذا الفقيه المصلح، سأقدم وصفًا لبعض جوانب شخصيته وسلوكه بناءً على ما حصلت عليه منه.
مثل غيره من العلماء، كانت لدى آية الله التسخيري أسئلة حول الجذور والسياقات والاتجاهات والعوامل التاريخية للفرقة؛ لكن هذا الصراع بالنسبة له في ظل الاهتمام الجاد بالأفكار القرآنية السامية والعظيمة حول الوحدة وأيضًا أجزاء سيرة أهل البيت عليهم السلام كان مكانًا لأن يشكل تجاهه مسؤولية أساسية وفعالة وناشئة من منظور مصالح التعايش المجتمع الإسلامي، ونتيجة لذلك، بدلاً من أن يكون سلبيًا في مواجهة التاريخ، يتحول التحيز إلى الابتكار والمبادرة في تقديم حلول فعالة من أجل توسيع التواصل وتطبيع علاقات علماء الأمة مع بعضهم البعض لصالح دين الإسلام وأمته.
لم يكن لديه نظرة جافة إلى المؤتمرات التقريبية والفقهية، ولم يعرّفها في ذهنه على أنها قوقعة خالية من المحتوى، فقد حدد وصنع وبلور شخصيته الفقهية في أجواء وضمن سياق حركة تقريببة مقارنة تهدف إلى التقارب والتعاون.
لذلك لم يكن يعتبر الشيخ التسخيري ممارسة الرأي والنشاط في مجال الفقه المقارن هواية أو عمل احتفالي أو عمل انتهازي، بل كان يفكر في جو الأمة بفقه الأمة وكان يجلب للأمة قدرات الفقه الشيعي على أنه جزء مهم من الأمة، ويطرحها ويصرفها لصالح التقارب الفقهي الذي يحتاجه العالم الإسلامي اليوم بكل مذاهبه، وقد صنع في هذا الصدد نمطا جميلاً في مجال كيفية الحضور في الفقه المقارن.
كان يتصرف في المؤتمرات بذكاء ووعي وهدوء وتحسيس وتفاعل.
كان يستمع بعناية إلى الأصوات في الاجتماع ويتابعها، وربما يقدم تعليقًا هادفا ومفيدا في سياق مستمر وكجزء من حركة أساسية في الجلسة العلمية والفقهية.
وكان إذا وصل الفضاء السائد على اجتماع أو مؤتمر إلى طريق مسدود من التحيز أو الغموض أو التوتر أو التعصب، فإنه كان يكسره بمهارته وصدقه وفضله وذكاءه، وكان يدفع أجوائه نحو الانسجام والشفافية والطمأنينة.
كانت الفصاحة والحكمة والذكاء والنجابة حاضرة وواضحة وفاعلة في شخصيته وتعاملاته وسلوكياته، فلذلك كان خطيبًا قويا، حكيما منظرًا، مجتهدًا لطيفا، فقيهًا مهذبا ومصلحا صادقا.
كان ينبعث من داخله المتسم بالحكمة والوعي والنقاء والألفة واللياقة عزم على الحضور المؤثر والمقرب والموحد بين امة محمد (صلى اللّٰه عليه وآله).
كان لا يعمل لنفسه ابدا، ولا يسمح لنفسياته أن تقوده إلى تفاعلات غير عقلانية وتعاملات مثيرة للاشمئزاز.
من بين خصائصه تشخيصه الدقيق لبيئة حياة الامة، وحسب هذا التشخيص كان يتصرف عند الضرورة بدقة وشفافية وبدون جدال.
إن رفقة العقل مع حنان القلب، ورفقة الفكر مع نقاء النفس في التسخيري جعلتا منه شخصية متحركة ومصلحة ومتفاعلة.