الحج بين التدويل

الحج بين التسييس والتدويل.. بقلم حافظ الميرازي

مثلما يهب العالم الإسلامي دفاعا عن المسجد الأقصى وحرية الوصول إليه، دون قيود سياسية أو حصة لعدد المسموح من المسلمين بزيارته (مثل واحد من كل ألف سنويا حسب حصة الحج المحددة سعوديا.. وبتصرف سياسي وتجاري) سواء خضع للإسرائيليين أو الفلسطينيين، فمن الأولى أن يكون لنا حق وحرية الوصول للأماكن المقدسة في مكة والمدينة، خصوصا أنها خلافا للقدس، فريضة على المسلم سنياً أم شيعياً. بقلم حافظ الميرازي *

الاجتهاد: غريب توقيت الخبر، أن حكام السعودية لديهم استعداد حاليا بل وخطط لتحرير مناطق شاسعة بآلاف الكيلومترات من شواطئ بلدهم على البحر الأحمر لتكون كعبة السائحين الأوروبيين والعالم لزيارتها من دون تأشيرات مسبقة وبلا قيود أو مضايقات المطوعين الوهابيين، فلن يتدخل أحد في حياتهم أو زيهم أو زيهن، بدءا بالبكيني، ولا بمطعمهم أو مشربهم أو دينهم إن وجد، حسب مشروع البحر الأحمر ضمن خطة التنمية الاقتصادية 2030 الطموحة لولي العهد السعودي الشاب محمد بن سلمان، حتى فتح بلاده على العالم وفق المعايير الدولية لمواكبة الحداثة.

لكن وزير الخارجية السعودي الشاب المتعلم غربيا وبلسان إنكليزي بليغ بلكنة نيويوركية عادل الجبير هب منذ بضعة أيام مهددا بالويل والثبور وعظائم الأمور تجاه ما اعتبره إعلان حرب لأن معلقا سياسيا أو إعلاميا في قطر، وليس مسؤولا حكوميا، تحدث عن بدائل واقتراحات تدويل الأماكن المقدسة في السعودية التي سبق أن أثارتها إيران وكذلك الرئيس الليبي المنحور معمر القذافي، ردا الآن على تسييس السعودية للحج والقيود الموضوعة مؤخرا على حجاج الدولة الوحيدة ذات المذهب الوهابي غير السعودية وهي قطر، لمجرد خلاف سياسي لم تعد حتى أسبابه مقنعة لوزير الخارجية الأميركي الذي أعيته الوساطة والدبلوماسية المكوكية خليجيا.

إذا كانت كلمة التدويل تثير حفيظة حكام السعودية لهذه الدرجة، فلنتحدث بنفس منطق السياحة الشاطئية، ولتكن سياحة لبس البكيني وليس لبس الإحرام، التي يخطط لجذب مليون سائح منها بحلول عام 2035 نائب خادم الحرمين الشريفين. لم لا تطبق على مناطق مكة والمدينة قوانين ما يسمى استثماريا بالمناطق الحرة.

ورغم أن الفاتيكان أو المسجد الأقصى أو حائط المبكى أو قم أو كربلاء لا يمنع دخول غير المسلمين إليها، فلنسمح على الأقل لكل مذاهب المسلمين السنة الأربعة والشيعة الثلاثة الرئيسية أو أكثر بزيارة وممارسة الحج حسب طقوسها بدلا من احتكار المذهب الوهابي المتشدد كيفية ممارسة الحج حتى على السنة من المالكة والشافعية والحنابلة والحنفية، فأغلبهم سيسمح مثلا للحجاج أن يرموا الجمار في أي وقت ولو ليلا بدلا من التفسير الوهابي المتعسف الذي يودي بحياة الآلاف لعدم التسهيل في ممارسة الحج.

ولم لا يسمح لا أقول للشيعة فقط من الحجاج بل حتى للحجاج المصريين السنة الزائرين للحرم النبوي الشريف في المدينة لتقبيل أبواب وضريح نبيهم الكريم عليه السلام سواء متأثرين بالحقبة الفاطمية الأزهرية في تراثهم الديني الأقدم بقرون من الزمن مقارنة بفترة الشيخ النجدي محمد بن عبدالوهاب بل وحتى منذ عهد الفقيه ابن تيمية،الذي يستند الوهابيون إليه في تحريم زيارة المسجد النبوي، إن كانت نية الزيارة هي قبر رسول الله وليس المسجد فقط! لو قارنّا عدد السنوات التي سيطر فيها الوهابيون مع السعوديين على الحج في مكة والمدينة مقارنة بفترة إدارة المصريين للأماكن المقدسة في مكة والمدينة ستذهل بعضنا الأرقام:

منذ أنشأ جوهر الصقلي مدينة القاهرة في عام 968 ميلادية وقبلها بعقد، والحج وأماكنه المقدسة تتبع الحاكم في القاهرة حتى عام 1925، باستثناء 73 سنة حكمتها الدولة السعودية الأولى من 1744 بين الشيخ النجدي محمد بن عبدالوهاب وأمير الدرعية محمد بن سعود.

وهي التي شهدت ممارسات تفوق داعش من حيث تحطيم وهدم أضرحة صحابة رسول الله وتكفير وقتل من يختلف معهم في المذهب من السنة، ناهيكم عن خشية شيعة ما يعرف الآن بالأراضي السعودية في الأحساء وعسير والطائف ونجران وغيرها، من الحج في مكة والمدينة مخافة التكفير والقتل، بينما لم تفعل الدولة الفاطمية الشيعية ذلك وهي تدير الحج من القاهرة، ولم يفعل الأيوبيون بعدهم ذلك، ويكفي بعد ذلك في عهد المماليك بمصر أن السلطان قايتباي أنشأ ملحقا بالحرم المكي الشريف لتدريس المذاهب السنية الأربعة، مثلما يجد الزائر لقلعة قايتباي في الإسكندرية هذا الصحن المتفرع في جوانبه الأربعة أماكن معلمي ومريدي المذاهب الأربعة واستمرت مهمة والي مصر في عهد الدولة العثمانية للإشراف على الحج والحجاز.

وعندما ضعفت الدولة العثمانية، وتمكن الوهابيون من السيطرة مع أمير الدرعية على الحج، استعانت الأستانة بوالي مصر المستقل القوي محمد علي لوقف الاعتداءات التي يتعرض لها الحجيج وتعصب وتطرف الوهابيين، فأرسل والي مصر ابنه إبراهيم باشا ليهزم الدولة السعودية الأولى ويحطم عاصمتها النجدية في الدرعية عام 1818.

ورغم عودة الدولة السعودية الثانية سياسيا بعد عامين لتحكم في نجد فقط وليس الحجاز وبأجندة سياسية دون مذهبية وهابية، فلم تنازع مصر في إدارة الحج والإشراف عليه حتى حل محلهم في الحكم آل رشيد من 1882 حتى عودة الدولة السعودية الثالثة في عام 1901 وفي تحالف سياسي/ديني، سعودي/وهابي بين عبد العزيز آل سعود وآل بن عبد الوهاب.

وعادوا يحطمون ويهدمون الأضرحة والآثار النبوية التي أعاد العثمانيون بناءها. وعادوا يفرضون طقوس وتفسير المذهب الوهابي المتطرف والتكفيري لمشاعر الحج وتحديد المسموح لهم بممارسته، وهي ممارسات لم تمتد لمكة والمدينة إلا بعد وصول حكم السعوديين إليها عام 1925.

مثلما يهب العالم الإسلامي دفاعا عن المسجد الأقصى وحرية الوصول إليه، دون قيود سياسية أو حصة لعدد المسموح من المسلمين بزيارته (مثل واحد من كل ألف سنويا حسب حصة الحج المحددة سعوديا.. وبتصرف سياسي وتجاري) سواء خضع للإسرائيليين أو الفلسطينيين، فمن الأولى أن يكون لنا حق وحرية الوصول للأماكن المقدسة في مكة والمدينة، خصوصا أنها خلافا للقدس، فريضة على المسلم سنيا أم شيعيا. أو اعتبار منطقة مكة والمدينة منطقة حرة وتجارية الإدارة لا سياسية أو دينية، متحررة من قيود المذهبية والتطرف، ولخدمة سياحة الحجيج بما يدفعون بالمال وليس الولاء، وبدون منٍّ أو أذى!

*  صحفي مصري، عمل في عدد من المؤسسات الإعلامية بينها بي بي سي وقناتي الجزيرة والعربية

المصدر: الحرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky