مفهوم التعليم الديني : لا يوجد اتفاق حول تعريف التعليم الديني في العالم الإسلامي، ولا تحديد دقيق للإطار الزمني الذي ظهر إبانة هذا المفهوم. عرفه أحد الدارسين: «هو التعليم الذي كانت تعقد حلقاته بالكتاتيب القرآنية، والمساجد، والزوايا، وله أهمية كبرى في الحفاظ على هوية الأمة، وأصالتها، وتراثها العلمي والحضاري منذ الفتح الإسلامي إلى اليوم.
الاجتهاد: نستعرض، في هذه الدراسة، تطور التعليم الديني الإسلامي، منذ حلقاته الأولى في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، إلى أن أضحى مؤسسة تعليمية قائمة الذات، ومكتملة الشروط، وواضحة المعالم والصفات، والتي تجعلها ظاهرة بارزة، وبنية طويلة الأمد في تاريخ التعليم الإسلامي منذ النشأة وإلى زماننا هذا، مع الوقوف على أبرز الأسباب والظروف التي كانت مسؤولة عن انتكاسة التعليم الديني الإسلامي، وكذا أهم المحاولات الرامية إلى إصلاحه، أو عصرنته.
و عموماً يمكننا استعراض بعض التعاريف التي وضعها الباحثون المحدثون؛ فقد عرف خالد الصمدي وعبد الرحمن حللي هذا المفهوم؛ انطلاقا من مبدأ الفصل بين تدريس العلوم الشرعية من جهة، والعلوم العقلية من ناحية أخرى، وهذا الفصل كان في واقع الأمر من المظاهر التي أحدثها التغلغل الاستعماري في الأقطار الإسلامية، وهو قولهما: عرف العالم الإسلامي ظهور مصطلح «التعليم الديني» إلى جانب «التعليم العام العصري» في بداية فترة الاستعمار، نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حين تم الفصل بين العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم البحتة، وبين علوم الشريعة واللغة العربية في مناهج كبريات الجامعات الإسلامية في القاهرة وفاس والقيروان، بعد أن كانت المناهج التعليمية في هذه الكليات مندمجة ومتعددة التخصصات، يدرس فيها إلى جانب علوم الشريعة واللغة من فلسفة النظرية التربوية الإسلامية القائمة على وحدة الهدف من باقي العلوم، وهو معرفة الخالق، وسياسة الكون بمنظور الاستخلاف»
بينما عرفه أحد الدارسين انطلاقا من فكرة نوعية المؤسسات الدينية والتعليمية التي تحتضن تلقين الطلاب والمريدين، حيث يقول في هذا التعريف ما يأتي: «هو التعليم الذي كانت تعقد حلقاته بالكتاتيب القرآنية، والمساجد، والزوايا، وله أهمية كبرى في الحفاظ على هوية الأمة، وأصالتها، وتراثها العلمي والحضاري منذ الفتح الإسلامي إلى اليوم.
إن تاريخ العلوم والحضارة العربية الإسلامية هو، في واقع الأمر، تاريخ تعليمه الديني في مختلف مراحله، بالنظر إلى ارتباط العلم والمعرفة الدنيوية بالشريعة والعلوم الدينية وفق مبدأ الاستخلاف، حيث نشأت حضارة المسلمين بنشأته، وازدهرت بازدهاره، وشهدت ضمورها بانحطاط التعليم عامة في دار الإسلام وانحساره، ثم في فقدان دوره، أخيرا ، في تكوين الطبقة العالمة والمتفقهة، وفي إنتاج النخب الفكرية والسياسية التي قادت المسلمين خلال عهود عزتهم السياسية، ونهضتهم الحضارية
فما الإرهاصات الأولى لظهور التعليم الديني، ونشأته، وتطوره في دار الإسلام؟ وهل أدت الحلقات المسجدية، والجامعات الإسلامية، والمدارس العتيقة الدور المنوط بها في تخريج طلبة العلم، وفقهاء الدين، وعلماء الأمة؟
وكيف حقق التعليم الديني غايات تأسيسه وترسيخه في صناعة قادة الأمة وزعمائها، وتكوين النخبة الفكرية والدينية في دار الإسلام؟ ثم ما العوامل الكامنة وراء أفوله وتراجع دوره الحضاري؟ وهل أسهمت المحاولات الإصلاحية المبذولة لإعادة هيكلته وتطويره في إعادة ضخ الروح إلى هذا الكيان المتداعي؟
جاء دين الإسلام الحنيف بمبادئ كونية سامية، في طليعتها الدعوة إلى طلب العلم بلا قيود تحد من آفاقه، ولا حدود تضيق من سعة شموليته لميادين المعرفة الإنسانية عامة، بما في ذلك علاقة الإنسان بخالقه، وبمجيئه إلى الدنيا، ورحيله عنها، وفق مشيئة الله سبحانه وتعالى، أو علاقة الإنسان ببيئته ومحيطه الذي یحیا داخله، وبالقرب منه، أو بعيدا عنه في آفاق السموات والأرض.
ومن ثمة يمكن تدبر آيات القرآن الكريم التي جاءت في الحض على التأمل في خلق الإنسان والكون، أو في النظر في طبيعة الأشياء، وفي صدارتها الماء الذي جعل منه الخالق، عز وجل، كل شيء حي، ثم في حض الإنسان على السير في الأرض، وتدبرتكوينها وتحولاتها من قبيل آيات الجبال والرياح والمزن، والنظر في أسباب معاش الخلائق فوق بسيطتها، وتسخيره سبحانه لهذه الأسباب مثل آيات الإبل، والأنعام، والزراعة، والتجارة، والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس
ومن الطبيعي أن يترتب على دعوة الإسلام إلى طلب العلم والمعرفة بجميع السبل، وفي شتى الميادين، عمل المسلمين منذ فجر الدعوة الإسلامية، وعصر النبوة المحمدية، على تحصيل موارد العلم الأولى متجلية في حلقات كان نبي الهدى صلى الله عليه وسلم وصحابته يعقدونها لتفقيه المسلمين في أمور دينهم، وصلتهم مع الله جل جلاله، وفي معاشهم وأحوالهم مع أنفسهم، ومع ذويهم.
لقد جاء في القرآن الكريم أمر صريح إلى المسلمين، يدعوهم إلى تفرد طائفة منهم، واختصاصها بالتفقه في الدين، وتعليمه للمسلمين كافة.
وورد في الحديث النبوي الشريف ما يحض المسلمين على اتخاذ المساجد وكان موضعا لتعلم القرآن، وتعليمه. كما جاء فيه استحباب الاجتماع في بيوت الله لتلاوة القرآن وتدارسه. وکان الصحابة يتفاضلون فيما بينهم -بعد فضل التقوى- في علمهم وأسبقيتهم إلى الإسلام . ولقد روى في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ بأذن ابن عباس، وهو ابن سبع سنين، أو ما قاربها، فقال: « اللهم فقهه في الدين و علمه التأويل والمتأمل في طرق رواية الحديث النبوي الشريف، يجد طائفة من الأحاديث المروية على لسان الصحابة والتابعين؛ موطنها، وموضع روايتها كانت هي المساجد الأولى في الإسلام، خلال حلقات الدرس، والوعظ بها.
كما أن حکم فک الأسرى في الإسلام، خلال عصر الفتوحات الإسلامية الأولى، لم يكن يستند على أساس مادي، وإنما على اشتراط تعليم الأسير لعامة المسلمين الكتابة والقراءة، مقابل إطلاق سراحه، هذا إن لم يعتنق الإسلام، ويندمج في أمته
محتویات المقالة
الملخص
توطئة
عوامل ظهور التعليم في دار الإسلام
مفهوم التعليم الديني وظهور حلقاته المسجدية الأولى
نحو مأسسة الحلقات المسجدية:
1 – جامع الزيتونة
2 – جامع القرويين
3 – جامع الأزهر
التعليم الديني بين الحلقات المسجدية و الفصول الدراسية
تراجع دور التعليم الديني و محاولات الإصلاح
الخلاصة
قائمة المصادر والمراجع
عنوان المقالة: التعليم الديني من الحلقات المسجدية إلى المأسسة
نشر هذا البحث في كتاب «تجديد التعليم الديني: سؤال الرؤية والمنهاج»، إشراف وتنسيق محمد جبرون، مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والابحاث، شتنبر )2016
تأليف: عبدالسلام الجعماطي
باحث مغربي
للتحميل