الاجتهاد: في سياق الدراسة الفقهية حول التعامل مع فيروس #كورونا، تطرق الأستاذ الدكتور أحمد مبلغي ثلاث خطوات. الخطوة الأولى: التعرف على الموضوع والذي ذكر فيه أبرز الخصائص المتعلقة بهذا الفيروس. والخطوة الثانية: اعطاء الحيثية الفقهية للموضوع.
وفي ما يلي نقدم الخطوة الثالثة في هذا السياق:
الخطوة الثالثة: حكم التعامل مع كورونا الفقهي:
نقطة تمهيدية:
يمكن تقديم فقه الموضوع (أي موضوع كان) بطريقتين:
الأولى: الحركة من الأعلى الى الاسفل؛ أي عرض القواعد والضوابط (أو سائر الحجج) وتطبيقها على فروع الموضوع.
الثانية: الحركة من الأسفل نحو الأعلى؛ أي أن نبدأ بطرح فروع الموضوع ونستمر بالبحث على اساس التمسك بالقواعد والحجج بهدف الكشف عن احكام هذا الموضوع.
هذه الطريقة الثانية هي الطريقة المألوفة والرائجة في البحوث الفقهية، وهي أكثر فائدة لانجاز الكثير من هذه البحوث، ولكن الذي يكون مفيدًا وفعالًا على المستوى التعليم المجتمعي العام، هو ما يتمثل في الطريقة الاولى؛ أي: وضع القواعد أولاً، ثم تطبيقها على القضايا ثانيا. ذلك أنه توجد في هذه الطريقة، قوة تعليمية على المستوى المجتمعي، وقدرة تعزيزية للمهارة الفقهية، وقوة خلق المزيد من الانضباط والانسجام في الرؤى الفقهية او النظر المجتمعي الى الفقه.
في هذا العرض الموجز (الذي يتم حول فقه التعامل مع مرض كورونا) اختار هذه الطريقة الاولى.
القواعد الفقهية القابلة للتطبيق على موضوع كورونا:
ساتناول جملة من القواعد التي يمكن تطبيقها على موضوع التعامل مع فيروس كورونا:
القاعده الاولى: حرمة التعاون على الاثم والعدوان.
وهذه القاعدة ماخوذة من الآية الشريفة المعروفة: “ولا تعاونوا على الاثم والعدوان”.
▪️أهمية القاعدة
إن هذه القاعدة، من أهم القواعد المهمة القرآنية التي لها مظلة واسعة وشاملة للغاية يمكن أن تنتشر على حياة الإنسان المتطورة، وعلى مختلف مجالاتها وسياقاتها الاجتماعية.
وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من التوجه الى هذه القاعدة في الفقه وتطبيقها في جملة من المجالات، فإن الذي نشاهده في الفقه من ميزان تطبيقها، لا يتوافق مع مدى أهمية وتنوع ودقة وعمق وسعة وشمولية محتواى هذه القاعدة.
▪️ تطبيق القاعدة على الموضوع:
وهذه القاعدة من حيث بنيته المضمونية، تستعد وتصلح بشكل بارز، لكي تُطبَّق على مثل حالة نشر مثل مرض كورونا، والدور الذي يلعبه الأفراد في هذا النشر.
وهذا التطبيق يتبين بالالتفات الى النقاط التالية:
النقطة الأولى: ان معنى كلمة التعاون في هذه الآية – والذي من باب التفاعل- هو اجتماع مجموعة على ايجاد امرٍ مّا، يقول الفقيه المحقق الخوئي: “التعاون عبارة عن اجتماع عدة من الأشخاص لايجاد أمر من الخير أو الشر ليكون صادرا من جميعهم، كنهب الأموال وقتل النفوس، وبناء المساجد والقناطر”. (مصباح الفقاهة، ١: ٢٩٢)
النقطة الثانية: المعيار لتشكيل معنى التعاون:
ما يمكن أن يكون مقياسا لتشكيل معنى التعاون، هو توفر عنصرين:
أولا: أن تصدر من الجميع (أو الاكثرية) أفعال تجتمع وتتفق على إنشاء أمر ما.
ثانيا: كان الجميع عند قيامهم بالفعل، يعلمون ان الامر الذي يحدث مسبَّب عن اجتماع أفعالهم.
النقطة الثالثة: للتعاون صورتان إثنتان :
إن اجتماع الناس على فعلٍ مّا، يتم بإحدى صورتين:
الصورة الأولى: ما هو من سنخ التواطؤ: وذلك فيماإذا تم من قبلهم تواطؤ وتوافق على إصدار فعل ما، كاجتماعهم علي انشاء عمل برّ، مثل الجسر أو المسجد، أو عمل إجرامي مثل نهب مال ما، او الحاق الضرر على شخص ما. وهذا السنخ ما يمكن ان نسميه بالتعاون البسيط.
وتجدر الإشارة الى أن الذي تَشَكَّلَ وظهر تحت عنوان “التعاون على شيء” في الفقه الكلاسيكي، هو التعاون الحاصل بهذه الصورة.
الصورة الثانية: ما هو من سنخ العملية الاجتماعية:
يتم ذلك إذا تصرف الجميع بشأن قضية اجتماعية، بطريقة يتصرف بها الآخرون أيضًا، وتجتمع هذه السلوكيات لتصبح كيانًا واحدًا وتشكل عملية اجتماعية واحدة، مما يجعل نتيجة هذه العملية منسوبة إليهم.
وهذا السنخ ما يمكن ان نسميه بالتعاون غير البسيط، وهو توجد له مصاديق متعددة ومتنوعة، ويتم كثيرا في القضايا الاجتماعية الحاصلة في ظل الظروف المعقدة الحالية من الاقتصادية والثقافية والسياسية …. بل الأمراضية.
والمدعى -الذي أصِرّ عليه- هو أن التعاون البارز والحاصل عبر هذه الطريقة داخل ومدرج في موضوع الآية، (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) أيضا، ولكن بشرط حصول قيد، وهو أن يكون الأفراد الذين يشاركون في إنشاء العملية الاجتماعية، عالمين بأن تصرفاتهم، متزامنة بعضهم مع البعض، وأنها هي التي تصنع وتخلق العملية الاجتماعية المنتهية الى حدوث شيء ما (مثل انتشار مرض ما)، وعليه فهذا ايضا تعاون منهم، وتشمله الآية.
النقطة الرابعة: يمكن تطبيق فقرتي الآية على موضوع نشر كورونا:
إن الجزء الأخير من الآية (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) تتضمن فقرتين:
– فقرة “التعاون على الاثم”.
– فقرة “التعاون على العدوان”.
فكلتا الفقرتين يمكن تطبيقهما في المقام:
أ) تطبيق فقرة التعاون على الاثم على الموضوع:
إنه من الواضح أن الأفعال التي تسبب انتشار هذا الفيروس، يكمن فيها الإثم، وحيث إن هذه التصرفات ليست لزوما فعل شخص واحد، بل يمكن (وهو العادة والحالة النوعية) أن تكون من الأفراد، فممارسة هؤلاء الأفراد لسلوكيات تنشر هذا الفيروس القاتل، هي تعدّ من مصاديق التعاون على الإثم، فيماإذا علموا أن أفعالهم كمجموعة هي التي يرجع اليها الدور في نشر وشيوع هذا المرض.
وببيان آخر، ليس هناك شك في أن اتخاذ السبب الذي يؤدي إلى موت مجموعة أو مجموعات من الناس، هو فعل يكون فيه أثم كبير ، وإذا كان هذا السبب حاصلا من مجموعة من السلوكيات المتزامنة التي يفعلها جملة من الأفراد، فإنه ينطبق على أفعالهم هذه، عنوان التعاون على الاثم، فيما اذا علموا هذه السببية الحاصلة منها.
ب) تطبيق فقرة “التعاون على العدوان” على الموضوع:
هذا يعلم بالنظر الى ثلاث مقدمات:
الأولى: معنى العدوان في الآية:
يقول صاحب الميزان: “هو التعدي على حقوق الناس الحقة بسلب الامن من نفوسهم أو أعراضهم أو أموالهم”.
الثانية: إن العدوان الأبرز والأكثر خطورة، هو العدوان على حياة الانسان.
الثالثة: ان العدوان على حياه الانسان قد يتم من شخص واحد، وقد يتم من مجموعة متواطئة على قتله، وقد يتم من قبل أفراد مجتمع مّا، وهذا الثالث يتم فيما إذا وقعت من قبلهم مشاركة معاً في خلق عملية تنتهي الى موت الغير، وكانوا يعلمون أن أفعالهم كمجموعة هي التي تتصف بالسببية للعدوان.
تطبيقات القاعدة في موضوع كورونا:
في قضية كورونا، يمكن اعتبار الأفعال التالية بمثابة المصاديق لعنوان “التعاون على الاثم والعدوان”، إلا أن بعضها مصاديق قطعية له، وبعضها احتمالية قابلة للدراسة:
١ – اقتراب الشخص الذي لديه هذا المرض من غيره.
٢- اقتراب الشخص الذي مشكوك بالاصابة بهذا المرض من غيره، فيماإذا كان لديه بعض العلامات مثل السعال أو العطس.
٣ – تشكيل الأفراد للاجتماعات، خاصة اجتماعات متراكمة.
٤ – السفر من مدينة أو منطقة موبوءة إلى مدينة أو منطقة أخرى غير موبوءة، مع قطعية بل مع إمكانية نقل المرض إلى تلك المدينة أو المنطقة.
٥ – احتكار الوسائل اللازمة لتأمين الاحتياجات الصحية تجاه هذا المرض في المجتمع.
٦ – المصافحة مع الغير، او الاجتماع معه دون مراعاة المبادئ الصحية.
٧ – عدم مراعاة أساسيات النظافة الشخصية.